يتكون هذا النص من 114 مقطعا أنشره في صفحتي بالفيسبوك وهنا..
1- البلدة القديمة وتبدو البلدة البعيدة في الذاكرة مثل خيل في انتظار السباق عصرا لكي تهرب إلى صاحبها بالهزيمة .. كأننا لم ندخلها ذات يوم.. ولم نتكلم عنها في قصص الحبوبات .. أو نعلنها في الصحف والمجلات ودار الإذاعة.. هي بلدة من حنين واشتياق وبعض انتحاب.. بلدة من صحاب تغربلوا في فضاء الظنون.. بعضهم سافر إلى سمائه وبعضهم نام في الكهف حالما بعهد وليد.. بلدة حين هجرناها كانت مطرزة بالوعود.. هي اليوم ساحة للحروب .. ليتها لا تكون.. ليتنا لا نكون.. يا رب عطف .. حنان.. وإيمان عميق يعلمنا حب أن نعشق أشيائنا من جديد.. حب أن نبني لا نهدم.. نحب لا نكره.. نتسلح بالعلم قبل الجهل.. وبالشجاعة قبل الخوف.. وبالسير قبل الوقوف طويلا.. طويلا في صفوف الفراغ العريض..
2- الجحيم حين هجرناها في زمان قديم يتجدد في الحلم وفي الذكريات.. حين كان الرحيل.. كنا صغارا على الفهم.. كان ابي في عنفوان الشباب.. كنت طفلا يتمشى في المزارع بين حقول الخيال.. حالما بالمستقبل البعيد.. حالما بالجديد.. مالكا لمفاتيح الغيب في جيبه.. قوية.. شديدة.. من حديد.. ثم جاءت أقدارنا تحركنا في الغياهب تارة.. تارة في الجحيم ترمى بنا.. فجربنا احتراقنا في هذه الارض .. والله العظيم جربنا ان تتبدل جلودنا بالهموم وبالحزن والقهر والخوف والاشتياق.. ثم جاء الملاك يحمل عصى من حجارة من سجيل.. يضربنا في الرؤوس وفي القفا وفي كل حدب وصوب من أجسادنا الواهية.. ونحن نطأطئ الرأس نلعن في سرنا كل ملاك جميل يتسمى باسم الذي خلق.. الذي برأ العاديات.. الذي قال إنه سوف يجعل ارضنا جنة ثم عيشنا في لظى.. آه يا لظى يا جحيم..
09-06-2013, 01:07 PM
عماد البليك عماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897
ثم مرت سنون وراءها سنون.. سنين.. وفي كل لحظة.. هنيهة.. كان الذي يشغلنا أن نعيش إلى اليوم نقتات من خوفنا لقمة ومن عاهرات الظنون.. هي اللعنة التي تسكن كل خائب أو ذليل.. هي التي تكسره وتهد حيله وتركل به في مزبلة من وجع.. هي التي لا ترحمه أبدا.. ساعة يرضاها هي ويتلذذ بأن يتقرب من عهرها.. يتهجأ لها رغم كل شيء.. اسمه.. خنثه.. رعبه.. جهره.. سره.. هي التي تقتله في الليل قبل النهار.. وفي الفجر قبل الصباح.. وفي الريف قبل المدينة.. هي التي تأتي مدثرة على هيئة الصالحات.. محجبة.. طاهرة.. نقية.. ثم يأتي المساء فتلبس ثوب الرذيلة.. تتقاسم رزقها بين ك ل ب وك ل ب .. رجل خانع تعلم الذل في مدرسة البلاد البعيدة.. تعلمه وفق كل الأصول وبالنحو والصرف.. باللغة العربية.. ودرسه مترجما باللغات التي لا يفهم سوى شكلها في الشفاه تنطق بالثاء بدلا عن التاء وبالحاء بدلا عن الهاء.. الذي جرى أنه تعلمها.. وهذا يكفي أنه صار يعبر في السنين.. السنين.. ولا يتعلم سوى حرقته أو مغص يهادنه تارة ثم يقتله بالضرب على الصدر.. أو بالغرائب تلك التي كانت هنا مسطرة في بيوت من الطين.. قيل إنها محروسة بياسين.. ونون.. والمعوذتين وبعض من آية الكرسي.. يرددها كل فجر عسى أن يكون أميرا.. وزيرا.. خفيرا.. عسى أن يكون يكسب لقمة من حلال.. محال.. محال
خرجنا في ليلة مقمرة رغم كل السواد العظيم في مزعة القبة فوقنا.. نسمع خطواتنا.. خبطنا في الرمال بأحذية من حجارة.. تدق على الأرض دقا.. تئن بنا.. وكان الطريق طويلا كعهده.. كعادته.. وكان الصحاب أنا وأبي وثلة من أهل بلدتنا المغامرين.. توكلنا على الله ثم قررنا بأن ندرك غايتنا قبيل الصباح.. قبل أن تشرق الشمس فتفضحنا هجرتنا على حين غفلة.. أو يلحق الكافرون بنا.. ويلنا.. ويلهم.. ورحنا نتصور استقبالهم لنا في المدينة.. في العاصمة.. حيث تعصم كل مشاكلنا ونصبح من ورثة الأرض.. من الصالحين.. الذين يسكنون القصور ويفهمون في السياسة وإدارة الحكم والسلطة والصولجان.. ملوك هذا الزمان..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة