|
سيدهارثا (Siddhartha) (2-5)
|
سيدهارثا (Siddhartha) (2-5) ينتقل الكاتب بنا الي مرحلة جديدة من حياة سيدهارثا ومواصلة البحث للوصول لنِرفانا(السكينة Nirvana : المستخدمة من قبل البوذيين لوصف التنوير والتحرير) . ولا شك ان هيسى عكس تجربتة الي حد ما في شخصية سيدهارثا برفضه لمجتمعه الذى عاش فيه قبيل الحرب واختار ان يكون حرا لا تقيده قيود وتقاليد ذلك المجتمع. وهدف إلى تحرير الفرد من الاستبداد والسيطرة وانغمس في نهل المعرفة من العارفين من العلماء والفلاسفة خاصة في بلاد الهند والصين وهم كثر. وانعكست تجربته في سيدهارثا ومؤلفاته العدة. ترك سيدهارثا طريق السماناسا وتبعه صديقه جوفيندا وفي طريقهما سمعا ان شخصا ذائِعُ الصِّيت باسم غوتاما بوذا يعظ الناس ويعرض لهم تعاليمه الممثلة في الحقائق النبيلة الاربع, أولى هذه الحقائق هي المُعاناة: وهي لا تخلو من المعاناة التي يسببها الشقاء ومصادر الشقاء في العالم هي :الولادة والشيخوخة والمرض والموت ومصاحبة العدو ومفارقة الصديق والإخفاق في التماس ما تطلبه النفس. و يقول بوذا:ان سر هذه المتاعب هو رغبتنا في الحياة وسر الراحة هو قتل تلك الرغبه، والحقيقة الثانية :هي الاصل في منشأ المعاناة وعدم وجود السعادة وهي ناجمة عن التمسك بالحياة و ان منشأ هذه المعاناة الحتمية يرجع الى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا اننا نرغب دائما في شئ مثل السعادة أو الأمان أو القوة أوالجمال أو الثراء أي أن سبب الشقاء و عدم السعادة هو الأنانية الأنسانية وحب الشهوات والرغبات والحقيقة الثالثة :هي حقيقة التخلص من المعاناة ولا يتم الا بالكف عن التعلق بالحياة والتخلص من الانانية وحب الشهوات في نفوسنا وتسمى هذه الحالة )النيرفانا أو الصفاء الروحي والحقيقة الرابعة : هي أن طريق التخلص من الأنانية والشهوات و متاع الدنيا يوجب على الانسان اتباع الطريق النبيل وهو: -الادراك السليم للحقائق الأربع النبيلة وهي التفكير السليم الخالي من كل نزعة هوى أو جموح شهوة أو اضطراب في الأماني والأحلام - الفعل السليم الذي يسلكه الانسان في سبيل حياة مستقيمة سائرة على مقتضى السلوك والعلم والحق -الكلام السليم أي قول الصدق بدون زور أو بهتان -المعيشة السليمة القائمة على هجر اللذات تماما والمتطابقة مع السلوك القويم والعلم السليم -السلوك السليم -الملاحظة السليمة -التركيز السليم. الالتزام بالقواعد الخمس التي تشكل أساس الممارسات الأخلاقية للبوذية وهي: - الكف عن القتل، - الكف عن أخذ ما لم يُعطى له، - الكف عن الكلام السيئ، - الكف عن السلوكيات الحِسية المُشينة، - الكف عن تناول المشروبات المُسْكِرة والمخدرات. بإتباع هذه التعاليم يمكن القضاء على الأصول الثلاثة للشرور: الشهوانية، الحِقد والوَهم. سيدهارثا سمع هذا الكلام وتمعن فيه ووجده جذاب, ساحر, محبب. وعلم أن كثيرا من البراهمين والسمناس اصبحو اتباعا له. ولمس رغبة صديقه جوفيندا للمثول امام المعلم الجديد والسمع اليه وقال له " جوفيندا تعلم انني صرت قليل الثقة في التعليم والتدريس رغم ذلك انا مستعد للاستماع إليه. وذهبا لمقابلت المعلم الجديد والإستماع اليه. مع بوذا: سيدهارثا وصديقه وصلا بلدة سافاتهى وفيها علما ان بوذا مقيم في جيتافانا في حديقة اناتهابنديكا ووجدا كثيرا من القوم مجتمعين لسماع بوذا .في المساء تجمع الناس لسماع الوعظ من بوذا سمعوا صوته مليئ بالسلام وتحدث بصوت ناعم ولكنه راسخ و صلب. الكثير طلبوا الإنضمام اليه وقبلهم بوذا قائلا "انضموا إلينا, سيروا الي النعيم والهناء واضعوا حدا للمعاناة." وانضم جوفيندا واصبح من قوم بوذا. اما سيدهارثا فلازمه الشك وقرر ان يخوض معترك الحياة باحثا عن النرفانا بنفسه. وقال لصديقه أمل أن تجد طريق الخلاص من بوذا. ثم نظر إلى اعلى وحوله وقد أشرق وجهه وسار في الطريق مسرع الخطوات وهو يقول "سوف اتعلم من نفسى ولن اهبُ ذاتى لأتمان (اتمان :(Atman) مصطلح فلسفي داخل الهندوسية للتعرف على الروح وهو الذاتي الحقيقي.) واحزان العالم ولن ادمر ذاتى من اجل البحث عن سر وراء حطام. ونظر حوله وكأنه رأى الدنيا لاول مرة. مرحلة الحياة الدنيوية: كاتبنا انتقل بسيدهارثا من عالمه الروحي حيث كان الزهد والتقشف شعاره ليبلغ حالة الاستنارة, الي مرحلة الحياة الدنيوية بعيدا من حياة الزُهّاد. هيسى اراد ان يعكس التجربتين تجربة الزهد والتقشف وتجربة الحياة الدنيوية البحتة و تأثيرهما علي شخصية سيدهارثا وفي ذاكرته تجربة بوذا بمراحلها , حيث تربَى بوذا الأمير الشاب في رعاية والده وعاش حياة باذخة وناعمة، حتى إذا بلغ سن التاسعة والعشرين، أخد يتدبر أمرهُ وتبين له كم كانت حياته فارغة ومن غير معنى. قام بترك الملذات الدنيوية، وذهب يبحث عن الطمأنينة الداخلية وحالة التيقظ )الاستنارة(. قام بممارسة اليوغا لبعض السنوات، وأخضع نفسه لتمارين قاسية وكان الزهد والتقشف شعاره في هذه المرحلة من حياته.بعد سبع سنوات من الجُهد، تخلى بوذا عن هذه الطريقة، والتي لم تعُد تقنعه، واتبع طريقا وسطا بين الحياة الدنيوية وحياة الزُهّاد. كان يجلس تحت شجرة التين، والتي أصبحت تُعرف بشجرة الحكمة، ثم يأخذ في ممارسة التأمل، جرب حالات عديدة من التيقظ، حتى أصبح مؤهلا لأن يَرتقى إلى أعلى مرتبة وهي بوذا المتيقظ. في كل خطوة علي مساره الجديد فتن سيدهارثا بالعالم وكأنه يراه لأول مرة. وفي الليل رأى النجوم في السماء والقمر كمركب عائم في الزرقاء. سمع الطيور تغرد, والنحل تهمهم والريح تهب برقة عبر الحقول. قد شاهد الشجر والنجوم والحيوانات والسحب والصخور والزهور والأنهار والندى يتلألأ علي الشجيرات في الصباح الباكر. كل هذا لم يكن ذا بال في حياته بالأمس. امضى سيدهارثا ليلة في كوخ مراكبي علي ضفة النهر وفي الصباح الباكر طلب من المراكبي ان يعدى به الي الشاطي الأخر واعجب وهو يشاهد صفحة الماء العريضة لاحت وردية في ضوء الصباح. قال للمراكبي "نهر جميل" "نعم احبه فوق كل شيء, لقد استمعت له كثيرا وتعلمت منه الكثير." رد المراكبي. عندما وصلا الشاطي الأخر دار بينهما الحديث التالي. سيدهارثا "شكرا لك ياأيها الرجل الطيب ليس لدي أي هدية أو أي أجر أدفعه لك فانا بلا مأوى وابن براهاما وسمانا. " المراكبي: " لم أكن أتوقع أي شئ ولكنك سوف تقدمها لي في وقت آخر. سيدهارثا:" هل تعتقد ذلك ؟ " المراكبي: "بالتأكيد. وقد تعلمت من النهر أي شيء يعود وأنت أيضا يا سمانا سوف تعود والآن الوداع." وصل سيدهارثا الي مدينة كبيرة وانغمس بشغف في حياة المدينة من ملزات والتقى بكمالا وفتن بجمالها. وطلبت منه ان يعمل حتى يكسب المال اذا ود التقرب منها وسألته عن عمله فقال :" أستطيع التفكير والصيام والإنتظار " ابتسمت وقالت "فقط . فقال: "أغرض الشعر...وهل تقبلينى اذا نظمت قصيدة لك " قالت "نعم". فقال المقطع التالى: الي بُسْتانها ذهبت كمالا الوسيمة, وفي مدخل البستان وقف سمانا الأسمر, حينما شاهد زهرة اللوتس , انحنى. وابتسم مرحباً بكمالا, افضل,... فكر سمانا الشاب, تقديم التضحيات من أجل كمالا الوسيمة افضل من تقديم التضحيات للأله. فابتسمت وقبلته وتقرب منها ومارس معها الجنس وقادته كمالا المومس الي كماسوامى التاجر للعمل معه لكسب المال. والتاجر كماسوامى يمثل الجشع وعند لقائه بسيدهارثا دار بينهما الحديث التالى والذى عكس التباين بينهمها. كماسوامى: " قد علمت انك تود العمل معي فهل انت بحاجة" سيدهارثا : "لست بحاجة. كنت أنتمي لسماناس وعشت معهم لفترة طويلة" كماسوامى: "اذا قدمت من سماناس كيف تكون لست بحاجة فالسماناس ليس لهم ممتلكات " سيدهارثا: "نعم ... ولست بحاجة لممتلكات" كماسوامى: " كيف تعيش بدون ممتلكات " سيدهارثا: " لمدة ثلاث سنوات تقريبا ولم يحدث لي التفكير في هذا الشأن " كماسوامى: " يعنى عشت من ممتلكات الأخرين " سيدهارثا: " كما يبدو... والتاجر ايضا يعيش من ممتلكات الأخرين " كماسوامى: " ولكن يعطي بضاعته في المقابل... ماذا تعطي انت في المقابل " سيدهارثا: " أستطيع التفكير وألصيام والإنتظار " كماسوامى: " وأي فائدة تجنى من ذلك " سيدهارثا: " فان كان الانسان ليس لديه ما يأكل فالصيام هو أذكى شيئ يمكن عمله. تعلمت كيفية الصيام وأستطيع أن أبتعد عن الجوع وقتا طويلا " كماسوامى: " أنت على حق وأي فائدة تجنى من ذلك " خرج كماسوامى وعاد وهو يحمل ورقة كتب عليها اتفاقية مبيعات و طلب منه قراءتها. اعجب بقراءته وطلب منه أن يكتب شيئا. وأعجب بكتابته وقال له "كتابة جيدة ...تفكير افضل... ذكاء جيد...وصبر افضل". وقرر أن يستفيد من هذه الخصال في تجارته ودعاه الى منزله والعمل معه. وافق سيدهارثا واقام بمنزل كماسوامى وشاركه في اعماله التجارية. وواظب علي زيارة كمالا بملابسه الجميلة وحسن طلعته وتعلم منها سر الحب والمتعة . كان سيدهارثا في معاملته على عكس كماسوامى لا يندم اذا فشل واذا نجح تقبل الربح بهدوء. وفي مرة من المرات ارسله كماسوامى لكي يشتري كميات من الارز ولما وصل الي المكان وجد الرز بيع لاحد التجار قبل وصوله ولم يقلق وبقي في تلك القرية لعدة ايام حيث تعرف على اهل القرية وأعطى أموالا للأطفال وعاد مسرورا. لامه التاجر وغضب للخسارة الفادحة وضياع الوقت شأنه شأن تاجر جشع لا يهمه غير جمع المال. قال له سيدهارثا: "تعلمت منك كم تكلف سلة السمك وكم اكسب من تقديم القروض ولكن لم اتعلم منك كيف افكر ". يعني انه مستقل في فكره. لم يكن مولعا بالتجارة ولكنها مفيدة لجلب المال لحبيبته كمالا. وهو متعاطف مع الناس ولكن شيء فاصل بينهما لكونه عاش سمانا. شاهد الناس تؤذي بعضها البعض من اجل المال وأشياء عديمة الأهمية . ونرى سيدهارثا متعلق بحياته السابقة رغم التجربة الجديدة والتى قصد منها اكتساب تجارب لم تكن في الحسبان من قبل. سيدهارثا لم يكن مولعا بالتجارة ولكنها كانت مفيدة لجلب المال لحبيبته كمالا، وقد جلبت له اكثر من اللازم.كثير من الناس جاءوا للتجارة معه وكثير منهم جاءوا لخداعه وكثير منهم يستمع الى نصيحته. كان يشغل أفكاره في كل هذا الانفعال العاطفي مع كل لعبة, التي يلعبها الرجال من حوله . ونرى سيدهارثا متعلق بحياته السابقة وكان يشغل أفكاره بالآلهة وبراهمان رغم التجربة الجديدة والتى قصد منها اكتساب تجارب لم تكن في الحسبان من قبل. وقد لاحظ بوضوح انه يقود حياة غريبة , الناس من حوله يتعذبون من أجل الحصول على المال والمتعة بكل الطرق ويؤذي بعضهم البعض. وكان يعامل الناس سواسية الفقير والغني والخادم والمحتاج. لم يكن سيدهارثا قنوعا بحياته هذه وفي داخله صوت يناديه بأن الحياة الحقيقية تذهب بعيدة عنه وظل يلاحقها في داخل نفسه. واظب على زيارة كمالا وقال لها يوما انها مثله يمكنهما اللجؤ اليه وكثير من الناس حولهما كأوراق الشجر الساقطة تدور في الهواء وتسقط على الأرض وقليل منهم كالنجوم تسير في خط مرسوم لا تصله الرياح وهناك رجل واحد أعرفه يدعى بوذا "المتيقظ". "غاوثاما" يعلن طريقةً لخلاص البشر من دائرة الولادة المتكرّرة )سمسرة(. قالت له كمالا انت افضل عاشق صادفته وسوف ارزق منك طفلا رغم أنك سوف تبقى سامانا ورقم انك لا تحبنى ولا تحب أحدا. قال لها إنك مثلى لا تحبى احدا وإلا كيف تباشرين الحب كفن من الوان الفنون. يتبع... محمد يوسف
|
|
  
|
|
|
|