سلاما نور الدين .. تلك هي الخاتمة. لم يكن الذين تقاطروا نحو مقبرة الرحمة مساء يوم الثلاثاء 23 مايو 2017م تبدو على وجوههم حسرة الفراق، ولوعة الفقد، بقدر ما كانت تعلوها نضرة من يزف عزيزا الى حيث يحب أن يكون، فهذا الذي جاءوا يودعونه لم يرهق أحدا، ولم يكلف أحدا مشقة أو عنتا ، كان أنيقا في تعامله معهم، سمحا ودودا، وحين دنت ساعته، أسلم الروح في طمأنينة وسلام. نور الدين محمد نور، وان شئت قلت الرجل الذي جعل من الابتسامة الصافية الوضيئة مدخله المهم لمواجهة الحياة والناس، مضت حياته العملية في صعوبة بالغة لكنه كان يواجها بذات الابتسامة، حين يغضب كان يبتسم، وحين تمر به أحرج الظروف كان يبتسم، وحين رأيناه في غرفة العناية المركزة بمستشفى الملك خالد كان مبتسما. وحين نادي المنادي أن يا نور الدين قد أكملت اليوم المشوار، كان مبتسما ابتسامته الوضيئة وسرت تلك الابتسامة الى القلوب التي جاءت تودعه وكأنها قد أدركت نهاية ذلكم المشوار، ولعلها نهاية تكون في جنة عرضها السموات والأرض، والناس شهود الله على الأرض. حين عاد من آخر إجازة له في السودان، كنا نلتقى في الجمعية، فما تعود أن يتأخر عن اية مناسبة تقام، فقد كان مجاملا الى أبعد الحدود، ومواصلا للجميع، ولعلي أذكر أنه لم يكن مرتاحا في وضعه الوظيفي، فكان يقرر العودة النهائية الى الوطن، ثم يعدل عن قراره، وفي آخر أجازة له عاد قبل عيد الفطر بأيام قليلة، وذلك لأن العمل لم يسمح له بأن يمدد أجازته لأيام معدودات، فعاد منكسر الخاطر، لكنه لم يفعل سوى أن ألقى على كل ذلك ابتسامة عريضة ثم مضى يمارس الحياة، وحين تناقشنا عن الوقت الذي سيحين على المغتربين ليتخذوا قرار عودتهم، كان يرى بأن هذا الحين لن يحل قريبا، وأن قدر المغتربين أن يتركوا للظروف تقرير مصير عودتهم، ثم كان الموت هو الذي وضع حدا لهجرة لم يستطع هو أن ينهيها بقراره. كان نور الدين زميل دراسة، بدأت منذ مدرسة جرادة، والى مدرسة بهاء الدين، ثم اصبحنا معا زملاء هجرة في هذه المدينة التي كتمت أنفاس البحر الأحمر، واسرجت لنا خيول الانطلاقة الى العوالم المجهولة ، والركض في ساحات الخواء، والصهيل في وادي لا يصل اليه الا النواح، كان يتذكر ويذكرني بتفاصيل حياة دراسية عشناها سويا، وكنت ولعلك تعجب حين أستمع اليه تنهض أمام ناظري كل تلك الصور والذكريات، فقد كان يروي أقوال الزملاء ويحاكيها بأصواتهم، خاصة أولئك الذين كان لهم حضور قوي في تلك الأيام، أخيه محمد محمد نور الذي كان معجبا به، وخاله عبد الرحيم محمد فضل سمه الذي تأثر بموته كثيرا وقد توفي عبد الرحيم بنفس الطريقة التي توفي بها نور الدين، غير أن نور الدين وجد من يسعفه حال تعرضه للنوبة، وعبد الرحيم لم يجد أحدا ليسعفه، ولكنها هي الحياة، وهي الساعة التي اذا جاء أجلها لا تؤخر ولا تقدم. لقد كان نور الدين يحب خاله عبد الرحيم جدا، وشكلت وفاته المفاجئة صدمة كبيرة له. نور الدين محمد نور، كان انسانا بسيطا جدا، من جملة البسطاء الذين ظلوا يحلمون ويعملون لحياة أجمل، قدم الى السعودية في وقت مبكر، منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وظل يجاهد فيها بحثا عن أمان وظيفي يعصمه من طوفان الحياة في وطنه، ويصارع مرض السكري والهموم، حتى اذا أعياه التحمل، لجأ الى مستشفى الحرس الوطني بجدة عسى أن يجد لديهم ما يزيح عنه ثقل ما تراكم في صدره من آلام وأوجاع، وقبل أن يبدأ الطبيب في فحصه أنهار وراح في غيبوبة طويلة لم يفق منها الا بعد عدة أيام، ثم استقرت حالته قليلا، استبشرنا بها لكنه سرعان ما انتكس مرة أخري وراح في غيبوبة أخرى لم يفق منها حتى وافته المنية عليه رحمة الله. ولعل من لطف الله ورحمته به أن هيأ له مكان استشفاء مثل مستشفى الملك خالد، وهو من أفضل المشافي في المنطقة العربية كلها، عناية فائقة، ودقة وانضباطا وحسن ترتيب، ولو قدر له أن يعالج في أي مركز طبي آخر، وخاصة المراكز الخاصة، لما استطاع أهل الزورات جميعا تحمل فاتورة علاجه، لكن نور الدين لم يحمل أهله الا مسافة الطريق الى المستشفى أو مقابر الرحمة في وسط جدة. ومن حسن خاتمة نور الدين ان امام المسجد الذي صلينا فيه صلاة الجنازة، أخّر إقامة صلاة المغرب قليلا، حتى اكتظ المسجد بالمصلين ، وهكذا صلى على نور الدين جمع غفير من المصلين، وقد قرأ الامام في صلاة المغرب آيات من سورة البقرة كانت عزاء حسنا لأهله واقاربه وأصدقائه المحبين : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" اللهم تقبل نور الدين سمه في الخالدين، اللهم تقبله في أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وماء مسكوب وظل ممدود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، اللهم وارحمنا اذا صرنا الى ما صار اليه، ربنا لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، وانا لله وانا اليه راجعون.
05-24-2017, 10:53 AM
مني عمسيب مني عمسيب
تاريخ التسجيل: 08-22-2012
مجموع المشاركات: 15691
بسم الله الرحمن الرحيم وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا صدق الله العظيم صادق التعازي لأسرة الأستاذ نورالدين محمد نور في الفقد الجلل نسأل الله ان يدخله الجنة وان يخلف البركة في الذرية صادق العزاء لكم أخي سيف الدين وعموم الأهل بالزورات ____ زين العابدين – الحليلة
05-24-2017, 01:02 PM
سيف الدين عيسى مختار سيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364
الاخ العزيز سيف .. طوال الايام الماضية كنت أحاول الاتصال بكم ولكن لم أتوفق .. يومياً أتواصل مع محمد عبده ولكن لم أسمع منه خبر وفاة هذا الأخ الكريم رحمه الله رحمة واسعة .. ندهو الله بالمغفرة والرحمة .. هي الغربة وهي الآجال .. اللهم صبر أهله .. لقد رسمت صورة يتخيلها كل مغترب بأنها ستكون النهاية
اللهم أغفر له وأرحمه وأجعل مثواه الجنة مع الشهداء والصديقين
إنا لله وإنا إليه راجعون .. لا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأن يسكنه الفردوس الأعلي من الجنة.. ويُلهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء.
لا حول ولا قوة إلا بالله .. تغمد الله نور الدين بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء .. العزاء لك أخي سيف ولكل الأهل بالزورات وأسرة الفقيد .. إنا لله وإنا إليه راجعون.
05-24-2017, 07:01 PM
علي دفع الله علي دفع الله
تاريخ التسجيل: 08-31-2012
مجموع المشاركات: 4740
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة