|
جبهة النهضة والموقف من الديمقراطية تكتيك أم استراتيجية؟
|
تم نشر هذا المقال في صحيفة الميدان بتاريخ 04/11/2014 - ويسعدني إهداءه إلى الصديق الدكتور مصطفى مدثر الذي ألهمني كتابته بعد أن أستفزه منح جائزة أبن رشد للفكر الحر لزعيم جماعة الإخوان المسلمين في تونس راشد الغنوشي
جبهة النهضة والموقف من الديمقراطية تكتيك أم استراتيجية؟
في الثاني والعشرين من أكتوبر 2014 منحت مؤسسة ابن رشد للفكر الحر، وهي جمعية مستقلة مسجلة في ألمانيا، جائزتها السنوية لأحد أقطاب حركة الإخوان المسلمين العالمية، السياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي زعيم جبهة النهضة، وفي السادس والعشرين من نفس الشهر (أكتوبر 2014) جرت الانتخابات التشريعية العاشرة للبرلمان التونسي وسط منافسة حادة بين حزب نداء تونس وجبهة النهضة (الجناح السياسي لحزب الإخوان المسلمين في تونس) ، وقبل إعلان النتائج النهائية التي أسفرت عن فوز حزب نداء تونس بحوالي 39% من عدد المقاعد مقابل 31% لحزب النهضة، وهي نتيجة طبيعية تعكس فشل حكومة (النهضة) حلال العامين المنصرمين حيث عانت تونس أزمة اقتصادية خانقة بسببها أرتفع معدل الفقر وانخفضت قيمة العملة وتراجعت الخدمات، وانتشر ظاهرة التطرف والإرهاب حيث احتل التونسيون النسبة الأولى في عدد "الجهاديين" في سوريا والعراق، الأمر الذي انعكس سلباً على تلك الصورة المبهرة التي عرف بها الشعب التونسي في الانفتاح والاعتدال، وبات يهدد المكتسبات التاريخية للشعب التونسي خاصة في مجال حقوق المرأة والحريات الاجتماعية. خسارة الانتخابات للإخوان المسلمين، رغم كل الإمكانيات المادية المهولة التي توفرت لهم قبل خوضها، جاءت كنتيجة حتمية لتراكمات الفشل التي لازمت فترة حكمهم وكان من الطبيعي أن يخسروا الانتخابات، لكن الغير طبيعي هو تصريح زعيمهم "الغنوشي" بالقبول بالهزيمة والإقرار بحق الفائز في أن يحكم، وتلك تعد أحد أهم ركائز ومبادئ الديمقراطية، الأمر الذي أظهره للعالم بأنه ديمقراطي ويقبل بشروط الديمقراطية، خاصة لو تم ربط حديثه بحصوله على جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر والتي كما جاء في ديباجة الموقع الإلكتروني للجمعية بأنها تقوم بتقديم جوائز سنوية لمن له دور في دعم ونشر الفكر الديمقراطي الحر والديمقراطية والإبداع في البلاد العربية، ونجد أن معظم من حصل علي تلك الجائزة هم رواد وقيادات في حركات الإصلاح وحقوق الإنسان في الوطن العربي منهم على سبيل المثال لا الحصر المناضلة السودانية ورئيسة الإتحاد النسائي العالمي الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم والأستاذ الباحث / د. نصر حامد أبو زيد والروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم والباحث المجدد محمد أركون والمناضل الفلسطيني عزمي بشارة والمنظر والفيلسوف المصري محمود أمين العالِم. فهل يعقل أن يوضع الغنوشي في كفة واحدة مع هؤلاء الرواد التنويريون الذين بذلوا جلَّ حياتهم ينافحون ويكافحون في الفكر الظلامي الذي يبشر به الغنوشي؟ يمكن تقبل ذلك لو تبدل الغنوشي سياسياً وإيديولوجياً وخرج عن عباءة الإسلام السياسي الراديكالي، أو تغير فكر ونهج الإخوان المسلمين والأمران لم يحدثا، لذا يكون السؤال المطروح هو هل يعد موقف الإخوان المسلمين التوانسة الجديد من الديمقراطية موقف استراتيجي أم أنه لا يعدو أكثر من تكتيك حتى يتم تجميع قواهم ويستجمعوا أنفاسهم أي "استراحة محارب"؟ للوصول للحقيقة المجردة لابد لنا من تحليل فكر الإخوان المسلمين ومنهجهم وأيديولوجيتهم التي أسست لموقفهم من الديمقراطية الليبرالية التي نحن بصددها. الديمقراطية الليبرالية لها مبادئ ومفاهيم وقيم لا تستقيم دونها منها مبدأ حكم الأغلبية والتمثيل والانتخاب وحماية واحترام الدستور. وكذلك الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. واستقلال وسيادة القانون وحرية الصحافة والمساواة الكاملة في الحقوق بين المواطنين وعدم التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة واحترام حقوق الإنسان وصون كرامته بحيث لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات الجسدية مثل (الجلد وبتر الأطراف). وحرية التعبير والتنظيم والتظاهرً. حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته فهل يمكن للإخوان في تونس أو غير تونس أن يؤمنوا بتلك المبادئ والقيم، وأن تكون جزء من مناهجهم وبرامجهم رغم تناقضها مع جوهر فكرهم وفلسفتهم ورؤاهم التي يستمدون منها شرعيتهم في الوجود؟ . إن جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم راديكالي يسعى للحكم وفق رؤى ومفاهيم عقائدية تقوم على مبدئي الحاكمية لله وعدم فصل الدين عن الدولة. وهاذان المبدآن بغض النظر عن مدى صحتهم أو مدى أمكانية إنزالهم وتطبيقهم على الواقع الراهن، وبغض النظر عن موقفنا السياسي منهم، إلا أن ما يهمنهنا هو مدى انسجامهما وتواؤمهما مع مبادئ وقيم ومفاهيم الديمقراطية الليبرالية التي أراد الإخوان في تونس وجمعية بن رشد للفكر الحر أن يقنعانا بأنهم جزء منها. مبدأ الحاكمية لله ليس له سوى تفسير واحد لا يقبل التأويل وهو أن مسألة الحكم تكليف إلهي، وأن من يحكم، يحكم باسم الإله، أي أن سلطة الحاكم تكليف من الله وليس تفويض من الشعب ومرجعيتهم هي الكتاب والسنة، والدستور الوضعي أو (الديمقراطية) ليس أكثر من غُثاء كالذي يطفو على أمواج البحر، غُثاء أملته الحاجة وقنن للقبول به فقه الضرورة بعد أن وجدوا أنه السبيل الوحيد لتمكينهم سياسياً. وبالنسبة للمبدأ الثاني، عدم فصل الدين على الدولة، أي (الحكم بما في الكتاب والسنة) و(أن السلطة المطلقة هي لله) يحمل مفاهيم تكرس للحكم المقدس، فالحاكم يحكم باسم الله، وأي اعتراض عليه يعني الاعتراض على حكم الله، وبالتالي الخروج عن الحاكم يمكن تفسيره على أنه خروج عن الدين لأن الدين هو الحاكم ومن يحكم لا يفعل سوى تطبيق حكم الله، مهما تفرعن وأستبد وتجبر وأي معارضة له مهما كان حجمها لا بد أن تقمع لأنها لا تحسب ضد الفرعنة والإستبداد، بل ضد الدين، الأمر الذي يكرس للدكتاتورية أكبر منقضات الديمقراطية. من كل ذلك يتضح لنا بأن ما بين الديمقراطية الليبرالية والفكر الإسلاموي للإخوان المسلمين بحور شاسعة من التناقضات، وأن مبادئ وقيم الدكتاتورية حيث التفكير خطيئة والسمع والطاعة فريضة هو عملياً ما يجري في داخل تنظيماتهم وتؤكده دساتيرهم ولوائحهم وتثبته مناهجهم الفكرية ومرجعياتهم، وتشهد عليه ممارساتهم، وإن التلاعب بالديمقراطية (الجائزة أبن رشد) وتقبل نتائجها (تصريح الغنوشي)، ليسا أكثر من مجرد تكتيك ومحاولة تجميل تتم بتوجيهات مباشرة من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وبمباركة حكومات ودول غربية، بعد أن إدلهمت بهم الخطوب ووجدوا أنفسهم محاصرون في ليبيا، وتتنازعهم الأهواء وتتفرق بهم السبل في السودان، وبعد أن جاءتهم الضربة القاضية الموجعة في مصر المحروسة، فأرادوا الظهور بمظهر جديد (نيو لوك) مظهر يخفي طبيعتهم اللاديمقراطية فيما يمكن اعتباره أسوأ أشكال تغبيش الوعي وتزييف الحقائق يمكن حدوثه في عصر المعلوماتية. عاطف عبدالله
|
|
|
|
|
|