رحلة العجائب والبطل د. قريب الله الانصاري

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 06:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-03-2014, 02:31 PM

عبد الله التوم حسن

تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 39

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحلة العجائب والبطل د. قريب الله الانصاري

    كتب الدكتور حافظ عباس قاسم هذا المقال الذى يحمل فى طياته بعضا من السيرة العطرة لصديقه المرحوم الدكتور قريب الله الأنصارى

    د.حافظ عباس قاسم

    بعد أن صعدت روحه الي بارئها في فيرجينيا بالولايات المتحدة ووري جثمانه الثري في السودان وشق علينا نبأ رحيله المفاجئ وغمرنا الحزن الدفين وأنا أفكر في كتابة بعض الكلمات في حقه ، الا أن المعضلة كانت تكمن في كيف أبدأ وعن ماذا أكتب وماذا أقول عن الراحل المقيم ؟ أأكتب عن صفاء قلبه ودماثة خلقه أو اريحيته وبشاشته أم عن هندامه وأناقته وبساطة تعامله وتواضعه. أأكتب عن معرفته وعلمه وخبرته المهنية أم عن وطنيته وتجرده ونضاله وتضحياته ؟ أأكتب عن الدويم مرتع صباه أم عن حنتوب الوعي أو عن الخرطوم الجامعة أم بلغاريا وصوفيا العاصمة.أأكتب عن قريب الله الاقتصاد القياسي أم قريب الله الاقتصاد السياسي . أأكتب عن العملاق وعربته القذم التي لاتتسع لأكثر من شخصين وهو استاذ الجامعة والتي ظل يترحل بها حتي بعد أن اصبح وكيلا للوزارة . أأكتب عن رفضه لأكثر من مرة عروض نميري له بالتوزير أم عن تحديه له ضمن عشرين آخرين عندما زار المعتقلين في كوبر بغرض الاستفزاز وأمر بحبسهم حبسا انفراديا في زنازين البحريات عقوبة لهم .وحتي ان غامرت وحاولت الكتابه فهناك ما هو أعرف وأقدر وأفصح مني .وتحسرت بأنني لم اولد شاعرا فطحلا أو كاتبا تحريرا لأنظم وأحرر المرثيات الطوال عن الراحل.
    استقر رأئي أخيرا علي أن ابدأ بتلك الهواجس التي دائما ما تنتابني والاحساس الذي يتاورني فجاة للسعي والتواصل مع أحد الاصدقاء من العلماء والمثقفين أوالمفكرين المبدعين والذين نجحت الانقاذ (الله لا كسبها دنيا وآخرة ) في تشتيتهم في كل اتجهات الدنيا الأربعة وبقاع الأرض فتباعدت المسافة بيننا وان ساعدت التكنولوجيا الحديثة في تجسير الشقة الي حد ما . فعلي سبيل المثال حدث أن تزامنت عودتي من الجزائر الي السودان بعد الانتفاضة مع وفاة حامد الانصاري وفي العزاء تقابلت مع شقيقه برير الذي أتي من بورتسودان لكن وبعد عدة ايام دفعني احساس دفين لزيارة برير وان كان الوقت مبكرا حيث كان هذا اللقاء هو الأخير فبعد عدة ايام استشهد في حادث سيارة .نفس مثل هذا الاحساس دفعني للاتصال بالاخ اسامة عبدالرحمن النور في ليبيا بعد عدة سنوات من انقطاع الاتصال الا أن المقالة التي نشرها د.عبد السلام نورالدين في سودانايل عن مقارعته للمرض اللعين في احدى مستشفيات لندن مكنتني من معرفة العنوان ومعاودته حيث كانت تلك الزيارة هي الاولي والأخيرة وبعدها فاضت الروح . وقبل عدة أيام هجس في نفسي أن أتصل باحدي المعارف علي علاقة مع بنات أخ المرحوم لتحصل لي منهن علي تلفونه للتواصل معه ولأسأله ان كان يعلم أن تلك الخبيرة القانونية والتي كانت تأتي دائما الي هراري للمشاركة في بعض المؤتمرات ويتعامل معها المرحوم بشهامته المعروفة وشقيقة هاله رئيسة حزب حق خاصة وأن لأختها الناشطة منال محمد عبدالحليم ولا هو قد ذكر لي أنهم يمتون لبعضهم البعض بصلة الرحم . ففي زيارة لجيلي الأنصاري قبل أكثر من اثني عشر سنة علمت منه أن الحاج بروزه وهو جد لهن من ناحية الأم هو في الحسبة خاله وأنه قد سبق أن زاره في شندي . لم تنجح مساعي في الاتصال به وحدث أن أخطرتني الزميلة بعد عدة أيام وزميل آخر بخبرالوفاة.
    أول مرة رأيت فيها المرحوم كانت في منزل كل من مختار شقيق الشفيع أحمد الشيخ وحامد الأنصاري حيث كانا يتشاركان السكن والثانية كانت في موكب أساتذة جامعة الخرطوم في ثورة أكتوبر.وللحقيقة فان المرحوم بطوله الفارع وجسمه المتناسق ووسامته وأناقته بالهندام الافرنجي أوالروب الاسود جعلني اشعر بأنه يشبه الممثلين وأبطال الأفلام الذين كنا نشاهدهم في السينما و نري صورهم في المجلات الأسبوعية .و دارت الأيام والتقينا وجها لوجه وأكثر من مرة بحكم علاقتي مع المرحوم برير وبحكم أنه أصبح وكيلا لوزارة التخطيط التي التحقت بالعمل فيها وكلفت بالاقامة في الفندق الكبير مرافقا لوفد خبراء التخطيط الاقتصادي من الاتحاد السوفيتي بل وحدث أن جمعنا سجن كوبر لفترة من الزمن بعد عودة النميري الي السلطة في 1971. بعدها غادر البلاد وبعد أن حصل علي درجة الديكتوراة من جامعة ليدز بالمملكة المتحدة التحق بعهد التخطيط الاقتصادي بداكار ومن بعد تم تعيينه خبيرا اقتصاديا لمنظمة العمل الدولية في منطقة جنوب شرق افريقيا الي أن تقاعد بسبب المعاش وصار خبيرا مستقلا يتعامل مع البنك الافريقي وغيره من المنظمات .
    المرحوم كان علي علاقة قوية مع النميري ليس فقط بحكم صداقة الأخير مع أسرة وآل الانصاري ولكن بسبب تواصل المرحوم معه وتردده عليه أيام احالته للاستيداع .ولأنه علي علم بنبوغه وذكائه وحصوله علي بكلاريوس علوم من جامعة الخرطوم وآخر في الاقتصاد من جامعة صوفيا علاوة علي الماجستير وعمله محاضرا بجامعة الخرطوم أراد النميري عندما نجح الانقلاب تعيينه وزيرا لوزارة التخطيط التي أستحدثت لأول مرة في عهد مايو الا أنه رفض ورضي بان يكون وكيلا للوزارة ولكن بثلاثة شروط : أولها تعيين وزير للتخطيط متعاون وثانيها أن يعطي الحرية في اختيار الكادر الرئيسي الذي يدير معه الوزارة والثالث نقل بعض قيادات قسم التخطيط الموروث من وزارة المالية الي مواقع في مؤسسات ومرافق الدولة الاخري وبالتشاور معهم . هذا وابان وكالته للوزارة تم وضع نظام حسابات قومية للاقتصاد وبناء جدول مدخلات ومخرجات قومي للموارد لأول وآخر مرة في السودان ، كما تم أيضا ولأول ولآخر مرة تطبيق التخطيط الشامل ووضع خطة خمسية متسقة ومتوازنة وعلي أسس علمية كان يمكن أن تنطلق باقتصاد البلاد في مدارج النمو والتطور وترتقي بأحوال مواطنيه الا أن الخطة وجهت بالعداء الشديد من قبل الدولة المصرية وعناصرها ومناصريها في السودان خاصة وأن انقلاب مايو نفسه هو صنيعة المخابرات المصرية . والسبب هو أن رأس الرمح وحجر الرحي في الخطة كان القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وزيادة الانتاج والانتاجية فيه. هذا والاهتمام والتركيز علي القطاع كان بسبب أن الهدف الأساسي للخطة ومحورها هو تسريع وتائر تراكم الفائض الاقتصادي لاستخدامه في تنمية القطاعات الأخري خاصة القطاع الصناعي وأن توليده وتضخيمه في القطاع الزراعي هو الاسرع ولا يحتاج الي استثمارات كبيرة سواء بالنقد الاجنبي أو العملة المحلية . هذا و لمن لا يعرف فان تنمية القطاع الزراعي بالنسبة للدولة المصرية هو خطا أحمرا ، وذلك لأن الأمر يتعلق باستخدام مياه النيل ويعني أن مصر ستحرم من تدفق أكثر من خمسة مليار ونصف متر مكعب هي الفائض والمتبقي من نصيب السودان البالغ قدره سبعة عشر مليارا والتي كانت تنساب وتستفيد منها مصر اذ أن استخدام السودان الفعلي لنصيبه حسب اتفاقية 1959 لم يكن يتعدي الاحدي أو الاثني عشر مليار وأن المسألة لن تنحصر في حالة التوسع والنهوض بالزراعة ليس فقط في استخدام السودان لكل نصيبه من المياه بل ستصل المسألة حد مطالبة السودان بايقاف واسترداد سلفيته المائية لمصر والتي قدرت وفقا للاتفاقية بمليار ونصف متر مكعب والتي يفترض أن تكون سارية حتي عام 1977. هذا من ناحية ، أما من الناحية الاخري فان التوسع في زراعة القطن وزيادة انتاجه خاصة النوع طويل التيله كان سيكون علي حساب الميزات التفضيلية لمصر ووضعها الاحتكاري في سوقه ، كما وأن التوسع في تصنيع ومعالجة المنتجات الزراعية سيحد من تدفق المواد الخام والرخيصة مثل السمسم والفول السوداني والصمغ والجلود والحيوانات الحية وغير ذلك من السودان الي مصر .
    لم تواجه الخطة فقط بالعداء والهجوم بل أن ميدان المعركة امتد واتسع ليشمل العملية التخطيطية برمتها وان النقد وصل حد الخبراء السوفيت أنفسهم واثيرت التساؤلات عن من استدعاهم ومن أمرهم بوضع خطة اقتصادية خمسية او غير خمسية ، وأن السودان لم يكن في حاجة لخطة وانما يحتاج لجدول زمني للاكتفاء الذاتي من بعض السلع وبرنامج اسعافي لمعالجة بعض الاختلالات التي كان يعاني منها الاقتصاد السوداني . وللحقيقة فان هذا الصراع هو ما أدي الي كل التغيرات والتطورات اللاحقة التي تتابعت وشملت الأشخاص والسياسات وحتي التوجهات والتي تمثلت في طرد أعضاء مجلس الثورة الثلاثة وانقلاب هاشم العطا وعودة نميري وترأسه للجمهورية الي أن انتهت مايو الي ما انتهت اليه. ولأن وضع الخطة كان قد اقترب من نهاياته وأنها يجب أن تجاز حتي تصبح ملزمة وأن تعلن وتنشر لأجل التنفيذ والمتابعة فان الحل كان في عقد جلسة مشتركة لكل من مجلسي الثورة والوزراء وشارك فيها وفد الخبراء السوفيت والتي انتهت باعتماد الخطة بأغلبية الاصوات . وأقل ما يمكن أن يقال عن تلك الجلسة التاريخية أنها كانت جلسة حامية واتسمت بمجابهات ومواجهات حادة مابين أنصار التخطيط والخطة الخمسية وأنصار البرمجة والبرنامج الاسعافي والتي الغي العمل بموجبها وحل محلها ما عرف ببرامج العمل المرحلية وذلك مباشرة بعد عودة نميري الي السلطة في 22 يوليو1971 . ليس هذا فحسب ولكن وبسبب فشل العناصر الرافضة للخطة الخمسية في منع اجازتها واعتمادها رسميا أو عرقلة عملية التنفيذ عاد العميد محمد عبد الحليم مسئول المخابرات المصرية الأول في السودان وعراب انقلاب مايو من ليبيا لمعالجة الامور والتي ذهب اليها ممثلا للثورة السودانية لدي الثورة الليبية بعد اعادته للخدمة العسكرية التي فصل منها امتثالا للمطلب الجماهيري في ثورة اكتوبر لتطهيره بسبب تعاونه وتواطؤه مع نظام عبود والي درجة تعيينه وهو العسكري مديرا لمصلحة العمل للتآمر علي الحركة النقابية والسيطرة علي حراكها واجهاضه وتم تعيينه وزير رئاسة في القصر الجمهوري . ومخططه لمعالجة الأوضاع بدأ بأن استغل سفر وزير الخزانة منصور محجوب الي بريطانيا فأتي بديلا له في الوزارة في فترة غيابه بينما كان الطبيعي أن ينوب عنه اما وزير التخطيط أو التجارة ، ولأن الهدف من عودته كان تفكيك وتحجيم دور وزارة التخطيط فقد ظل ممسكا بالمنصب ومحتلا لمكتب الوزير حتي بعد عودة الوزير ورفضه لأكثر من اسبوعين انهاء الاحتلال ، الي أن صدرالقراربنقل منصور الي وزارة التجارة واعتماده وزيرا للخزانة. ولأن العميد كان علي علم بالتقدير والاحترام الذي يكنه نميري للمرحوم وشروطه للقبول بمنصب الوكيل والي درجة تولي النميري نفسه لوزارة التخطيط بعد عزل بابكر النور منها وبعد رفض قريب الله وللمرة الثانية أن يصبح وزيرا لها استخدم العميد الأسلوب المخابراتي بدق الاسفين بين المرحوم والنميري . فعندما تم تكليفه وزيرا للتخطيط بالانابة بسبب سفر نميري رئيس مجلس الثورة ووزير التخطيط الي الصين أصدرالعميد قرارا باحالة أبو زيد محمد صالح نائب الوكيل والساعد الأيمن لقريب الله في الوزارة الي التقاعد. لكن عندما عاد النميري وأصر علي عدم ارجاع أبو زيد فقد خير المرحوم بين تولي شئون الوزارة أو أنه سيدمجها مع الخزانة وأنه ينوي التنازل للعميد ليصير وزيرا للمالية والتخطيط الشئ الذي اضطر معه المرحوم ليس فقط لرفض الوزارة بل وتقديم استقالته من الوكالة.
    أول قرار أصدره العميد بعد تعيينه وزيرا للمالية والتخطيط الاقتصادي هو تعيين ثلاثة أشخاص من خارج الخدمة المدنية علي رأسهم بابكر كرار رئيس الحزب الاشتراكي الاسلامي كنواب للوكيل لا شخصية له ومن أصول مصرية كان قد عاد للتو للسودان من بريطا نيا بعد أن انتهت بعثته وفشل في الحصول علي درجة الماجستير فعين وكيلا بالانابة. كذلك قام باستدعاء بعض التنفيذيين المحسوبين علي اليسار وخيرهم بالنقل مترقين الي وزارات أخري أو الاجازة المفتوحة فاختاروا الاجازة المفتوحة. وبعد اندحار انقلاب العطا قام باستدعاء نائب مدير الامن لاعتقال كل من يشك في ولائه. ولما علم بارسالهم الي سجن كوبر بدلا من أخذهم الي الدروة وتصفيتهم قام باصدار قرارا بفصلهم وبأثر رجعي من الخدمة. هذا ومن أفدح القرارات التي قام باتخاذها في حق الأقتصاد السوداني هو تعديل سعر صرف الجنيه السوداني ولمصلحة الجنيه المصري الشئ الذي بدد مديونية مصر للسودان المتراكمة من ملايين عائدات تصدير الابل و بقايا تعويضات تهجير أهالي حلفا من مناطق سكنهم لأجل قيام السد العالي. كما قام بتجميد العمل بالخطة الخمسية والاستعاضة عنها ببرنامج انتاج سلع الاكتفاء الذاتي والتي تطورت الي ما يعرف ببرامج العمل المرحلية بعد تنصيب النميري رئيسا للجمهورية. ولولا امتناعه عن الرجوع الي البلاد من احدي سفرياته الخارجية بسبب التطورات التي حدثت في النظام لأودع السجن عند عودته وقدم الي المحاكمة بسبب المخالفات المالية الكثيرة الي قام بها. كما أنه والي الآن لا يستطيع القدوم الي السودان بسبب ملف مخالافاته الضخم لدي النائب العام وأمر القبض الصادر في حقه والتي علي رأسها تواطؤه مع رولاند صاحب شركة لورنو البريطانية ، خاصة العمل علي تحويل مشروع الجزيرة من انتاج القطن الي انتاج السكر.
    عدت من الجزائر للعمل وزارة التخطيط في يوليو1987 وفقا لقرار حكومة الانتفاضة باعادة المفصولين تعسفيا الي الخدمة وفي قرارة نفسي الاستقرار نهائيا في الوطن وعدم مغادرته لأي سبب من الأسباب وبسبب سنوات الغربة والاغتراب الطويلة وفي عدد من البلدان لم أكن ميالا للسفر خاصة استخدام الطائرة ، لذلك لم أسع بل وأحيانا تحاشيت السفر الي الخارج في أي مهمة رسمية أوغير رسمية . هذا ولأن قدوم الانقاذ كان يعني أن البقاء في الوزارة من المحتمل ألا يدوم طويلا فقد أبديت لبعض الزملاء في الوزارة رغبتي للسفر الي الخارج في أي فرصة تتاح خاصة وأنه لن تتاح فرصة اخري للسفر في المستقبل واذا ما اطال الله العمر في الوزارة . ولأنني كنت في عجلة من الأمر فقد قبلت بالسفر الي هراري عاصمة زمبابوى ولمدة شهر للمشاركة في كورس مدفوع القيمة ينظمه البنك الدولي في أغسطس 1990. وحسب التذكرة يفترض أن يكون السفرعبر نيروبي التي لم أرها من قبل والبقاء فيها لليلة واحدة الا انني أبديت رغبة في السفر عبر اثيوبيا وقضاء الليلة في اديس أبابا التي كنت قد زرتها من قبل وقضيت فيها وقتا ممتعا ، ووافق البنك بالرغم من زيادة التكلفة. فذهبت لبنك السودان لاستلام الدولارات لزوم المامورية ، ولأنني قمت باستخراج تصديق اضافي لتحويل بعض المبالغ بالجنيه عرجت علي بنك الخرطوم حيث أكتشفت هناك فقدان تذكرة السفروالتي باءت مساعي البحث عنها في الطريق وفي بنك السودان . وعند عودتي من وكالة السفر وقسم الشرطة بعد فتح بلاغ الفقدان مارا ببنك السودان اذ بأحدهم يخطرني بأن التذكرة قد وجدت في الطريق وأنها بحوزة ادارة البنك. ايضا عندما عدت للوزارة كانت حافلات الترحيل في طريقها الي خارج الوزارة فصعدت وجلست في المقعد المتحرك الأول في وسط الحافلة ، لكن بعد وصولي للمنزل افتقدت المحفظة بما فيها من الآف الدولارات والآف أخري بالجنيه السوداني وفشل البحث عنها داخل البيت وخارجه. وفي صبيحة اليوم التالي صعدت الي الحافلة وبينما أنا جالس الا وعيناي تقعان علي المحفظة وهي محصورة ما بين المقعد المتحرك والآخر الثابت وأموالي فيها كاملة غير منقوصة. أما في اديس أبابا وبعد تناول الغداء خرجنا في جولة صغيرة ومررنا باحدي الوزارات التي كنت قد دخلت الي مبناها في يوليو 1973 لأسأل عن صديق اثيوبي وزميل دراسة فعلمت بخبراعتقاله من الوزارة بعد واحد من الانقلابات العسكرية التي حدثت وأشير علي بالترحم عليه لأن الأمر في اثيوبيا هو اما أنك قاتل او مقتول . وأثناء السرد لبقية الزملاء الا وصديقي الذي أحكي عنه يسرع الخطي نحوي من الاتجاه المعاكس وهذا حدث في يوليو 1990.
    في الطائرة الي هراري كنت أفكر في اذا ما كانت هنالك فرصة ووقت وامكانية ايهما ازور د.أحمد عثمان بابكر في بوروندي أو د. قريب الله في زامبيا ؟ لكن في مطار هراري علمت من القنصل عندما سألته عن أسماء السودانيين في البلد أجابنى بحضور قريب الله من زامبيا واحتمال رجوعة اليها امس فرجوته أن يحصل لي علي تلفونه وعنوانه هناك . الا أن المفاجأة كانت أن اتصل بي المرحوم بعد بضع ساعات وزارنا في الفندق وبعدها قرر البقاء في هراري بسببنا ومباشرة ايجارالبيت لسكنه والمكاتب لمنظمته بنفسه حيث أنه وبسبب اصابته بنوع معين من الملاريا في لوساكا كادت أن تودي بحياته ومن ثم تم تسفيره الي نيروبي. هذا وبسبب توجيه الاطباء بعدم العيش في لوساكا وافقت منظمة العمل علي نقل المكتب الي هراري بعد أن كانت ترفض النقل في السابق .
    سيرته العطرة وطيب معشره وأكثر من ثلاثين يوما قضيناها معه في هراري بما في ذلك الذكريات الجميلة والصور المشتركة هي كل ما تبقي لدي من الراحل والذي حاولت ومن زاوية شخصية بحته أن أحكي عنه في محاولة لمداواة النفس ولرسم صورة للقراء خاصة الشباب عن بعض بني وطنهم من الناس العظيمين والنبيلين والفريدين. ولأني لم أكن أعرف كيف أبدأ وماذا أقول فقد أطلقت العنان لنفسي لتعبر عما عن لها كما منحت قلمي مطلق الحرية ليسطر عما يجيش بالصدر ، فكانت هذه الحصيلة والخلطة من الخاص والعام والذاتي والموضوعي من الخواطر والذكريات. وانني اذ أتمني أن أكون قد نجحت بعض الشئ في هدفي هذا أريد أن تكون هذه الخواطر مواساة وتعزية لاصدقائه ومعارفه ولزملائه وطلابه ولأهله وأقاربه.
    الا رحم الله الاخ قريب الله وألهم أسرته الصغيرة ( رقية ، عمر ، خالد ، ساره ، مني ، احمد ووفاء ) وأسرته الممتدة وآلهم الصبر والسلوان .وما الدوام الا لله وانا اليه راجعون.
                  

01-03-2014, 07:53 PM

قلقو
<aقلقو
تاريخ التسجيل: 05-13-2003
مجموع المشاركات: 4742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلة العجائب والبطل د. قريب الله الانصاري (Re: عبد الله التوم حسن)

    ألا رحم الله د. قريب الله الأنصارى . ويأبى عام 2013 أن يغادرنا إلا وفى معيته قريب الله الأنصارى وسعاد أبراهيم أحمد . رحمهم الله .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de