|
توليفة شتوية !
|
توليفة شتوية ! شاذلي جعفر شقَّاق
تنحسر ثياب النهر شتاءً عن الجروف الخصيبة ..تتشقَّق شوْقاً وتوْقاً للمعاول والبذور ..تمارس نباتات الحبوب وحامها الناضر الزاهر ، بينما تؤتي الخضروات أُكُلَها دون مَنٍّ أو أذى ! يُمارس (النَّمِتِّي) حقَّه في التنظيم – رغم قِصَر عمره- والتظاهُر ، بل والانتفاضة والثورة وتنفيذ عملياته الفدائيَّة داخل العيون والأنوف والآذان ! تثقل غصون (السَّلَم ) وجيوب الصِّبْية بحشرات (أبو الدنَّان) أشكالاً وألوانا ..تخضِّب زهرة البامية كفوف الصبايا اللاهيات ! تخرج من النوافذ وفوق الحيطان القصيرة رائحةُ اللبن المحروق ..الالتفاف حول الأمَّهات ، وأباريق الشاي والزلابية وسنابل الذرة الشاميَّة المشويَّة ، الأكواب المترعة مثنى وثُلاث ورُباع ! الكادحون الآيبون مع المغيب ..عمائمهم الملتفَّة حول آذانهم ، العاصبة كالشكائم أفواههم وأنوفهم حذرَ البرد ..جباههم المعفَّرة بذرات التراب ..خشخشة أكفهم الخشنة ..وقْع حوافر دوابهم ..حفيف الحشائش المحمولة على ظهورها ..همهماتهم وتعاويذهم ..ترجُّلهم المتزامن مع الثُّغاء والخُوار والمناغاة ..شآبيب الحليب الطازج وعزفها داخل الأواني ! أمَّا هناك .. عُواء الليل القارس الشِّتاء ..صهيل الشمأل الجموح يجعلان المساحات تنكمش بحثاً عن الدفء ... تعقم الطُرُقات إلاَّ قليلاً .. تعزف السوح والفناءات عن لغَطها الصاخب وأنسها المفتوح ..تطوي مفارش الاسترخاء ..تُكمل ما انقطع من قهقهات مُرتعدةً داخل الحُجُرات المُزمِّلة بألحفتها الوثيرة ، وأغطيتها القُطنية الناعمة الدفيئة !تلتهم الشهيَّةُ ما يليها وما لا يليها من مواعين السَّكَن السخيَّة ومجامر الحميميَّة العبقة ! تَخْفُتُ الهدهداتُ رويداً رويْداً حتى التلاشي ..تعربُ الأشياء عن ائتلافها كما يعربُ عنها اختلافها ! تحمْحم الشمأل خارج الخدور المنيعة وقد حاكى زفيرُ مَدافِئها الكهربائية أنفاس العشَّاق الملتهبة ! في الوقت ذاته هناك ..في العراء البعيد القريب أو القريب البعيد يتكوَّم السعداء- الناجون من جحيم الحريق وقنابل الموت الزؤام – كحُطام الدنيا يقتاتون الجوع ..يفترشون الألم ..يتوسَّدون الكفاف ويلتحفون الخصاصة ..تصطكُّ أسنانهم قُرَّاً وقهْراً .. يحلُمون بأن يُدركهم النومُ ، لا لشئ ، فقط ليحُلموا بلُقيْماتٍ يُقِمْنَ أصلابَهم في أمنٍ وأمان ! فعسى أن يخرج من هذه الأصلاب مَن يتعْتِع لاثغاً بسورة قريش ! إنَّما الذين يهدرون دم (الحُلْم) و (الحِلْم ) لا يعدون كونهم كوابيس وجَهالات إلاَّ أنَّهم رافلون في هِندام ذواتهم الخَرِبة ومتطيِّبون بعرَق ودماء الكادحين الكالحين ! ما ضرَّهم ترمُّل الحرائر ويُتم الأبرياء وابْيضاض أعيُن الثكالى المفجوعات باسم السلام يشعلون الحروب ..وللقاتل يحتلبون الديَّة من نعش القتيل ! باسم المسحوقين يحرُثون البحر ويضربون عليه (ساقية جِحـا) في حِوارٍ لا متناهي بين الأخذ والعطاء لا يُفضي إلاَّ إلى العدَم :
وتختمُ تلك جولتَها لتبدأَ هذه الجوْله فنشهدُ عُرْسَ حاشيةٍ إذا ما باركتْ شوْله ! وأنَّ المعنى فى المتْنِ غدا شعْباً بلا دوْله ونحرثُ بحرَ حُجَّتِنا وسهلُ فعالِنا أولى فإنْ كُلٌ غدا مَوْلى فأين المَوْلَى يا مَوْلَى ؟!
الأيام - الملف الثقافي -الأحد 30/11/2014م
|
|
|
|
|
|