|
مع "الاقتحام" المصري لليبيا، ضد الاقتحام التركي لسوريا! بدات بالفعل الدعوة لذلك هل تعون !###
|
كتب جهاد الزين 18 \10\2014
كنتُ أسأل نفسي أمس وأنا أتابع بالقدر المستَطاع أخبار الوضع في ليبيا: هل من تناقض في الموقف ضد التدخّل العسكري التركي في سوريا والتأييد بل الحماسة لتدخّل عسكري مصري مباشر أو غير مباشر في ليبيا؟ هل التناقض هنا يعبِّر عن غياب معيارية سياسية أو عن ارتباك أخلاقي في النظرة السياسية أو عن تناقض في وظيفتَيْ التدخّل هنا وهناك؟
أسارع لاستبعاد الإجابة الأولى المفترَضة في هذا "السجال" وهي أن مصر دولة عربية أما تركيا فلا! هذه ليست إجابة لأن التحوّلات في العالم والمنطقة باتت تتخطّى هذا النوع من التصنيفات القومية حين تكون الدول الغربية داخلة عسكريا واقتصاديا وإنسانياً في قلب أزماتنا وتدير الصراع الأساسي فيها بأشكال مختلفة. ثم أن الموقف القومي على أهميته تتضاءل حدّته عندما يتعلّق الأمر بدولتين مثل تركيا وإيران وخصوصا تركيا التي كانت كل هذه البلدان المتأزّمة والمأزومة ولاياتٍ سابقة فيها فيما إيران التي هي جزء لا يتجزأ من نسيج العالم المسلم تدخل مجدداً إلى المشرق العربي بعد انقطاع سياسي لقرون طويلة ربما منذ سقوط الدولة البويهية في بغداد. إذن المعيار العروبي مستبعَدٌ هنا في تحديد مشروعية تدخل مصري في ليبيا ولامشروعية تدخل تركي في سوريا. سأسلّم أنه معيار تخطّته الأحداث عندما تكون واشنطن ولندن وباريس عواصمَ "عربيةً" ليس فقط بمعايير التفوق الحضاري وبالتالي العسكري بل أيضاً بمعايير العولمة التي تجعل كلاً من هذه العواصم الغربية تحتضن في قلب نسيجها الداخلي نخباً عربية فاعلة ومنخرطة في الصراع على بلدانها الأصلية. هناك مبرران للتدخل المصري في ليبيا لا يمتلكهما التدخل التركي في سوريا (والعراق). المبرّر الأول هو أن مصر تقتحم الميدان الليبي بصورة أو بأخرى ضد التيارات الإسلامية المتشددة بينما تركيا رجب طيّب أردوغان اقتحمت الميدان السوري ومؤخرا العراقي عبر دعمها لقوى تكفيرية متشددة. هل يكفي هذا الفارق الجوهري بين الاقتحامين؟ لنفترض أنه لا يكفي إذا أخذنا في الاعتبار المدرسة الواقعية في الجيوبوليتيك والتي تجيز بموجبها الدول لنفسها التدخل عبر القوى المتوفرة لخدمة أهدافها. فكيف إذا كان "دعم القوى الهمجية يرمي إلى أهداف غير همجية" وفقاً لتعبير السياسي والمثقف اللبناني شارل رزق في معرض حوار ثنائي قبل أيام قليلة؟ وهو ما ينطبق على تركيا في الموضوع السوري العراقي: استخدام قوى همجية لأهداف غير همجية؟!! المبرر الثاني الذي سأتطرّق إليه هو الذي يحسم الفارق بين التدخّلين التركي والسوري لأنه في العمق يتعلّق بمصالحنا كمواطنين يرتبط وجودنا السياسي بوجود الدول التي ننتمي إليها أيا يكن نظام الحكم فيها. إنه التالي: مصر تتدخل في ليبيا لمنع تفكّك الدولة الليبية بينما تركيا تتدخل في سوريا عبر آليات تفكيك للدولة السورية (والدولة العراقية). هذا اعتبار جوهري بل الجوهري. ومصر رغم كل عناصر الضعف التي تعانيها على أكثر من مستوى ربحت معركة استراتيجية بمقاييس مصالح مواطنيها الوجودية هي معركة منع الحرب الأهلية على أراضيها ونجاح الجيش وأغلبية النخب العلمانية والليبرالية مدعومةً بأغلبية الشعب المصري في الاحتفاظ بتماسك الدولة والمجتمع المصريّيْن. هذا إنجاز تاريخي يتمنى معظم النخب العربية أن يصمد ويتعزّز قياسا بما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن حيث الدور الإيراني تفتيتي على غرار الدور التركي في سوريا بل حيث التنافس الإيراني التركي السعودي ذو آليات طائفية تفتيتيّة في دول المنطقة ذات التركيب المذهبي السنّي الشيعي (باستثناء فلسطين حيث لا شيعة!). مصر تتدخل في ليبيا ويجب أن تتدخل أكثر فأكثر دفاعا عن وحدة الأراضي الليبية في حدود الدولة المكرّسة. هذا دور مصري يمثّل امتدادا استراتيجياً وقِيميّاً لرؤية الدولة المصرية لنفسها كدولة ومجتمع موحّدَيْن. وفي هذا السياق فإن الدور المصري البادئ والمنشود في ليبيا يعبّر عن وجهة مصلحة استراتيجية بل وجودية لنا جميعاً نحن أبناء المنطقة الذين بتنا نشهد بأم العين والدم انهيار أربع دول دفعة واحدة في منطقتنا هي سوريا والعراق وليبيا واليمن. هذا هو الفارق النوعي بين الدورين من وجهة ما بات المصلحة الوجودية العليا لمواطني هذه الدول. وإذا كانت تركيا الدولة الأكثر تقدّماً اقتصاديا وسياسياً في العالم المسلم الشرق أوسطي والإفريقي تصدمنا بسياسات تفتيتية في منطقتنا تعارضها نخبٌ تركية واسعةٌ فإن مصر تتقدم إلى ليبيا بانسجام تام لنخبتها الدولتية والسياسية مع نفسها في التدخل ضمن خط محاولة توحيد الخارطة الليبية المنهارة وباعتبار ذلك مصلحة حيوية لها... وفي العمق مصلحة حيوية لنا نحن أبناء المشرق الذين تحولت أحلامنا بالديموقراطية ضد نظم الاستبداد إلى جحيم تفتيتي يجعل بلادنا حاليا بلادا "سابقة". كنا نتمنى أن تعبّر الحداثة التركية التي تستحق المراهنة عليها قبل رجب طيّب أردوغان وبعده والتي هي حصيلة جهود أجيال نخبوية تركية واسعة منذ العشرينات... أن تعبِّر عن نفسها بقوة توحيدية عقلانية وعلمانية في المنطقة. ولكن مع الأسف الشديد حرّف الرئيس رجب طيّب أردوغان دورها تحت ذرائع مختلفة آذت، إن لم تكن صدّعت، النموذج التركي الحداثي. رأيي أن تركيا ستتخطّى أردوغان مثلما تخطّت غيره. أما مصر فلا خيار لنا، نحن دول ومجتمعات الانهيار، سوى تعزيز دورها لأنه توحيديٌّ بطبيعته.
|
|
  
|
|
|
|