«إنه قدري أن أموت صغيرا، لن أشهد النصر، لن أعيش يوما واحدا ولا ساعة واحدة في مواسم نصرنا المشرق، أنا أعتقد أنه بموتي أكون قد فعلت كل ما هو واجب علي فعله، ولا يوجد أحد في العالم يمكنه ان يطلب مني اكثر».لم تكن هذه وصية احد إرهابيي ( تنظيم الدولة) أو غيرها،بل كانت وصية الناشط الروسي جرنفتسكي عضو منظمة ارادة الشعب الذي نفذ عملية اغتيال الكسندر الثاني بالقاء قنبلة عليه من مسافة قريبة تسببت بالطبع بمقتلهما معا.وفرت عمليات القتل الأعمى التي تطال الأبرياء على امتداد كوكبنا سواء عبر تفجيرات انتحارية تقتل بلا تمييز كنموذج تنظيم الدولة المخترق استخباراتيا من النظامين السوري والإيراني فرصة ذهبية للتغطية على إرهاب افظع وابشع هو إرهاب الدولة عبر عمليات القصف الجوي على طريقة الارض المحروقة كما يفعل كل من الاحتلال الإسرائيلي ونظام الدكتاتور بشار الاسد وكما فعل الاحتلال الامريكي في العراق والروسي في افغانستان، والتي اوقعت بالطبع من الضحايا الابرياء ما لا يمكن مقارنته بضحايا العمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم الدولة.أرادت إسرائيل أن تشيطن العمل الفدائي الفلسطيني وتنسف جذوره الثقافية والاخلاقية لأنها عانت منه عسكريا ونفسيا عبر الربط بين المقاومة الفلسطينية وتنظيم الدولة، وانصار النظام الديكتاتوري السوري يريدون ان يخففوا من بشاعة الفظائع التي ارتكبها النظام المجرم ويدعشنوا شعبا بأكمله قتل منه اكثر من ربع مليون وهجر عشرة ملايين اغلبهم في القصف الجوي الآثم، عبر القول للعالم ارجوكم لا تنظروا الي انظروا إلى تنظيم الدولة !! ولكم ان تختاروا احد وجهي العملة البشعة !! ،في حين يريد يمينيو الغرب تنميط الارهاب بحيث يكون إسلاميا ليعوضوا عداءهم الحضاري للإسلام الذي اكتسح اوروبا دون سيف ومما يندى له الجبين أن ينبري لإدانة الشهداء حفنة من الببغاوات من متطرفي الليبراليين العرب الذين يكنون عداء للأديان ويتناولون الموضوع بشكل غرائزي وسطحي يفتقر إلى الخبرة العسكرية والقراءة المتأنية خالطين بين العمل الاستشهادي بوصفه سلاحا حربيا ناجعا واخلاقيا وبين استهداف الأبرياء فبدلا من تحديد الهدف باشتراط كونه مشروعا يدعشن هؤلاء الاستشهاديين بوصفهم( منتحرين مهووسين دينيا )او اقرب إلى الادمان !!! يقول الدكتور روبرت بابي من جامعة شيكاغو (من المحتمل ان هناك اهمية للدوافع الدينية لكن العمليات (الارهابية الانتحارية ) ليست محصورة في الحركات الإسلامية فقائدة العالم في العمليات الانتحارية هي منظمة نمور التاميل في سريلانكا وتتبنى ايديولوجية ذات عناصر ماركسية ولينينية و40%من عملياتها (انتحارية )!!يعرف المؤرخ الامريكي جفري وليام لويس العمل الاستشهادي من الناحية العسكرية المحضة على انه نوع من المهمات التي يتطلب تنفيذها موت منفذها بشكل لا شك فيه أو غالب جدا وهي نوع من السلاح وتكنولوجيا عسكرية بديلة تستعمل العنصر البشري لتعويض فرق القوة العسكري الموجود عادة بين جيش نظامي محتل وقوى مقاومة محلية.وهذا يشمل كل انواع المهمات وسواء بالأحزمة الناسفة أو الاشتباك المباشر أو اثناء الاستطلاع،وهي بهذا المعنى حاجة ميدانية طبيعية يعرف كل من خاض عملا أمنيا أو عسكريا في حياته انها ضرورة ميدانية لا يمكن تجنبها بل انها استعملت من اغلب شعوب الأرض كما يروي التاريخ، ويقال ان اقدمها هو ما يرويه العهد القديم عن شمشون الذي هدم المعبد على رأسه وعلى رأس اعدائه في حين يرجعه آخرون إلى أيام الحروب الصليبية في حادث التصادم البحري بين فرسان صليبيين صدموا بسفينتهم سفينة مسلمة فقتل منهم 140 وقتل من المسلمين ضعفهم وهذا النوع من العمليات استخدم في الحرب الأهلية الاسبانية واستخدمه الهنود ضد الاحتلال البريطاني حيث كانت مجموعات من الفدائيين تقطع خطوط الامداد اللوجستي للبريطانيين على سكك القطارات والكاميكاز الياباني في الحرب العالمية الثانية بعد ان تعرضت المدن اليابانية للابادة الوحشية على يد الاميريكيين والفيتناميين ضد الاحتلال الاميريكي ودخل الشرق الاوسط في القرن العشرين على يد امير الاستشهاديين احمد قصير الذي ضرب مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور موقعا 241قتيلا ومتسببا وحده بنتيجة ميدانية يحتاجها جيش اذ ادت هذه العملية إلى انسحاب الامريكيين والفرنسيين والاسرائيليين من لبنان، تتالت بعدها العمليات التي نفذتها منظمات يسارية وشيوعية على الساحة اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي قبل وبعد اجتياح 82 وعمليات حماس والجهاد الاسلامي وكتائب الاقصى في فلسطين.يقول الدكتور روبرت بابي من جامعة شيكاغو(يجب ان يتم التعامل مع المنظمات التي تستخدم هذه الطريقة على انها منظمات عقلانية تستخدم العمليات ( الانتحارية ) استخداما استراتيجيا لاهداف سياسية،الدول تستعمل الضربات الجوية العقوبات الاقتصادية والمنظمات تستعمل العمليات الانتحارية) وليس أقرب إلى المثال من عملية احمد قصير فبفضلها خرج الفرنسيون والامريكيون والإسرائيليون من لبنان والإسرائيليون من غزة وخضعت سيريلانكا لنمور التاميل.تشير دراسة قام بها أكثر من أربعين باحثا في جامعة كولومبيا ان اغلب من استعمل العمل الاستشهادي في التاريخ هي المنظمات التي كافحت ضد الاحتلال الأجنبي كما جاء في دراسة لأربعين باحثا من جامعة كولومبيا، وكان العمل الاستشهادي يتم تعريفه في الدراسات العسكرية على انه نوع من انواع السلاح والاستراتيجيات التي تعوض فرق القوة بين المحتل وبين قوى المقاومة، وتندرج ايضا في اطار ما يعرف عسكريا بالعمليات النفسية وهي العمليات الصاعقة التي تهدف إلى احداث صدمة عسكرية بايقاع عدد كبير من الضحايا منذ اول ضربة تتسبب في انهيار العدو معنويا وعسكريا وتعجل استسلامه وتعطي زخما معنويا للمقاومة من الناحية العسكرية والمعنوية .فاعلية العمليات الاستشهادية في ايقاع اكبر عدد ممكن من الخسائر في العدو وتعويض فرق القوة هو ما أدى إلى انتشارها بين حركات التحرر في العالم بوصفها سلاحا نوعيا وصحيح ان العمليات الاستشهادية هي 3% من مجموع العمليات العسكرية غير النظامية في العالم منذ العام 1980 إلى العام 2008 بحسب دراسة جامعة كولومبيا، إلا انها مسؤولة عن نصف عدد القتلى في هذه العمليات، وزرعت أربع عمليات استشهادية حالة من الرعب والذهول في كيان العدو ففي نهاية شباط/فبراير من العام 96 سقط أكثر من 64 قتيلا للعدوالإسرائيلي و300 جريح وفرضت حظر التجول على المدن الإسرائيلية داخل الخط الاخضر ونقلت المعركة إلى قلب كيانه في نتيجة فاقت ما أنجزته الحروب العربية الإسرائيلية ووصفها الجنرال كارمي غيون رئيس السابق لجهاز الشباك الإسرائيلي بانها «عمل محنك جدا». الكاميكاز الياباني عوض هزيمة الامة في الحرب العالمية الثانية عبر تحويل الطائرات الصغيرة إلى قنابل موجهة يقودها بشر،واعتبر ذلك نظام توجيه بشري للضربات الجوية، ولم يكن الموت هو الهدف بل الحاجة الميدانية لتوجيه السلاح،او لايصال السلاح المتوفر إلى أعلى مدى من الفاعلية والتأثير في العدو، ولهذا لم يظهر العمل الانتحاري عند الثوريين الأوروبيين إلا بعد ان اخترع الديناميت الذي يعادل عشرين مرة القوة التفجيرية للبارود، لكن كل العمليات التي نفذت به فشلت لصعوبة التحكم بتوجيه الموجة الانفجارية نحو الهدف ولصعوبة التحكم بتوقيت انفجاره بما يتناسب مع الهدف فكان ان تمت المزاوجة بين القنابل والعنصر البشري الموجه لها. باحثون عسكريون يرون أن نجاح العمل الاستشهادي في إحداث ضرر في العدو يتوقف على ثلاثة عوامل وجود الأفراد المستعدين للتضحية ووجود منظمة قادرة على تدريبهم بشكل يحدث الضرر الأعلى في العدو ووجود بيئة ثقافية تحترم هذا العمل وتمجده.غادة الشاويش
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة