الرحيل المر: وفاة الملكة كنداكة المشاعر نادية عثمان مختار

Quote: ثلاث عرفتهن .. ثلاثة عرفتهم .. بورداب جميعهم القارئ الكريم الأخوات والأخوة بحوش بكري لكم مني جميعاً التحية والتجلة ووافر الإحترام إني مخبركم عن صحبٍ لي ملأت منهم يدي، وطويت على حبهم نفسى، هم خيار الناس عندي ، وكان أعظم صفاتهم عندي حبهم للناس، صحبٌ صُلب العود على النوب، إذا ابتلاهم الدهر بخطبٍ يبلوهم، بُلي منهم الخطب بالنفس المرة والخلق القويم والصدر الذي تضل في ساحة صبره كل نائبة. هم ستة ثلاث وثلاثة، كما "الكونكان" للذين يلعبون الورق أربعة منهم لم يمنَّ الله عليّ بمقابلتهم ، يجلسون في قلبي كجلوس تربيعة الكونكان منعاً "للتعريج"، والعرج "أو التعريج" منقصة غير مرغوب فيها "لحريف" الكونكان، إذ في عرفهم دائماً "القافل يجر" في غير ذلك ستكون بينهم "غافلاً لا قافلاً"، وحين ترمي "البايظ" ربما تسحب خمسيناً، و"البايظ" في عرفهم ورقة لا مكان لها عندك ولا فائدة، ولكنها مع ذلك قد تكون بخطورة "إنفلونزا الخنازير" أو خلية سرطانية (بالثدي أو البروستات كل حسب نوعك) لكنها قاتلة، تسحب بعدها أو تجر بخمسين، والأخيرة يتبعها صياح أشبه بصياح الرشاشات عند إحراز هدف في مرمى الشياطين، من نوع (وآآآآآآآآآآآآآآى)، وربما تغني لك نانسي عجرم "شخبط شخابيط، اخد الألوان وكتب عل الحيط" وبذلك تُدوّن خمسينك تاريخياً، واثنين منهم لم يثلثا بعد، عرفتهما وقابلتهما، وراوحت بين إنتظار التثليث أو سحب الجوكر، والجوكر عند أهل الورق هو بطاقة مهرج الملك، وهو "كدولار بنجامين" تحمله معك أينما ذهبت، ويحل دائماً محل الفاعل إن حذفته أو لم تحذفه. والورق اختراع صيني منذ القرن التاسع الميلادي، وهو في شكله الحالي تطوير أنجلو – أمريكي فيه ألوان أربعة، الأسود (القبة – البستوني - الزنجي) أو ما يعرف بـألـ Spades ، والهارت (القلب - الكوبة) أو ما يعرف بالـ Hearts ، والديناري أو الـ Diamonds ، والشيرية (الأسباتي) أو الـ Clubs ، وفيها أربع صور الآس Ace ، والملك أو الـ King ولست أدري لم عرف عندنا بالشائب خاصة أنهم جميعاً ملوكاً، فملك الأسود هو الملك ديفيد أو داؤود، وملك الهارت هو أحد هؤلاء الملوك تشارلز أو شارلمان أو تشارلز السابع وملك الديناري هو يوليوس قيصر وملك الشيرية هو الإسكندر الأكبر، ثم تاتي الملكات الأربع (الدامات أو البنات) أو الـ Queens وهنّ أزواج أو محظيات الملوك السابقة، ثم الفرسان الأربعة (الأولاد) أو الـ Knaves وهم فرسانهم أو قضاتهم أو خدمهم، ثم لكل لون تسع أوراقٍ أخرى تحمل كل واحدة منهن عدداً واحداً يقع بين الاثنين والعشرة ويأخذ لونه وشكله، وبذا يكون جملة الأوراق عدداً اثنين وخمسين ورقة، ثلاثة عشر لكل لون، مضاف إليها جوكرين. وإن كان نصيبك في اللعب جوكرين فأنت ممنوع من النزول (أي كشف أوراقك حسب قانون الكونكان ما لم يكن عند البعض حريقاً) إلا إذا أكملت عدته بواحدٍ فقط، فإن لم تستطع فما عليك إلا إنتظار الفتوح دون تغطية، وهذا أمر آخر ليس له متسع. والكونكان نوعان، مطعم وغير ذلك، وكلاهما لا يعنينا الآن. وحسب قواعد بروتوكولات الإتيكيت فالملكات أولاً يتبعهن الملوك، فإلى من أريد الإخبار عنهم أسوق الحديث: الملكة الكنداكة نادية عثمان: هي كنداكة المشاعر بلا ريب أو هكذا أحسب، رقيقة هي دون ضعف، حين تقرأ لها تحس أنها تكتب من داخل "قلوب الحبوبات" ، لها أرشيف يحتوي كل حب الناس، تسوقك في عاميةٍ سودانية إلى غياهب "شمارات النسوان"، فلا تحس حرجاً بهن، وهن ينظرن إليك ويبتسمن، كلماتها تنساب فتقع في نفسك موقع الماء الذرب على موطن الإلم، تنتقل بين سطورها كانتقال الجوكر تثليثاً وتربيعا، وفي بعض الأحيان تقص عليك كما يقص "حريف الوست " الملك لديك "بدامة" منه، فيصبح "شايبك" في خبركان، أما إن لاعبتها على أنغام "الهارت" فأنت هالك لا محالة "وماكل دامة الأسود" فتحرز هي الدرجة الكاملة وتضيع أنت "بالداون" ، والهارت لمن لا يعرفه له عدة معان، فهو عند أهل الورق لعبة أشبه "بالوست معكوساً" ولن أفيض، وهو عند أهل العلم مضخة الدماء، أما عند المحبين والعشاق فهو مكان سكنهم ومثواهم الأخير، وعند "المشوكشين .. ولا بلاش" ، ونادية عندي ليست جوديت ملكة الهارت ولا راشيل ملكة الديناري، ولكنها كنداكة سودانية خليط من مهيرة وتاجوج، تري في ابتسامتها زغرودة أختك يوم يغنن بنات أعمامك وأخوالك وعماتك وخالاتك " ده اليوم الدايرنو ليك يا .... مبروك عليك" ، وحين تسير إلى البحر لتقطع جرائد النخل، إما إن شنفت أذنيك من خلال قناة هارموني، فأنت تبحر بين صوت ليلى المغربي رحمها الله وحنان النيل مد الله في أيامها، فلا هي تقدم برنامجاً ولا هي تغني لكنها رواح بين هذه وتلك، وإذا بك تخفض صوت التلفاز حيناً حتى لا تسمع الضيف، وترفعه حيناً آخر حتى تسمع شدو حديثها. أما نادية الأم فكلماتي تستحي وصفها، لأنها مهما بلغت من بيان فلن توفيها حقها، فلتهنأ بوحيدتها ولتهنأ بها وحيدتها، هذه هي الملكة الكنداكة نادية عثمان كما عرفتها من خلال كلماتها وسطورها ويراعها، وهي ثاني ثلاث إذ هن في حوش بكري.