الاعتراف عند المسيحيين والاستغفار عند المسلمين يقارن بينهما الأستاذمحمودمحمدطه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 04:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-15-2014, 04:12 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الاعتراف عند المسيحيين والاستغفار عند المسلمين يقارن بينهما الأستاذمحمودمحمدطه

    بين الاعتراف والاستغفار

    ومما يزيد في توضيح قولنا أن ((الصلاة جلسة نفسية)) جلسة الإستغفار، التي تتفق، للعبّاد، المجودين، بالأسحار.. وقبل ((الإستغفار)) عند المسلمين، هناك ((الإعتراف)) عند المسيحيين.. ومبدأ ((الإعتراف)) هذا بدأ في المسيحية بعد حياة المسيح، في حوالي القرن الثامن الميلادي.. وهو يستمد من قول المسيح لتلاميذه ((الحق أقول لكم : ما ربطتم في الأرض، ربط في السماء.. وما حللتم في الأرض، حل في السماء)).. ثم إن المسيح قد قال لهم أيضاً : ((خذوا الروح القدس: من غفرتم له خطاياه تغفر له.. ومن أمسكتم عليه الغفران يمسك عليه))..
    والمسيحيون يعتبرون أن الإعتراف أمام كاهن مهم جداً.. ومن الفروض الدينية على كل مسيحي أن يعترف، على الأقل، مرة في السنة.. وهم يقسمون الخطايا الى نوعين : الخطيئة ((المميتة))، وهذه لا تغفر إلا بالاعتراف. والخطيئة ((العرضية)) وهذه يمكن مغفرتها بدون إعتراف..
    والحكمة وراء الإعتراف هي تفريغ البال من الهموم التي تغم القلب، حتى تحصل الراحة بنقاء الضمير.. وإنهم ليتوسلون إلى ذلك بعدة صلوات.. مثلاً هم في ((الإعتراف)) يقولون : ( إن مخلصنا بجنان سام : ((وضع لنا سر التوبة للخلاص)).. فهو قوة لضعفنا، ودواء لأمراضنا النفسية الكثيرة، بل هو نور يجعلنا نعرف تجارب العالم، وغش الشيطان، وشهوات النفس، ولذا يلزمنا أن نتقدم إليه كثيراً، بإيمان حي، وإستعداد كامل.. إننا بالتقرب المتواتر إلى هذا السر نتقدم في الكمال المسيحي، ونحفظ طهارة نفوسنا.. وبمقدار ما نبتعد عنه، ونؤخره، نتأخر في الفضيلة، ونضيع هدوء الروح)..
    وهم، قبل الإعتراف يتوجهون بصلاة قصيرة، كأن يقول أحدهم : ((أيها الروح القدس!!نور عقلي لأعرف الخطايا التي ارتكبتها بعد إعترافي الأخير، فأندم عليها، ندامة صادقة، وأعترف بها، إعترافا تاما، للكاهن في كرسي الإعتراف)).. وبعد هذه الصلاة القصيرة يأخذ المعترف في فحص ضميره، محاولا، بذاكرته، استحضار ما قد اقترفه من ذنوب، وخطايا.. كإهماله في الصلاة، صباحاً، أو مساءً.. وهل هو أخفى خطيئة مميتة في اعترافه السابق ؟؟ وأيضاً : هل قام بواجبات الوالدين ؟؟؟ وإذا كان زوجاً، أو زوجة، فهل قام بواجباته نحو الأسرة، والأبناء ؟؟ وأيضاً هل قصر في حب أحد ؟؟ وهل وشى بأحد، أو شتمه ؟؟ وهل سرق ؟؟ لعب ميسراً ؟؟ شرب خمراً ؟؟. الخ الذنوب، والخطايا.. ثم هو، بعد أن يستحضر طائفة كبيرة من هذه الخطايا يتوجه بصلاة قصيرة أخرى، كأن يقول : ((يا إلهي إني نادم على جميع خطاياي التي بها أهنتك، أنت، المستحق كل محبة، وأقصد، قصداً ثابتاً، ألا أعود إلى ارتكابها.. فساعدني على الثبات، ولا تسمح أن أبتعد عنك بالخطيئة)).. وطريقة الإعتراف : أن يتقدم التائب من كرسي الإعتراف، ويركع، ويقول : ((باركني يا أبت لأني خاطئ، أو خاطئة..)).. وسيكون في وضع مريح، يوحي بالطمأنينة، والسرية، ويغري بالإنفتاح، والصراحة.. وقد يفصل بين الكاهن والتائب شباك صغير.. ويكون النور الذي يريان به بعضهما نوراً خافتاً، ومطمئناً، ويأخذ التائب في سرد ظروفه التي ورطته في الخطيئة.. ويعدد خطاياه.. ويكون مستعداً للصراحة، والوضوح، والصدق.. ويجيب على أسئلة الكاهن، حين يسأله، في وضوح وفي صدق … ويظهر الندم على كل ما ارتكب.. ويطلب المغفرة.. وسيجيبه الكاهن : ((مغفورة لك خطاياك)).. وسيعطيه كفارة.. وهي عادةً بعض أعمال الخير، أو بعض الصلوات، أو بعض القراءات من الكتاب المقدس.. والكاهن، في الإعتراف، عند المسيحيين، يعتبر نائباً عن المسيح.. فهو يقول، مثلاً، للمعترف : ((ليحلك ربنا، يسوع المسيح، وأنا أيضاً أحلك بسلطانه))، أو يقول، في أثناء وعده التائب الغفران : ((ضمن السلطة المخولة لي)).. والكاهن ملزم بأن يحتفظ بأسرار المعترفين، وذلك، بالطبع، مما يطمئن المعترف، ويشجعه على فتح مكنونات صدره، وتنقية ضميره، وراحة باله.. هذا هو ((الإعتراف)) في ((المسيحية))، ويعادله عندنا نحن في ((الإسلام)) الإستغفار.. (فالإستغفار)) تطوير، وترق، على مبدأ ((الإعتراف).. وهو، عندنا، من عظم الشأن، وجلال القدر، بحيث يكون صنواً، وعدلاً، للنبي الكريم.. وقد كان الأصحاب يقولون، بعد أن التحق النبي بالرفيق الأعلى، كانوا يقولون: "كان لنا أمانان من العذاب، فذهب أحدهما، وبقي الآخر.. " يشيرون بذلك إلى قول الله تعالى : "وما كان الله ليعذبهم، وأنت فيهم.. وما كان الله معذبهم، وهم يستغفرون ".. وفي (الإسلام) (الإعتراف) ممنوع، لا!! ولا حتى للنبي.. وفي حديث للمعصوم قال، وهو ينهى عن (الإعتراف) : إذا إقترف أحدكم ذنباً، فستره الله عليه، فلا يكشف ستر الله عنه.. ).. وهذه كرامة لضمير الإنسان، ولحرمته، ولحريته، لا تدانيها كرامة.. ويقوم (الإستغفار)، في حط الهموم، والغموم، والأوزار، عن الصدر بقدر يقصر عنه (الإعتراف) بآماد بعيدة.. ذلك بأن الإنسان الذكي لا يمكن أن تطمئن نفسه، كل الإطمئنان، لبشر مثله، فيودعه أسراره.. ولكنه، حين (يعترف) لربه ـ حين يستغفر ربه ـ لا يمكن إلا أن يكون صادقاً، كل الصدق، لأنه مطمئن على سره، إذ يجري (الإعتراف) بينه وبين ربه ـ بينه وبين نفسه.. ولأنه يعلم أنه لا يستطيع أن يكتم الله حديثاً.. وهو، سبحانه وتعالى : "يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور".. وفي الحق فإن المراد من (الإعتراف) إنما هو توكيد الخطيئة للنفس حتى تنساق إلى الندم، وحتى تستغفر بجمعيتها، وبكليتها ـ تستغفر بلسان حالها، ومقالها ـ فتتم بذلك (الإستغفار) أركانه : الإقلاع الفوري عن الذنب، والندم على ما فات منه، والعزم على عدم العودة فيه.. وإنما يريح (الإستغفار) النفوس لمكان الصدق منه.. فإنه هو أصدق الحديث.. والصدق دائماً يريح، ويحرر النفوس.. وليس (الإستغفار ) مجرد أقوال تجري على اللسان، وأعداد من المرار تحصى على المسبحة، وإنما (الإستغفار) إستعراضك لشريط أعمال اليوم السابق، تستعرضها، وتقيمها، وتحدد مبلغ الخطأ فيها، بصورة تفعم النفس بالندم عليها، حتى تندفع، في جمعية، وامتثال، وانكسار، تطلب المغفرة من الله الغفار.. (الإستغفار )، بهذه الصورة، يجري في السحر، بعد صلاة الثلث، وفي هدوء الليل، وفي جلسة خشوع، وسكينة ، ووقار، تجلس فيها جلسة الصلاة، غير متربع، ولا ماد رجلك، وإنما تجلس وأنت تستشعر حضرتك بين يدي الله ـ (الإستغفار) بهذه الهيئة، يحط عن النفس ثقل ظلامها بصورة حسية، يشعر بها العابد المجود شعوراً حسياً ـ وتكفي منه المرات القلائل لتحقيق الغرض المرجو منه.. ولكن الإستغفار الذي تجريه العادة على اللسان، وتعدد مراته على المسبحة، كما هو مألوف عادة الناس الآن، ليس فيه غناء، ولو عدد آلاف المرات.. إن (الإستغفار) فكر، يسترجع، ويحاسب، علىأخطاء الماضي، بصورة تملك القدرة على سوق النفس إلىعتبة (الإعتراف)، وهي منكسرة، خاضعة، تستشعر جرم خطيئتها.. أما غير ذلك فهو استغفار يحتاج (لاستغفار)، كما قالت رابعة العدوية.. وقيمة هذه الجلسة التي يجري فيها (الإعتراف)، عن طريق (الإستغفار)، هي أنها تعين على (تنغيم) تشويش (الخواطر)الداخلي، وعلى مناقشة (الثرثرة) التي تجري في الصدر، كمحاولة لتنويرها، ولإقناعها، ولتفريج الكبت عنها، فتتخلص، بهذا الصنيع، من التوتر، ومن القلق الذي يظهر على الناس الآن في صورة المرض العصبي.. يعينك على هذا التخلص، عندما تستغفرالله تعالي بجمعية، إيمان أكيد بأن الله لا يتعاظمه ذنب، فهو، تبارك و تعالى، يقول : "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً.. إنه هو الغفور الرحيم.. ).. هذه أشمل آية في رجاء المغفرة.. وهي تستمد من الإطلاق الذي لا يجري عليه قيد، وهي، من ثم، مسيطرة على آية أخرى، باب المغفرة فيها أيضاً واسع، وتلك هي قوله، تبارك وتعالى : "إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. ومن يشرك بالله فقد إفترى إثماً عظيماً" جلسة (الإستغفار)، مع هذا الإيمان، لا تغادر صغيرة، ولا كبيرة من الذنوب، إلا وقد وضعته.. وينهض المستغفر المجود، كأنما نشط من عقال.. هذا هو ما عنيناه بقولنا (إن الصلاة جلسة نفسية)..


    من كتاب تعلموا كيف تصلّون للأستاذمحمودمحمدطه
                  

05-15-2014, 04:20 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاعتراف عند المسيحيين والاستغفار عند المسلمين يقارن بينهما الأستاذمحمودمحمدطه (Re: منصوري)

    الصلاة جلسة نفسية

    ما أحوج وقتنا الحاضر إلى الصلاة!! وقتنا الحاضر، وقت الذكاء الحاد، والحس المرهف!! ومع ذلك، وقت القلق، والتوتر، والحيرة.. حيرة الشباب، المتمثلة في مجاميع ((الهيبيز)).. وحيرة الشيوخ، الذين عجزوا عن هداية، وقيادة، أطفال، وشباب الأجيال المعاصرة من أبنائهم.. وقتنا الحاضر، وقت المشاكل النفسية، والأمراض العصبية.. هذه الأمراض التي، من فرط ما تفشت، وذاعت بين الناس، وجدت من يسميها : ((بأمراض المدنية)).. وليست للمدنية أمراض، وإنما المدنية صحة للقلوب، وللعقول، وللأجساد.. ولكن وقتنا الحاضر هو وقت الحضارة الغربية التي جعلت وكدها الإنتاج، والإستهلاك.. وهي، في سبيل مواصلة الإنتاج، تدعو إلى المزيد من الإستهلاك، وتدعو بوسائل الإعلان المختلفة لطرائق الإستهلاك المختلفة، حتى لقد ازدادت حاجات الإنسان، لحد جعله في خوف دائم من العجز عن تحصيل هذه المطالب، التي أوهمته الحضارة المادية، الآلية، الحاضرة، أنها حاجة حياة، أو موت، بالنسبة إليه، وإلى أسرته..
    إنني لا أشكو من الوضع الحاضر، ولا أرفض الحضارة الغربية ((التكنولوجية)) المادية.. بل، على العكس، فإني لأرحب بها، وأعتبرها مرحلة هامة جداً من مراحل تطور الفرد، والمجتمع البشري.. وأعتبر أن القلق، والحيرة، والرفض الذي ساقتنا إليه، إنما هو علامة صحة، وليس علامة مرض.. هو علامة صحة لأنه يرشدنا لأصل المرض، وما ذاك إلا لجهلنا بحقيقة البيئة التي نعيش فيها، وعجزنا، من ثم، عن المواءمة بين حياتنا وبينها..
    لقد ظللنا، نحن البشر، دائماً نحاول التعرف على بيئتنا، ونحاول، على هدى من هذه المعرفة، أن نوجد نوعاً من التوافق، والتناسق بين حياتنا وبين هذه البيئة.. وقد بدأنا من مكان بعيد.. لقد مضى وقت كنا نعتقد فيه أن البيئة الطبيعية، المادية، التي نعيش فيها هي عدو لنا، شديدة العداوة.. وقد ملأتنا عداوتها، وشكاستها، وأنيابها الزرق، ومخالبها الحمر، بالخوف الشديد، الذي تحدثنا عنه، في مقدمة كتابنا هذا، وفي العديد من كتبنا، باستفاضة.. وكنا، دائماً، ولا نزال، نخدع بالمظهر، ونذهل عن المخبر.. ونحن، اليوم، وفي مجتمع حضارة ((القرن العشرين))، نقف في مفترق الطرق.. فإن هذه البيئة الجديدة، التي قد طورها تقدم الآلة، تطويراً يشبه القفزة، تواجهنا بتحد حاسم.. هذا التحدي يعرض علينا إحدى خصلتين : إما أن نرتفع إلى مستوى المواءمة بين حياتنا، وبين بيئتنا، وإما أن ننحدر إلى الهاوية، فيكون مصيرنا مصير الأحياء التي عجزت عن المقدرة على المواءمة بين حياتها وبين البيئة.. إننا، بفضل الله، ثم بفضل هذا التقدم ((التكنولوجي))، قد أصبحنا نعيش في كوكب موحد جغرافياً، وأصبحنا، بفضل هذا التقدم ((التكنولوجي))، جيراناً متقاربين، مهما بعدت أقطارنا، في أطراف هذا الكوكب الصغير.. وأصبح علينا أن نتحلى بالأخلاق التي تليق بحسن الجوار.. أصبح علينا أن نتوحد أخلاقياً، كما توحدنا مادياً.. وبفضل الله، ثم بفضل العلم المادي، الذي هو سمة هذه الحضارة، وضحت لنا الوحدة التي تنتظم المظاهر المختلفة.. وضح لنا أن المادة التي مظهرها التعدد جوهرها الوحدة.. بل إن العلم التجريبي قد أظهر لنا أن المادة، كما تظهر ليست هناك، وإنما هي طاقة.. طاقة تدفع، وتجذب.. هذه الطاقة يسميها الدين ((الإرادة)).. إرادة الله، خالق الأكوان، وخالق الإنسان، وجاعل الأكوان مطية للإنسان، بها يرتفق ليبلغ منازل كماله.. إن حاجتنا إلى ((الدين)) اليوم قد برزت، بفضل الله، ثم بفضل هذه المشاكل التي تواجهنا بها هذه الحضارة الغربية المادية.. نريد الآن أن نقف لنراجع ما رسبته فينا الجهالات الماضية، من عقد نفسية أخذت تنطلق، في وقتنا الحاضر، بغير قيد، وبغير عقال.. وهنا تبدو حاجتنا إلى الصلاة.. إن الصلاة جلسة نفسية بهذا المعنى.. هي منهاج يعطينا الفرصة إلى أن ننفصل عن ((الدوامة)) الحاضرة، وأن نكون في ((خلوة)) نجد فيها السبيل إلى النظر في ((داخلنا)) فإننا نعرف عن عالمنا ((الخارجي)) أضعاف، أضعاف ما نعرف عن عالمنا ((الداخلي)) - عن نفوسنا - فإن البيئة التي نعيش فيها هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي.. هذه حقيقة ظهرت لنا، لأول مرة، عن طريق العلم التجريبي، وأيضاً عن طريق الدين.. إننا نحن نعيش محاطين بالمظاهر الإلهية.. ولكي نعيش في ((سلام)) فقد وجب علينا أن نعرف ((الله))، وأن نعرف أسرار صنعه فينا، هذا الصنع الذي هو بيئتنا التي نعيش فيها الآن.. وقد ظللنا دائماً نعيش فيها، ولكننا نجهلها، تمام الجهل.. فإذا حققنا، وصححنا علمنا بها فسيعيننا هذا العلم الجديد على أن نرجع لمناقشة هذه العقد النفسية، الموروثة، والمكتسبة، التي رسبها فينا الجهل.. نناقشها، ونصححها، ونسلط عليها النور لتخرج من ظلامها، وسجنها، إلى نور الحياة، وحركة الحرية.. ويومئذ تنبعث الحياة الحرة، الكاملة، في بنيتنا، على النحو الذي بيّنا في هذه المقدمة..
    وسر صنع الله في كونه هو الحكمة.. قال تعالى فيها : ((وما خلقنا السموات، والأرض، وما بينهما، لا عبين * ما خلقناهما إلا بالحق.. ولكن أكثرهم لا يعلمون)).. قوله ((ما خلقناهما إلا بالحق)) يعني إلا بالحكمة.. والحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها.. الحكمة هي ((نهاية العلم)) و ((نهاية الرحمة)).. وقد تكون الرحمة في صورة عذاب، ولكن الحكمة وراء العذاب، كالحكمة وراء الدواء المر.. المراد منه الشفاء من العلة.. ولكننا نحن كالأطفال.. فالطفل العليل يرفض الدواء لمجرد أنه مر.. ويجهل أن وراء مرارته حلاوة العافية.. ونحن إنما نرفض العذاب بنحو من هذا الجهل.. ولذلك فقد قال تعالى : ((كتب عليكم القتال وهو كره لكم.. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم.. وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم.. والله يعلم.. وأنتم لا تعلمون)).. هذا هو موطن الآفة : ((والله يعلم وأنتم لا تعلمون)).. ولذلك فقد وجب الإيمان بما لا نعلم، ريثما نعلم.. والإيمان أصل في العلم، وأصل في الدين.. بل الحقيقة أن العقل الذي يعرف قدر نفسه لا يمكن أن يرفض شيئاً لمجرد أنه لا يجد العلم به، عتيداً عنده.. بل أن الواجب يقضي، إذا جهلنا شيئاً، أن نؤمن به، ريثما ينكشف لنا حقه من باطله.. وأما رفضنا إياه قبل ذلك، إنما يمثل جهلاً بحقيقة أنفسنا، وينطوي على إدعاء كبير، إذ نجعل عقولنا حكماً على الأشياء.. وهذا ما يحصل من أحدنا دائماً. ولذلك فقد أصبحنا محتاجين إلى منهاج يروض العقول على التواضع، وعلى المحايدة، وعلى البراءة من الغرض.. إن مثل هذا العقل المؤدب هو وحده الذي يدرك القانون - قانون الحق - الذي به خلق الله السموات، والأرض : ((ما خلقناهما إلا بالحق)).. يعني ((بالحق)) ((القانون)).. وقديما قال أرسطو : ((إن القانون هو العقل الذي لا يتأثر بالرغبة)).. هذا هو القانون الكلي.. وهو إنما يحكي صورة العقل الكلي.. ونحن إنما نحاول أن نسير بعقولنا خلف العقل الكلي.. أليست التوصية : ((تخلقوا بأخلاق الله)) ؟؟ وبقدر ما تحاكي عقولنا العقل الكلي، بقدر ما ندرك من دقائق هذا القانون، الذي ما هو إلا أثره، وصنعه.. وبقدر ما ندرك من دقائق هذا القانون، بقدر ما تسير حياتنا في مواءمة معه.. فنبلغ بذلك الأمن، ونستمتع بالحرية من الخوف، ونطلع على دقائق الغيب.. ونصحح عقد الماضي فننغم هذا التصحيح من التشويش الداخلي..
    فالصلاة جلسة نفسية بمعنى أنها فرصة للنظر الداخلي، ولمناقشة العقد النفسية المكبوتة في طبقات العقل الباطن.. وفي التعريف العرفاني، السلوكي، العلمي، فإن للعقل سبع طبقات، تعرف بالنفوس السبع.. وقد ورد ذكرها جميعها في القرآن : أولها النفس الأمارة، ثم النفس اللوامة، ثم النفس الملهمة، ثم النفس المطمئنة، ثم النفس الراضية، ثم النفس المرضية، ثم النفس الكاملة.. وهذه النفوس السبع إنما هي درجات في مراتب الإدراك التي بها يطلع العقل على الحقائق، ويعرج في سمواتها، وذلك بفضل الله ثم بفضل العبادة المجودة، وأعلاها الصلاة.. وإنما عن الصلاة قال، جل من قائل : ((فاصبر على ما يقولون!! ‍‍ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى)) في هذه الآية عنى بـ ((سبح)) ((صل)).. وقد أورد فيها الأوقات الخمسة في اليوم والليلة.. ثم قال : ((لعلك ترضى)).. والرضا المقصود هنا إنما هو بربوبية الرب، وهو التسليم له، وزيادة.. هذا الرضا هو تعبير آخر عن التواؤم مع البيئة، والملاءمة والاتساق، وهذا ما به نحصل على الطمأنينة، وبرد الراحة، والتخلص من الخوف.. فالصلاة جلسة نفسية بهذا المعنى..


    من كتاب تعلموا كيف تصلّون للأستاذمحمودمحمدطه
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de