|
Re: فوضى المهرجان (نص قصصي) (Re: Dahab Telbo)
|
"2" بعد ذلك الجذب النصي الباعث للهث تتطايرت الايدي بتصفيق جنوني جعل جموع المارة في الباحة السوقية يحسوا بان هناك ثمة حدث ما مثير للفضول في الحلقة ذات الالوان الزاهية، تجمهروا بثيابهم المتسخة التي تنز عرقا بذرات غبار، بعضهم يحمل مخلاة بها كثير بضاعةٍ فاقدة للأهلية من صنع ايدي احفاد "ماو تسيتونغ" ،كنت قد اعلنت مرارا عدم ملائمة جلسة مثل هذه للساحات العامة في غرفة دردشة المجموعة ولكن حب بعض الكتاب لبائعات الشاي وادعاءات من شاكلة ادب الكادحين والانتماء الى قاع المدينة جعلت ذلك ممكناً ،تحلق الفضوليين وراء كراسي البلاستيك – زاهية الالون- مادين اعناقهم ببلاهة سخيفة ، همهمتهم المستفسرة منحت الحدث هيبة جعلت المقدم يعلن ترحابه بالجموع في (المؤتمر الفيسبوكي الأول للنصوص المهملة) ومن ثم استطرد مفسرا:النصوص التي لم تنال اي تفاعل رغم شهرة كاتبيها وتأثيرهم في الوسط الادبي على الشبكة العنكبوتية . صفق جموع الفضوليين بأريحية للإعلان -كأنهم يحيون المقدم ويقولون له شكرا للتوضيح- ومن ثم هيئوا انفسهم ليعيشوا الحدث بكل حواسهم .سأل احدهم بسخرية ( إذاً أين هو زِرُ الإعجاب ؟ حتى لا تظل هذه النصوص بدون اعجاب حتى بعد المهرجان ) ضجت الساحة بالضحك والتعليقات الساخرة،بعدها ساد هدوء قل ان يتوفر في مثل هذه التجمعات . همّ المقدم بنطق أمر قراءة النص الثاني ليقاطعه كاتب رث الثياب يحمل في يده جهاز موبايل نوع نوكيا قديم كان قد فرغ تواً من إنزال نصه على الفيس بوك ،هاتفاً: "ايها السادة لابد من أنكم لم توفقوا في اختيار المكان المناسب لمؤتمركم هذا ، يبدو ان عزلة نصوصكم جعلتكم أسيري الضوء لذلك ساقتكم الى مثل هذه الأمكنة الملأى بالرجرجة والجهلاء؛ ليس هذا مكاني سأغادر معتذرا وساحذف نصي من مجموعتكم حالما تسعفني الشبكة ". بعدها غادر مباشرة تاركاً بعض عملات معدنية على الطاولة -ما يساوي ثمن كوب القهوة - تباعا غادرت البنت ذات عباية الزعانف الخرزية بعد ان ذكّرت الحضور بتنبيهها الأول ، على حين غرة اخترق الحلبة صبي في العاشرة من عمره ووقف جائلاً يوزع ابتساماته على الحضور على طريقة النجوم ، كان الصبي يرتدي بلوزة سوداء باكمام قصيرة بها رسم اصفر في منطقة البطن وبنطال اسود ، يمتشق صندوق لتلميع الأحذية وبيده علبة ملمّع فارغة بها حصى كانت تصدر رنينا مع ابتسامته الجائلة ، حيته الجماهير الفضولية بمزيج من التصفير والتصفيق والصياح مثل مصارع في حلبة شعبية ، بدأ الطفل يعزف على علبة الملمّع الفارغة ذات الحصى وكأنها آلة أورقن ، عزف أكثر مقطوعات "ايمن الربع " شهرة ومن ثم غادر وهو يرسم إشارة الإعجاب بقبضة يده ، أحس المقدم أن الجمع الطفيلي سحب البساط من تحته وبدأ يقيم مهرجان شعبي بائس فشحذ كل ما أوتي من صوت في كلمات ثناء تنضح نفاقا مدعيا سعادته بهذه المشاركة وهي بمثابة استراحة ثم ادعى بان هذا الصبي ايضا ينتمي للنصوص الأكثر عزلة ، بعدها أعلن عن تلاوة النص الثاني ولكن قبل ان يتم حديثة دلف الى الساحة حبواً رجل كسيح مقطوع الأيدي وأعلن في صوت متراخي- به حشرجة جعلته اكثر جهراً- بانه يستطيع شراب القهوة برجله وشرع في ذلك فوراً بعد الإعلان ،جاءته فتاته ذات الطرحة البنية بإبريق القهوة ومن ثم بدأ اللعبة ، ظل تصفيق الجمهور وصفيره مستمرا طوال عملية الشراب التي صاحبها قذف للعملات المعدنية من الجمهور على طرحة الفتاة المفرودة على حجرها ، وقف المقدم مشدوها وفي طيات جبينه التي ارتسمت غضباً قرأ ست وسبعون كاتب فيسبوكي مغمور بارت نصوصهم في زحمة الصور والفيديوهات آسفا عميقا وندم خانق، بل قرأوا حقارة مشروعهم وعدم اكتراث الجماهير .
تلبو
| |

|
|
|
|
|
|
Re: فوضى المهرجان (نص قصصي) (Re: Dahab Telbo)
|
"3" قبيل انتهاء طقوس الشراب القدمي للقهوة دخل شاب اخر نصف مشلول ، كان يمشي بطريقة مثيرة للضحك فقد كان مشغولا بالمشي وكفكفت اللعاب السائل من فمه -المائل تجاه اليسار قليلاً- في ان واحد فأضحى مشيه ضربا من الالتواء الزاحف. بدأ القادم الجديد يخرج أغراضه من مخلاة عتيقة وينثرها كيفما اتفق ، علب لبن مجفف فارغة ، أسلاك نحاس رقيقة ، عود طري وبعض أوتاد حديدية، وكأنه في عرض ختامي للمهارات قلب العلب الفارغة رأساً على عقب مثبتا عليها السلك النحاسي بسرعة تسابقيه ومن ثم باعد بينها وثبتها على الأرض بالأوتاد الحديدية، قوّسَ العود الطري وشدة بنهاية السلك ليكوّن مع العلب سلسة مشدودة بالسلك، امسك بالقوس منتظرا تلاشي دهشة الجمهور بشراب القهوة بالأرجل ليبدأ عرضه ، كان نصف المشلول مغني قدير وعازف ماهر غنى بكل شجن اغنية " خاينة يادنيا وظالمة يادنيا" هطلت عليه عملات المعدن كالمطر ، لكنه أطال الغناء حتى ظنناه لا يسكت أبدا ، لم يخيب ظننا ذلك فعندما وصل به الغناء حدا بعيدا من الصدق قلبه بكاء فكان بكاءً مدوزن على إيقاع علب اللبن الفارغة يرسل للنفس استفسارات تجعل العالم كله قبضة من بؤس ،لما مل منه الجمهور حملوه خارجا وألحقوا به مخلاته بعد إعادة ترتيبها ، كنت اجلس وصديقي بعيدا بأكواب قهوتنا،نراقب الجمع الهائج وهو يمارس لعبة الهرج على رؤس الكُتّاب الفيسبوكيين التعساء، بعد انتهاء عملية اجلاء المغني الباكي دخل رجل أعرج ادعى انه يمشي على الماء وتحدى كل من يكذبه بأن يذهب معه الى النيل ليريه صدقه. بكى المقدم بدموع لزمها كبرياء جرحه ثم غادر وهو يضرب كف على كف وكأنه اضاع اباه في زحام الحجيج ، تبعه النصف المتبقي من جمع الكتاب الفيسبوكيين المغمورين لاعنين بلد الفوضى والجهل . بعد ان تولى شرطيَين نصبا نفسيهما منظمين للمهرجان إخراج الرجل الماشي على الماء ادعاءً استمعوا الى رجل كان يعزف على صدقيه، لم يلاقي ترحاب من الجمهور الذي تكاثر مثل ذباب الخريف، على شجر النيم ، رؤس محلات تصليح الهواتف الخلوية و ترابيز باعة الطماطم ، بعده دخل (عبدو شاينا) ليُري الجمهور مهاراته في الجمباز ، اثناء بهلوة عبدو وزعيق الجماهير الاهبل غادرت آخر فتاتين من جموع من سموا أنفسهم كتاب، الفتاتان المغادرتان كانتا متحمستين للإلقاء والاستعراض أيضاً - حيث كانتا ترتديان تنورات قصيرة ببناطيل ضيقة وبلوزات تُظهر حافظات الصدر بكل تفاصيلها – غادرتا بإنكسار الهزيمة لنبقى انا وصديقي كفلول من العهد القديم ،استمرت الحفلة الضاجة بمنظميها البوليسيين وجمهورها ومبدعيها كما يجب لحفلة شعبية في سوق وسط المدينة ان تستمر . عندما الح صديقي على المغادرة بحجة أزمة المواصلات كان المقدم الجديد يعلن بصوته المرح وطريقته الدرامية قدوم "اسامة دبيب" مروض الثعابين الذي أتى من الأدغال لتوه ومعه المفاجأة التي سوف يعلن عنها غداً في موقع المهرجان الجديد الكائن في الساحة المسيّجة وراء موقف الحافلات الكبيرة وانه سوف تكون هناك مواهب عديدة سيشاهدها الجمهور منوهاً الى ان المهرجان سيكون يوميا وعلى الجماهير فقط دفع التذكرة المخفضة والمدعومة من قبل رجال البر والإحسان القائمين على هذا المشروع الثقافي العظيم
تلبو اغسطس015
| |

|
|
|
|
|
|
Re: فوضى المهرجان (نص قصصي) (Re: Dahab Telbo)
|
تحياتي أخي دهب
العنوان يقول : فوضى المهرجان ولكن النص يعالج فوضى خلاقة بمعنى الكلمة. أغبطك على هذه القريحة التي جادت بهذا النوع من القص.
لدي مسرحية مشابهة إسمها : زواج عنكبوتي : كنت قد نشرتها هنا ، وقصتك هنا تطرق نفس الملابسات ولكن في إطار القصة القصيرة ببراعة متناهية وهو نوع جديد يتسلق جدران الخيال بينما يتشبث بركائز واقعية تماما في زمن الأسافير
لا فض فوك
دمتم أبدا
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: فوضى المهرجان (نص قصصي) (Re: ابو جهينة)
|
استاذي المبجل ابوجهينة تحية واحترام
اولا اشكرك على سكب بعض مدادك -النفيس- هنا ثم ثانيا -ايضا- اشكرك على لطفك واستحسانك هذه الخطرفات من ثم سعدت بنبأ نصك المسرحي ايما سعادة ولما بحثت عنه قرأت "على منتدى الادباء والمبدعين العرب" نصا بديعا بذات الاسم فوجدته نص متجلي في سخريته اللازعة . والفكرة هي ذاتها " النكبات الاسفيرية" في قالب ساخر
دمت مودتي
| |

|
|
|
|
|
|
|