|
محن سودانية- عدم التوثيق لحياتنا
|
دعوني استعير تعبير (محن سودانية) من الاستاذ شوقي بدري و أنا هنا اوجه له الإشادة بما يقوم به في دأب بتوثيق لبعض جوانب الحياة السودانية التي عاصرها في أمدرمان بما يعتبر ردم لفجوة كبيرة في التوثيق لحياتنا و لشخصياتنا. و تعبير ( محن سودانية) هو استخدام بارع لما يراه استاذنا شوقي بدري من تقصير و (سبهللية) تتعلق ببعض السلوك السوداني. و كلمة محن على ما أفهم تعبير هو دارجي سوداني يعني الاستغراب و الاندهاش بما يخالف المعنى المتعارف عليه في اللغة العربية الفصحى. سقت هذه المقدمة لكي أشير لتقصير بيّن في حياتنا السياسية و الاجتماعية بل و الأكاديمية من عدم اكتراث بالتوثيق. فكثير من الأحداث العظام مرت بالشعب السوداني و لم يتم توثيقها من خلال مذكرات يكتبها أو يسجلها الذين كانوا على سدة الحكم أو السياسيين المقربين من أهل الحكم بل و حتى زعماء الأحزاب و السياسيين الذين توفوا أو الذين لا زالوا على قيد الحياة لا يميلون لكتابة مذكراتهم و هم قد كانوا شهود على أحداث و شهود على مواقف و على شخصيات.و تلك الأحداث ليست ملك لهم و لكن لهذا الشعب الذي يعيش بلا ذاكرة لذلك تجيء رؤيته للأحداث و موقفه من كثير من الرموز القومية السياسية الاجتماعية متناقضا و مشوشا. لذلك تمر الأحداث و المواقف علينا مرور الكرام و لا نأخذ منها الدروس أو العبر. بل حتى لا نستطيع تكوين فكرة سليمة و علمية و صادقة أو متفق عليها نحو أي من الوقائع التاريخية أو الشخصيات القومية أو تكوين رأي عام مشترك حولها أو حول الأحداث الراهنة. فإذا نظرنا إلى حياتنا السياسية نجد أن معظم سياسيونا قد ذهبوا بدون أن يكتبوا مذكراتهم و لا زالت الساحة السياسية بها رجال تقلّدوا مناصب و مواقع سياسية لعقود من الزمان و تنازلوا و هم على قيد الحياة و يذهبون إلى رحاب الله و صدورهم تنطوي على أسرار ليست ملكا لهم بل ملك للشعب السوداني كله. كنت استغرب و أنا أجد أن هناك وثائق موجودة يرجع تاريخها لأكثر من مائة عام حول تاريخ العراق و الشام و الخليج و هي وثائق يعتمد عليها اليوم في تقييم الأحداث و في رسم الخطط في تلك المنطقة و هناك كثير من الوثائق التي ترجع لفترات أقدم من ذلك و يتم تسويقها لأنها تعني الكثير لواضعي السياسات و الدارسين و المحللين. من ناحية أخرى فإن كتابة المذكرات الآن تدر على صاحبها و على الناشر مبالغ ضخمة.و اليوم يوجد ناشرون على كافة المستويات. لذا من الأحرى أن يتم الترويج لفكرة التوثيق من جانب المسئولين عن دور النشر و أن يعملوا على إقناع السياسيين و رجال الحكم و رموز المجتمع بفكرة التوثيق لحياتهم و للأحداث القومية. و أن تعمل تلك الدور على توفير الكوادر و المعينات التي تساعد في الحصول على التوثيق بدلاً من التوثيق للأحداث و الشخصيات الهامشية و الباهتة و التي تملأ أخبارها و حكايتها وسائل الإعلام. محن سودانية- عدم التوثيق لحياتنا
|
|
|
|
|
|