|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
ثمة هناك رقيبا ما ، يقف على اكتافنا ، يقمعنا ، يسكتنا ، يقهرنا بدعوى الحفاظ على الحياء العام..!! حسنا ، الواقع لا يعرف الحدود .. يكون بتلقائية...يعيش بتلقائية.. ثم ينمحي بتلقائية..و هو يمد لسان السخرية لذلك الرقيب استهزءا و يقول : طــــــــــظ في الذوق العام أ و الحياء العام.. أو أي ما يكن..!! لم ننشر ما نكتب بعد.. لأننا نخاف هذا الرقيب.. ليس لأن له القدرة أن يقمعنا و يقهرنا كيفما يشاء..و انما لخوفنا أن تضمحل الذاكرة في القارئ/ة الذي نسعى الى لفت انتباهه..!! رقيب بكري ارحم من رقيب الدولة.. فأقرؤوا ما تيسر هنا.. مين عارف.. يمكن بكرة ما تلقوهو..!!!
التفاصيل: +18 كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
(15) هجير تموز اللعين ، يتمدد لهيبا حارا لافحا فوق سماء الخرطوم . الأوضاع في جامعة الخرطوم ، توترت بصورة مزعجة . فسياسة التعليم العالي ، حسمتْ امرها على تصفية السكن و الإعاشة تماما . و الطلاب في قمة الرومانسية ، و هم يدعون لمقاومة كل ذلك بما فيهم من حماس و عنفوان . كانت تلك المسألة ، سبب مشادة حدثتْ بيني و بين أحد الزملاء في داخلية عطبرة (أ) . فلقد قلتُ ، وقتها ، مبديا رايا ، أحسب أنه في قضية عامة من حق الجميع الكلام فيها . و قلت ، أن النظام الحاكم هو نظام عسكري ، و ليس في النظم العسكرية مساحة تقدير للرأي الآخر ، كل شئ عندهم يجب حسمه عن طريق القوة و العنف و القمع ، فحتى لو دعت الضرورة الى الخروج في مظاهرات ، فسيكون مصيرها القمع ولا شئ سوى القمع ..! قال أحد الزملاء ، حينها : ده نوع من الجبن و التخاذل و تثبيط الهمم ، الطلاب عندهم القدرة على تسقيط حجر الحكومة في ذات نفسها ، سواءا كانت ديموقراطية أو عسكرية أو جن احمر ذاتو ..! قلتُ ، مدافعا عن رأي : تسقيط حجر الحكومة ، أمر يهم الشعب السوداني ..! فقاطعني اخر ، متضايقا : و نحنا شنو ، ياخي ، و الشعب شنو ؟ و الله كلام . ما ياهو جنس النوع ده ، القاعد يدي فرصة للمتنطعين بنعت الجامعة بانها برج عالي ، و ان طلابها خياليين و بعيدين عن الواقع تماما . يا اخي نحنا الشعب ، و الشعب ياهو نحنا ..! قلتُ : كل ذلك صحيح ، لكن مش بالعاطفة و انما بالعقل .. قال اخر : حتى لو كان العقل هو الجبن و التخاذل ؟ قلتُ ، متضايقا : يا اخي القصة ما قصة جبن و لا تخاذل ، بعدين طلبة الجامعة ديل أنا عارفهم كويس ، ماهم ناس حارة تب..! فقال احدهم ، من طرف بعيد على حافة الدائرة التي اتسعت بقدرة قادر : منو القال ليك ، انتا نسيت القرشي و بابكر عبد الحفيظ ؟.. يا راجل اصحا و فوق ..! قلت : نعم ، نسيت القرشي و بابكر عبد الحفيظ ، لكن متذكر كويس التاية ابو عاقلة و بشير الطيب و سليم محمد ابوبكر ..! صمت الجميع تماما ، كأنما على رؤسهم الطير . خرج جلال من بينهم و قال لي : أر ح يا حماد ، و بلاش سفسطة ، ياخي انتا عارف البير و غطاها ، جامعة شنو ، و حركة طلابية شنو ، بلاش فارغات معاكم و خلونا في حالنا ..!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
(16)
اشياء غريبة حدثت لي ، ولا ادري أي تفسير لها . فلقد كنتُ اقرب الناس الى بشير الطيب حينما طعنه فيصل حسن عمر ، طعنة نجلاء اودت بحياته . كنتُ ، وقتها ، قادما من داخل احد قاعات كلية الإقتصاد ، انا و امتثال الشيخ ، و نحن نبحث عن اقبال الياس . سمعنا الهرج و المرج . و عندما اقتربنا ، تعرفتُ على بشير ، كان غارقا في بحور من الدماء . كنت أصرخ فيه بهستريا : بشير ، وريني الطعنك منو ..!.. الموقع كان قليل الإضاءة ، يغري تماما بممارسة مثل تلك الأعمال ، التي تحتاج الى خفاش يعرف جيدا تفاصيل الظلام و استغلاله بصورة خطيرة ..! صرخ أحدهم في وجهي قائلا : يا اخي الزول ده تعبان و بينزف ، حقو بدل ما تسأل عن الطعنو منو ، احسن تساعدنا عشان نوصلو المستشفى ..! دون أن أشعر ، وجدت نفسي أركل و أرفس باقدامي ضربا في الجميع . صرختْ امتثال الشيخ ، تحذر ذلك الجمع ، و هي تقول : يا شباب ، أعملوا حسابكم ، الزول ده معاهو سكين ، خاتيها في ساقو اليمين ..! ..و كانت تظن انني سارتكب حماقة من نوع ما.. خصوصا و منظر الدم المسفوك كان طاغيا على المشهد..
عند ذلك التحذير ، فرّ الجميع ، و كان بشير الطيب ينزف . رائحة الدم الحار ملأت خياشيمي تماما . و شعرتُ بالظلام يزداد . حملته على ساعديّ . و بعد خطوتين ، شعرتُ بركبتيّ تخذلني ، و سقطتُ على الأرض و جسد بشير بين يدي . اقترب جمع الطلاب ، و حملوا عني جسد بشير ، و ذهبوا به الى المستشفى . و كنت معهم ، طيلة الطريق أسال كالمعتوه : بشير الطعنك منو ..!! جذبتني امتثال،و دخلنا كلية القانون ، و قد ادركت هي مدى التوتر الذي انا فيه ، ذهبت هي الى مكتبة القانون ، و احضرت ادم موسى ابو عنجة ، و حدثته بالحال التي انا فيها ، ثم سألني ادم ابوعنجة ، و لم اجيبه و كنت ساهما ، فسأل امتثال ، هل تعرفين الطالب المطعون، فقالت : يقولون أنه من كلية الآداب ، و شكله من اولاد كردفان..! تركنا ادم موسى ، و عاد و معه جلال شايب ، و كان جلال حكيم للغاية و ساخر في نفس الوقت ، فقال ، يداعبني: انت وكت شفت ليك دم ، يا حماد ، ما كان تتم الفجة، و تتدرع الطلبة من طرف..وكت الكلام ما عاجبك..!! ذهبنا ثلاثتنا مع امتثال لغاية باب داخلية البنات ، و كانت هي متوجسة للغاية ،و منزعجة..و قالت لجلال.. قلبي ماكلني على الزول ده..و متوقعة تحصل ليهو حاجة..فطمأنها الصديق جلال..و ذهبنا الى الداخلية.. في الداخلية قلت لجلال ، أن المطعون هو بشير الطيب ود العباسية تقلي..!! غضب جلال وقتها ، و بحسه الرعوي أخذ يزجرني ، و هو يقول : طيب انت وكت عرفتو القاعد ليها شنو؟..مش كنت على الأقل تمشى معاهو المستشفى؟.. هسع كن الزول ده ضاع في النص و ما وصل المستشفى.. بعدين نقول شنو؟..ثم امرني قائلا : يلا ارح المستشفى..!! اعترض ادم موسى..و قال لجلال.. الدنيا حظر تجول.. ح تمشى وين؟..انتظر لغاية الصباح و بعد داك نشوف الح يحصل شنو..!! كان ذلك مساء الأثنين ، الرابع من ديسمبر 1989 ، عند الساعة العاشرة . لم ننم تلك الليلة ، و في فجر الثلاثاء ، الخامسة صباحا بلغنا أن بشير قد توفى الى رحمة مولاه ، متأثرا بتلك الطعنة النجلاء ، و في تلك اللحظة ، تبينا أن القاتل هو فيصل حسن عمر (بالسنة الثانية كلية الآداب) ، عضو الإتجاه الإسلامي . في اليوم التالي ، كنتُ قد ابتعدتُ عن جو الجامعة ، الذي توتر وقتها بصورة سريعة. مكثتُ يومي و ليلتي بأمدرمان ، و عدتُ فجر الأربعاء ، لأجد أن الجو العام قد زادت حدة توتره .قوات الإحتياطي المركزي تغلق كافة مداخل الجامعة بأعدادها الهائلة ، و هي مدججة في عتادها بكامل عدة القمع .
ذهبتُ مباشرة الى كافتيريا الهندسة ، و قابلتُ اقبال و ليلى هناك . اقترحتْ ليلي ، الخروج فورا من الجامعة ، عن طريق بوابة النيل ، امام مكتب مدير الجامعة ، لآ ادري بالضبط ما كان يدور في راسي حينها ، و لكني حزمتُ أمري متوجها نحو شارع النشاط في وسط الجامعة . قوات الإحتياطي المركزي ، بدأت في اٍجتياح الجامعة عن طريق شارع النشاط و شارع المين رود . سمعتُ صوت الرصاص يطرقع في فضاء الجامعة ، و قلتُ لنفسي ، بصوت عالي : تفو عليك يا زمن الخراب ..! اخترقت طلقة مدرّبة و مصوبة باحكام صدر التاية ابو عاقلة ، و اخرى سكنتْ أحشاء سليم محمد ابوبكر ، و اخرى مرتْ سريعا و هي تخترق ساق مجاهد الزين ، و اخرى اصابتْ عبد الملك موسى . حينما كثرت الإصابات ، صرخت شول دينق ، و هي طالبة بجامعة جوبا تصادف وجودها في السنتر في تلك اللحظة اللئيمة ، صرخت تحذر البقية من عدم الوقوف في الأماكن المكشوفة . دفعها أحدهم ، ليزيح جسدها النحيل ، و هو يقول : الناس بتموت ، و انتي بتقولي أرجعوا ..! بترت تلك العبارة ، طلقة سكنت ساق شول دينق الأيسر ، فترنحت نحو الأرض . وقتها ، كنتُ أنا قد وصلتُ شارع النشاط ركضا . انبطحتُ على الأرض ، و أنا ازحف ، حتى اقتربتُ من سليم محمد ابوبكر . و كان ينزف بشدة ، فالطلقة كانت قد هتكتْ صدره تحت الحجاب الحاجز . اشرتُ لزملائي ، على الطرف الآخر من الشارع ، أن سليم ابوبكر قد فارق الحياة ..!
بمثل فكرة الزحف تلك ، قام احدهم بالإقتراب من التاية ابو عاقلة . أنهار فوق جسدها المسجي على أرض شارع النشاط ، و اخذ يصرخ بصورة هسترية ، و هو يقول : كتلوها ، الما عندهم ضمير ، شاربي دماء العذروات و الناس العُـزّل ..! كان عبد الملك موسى ، اكثرهم تماسكا ، بالرغم من أنه مصاب في يده اليسرى و هي تنزف ، تحامل هو على نفسه و صرخ يقول : أركز يا زول ، الموت واحد و المصير واحد ..! سمع قائد الإحتياطي المركزي ذلك النداء ، و كانت قواته تتمركز بالقرب من مكتب البريد عند مدخل الجامعة ناحية بوابة النشاط الرئيسية ، و فجأة انحسرتْ تلك القوة الهادرة ، و تراكض افراد الإحتياطي المركزي نحو شارع الجامعة ، في حالة انسحاب سريعة .. كنت اجلسُ بالقرب من جسد سليم ، و أنا ابتسم بصورة غريبة في لحظة لا تقل غرابة ، و دمائه قد ملأت خياشيمي ، دافئة ، مندفعة بقوة . وضعتُ يديّ على راسي من شدة الهول ، و ظللتُ اضع اقدامه على حجري ، و انا في حالة ذهول تامة ..!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
(17)
بعـد تلك الأحداث ، و ذلك العام المشئوم ، غادرتُ الجامعة ، و مكثتُ بالدلنج قرابة الشهر، تنتابني كوابيس بصورة مستمرة . و عدتُ بعدها ، و أنا اتحاشا التوترات الطلابية ، التي من شأنها أن تنتهى بمأساوية مثل تلك . فعند ساعة الصفر ، سيفر الجميع لينجو بانفسهم ، و عندها ، فقط ، سيصيب الرصاص اجساد الطيبون و الطيبات ، الذين يتصورون أن الإنسان وفاءا و ثبات عند المبدأ في وقت المكاره ، مهما يكن شكل ذلك المبدأ ..! و أكثر الناس فرارا ، هم اكثرهم جعجعة و نفخا و قرعا لطبول الخراب . تذكرتُ كل تلك الأشياء ، حينما دفعني جلال شايب أمامه ، ولازال الجو اشبه بتلك الأجواء المملوءة بالدماء و القتل المجاني ..! عندما دخلنا غرفتنا بالطابق الثاني من داخلية عطبرة (أ) ، قلتُ لجلال : أنا ما عارف ، لكني شامي ريحة دم ، و الله يستر ساكت ..! قال جلال ، يداعبني : يا اخي بلاش خرف معاك ، ده حالتو ما جاتك طلقة ..! قلتُ ، ساهيا : الطلقة أفضل من هذا العذاب ، مطلقا لن تستطيع قوة تحمل في هذه الدنيا ، أن تحتمل عيون بشير أو سليم أو التاية ، في لحظاتهم الأخيرة ، كانت مملوءة بالنداء الأمانة ، بأن دمائهم معلقة في رقابنا ..! قاطعني جلال شايب ، و هو يقول : خلاص شيل تارهم يا خي و ريحينا . أهو داك الإحتياطي المركزي محلو معروف وين ، ألحق اكتل ليك فيهم عشرة ، خمس عشان خاطر سليم ، و خمسة عشان خاطر التاية ، أما بشير فالزول الكتلو معروف ، و ما عليك الإ تلقاهو تصفي حسابك معاهو ..! في تلك اللحظة ، دخل عبد السلام حامد الطيب ، و الذي بادر و هو يقول : يا ساتر ، أني اشتم رائحة شرر يتطاير مزرا ، ماذا هناك يا هؤلاء؟ و كان يحب أن يضخم صوته ، لقناعته بأن اللغة العربية كائنا فخما يجب تفخيمه و تبجيله بالقدر اللازم ..! قلتُ ، ساهيا : و انا ، أيضا اشتم رائحة الدم يا هذا ..! قال ضاحكا : مع تقديرنا التام لقساوة تجربتك مع الدم المسفوح غدرا في أرض الجامعة ، الإ أنه ، لا يعني ذلك ، أن تكون زرقاء اليمامة . و في ماذا؟ في التنبؤ بالدم؟.. يا اخي عليك بالقهوة البكر ، المصحوبة بالبسبوسة و الباسطة الفاخرة . عليك بالحلويات الطيبات يا هذا ، فالمؤمن كائن حلوي ..! صمتنا لحظة ، قطعها سليمان ادم جمل ، الذي دخل الغرفة مجلجلا ، صائحا و هو يقول : ولّعتْ ..وين البدلة يا عبد السلام ؟!!
سليمان هذا ، كانت له حكمة طريفة في الخروج في المظاهرات الطلابية . فهو يصر على الخروج بكامل حلته ، بدلة و ربطة عنق جميلة ، و عطر ، و مسح راسه الأصلع بكريم شعر مستورد . و يصر على المشي و الهتاف في الصفوف الأمامية ، خصوصا حينما تكون المسيرة قاصدة مجلس الوزراء ، و كان يبرر تلك الأبهة بقوله : الظروف ما معروفة ، احتمال يشوفوني ناس الوزارة و يعينوني معاهم حتة وزير..!!
يقول عبد السلام ضاحكا ، و هو يداعب سليمان ادم جمل : انتا قايل دي أيام الديموقراطية؟..و الله يخطوك بي طلقة تفرطق ليك صلعتك دي ..! يتدخل جلال شايب ضاحكا ، و يقول : هسع في ذمتك يا عبد السلام ، لو قالوا ليك صلعة سليمان دي بتصيبها طلقة ، ح تصدق؟.. يا اخي ، دي والله لو جاتها طلقة ، تزيد من سرعتها بخاصيتها الملساء ..!! تجاهل سليمان كل سيل الدعابة ذاك ، ووضع حقيبته المنتفخة على الدرج ، محدثا صريرا . ثم فتحها ، و أخرج رزمة بيانات صدرت في هذا المساء ، بيان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ، بيان تجمع الروابط و الجمعيات الأكاديمية ، بيانات التنظيمات السياسية ، الجبهة الديموقراطية ، حزب الأمة و طائفة الأنصار ، الختمية و الطلبة الإتحاديين ، بيانات الروابط الإقليمية ، اضافة لبيان طلاب الإتجاه الإسلامي ، و الذي يحذر من الإنجرار نحو مطامع التنظيمات السياسية ، تلك التي لا هما لها سوى نسف استقرار الجامعة . و لم ينسى ذلك البيان العجيب ، أن يذكر بضرورة ضبط النفس و الإنصياع لقرارات ثورة التعليم العالي التي لا يأتيها الباطل بين رجليها ..!! كان سليمان ، أكثرنا حرصا على قراءة و أرشفة البيانات الصادرة في جامعة الخرطوم . قال عبد السلام : أظن ، أن ما هزأ به اخانا حماد قبل قليل ، هو حقيقة واقعة لا محال ..! قال جلال : كل الجهات ، ما عندها استعداد لقفل ابواب الجامعة ، و كل ما يحدث في هذه البيانات هو من باب المناورة السياسية المستهبلة ..! قال عبد السلام : أنا ما عارف ، لكن عندي تروميتر خاص لقياس درجة حرارة الأحداث في جامعة الخرطوم ، و لم يكذب هذا المقياس قط..! قال سليمان ، متساءلا : و ماهو ذاك المقياس ، يا اخا العرب و الفور و الميدوب معا ..! قال عبد السلام ، و هو لم ينسى أن يفخم صوته ، محاكيا اصحاب الإختراعات العظيمة : البيانات يا قوم ..! قال جلال : و ما لها البيانات يا حبيبي ؟ قال عبد السلام : البيانات ، يا صحابي ، كلما زاد عددها على الأربعة ، و من جهات صدور مختلفة ، فكلما عنى ذلك أنها ولّعتْ ..!..و هذا ما قال به شعور سليمان الباطني ، فحينما دخل علينا قال ولعت ..! قال جلال ، مماحكا : حتى لو كانت البيانات دي مجرد تهنئة بمناسبة عيد الأضحى ..؟!! فقال عبد السلام ، ساخرا : لن يتذكر تهنئة الطلاب بعيد الأضحى المجيد ،سوى جهة أو جهتين ، و غالبا ما تفعل ذلك لجنة مسجد البركس ، و التي لا يفوت عليها تذييل مثل تلك البيانات المسالمة بالدعوة للتبرع بجلود الأضاحي ..! كنتُ قد ركنتُ الى الصمت . شيئا ما يزحف في دواخلي و يبللها بأحاسيس شتى و متلاطمة الأمواج ..! قال جلال ، يداعبني : حماد أركز ، انتا خايف ولا شنو؟.. يا اخي يسمعن البنات الفيهن رندا ام كحيل..! قال عبد السلام ، ضاحكا : ياخي ، رندا دي ما بتعرف كيف تزغرد زغرودة جرس..!! قال سليمان ، منافحا عن رندا و مناصرا جلال : في النهاية هي حكامة ، و حكامة نضيفة كمان ..! قال جلال ، مطمئنا : ينصر دينك يا سليمان يا خي ، و حتما بهذا الموقف المشرف ، قد ضمنت لك موطئا في جنان عدن ..!! جلال ، عنده و في اعرافه كافة ، أن كل من يطرى رندا تلك بالخير ، فهو بلا شك سيذهب الى جنان الخلد ، فذكراها ، عنده ، تفوق الباقيات الصالحات ..! بالرغم من جو الدعابة تلك ، الإ أنني كنت أحسُ بالإنقباض التام . و احساسي بالشؤم ، أحيانا كثيرة لا يكذب .. ! أخرجتُ عدة خطابات قديمة كانت قد ارسلتها لي سبأ . و اخرجت بعض الكاسيتات التي بها أغاني المردوم ، و بعض من شاعرات البدو الحكامات . أستمعتُ لكاسيت للهداي العجوز ام بارات ، و هو يمجد فيه قيم الفروسية و الشهامة و الكرم ..! قال سليمان ، مداعبا : و ديني ، هي الحرب قد بدأت يا قوم..! .. ألأ ترون أخانا حماد و كبسولات الحماسة هذى ، نحن معك يا هذا ، و من يرشك بالماء سنرشه بالدم ..! قال عبد السلام ، هازئا و ساخرا : من يضربك بالسيخ ، سنطعنه بحلاوة حربة ..!! شعرتُ بحدة الإنقباض تزداد ، و هي تكاد أن تمزق دواخلي . و أحسستُ برغبة اكيدة في ممارسة النوم . تجاهلتُ الضجيج و الصياح ، و قد قدمتْ مسيرة من طلاب كلية الهندسة ، و هي تهتف بحماس ضد قرارات ثورة التعليم العالي ، و تنادي بضرورة عودة الديموقراطية ..! اٍمتلأ البركس بسحابات التوتر ، و نشطتْ أركان النقاش ، تلك التي تشبه طبول الحرب ..!
نمتُ في تلك الليلة ، بصورة هادئة ، و لم تراودني الكوابيس و منظر الظلمات الكثيفة ، أو حتى منظر الدود الأبيض ، الذي يخرج من زندي..!.. فلقد كان ذلك هو اشارتي ، و لكن لم يحدث لي شئ من ذاك القبيل ..! أغتمنتُ لحظات الفجر الهادئة ، و اخذت حماما صباحيا رائعا . شعرتُ برغبة أكيدة في التدخين . سحبتُ علبة السجائر البرنجي من دولاب جلال شايب ، و اشعلتُ سيجارة . كنتُ استمتع بمتابعة دوائر دخانها ، الأزرق الهادئ . امتلأت دواخلي باطياف الراحة العميقة و المتعة . أخرج جلال رأسه من تحت غطائه باسما ، و هو يقول : ما ابهاه صباح ، ذاك الذي كساك يا حماد ..! ابتسمتُ ، و قلت : تصدق؟..أنني هادئ المشاعر تماما ..! قال : حيا الله وجه رندا ، و سقاها طل الفرح الدفاق ، فهي خيط السر الذي يغذي ديمومة الحياة هذى ..! صحا سليمان حينها ، و كور سفة تمباك أنيقة ، و هو يقول : البكاء الصباحي ، ضعف يا رجل ..! قال عبد السلام ، و هو يدخل باب الغرفة بعد الحمام الصباحي : يا اسمها لما سرى ، لما سرى ..! قال جلال ، مستطيبا ذاك التعضيد : انه سر الموسيقى ، و سر البهاء ، ما اروعها نغمة تلك المفردة رندا ..!! قلتُ : انها ، الآن تمشط خصلات شعرها بفرشاة التسريح..! قاطعني جلال ، و هو يقول : المشاط اداة من ادوات البؤس يا تيس الخلا ، و ما تفعله رندا بخصلات شعرها ، هو طقس التسريح الخرافي ..! قال سيلمان : ياخي ، تسريح ، مشاط ، ضفّير ، كلو شعر بنات يا هذا ..! قال عبد السلام : جلال ، يا اخانا في المحنة و الفرح ، اظنك ستموت استشهادا في سبيل تأسيس خطاب مفردات رنداك تلك ..! قال جلال ، بصورة حازمة : و لن أضن بجهدي من اجل تلك الغاية الكريمة النبيلة ..! أنتابتني موجة حزن شفيفة اجبرتني على الصمت . و دونما اشعرُ ، خطوتُ نحو الباب. قال سليمان : الدنيا صباح ، رايح فين يا حماد ؟! لم أرد عليه ، و لم تكن لي أي رغبة في البقاء بالغرفة . نسمات الفجر العليلة ، عانقت قسمات وجهي . و حاولتْ أن تهدئ موجة الإضطراب في دواخلي . شعرتُ بخوف عظيم ، ولا ادري ما هو مصدره . قلتُ لنفسي : الله يكفينا شر العوارض..! شربتُ شاي الصباح عند حليمة بنت ابو جبيهة ، عند مدخل البركس ، و يممتُ وجهي شطر الجامعة . رائحة الأشياء ، ملأت خياشيمي . و طفرتْ صور بشير الطيب و سليم ابوبكر و التاية ابو عاقلة ، تزحم مخيلتي. دونما اشعر ، هتفت في دواخلي ، و انا اقول : يا ترى على من سيكون الدور اليوم ..!! أغرب ما في الأمر ، أني التقيتٌ امتثال في ذاك الصباح الغريب . تحدثنا في امور شتى ، و قد لاحظتْ هي القلق البادئ على وجهي. قالت لي : حقو تغادر الجامعة حالا..! قلتُ ، اطمأنها : عادي ، ما في مشكلة ، شوية توتر لا أكثر..! قالت : امبارح ، ما نمتا كويس ولا شنو؟ قلتُ ، باسما : بالعكس ، نمتا مبكرا..! ران الصمت ، لحظة بيننا ..كنا نجلس في منتدى الفلاسفة . شعرتُ بأنني ، أريد أن أركض ، أركض بشدة . داهمتني موجة الإنفعالات ، التي تشبه الإسهال المفاجئ. نبضات قلبي ، تدافعتْ بقوة..! همستُ في وجه امتثال ، و أنا اقول : أنا حاسي أنو الجامعة دي ح تدور ، و ح يموت فيها طالب..! قالت امتثال ، و هي تبتسم : يا خي ، الجامعة مدورة من امبارح بالليل ، و ربنا يجيب العواقب سليمة ..! أحسستُ بأني أريد أن اضم امتثال في صدري ، لكي أتدفأ بصدرها و احتمى بها ، و اخفف حدة التوتر في ذاتي..! نظرات امتثال ، أمتلأت بعوالم مدهشة ، جعلتني اغسّل وجهها بالتحديق المذهول . ابتسامتها الطفولية ، اتسعت كالفجر المبلول بأندى الأحلام . ندتْ ضحكة باهتة عني ، و انا اقول لها هامسا: ما كنتا عارف ، انو عيونك فيها الجنون ده كلو ..! ضحكتْ هي ، و مارستْ لحظة ضمت قصيرة ، لتمنحني مزيدا من وقت التأمل البهيُّ..! تلفتُ حولي ، الطلاب و الطالبات ، اخذوا يتوافدون كنمل الصباح النشط . قمنا ، أنا و امتثال ، و غادرنا منتدى الفلاسفة . عندما وصلنا شارع النشاط ، شعرتُ بأنني أرغب في أن اودع امتثال وداعا حارا . تاهت الحروف عني ، و تآمرت عليّ كل ادوات التعبير الممكنة ..! قرأتْ امتثال خواطري ، و قالت : ما في عوجة ، كل شئ ح يمشي بهدوء اٍن شاء الله ، و نسأله السلامة ..! بلعتُ أنا ريقي ، و قلتُ لها : مع السلامة ، نتلاقى بعدين..! و كنتُ موقنا في دواخلي ، بأني لن أراها الى الأبد..!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
(18)
عند منتصف ذاك النهار التموزي ، كان يوم 17 يوليو 1991 ، زادت حدة التوتر في داخل الجامعة . البمبان اشتعل ، و فلول الطلاب تتراكض ، تطاردها قوات الإحتياطي المركزي ..! كنتُ قادما من داخل كلية القانون ، نحو شارع النشاط ، و أنا اسعى لكي اغادر الجامعة . فجأة دوى هدير الرصاص أمامي . ركزت بصري نحو شارع النشاط ، و لكني لم ألمح أي عسكري . تدافعت الخواطر ، عجلى في ذهني : أيكون هناك طلاب مسلحون ؟ زاد أزيز الرصاص ، و هو ينطلق من مدافع رشاشة صغيرة . كان الطريق خاليا . قلة من الطلاب ، كانت تتراكض بحثا عن مواقع للإختباء . كان موضعي عند مدخل كلية القانون ، امام الكافتيريا القديمة . رايتُ أحد الطلاب ، يجتهد لكي يلحق بمجموعة من الطلاب ، كانت تركض بين كليتي القانون و الآداب ، بالقرب من وحدة اللغة الفرنسية . اٍزداد أزيم الرصاص . تأكدتُ من الصورة التي بدت ملامحها أمامي . مجموعة من الأفراد بالزي المدني العادي ، و يحملون تلك الرشاشات . شعرتُ بالغبن و الغيظ و الحنق ، فالأمر هذه المرة مختلفا تماما ..! كان ذاك الطالب ، قد احتمى خلف الصهريج الصغير الموضوع في مدخل كلية القانون الخارجي ، و لكن هيهات..! أصابته ثلاث رصاصات و أردته قتيلا..! حينما سقط ، دخلت عربة بوكس تنطلق بسرعة جنونية ، و امتطتها تلك المجموعة المسلحة . انطلق البوكس بسرعته تلك نحو النادي الجغرافي في قلب الجامعة . و عاد بنفس السرعة . كنتُ حينها ، أقف فوق جسد طارق محمد ابراهيم . عيونه تتحداني ، و تعلق دمه المسفوك أمانة في عنقي..! .. لعنتُ العجز في دواخلي و ركبتُ موجة المرارة ..!! لم أدري بالضبط ما حدث ، و لكني شعرتُ بماسورة مدفع رشاش ساخنة تلكزني من الخلف. ألتفتُ لكي أتحقق من صاحبها ، و كان الأمر لئيما وواضحا . فقال لي صوت نسائي صارم : يللا قدامي ، اوعك تعاين وراك..! صدرها الطامح ضغط على مناكبي بلذة غريبة . كانت مربوعة القامة ، و جسدها ممتلئ ، لا يشبه قط رشاقتها و هي تصوب نحوي المدفع الرشاش. حينما تباطأت ، ركلتني خلف اٍليتي ، و شعرت بطرف حذائها المسمار ..! ركبتُ البوكس تحت امرها . كل الوجوه كانت مقنعة . رجالا و نساءا . و تحسرتُ على أنني لم أتمكن من تأمل وجوههم ووجوهن قبل اسدال الأقنعة . رموني أرضا ، و ضغطتْ احداهن على خصيتي ، بصورة مؤلمة للغاية ، حتى كاد أن يغمى عليّ . أمرهم كان ، الأ ارفع رأسي حتى يراني المارة . اتخذ البوكس ، شارع الجامعة متجها شرقا ، عكسا لحركة المرور العادية في ذاك الشارع ذي الإتجاه الواحد ، و كان منطلقا كالصاروخ..!! حاولتُ أن ارفع رأسي ، و لكن خبطةُ قوية علي رأسي ، داهمتني من الخلف ، مصحوبة بصوت رجل أجرش ،و هو يقول لي : أرقد تحت يا جزمة ..! لم أدري بالضبط ما يحدث لي . هم يجيدون الصمت الملتبس في مثل تلك الحالات العجيبة..! بالقرب من مسجد الجامعة ، توقف البوكس. أنزولني ، و احداهن تقول : الجامع الما داير تدخلو ده ، الليلة لازم تدخلو..! في مكتب من مكاتب جمعية القرآن ، عصبوني بعصابة سوداء ، و حجبت الرؤية في عيوني تماما . كانت لغة التخاطب بينهم غدت صامتة الى حد الرعب . أخرجوني نحو البوكس. و كان شبح يسندني ، تبينتُ انه شبح اٍمرأة ، اشبه بتلك التي اخرجتني من مدخل كلية القانون . بعد مسيرة ، حددتُ زمنها في داخلي بمقدار الساعة ، أنزلوني . جذبني احدهم نحو باب مشرع ، و قال لي هامسا : اعمل حسابك العتبة عالية شوية..! رفعتُ قدمي ، و لكن لم تكن هناك عتبة ولا يحزنون ..!
عندما دلفتُ ، انسد الباب من خلفي ، مرتجا بصوت عالي ، كانما يقف فيه شخص غاضب للغاية . سُحبتْ العصابة السوداء من وجهي . و انهالتْ على الركلات من كل صوب. كانوا ، ايضا رجالا و نساءا . اشتدّ الضرب ، و لكني تحاملتُ على نفسي ، و قلتُ لها : اليوم يومك يا حماد ابو الدخيرة ..! فجأة خرجوا ، و تركوني في الغرفة التي امتلأت برائحة العرق الممزوج بالدم . كنت اسند ظهري على الحائط القذر . دخلتْ على ، و انا في تلك الحال ، فتاة قصيرة القامة ، و هي ترتدي بلوزة حمراء و اسكيرت غامق اللون . اخذت تخلع ملابسها ، دون أن تقول أي شئ. كانت ترتدي حمالة صدر وردية اللون ، و صدرها ممتلئ بصورة مزعجة. اشعلت سجارة بنسون أنيقة . جذبت منها نفسين فقط ، ثم اخذت تفك ازرار قميصي. أطفأت سجارتها في فتحة سُرتي . و تجاسرتُ أنا ، و لم يصدر عني أي صوت . و يبدو أن ذلك لم يعجبها ، فركلتني في خصيتيّ . شعرتُ بألم حاد ، و الدم يسيل فوق وجهي . عيوني خانتني ، و أنا انظر الى فخذيها . اقتربتْ بوجهها مني ، و اخذتْ تقبلني بعنف . كنت أحاول التملص منها ، فملأت قبضة يديها بخصيتي ، و انا احاول أن ادفعها بعيدا عني . كانت قوية ، كأنما هي قد تدربت تدريبات شاقة . همستْ ، و هي تقول : عامل فيها ضبان ضكر ، تركب من طرف..! قلتُ : و انتي يركبوا فيك شنو يا بت الناس؟!! اخذت تركلني في كل اجزاء جسدي . ثم حسرت عن سروالها ، ولم تكن مختونة ، و تبولت فوق رأسي . ثم أشعلت السجارة الثانية . سألتني ، و هي تقول : قاعد تدخن ؟.. أومأت برأسي ، اشارة بانني ادخن. اشعلت لي سجارة ، و هي تبتسم . اخذت اشفط السجارة بنهم . ضحكتْ هي بخلاعة ، و هي تقول : حيلك ، لسع الزمن بدري..! قلتُ ، ببراءة : نحنا وين؟ افرجتْ هي عن فخذيها ، و اشارتْ نحو فرجها ، و هي تهمس : في مدخل جهنم الغرباني ..! اشحتُ عنها وجهي ، و انا اقول : ياخي الضرب أرحم من كده ..! خطفتْ مني السجارة ، و اطفأتها على كتفي الأيسر. كنت أمدد ساقي ، فجلست هي فوقي و هي تفرج عن ساقيها . كانت زنخة فرجها قد ازدادت عفونة . شعرتُ بالقئ .سعلتُ ، و بصقتُ بعضا من الدم . و عادتْ هي تركلني بحرقة . و بعد برهة ، جلستْ جواري ، و هي تمسد خصلات شعري ، و تحاول ان تنظف سيل الدم عن وجهي . بغتة سألتني : انتا قاعد تعمل شنو مع البنية الصغيرة بتاعة الفول و التسالي؟.. قايلنا ما عارفين حركاتك ولا شنو؟ قلتُ : يا تو بنية ؟ قالت : صفية عبد الكريم ادريس..! قلتُ : ما قاعد اعمل معاها أي حاجة .. دي بنية مسكينة و قاعد اساعدها لله..! خبطتني على صدري ، و هي تقول : ولد دا .. يعني داير تقنعنا انك ما قاعد تركبها هي و امها ؟ قلتُ ، بعجز تام : ياخي حرام عليكم ..! ضحكتْ هي ضحكة خافتة ، و غاصت في الصمت . بعد قليل ، قامت ، و فتحتْ باب دولاب على الجدار . أخرجتْ ملابس نسائية ، و اخذت تلبسها قطعة قطعة . ابتدأت بربط الخمار على راسها ، ثم اخذت تلبس و تضع البقية على جسدها. و بعد الفراغ من وضع كل قطعة كانت تركلني بحرقة . حينما انتهت من لبس ملابسها ، قالت لي : وكت ما داير تركب ، خلى يركبوك ، و تعرف حاجة..! و اضافت ، مستدركة : ولا احسن اركبك بماسورة رشاشي ..! قبلتني هي ، للمرة الثانية ، بصورة كادت أن تقضم بها شفتي السفلى ، و هي تقول : ح نتلاقى تاني ، و اوعك تتغبى فيني العرفة ،لو كان استايلك في الركوب مميز..!! و خرجتْ و هي تترجرج في زيها المحتشم..!
ظللتُ برهة لوحدي ، ثم دخل عليّ شخصين ، و لم يتحدثا معي أو يركلانني . اخذا يقفان لقرابة ربع الساعة . دفعانني نحو الباب ، و اخرجانني نحو صالة عريضة ، وجدتُ فيها مجموعة من طلاب جامعة الخرطوم . حدقتُ في وجوههم ، و كل واحد منهم كان يتحاشا أن تلتقي عيونه بعيوني . ربما كانوا ، يحتاجون الإحتفاظ بتماسكهم . رميتُ بجسدي على أول فسحة صغيرة . همس احد الطلاب يقول لي : يا زول انت رأسك قاعد ينزف ، الناس ديل ضربوك شديد ولاشنو؟!! لم تكن لدي أي اٍجابة على مثل ذاك السؤال ..! فجأة زأر فينا أحدهم ، و هو يقول : طلبة جامعة الخرطوم ، تضحكوا علينا و تسمونا الطيور..!! صمتنا تماما.. تقدم هو من احد الطلاب و قال له : بالله ، لو سمحت غني لي و الله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في ايدها جواز سفر ..! رفع صاحبنا عقيرته بالغناء ، بلا تردد ، فأنبرتْ لنا ديوك العفاريت بالضرب المبرح ، المصحوب بأقزع الشتائم الفاجرة و الإتهامات . صرخوا فينا ، و هم يقولون : كمان في مكاتبنا تقولوا لينا طيور..!!
حينما هدأ الحال قليلا ، جاء احدهم من الظلمة الخفية ، و قال يخاطب جمعنا المكلوم ذاك : أنتو عارفين الحاصل في سنتر جامعة الخرطوم شنو؟ صمتنا .. وضع يده على كتفي ، و هو يهزني برفق ، و يقول : لقد استشهد اخوكم طارق محمد ابراهيم ، الطالب بالصف الأول بكلية العلوم ..! أنحدر الدمع على صفحات خدود البعض منا ، متواربا .. ثم واصل هو حديثه ، و هو يقول : عارفين الكتلو منو ؟ صمتنا ، و نحن نبلع بقايا الريق الجاف في الحلوق ..! هزا هو كتفي ، مواصلا بالقول : اخوكم ده كتل اخوكم طارق محمد ابراهيم ..! عشنا و شفنا ، أخر الزمن طلبة الجامعة بقوا يكتلوا اخوانهم ..!! اصابتني سنان النظرات ، تلك المملوءة بتساؤل عاجز ..! مكثتُ هناك مدة من الزمن ، أظنها تجاوزت الأسبوع . و كانت حفلتي تبدأ بالإشارة لي بأنني قاتل زميلي في الجامعة ، طارق محمد ابراهيم ..!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
(20)
توقفت الليموزين الفخيمة ، في قلب ذاك الحي الفاخر ، و الذي كانت مسار تمتعه بالإقامة فيه. ملامح الفيلا الأنيقة ، كانت تتراقص أمام عيوني المجهدة . الحديقة الصغيرة المنسقة ، الأزاهر المضيئة ، كانت هي أول من حياني باٍلفة و ترحاب . عبرناها ، و كانت غرفة مسار في الطابق الأول ..! دخلنا تلك الغرفة البهية ، لم أكن مطلقا ، أتصور بأنني ساجئ اليها في يوم ما . الشموع المعطرة تتناثر تناثرا يبدو فيه الإنتظام . و امتدتْ ملامح عالم اخر صغير ، لا يشبهنا زمانا و مكانا . امتد السرير العريض الذي يكفي لأربعة أشخاص . تناثرتْ مصادر الإضاءة الكهربية العديدة و الخافتة ، و هي تشبه عقد اضاءات خيوط الكريسماس ، تلك التي تجذبك مباشرة الى قاع الحلم الوردي الجميل . امتد الموكيت الناعم ، الذي غاصت فيه قدماي الحافية بكل ما يعتمل فيها من أحاسيس الحرمان ..! على اطراف السرير الكبير ، تم تثبيت سماعات كبيرة لجهاز تسجيل الموسيقى ، تعبتُ في تحديد شكله و حجمه ..! دفعتني مسار عبد الغني ، نحو السرير و هي تقول : ارتاح شوية ..!
غابتْ عني مسار لبرهة من الزمن ، و عادتْ . أسقتني مشرب عصير ، لم اجازف مطلقا في تحديد هويته . باناملها الدقيقة ، لمست على موضع معين . أنطلقت الموسيقى ، شئ اشبه بموسيقى الجاز الناعم ، و عبير هادئ الملامح ، كانما يشكل دخانا صامتا ، يصعد بك مباشرة الى السموات العلية ..! حدقتُ في وجهها ، و اعتذرتُ عن رائحة جسدي غير السارة ..! قلتُ لها : اريد الإستحمام .. قالت : اشرب العصير ، و الحمام جاهز ..! لم تكن بي رغبة لشراب العصير ، و قرأت هي تلك الخاطرة . قادتني الى الحمام . كان البانيو الرخام ، يرقد في منتصف غرفة الحمام ، التي غطيت أرضيتها بمرمر ازرق ناعم الملمس . صار حوض البانيو ، كالسفينة في اعالي البحار ..! خلعتْ مسار ، القميص عني . همستُ لها ، و انا اقول : خلاص ، شكرا ، أنا ح استحمى براي ..! قالت ضاحكة : عارفة المعلومة دي ..! ناولتني نصف دستة من البشاكير ، ذات اللون الأخضر .و خرجتْ . لم استطع ملامسة الماء ، لأن الألم كان يتمدد في كل نواحي جسدي ، و يصحو مع البلل بالماء . غالبتُ نفسي ، و اخذتُ امرر الماء على جسدي بالتدريج . كانت الصوابين النفاذة ، تقف بتحدي على حافة البانيو الرخام . عدد من مقتنيات الشامبو و الصابون السائل ، و دهانات الشعر و الجسد و الراس ، تصطف هي الأخرى ..! كنتُ أقرأ الديباجات الملصقة . بعض الصوابين ، كنت لن ادرك أنها صوابين ، لولا قراءتي لمحتوياتها . فثقافتي لم تكن تتعدى سوى نوعين من الصابون ، صابون اللوكس و الفنيك ، و صابون الغسيل ، و ابعدها درجة هي معرفتي بصابون أومو ، و هو المسحوق الوحيد للغسيل في السودان ..! أكتشفتُ وجود مرآة كبيرة تمتد على الحائط العرضي ، و تغطيه ، لتزيد مساحة غرفة الحمام.طبعا لم يحدث لي من قبل ، أنا مارستُ الإستحمام ، و انا ارى صورة جسدى على مرآة مثل تلك . و كانت مناسبة ، تبينتُ فيها معالم على جسدى ، كنت لن أراها مدى الحياة ..! امتدتْ لحظة بقائي في الماء الدافئ ذاك . غادرتني الكوابيس و مداخل الأسئلة اللحوحة ، تلك التي تمتد باعناقها نحو مدارات التفسير و التبرير و محاولة معرفة الملامح و اكتشافها ..!
حينما خرجتُ من الحمام ، كانت مسار قد جلبتْ بعض الطعام و المشروبات . جهزتْ منضدة صغيرة ، و هيأتها سفرة للطعام ، و لا ادري من اين خرجتْ بها ..! وجه مسار ، كان نديا و تملؤه اليناعة و الرقة ..! قلتُ ، أسألها : أي يوم هو اليوم؟ ابتسمتْ ، و قالت : اتشابهت عليك الأيام ..!! انطلقت الموسيقى ، بصوت اعلى قليلا ، و تجاهلتْ مسار سؤالي . و قالت ، تحدثني : ده استاذ موسيقى اسمو بوب جيمس . انا بحب اسمع مزيكا السوفت جاز..! قلتُ : و الأستاذ ده جنسو شنو؟ قالت ، بحماس : امريكي ، ابيض ..! استغربتُ أنا لتلك الإفادة المغرقة في عنصريتها ..! فقالت هي ، موضحة : طبعا الجاز ده ، في امريكا ، هو شغلة الناس السُود ، لكن الإستثناء أن يشتغل بيهو زول ابيض ، زي بوب جيمس و اٍريك كلابتون ..! قلتُ لها ، بخبث واضح : كلام صاح ..! طبعا ،هذه واحدة من الأشياء التي تنكد على مسار عبد الغني ، و تعكر صفوها ، فهي لا تحب مطلقا أن تقول لها صح بلا مبرر واضح ..! ضربتها على فخذها الأيمن ، و انا اقول مداعبا : يا اختي هوي ، انا ما عندي فكرة عن الجاز خالص ، عشان افهم انتي بتقولي في شنو ..! صمتتْ .. أرتختْ اطراف جسدي لإغراءات ذاك اللحاف اللدن . جذبتْ مسار خيط لامع دقيق ، و هدأتْ الإضاءات كلها في الغرفة ، ثم قبلتني على جبيني ، و هي تقول : تصبح على خير ..! و خرجتْ ، و هي تتهادى كشمس المغيب الفرحة بلحظة الأصيل المرهفة ..! تدافعتْ الأحلام البهية ، من كافة نواحي الخيال و انسجة الرؤى الخفية . انسقتُ لها ، و غطّتْ عينايّ في منام لم أرى مثله ، قط ، في حياتي ..!!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: Kabar)
|
الى عناية المشتغلين و المشتغلات بامر الكتابة الروائية و القصة القصيرة.. و النقاد ( ان و وجد منهم من يمنح دقائق من وقته الثمين و البحث عن التفاصيل هنا ، هذا ان كانت مثل هذه التفاصيل الغريبة تلفت نظر مثل اولئك و اولائي من الرجال و النساء الغارقين في استعلاءتهم المدهشة)..
Quote: و قالت ، تحدثني : ده استاذ موسيقى اسمو بوب جيمس . انا بحب اسمع مزيكا السوفت جاز..!
|
و هنا بوب جيمس...نفس المقطوعة التي كانت في خاطر الكتابة و لحظة التدفق الحزينة تلك..
المقطوعة اللعينة اسمها ( رؤية مزدوجة)....double vision
(دينق و تبارك ، الرسول ما تتقاطعوا بي هنا ياااااااااااخ.. (تبارك يا عم ، دينق عارف ليك جخانين نيرفانا ، الزول طلع فيهو شوية سمو ، بس لو بطل لينا حركات العساكر دي ، ح يكون متسكع مثلنا.. و يا دينق ، بيننا حديث عن القوطية.. بس نلقي لينا فرقة.. بقارة شنو و انتباهة شنو يا عم.. على بالحلال نحن خواجات اظرط من العبا ر بريمة..!!!.. باقي ليك عاتلم تتكسر في بت ابا ايفا مانديز.. دي عالم ساهلة؟!!!؟؟؟.. بريمة ح يقعد يستشير عمك قوقل يومين تلاتة ،عشان يعرف بت ابا ايفا تلك..ووقتها نحن ح نمرق في امطرقا عراض..!!!)...
تعلمت الأستماع الى منجزات بوب جميس من صديقي اللعين.. الشيوعي الحلفاوي بهاء توفيق.. و يا بهاء.. لمن الواحد يشوف شيوعيتك الجميلة تلك و شيوعية ناس خالد العبيد ، يقرن ايديهو في راسو و يبكي صايبي (محسن خالد ، ان شئت.. صايبي ، هي طريقة المناحات التي تؤديها بنات عمك في دار المسيرية...و اصواتهن اسكت ساكت خليها ، تشهيك الموت يااااااخ)...!!
زولة ، في نص الخرطوم ،تشغل لحبيبها مزيكا بوب جيمس ، و يكون الحبيب ده بقاري من ام طرقا عراض ..فهنا يتخيل لي في حاجة ح تعمل منخوليا لسيدنا حسن الترابي ، غطس الله سره في الأعالي و الأسافل معا ,..!!!
يا خلق هوي واقع ليكم النزيف ده ، ولا نرفع رجلنا من الجاز شوية...؟؟؟؟؟!!!
كبر
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: احمد الامين احمد)
|
أنت رجل حكاء يا كبر، تضع القارئ في قلب الأحداث تماماً دون فذلكة والتفاف ليسير جنباً إلى جنب مع كامل تفاصيلها وظني أن (السرد التاريخي) ينبغي أن يكون هكذا مع بعض الأخيلة التي تذهب مع الأحداث حتى أقصى احتمالاتها ومآلاتها ذا مع الترتيب -ولا حديث لي عليه- ورعاية اللغة -وتحتاج منك إلى التفاتة أو اللجوء إلى أهل الاختصاص فيها-
تحياتي ومحبتي وعشمي أن تمضي قدماً في إصدار هذا الكتاب فإنه -بناء على ما اتحته- يستحق أن ينشر....
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: فصل من رواية: الى العميد ود الريح ، اصدقائي كيكي و سارة عيسى..!! (Re: بله محمد الفاضل)
|
صديقي بله..حبابك كتر خيرك على المرور من هنا..و المطايبة.. لم يحدث تحرير كافي ، فيما يختص باللغة..و لكن طريقة الصورة التي ننشد أن تصل الى قارئ ما..هي طريقة الحكي العادي للتفاصيل كما هي..صحيح الكتابية العالية قد تكون غائبة لصالح التركيز على الحدث..و لكن هي ضرورية للغاية خصوصا ان جنس الرواية كأدب..يحتاج الى اللغة و شروطها الجمالية.. الأحداث في حقيقتها (شكل الكتاب النهائي) قد يكون سردها فيه كثير من الترهل الذي يصل مرحلة الثرثرة المجانية..و لكن عزاءنا أن الرواية تقوم على التفاصيل..و تفاصيل التفاصيل..! بعض الأحداث حقيقية..و هي تأريخ قد يذهب الى النسيان في القريب و قلنا احسن الناس تلتفت ليهو و توثقوا..و مع ذلك بهارات الحكي احيانا تأخذ غالبية الحدث.. كتر خيرك كتير يا بله..و معك نتمنى ان تظهر هذه الرواية و معها اخواتها الكثر..
| |
  
|
|
|
|
|
|
|