|
الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية )
|
الحب في زمن الانتفاضة المداخل الأتبراوية : يمكن الولوج لأحداث هذا الزمن من عدة جهات أتبراوية صميمة وأصيلة وراسخة في عمق الزمن : من كوبري أتبرا العتيق ، و من جهة السيالة، ومن الداخلة معقل العمدة السرور السافلاوي، ومن جهة غرب النيل ( أم الطيور ) ومن التميراب ومن العكد، ومن خلف مداخن مصنع الاسمنت ومن الجهة التي يكسح منها الأتبراوي وعند نقطة إلتقائه بالنيل ( المقرن ) ، ومن سماوات كل الأحياء الأتبراوية المعطونة بالكتاحة ( القيقر وأمبكول والموردة وزقلونا والسودنة وحى العمال والحصايا والمزاد والفكي مدني والسوق الكبير وميدان المولد ودار الرياضة والمكتبة القبطية وورش المرمة ومحطة السكك الحديدية والكمبوني وأتبرا الثانوية والأميرية والعمال الوسطى وملاعب الدافوري والجيش ونادي العمال والمعلمين، ومن زمن الناظر طلسم والناظر محمود أمين والأساتذة وداعة وعبيدي وملاسي وسيد الطاهر والشوش، وبار تساكوتلس ومطعم اليماني بسوق القيقر ، ومن رواد ليالي حفلات حسن خليفة الأتبراوي وفرقة دانة ومن ناقلي أحداث أبو جنزير، ومن مَن عاصروا ( مكليّة ومختارات ) ومغامراتهما في ميدان المولد، ومن عشاق الكابتن اللبودي وشوقي عبد العزيز وعبد الله موسى وبربرينا وشاتوت، ومن جلسات الساسة الحاج عبد الله وكبج ومحمد الحسن عبدالله. من كل هذا المزيج المتنوع الذي كان يشكل لوحة أتبرا، تخرج هذه الأحداث دون ترتيب زمني. تنساب كما هي بنفس العفوية وبنفس الإيقاع الذي كانت أتبرا تنام وتصحو عليه، برغم تكالب عدة منغصات ومعوقات.
نواصل
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
أذكر يا أبا جهينة .. ذلكم اليوم الذي قابلتك فيه مصادفة في السفارة .. ولعلك لا تذكره
وكنت لا أعرفك.. ولكن محنة الدم الأتبراوي ... هي التي أجلستنا بجوار بعضنا... تحدثنا لقليل من الوقت ..
ورغم كوني أصغرك بسنين عددا .... ولكن اشتركنا في بعض الذكريات .. والأحاديث والسمر
حكيت لي عن حلتكم جنب دكان عبد الملك .. والتي لا يفصلنا عنها سوى ميدان مدرسة المزاد ..
اتبرا ... اندياح شرقي .. غارق في النداوة ... مزدان بألق الشوق ... وحنين الأمهات ..
واصل يااااااااااخ .... فقد أفردنا مساحة في الأفئدة ما سيأتي من حديث
والحديث عن عطبرة ... كالمدخل يده في برميل الدقيق .. لا بد أن يعلق شيء بيده
تحياتي
الشغيل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: عبد العزيز محمد عمر)
|
شكرا يا ابو جيهنة على النفحة العطبراوية في رمضان وانت تذكر الوجه الرسمي لمدينة عطبرة وخلي الوجه غير الرسمي لي تيس عبدالمعروف...مكلية.....طيوبة....عوض هجيج واحيطك علما ان الدكتورة سعاد الامين اصدرت مجموعة قصصية باسم سور المسجد الكبير من دار سندباد من القاهرة يحتفى بها الان في كافة الاسافير العربية حاول تحصل على نسخة من منافذ البيع وذلك لاهتمامك بالابداع العطبرواي المغيب سودانيا حتى الان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: adil amin)
|
الأخ المفضال الأستاذ عادل أمين
تحية أتبراوية خالصة معجونة بتيارات ذاك الزمن الجميل
شكرا يا ابو جيهنة على النفحة العطبراوية في رمضان وانت تذكر الوجه الرسمي لمدينة عطبرة
والله كلها مخلوطة ببعض ، فأتبرا كانت مزيجا ( كوكتيل ) سائغ شرابه
وخلي الوجه غير الرسمي لي تيس عبدالمعروف...مكلية.....طيوبة....عوض هجيج
ديل كانوا بهارات أتبرا .. أيام لها مختارات
واحيطك علما ان الدكتورة سعاد الامين اصدرت مجموعة قصصية باسم سور المسجد الكبير من دار سندباد من القاهرة يحتفى بها الان في كافة الاسافير العربية حاول تحصل على نسخة من منافذ البيع وذلك لاهتمامك بالابداع العطبرواي المغيب سودانيا حتى الان
أنا في تواصل معها وسترسل لي نسخة
دمتم أبدا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: عبد العزيز محمد عمر)
|
تحياتي أخي عبد العزيز الأتبراوي الأصيل
حديثك والله ذي شجون وخصوصا :
اتبرا ... اندياح شرقي .. غارق في النداوة ... مزدان بألق الشوق ... وحنين الأمهات ..
واصل يااااااااااخ .... فقد أفردنا مساحة في الأفئدة ما سيأتي من حديث
والحديث عن عطبرة ... كالمدخل يده في برميل الدقيق .. لا بد أن يعلق شيء بيده
تابع معنا رمضان كريم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
لاحظ زملاء الحزب تدهور نشاطي وكثرة أعذاري عن القيام بالمهام التي كنت أتطوع للقيام بها نيابة عن بعض الزملاء والزميلات. أجلس ساهما أضرب أخماسا في أسداس. تارة يجرفني تيار كتيار الأتبراوي فأقرر مصارحتهم بانسلاخي منهم إكراما لعينيها. وتارة تنساب صافرة ورش أتبرا لتهمس لي بأن غدا لناظره قريب وربما أتى الفرج من حيث لا تحتسب. وحبيبة القلب تواصل إلحاحها. إلحاح تزيد ( الكتاحة ) في صيف أتبرا من خنقها للجو. وتوقيت هذه الحيرة كان قاتلا ، فالجو مشحون بعدة نزالات سياسية تتطلب أن يكون كل الأعضاء على أهبة الاستعداد. حكيت موقفي لزميلي الساخر ( ود المجذوب ) فقال وهو ينفث دخان سيجارة ( البرنجي ) في وجهي بينما أسنانه تنفرج عن ضحكته المخشوشنة : يا زول بالليل خليك جبهجي وبالنهار أمرق علينا ساي ، زولا أحمر لينيني ... قسما بالله بالليل وكت تتوهط العنقريب وينخلط حابلكم بنابلكم ، ما بتفْرق تكون هندوسي ولا مسلم. ,يواصل ضحكه وهو يمتص السيجارة حتى نخاع الفلتر ...
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
في المعتقل، لم يراودني شيء غير أسرتي و(رقية). أسرتي لم تعرف أنني معتقل إلا بعد مرور ثلاثة أيام بالتمام والكمال، فقد ظنوا أنني عند صديق الطفولة ( حسين ) بمدينة بربر – الدّكّة ، أو بدامر المجذوب عند أخي الذي لم تلده أمي ( مصطفى )، فقد تعودوا أن أغيب دونما خبر. كل من شرب من ماء النيل الممزوج بمياه نهر الأتبراوي الكاسح ، فهو إنسان ذي مزاج مختلف تماما عن بقية أهل السودان، ففي المعتقل الذي لا يحسب فيه الإنسان يومه بالدقائق والساعات ، بل يحسبها بمجريات الأمور وأوامر السجن والتعرف على المعتقلين وظروفهم، سيبقى كل الذين عرفتهم في السجن كالأوسمة والنياشين على صدري، وسيقبعون في ذاكرتي ما حييت. جاءت جدتي لأبي تولول وهي تربط رأسها بطرحة حمراء اللون، و( المحفظة ) تموسق خطواتها وتتقافز عبر ( توب الزّراق ) الذي تتلحّفه منذ موت جدي قبل أعوام. قلت لها مواسيا : ( يا حبوبة السجن للرجال ) فقالت وهي تصارع ( بلسانها سفّة ماكنة تقبع في شلوفتها المدقوقة ) : نان برة ما كُتّ راجل ؟ سألتها على استحياء عن ساكنة قلبي ( رقية ) .. فقالت وهي تلفظ ( سفتها ) على بلاط مكتب الضابط : والله ما جابت خبرك ، وعرّست واحد ما بعرف إسمو منو. بركة ، هي الجابت ليك النحس دة. وقْع هذا الخبر كان سجنا آخر إنسربتْ فيه روحي، وعندما أطلقوا سراحي ، تمنيت أن أظل حبيس المعتقل على الأقل حتى يندمل الجرح ويبرأ. ولكن كدَيْدَن أهل أتبرا، فقد إنبرتْ شخصيات لا صلة لها بالحزب الذي أنتمي إليه، من رجالات الختمية والأنصار والطرق الصوفية، كلها إنبرتْ للتوسط لدى السلطات لإطلاق سراحي المشروط. وهذا هو معدن أهل أتبرا تحسبهم شتى ولكن قلوبهم تجتمع على بصمة الانتماء لهذه المدينة الوطن. وخرجتُ من المعتقل .. أحسستُ أن هذه المدينة التي أحببتها أضحتْ في حجم زنزانتي، وكل من جاء مهنئا كنت أظنه ينظر إلىّ إما مشفقا أو شامتا. كل الزملاء الذين هرولوا مهنئين، كانت في نظراتهم ما ينبّيء عن ما يدور في أذهانهم عن مدى تأثير خبر زواج ( رقية ) علىْ، أو بمعنى آخر إن كان هذا سيؤثر على نشاطي الحزبي. وبالفعل، في قرارة نفسي كنتُ قد قررتُ تطليق أي عمل حزبي أو إجتماعي. وعندما جاء قرار نقلي إلى غرب السودان، شعرتُ لأول وهلة بفرحة غامرة، لأنني سأغادر موقعا كان فيه مقتل حلم جميل، ولكن ما أن إبتعد القطار مغادرا محطة أتبرا ونحيب الوالدة والأخوات يسطر أخدودا جديدا في دواخلي والأصدقاء والزملاء يلوحون مودعين، شعرتُ بأنني أنفَصم من جسم كنت ألتصق به كنواة في عمق خلية، وأنني سأبدأ رحلة حياتية من الصفر.
( انتهتْ القصة الأولى ) ...
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
(2) الزمان : قبيل انقلاب الشيوعيين على نميري : كنتُ أول مرحّب بالأستاذة ( إحسان )، المدرّسة الجديدة في مدرسة البنات المجاورة، فقد قابلتها وهي تترجل من التاكسي وتنقل بصرها بين اللافتة المعلقة على سور المدرسة التي أعمل بها وبين سور مدرستها. توطّدت علاقتي بها منذئذ، وبدأنا رحلة الزمالة التي إنقلبتْ إلى (ريدة) جارفة في غضون شهور ، ريدة تناقل أخبارها المدرسين والمدرسات، المباركين منهم والمباركات، والحاسدين منهم والحاسدات، فقد كانت ( إحسان ) هجينا سودانيا مصريا بهجة تسر الناظرين، تخلط السوداني بلهجة أهل صعيد مصر فتخرج لغة مموسقة تناسب تقاطيع وجهها البريء وإبتسامتها التي تنفلق إلى غمازتين بحجم نبقة في عز إستدارتها. كنت عضوا نشطا في نقابة المعلمين وأكثر نشاطا في إتحاد المعلمين. ورغم أنني لا أنتمي إلى أي حزب ، فإن كل حزب كان يري فيني مشروع عضو لا يشق له غبار في استقطاب الأعضاء والمناصرين. كنت أجد متعة لا تضاهيها متعة عندما أصطحب ( إحسان ) بعد انتهاء اليوم الدراسي وأنا أقود راجلا ( عجلتي ماركة رالي ) وهي بجانبي في سجال بيدها مع ( توبها الأبيض ) ترفعه على رأسها كلما أنزلق من على رأسها ليكشف عن شعرها جرّاء تضاريس الشارع المؤدي إلى منزلها في ذلك الحى الشعبي، وأنا أتجاهل كل النظرات والتعليقات التي كان يلقي بها المعارف والأصدقاء وهم على متون ( العجلات ) أو جالسين على لساتك العربات أو متكئين على أعمدة النور : وين يا كازانوفا ؟ خلااااص يا عمر الشريف ... يا زولة الجنا دة ما مضمون .... الفردة الأولانية وين يا ... ؟ وهي تستغرب عدم ردي على كل هذه التعليقات التي لم تألفها.
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
جاء إنقلاب الشيوعين على حين غرة وبتكتيك عالي الدقة والتنفيذ ، بل كان مباغتا. وخرجتْ جموع الشيوعيين بكل طبقات الشعب تهتف : ( شيوعيون طبقيون )، تجوب شوارع أتبرا. وككل المظاهرات في أنحاء المعمورة ، يندسُّ الرعاع والغوغاء بين المتظاهرين لأغراض في نفوسهم. فقد هجم البعض على المحال التجارية في سوق أتبرا، ولم يسلم (بار) تساكوتليس الأغريقي، فقد رأيتُ بأم عيني البعض يحمل كراتين البيرة والشري والسايبرس وأصناف الخمور الأخرى على سروج عجلاتهم وهم يطلقون صيحات كصيحات الهنود الحمر. ثم أنطلقت الجماهير حتى مشارف كوبري أتبرا العتيق ، ولكن الغوغاء والرعاع الذين لا ناقة لهم في الحزب أو نميري واصلوا مسيرتهم حتى إستراحة ( حسن عربي ) المقامة في مقرن إلتقاء الأتبراوي مع نهر النيل ، ثم نهبوا ما نهبوا وألقوا بالكراسي والأثاث والثلاجات في النيل وصيحاتهم تتواصل ليرددها الصدى ما بين التميراب والعكد ومصنع الأسمنت. ثم ... إنقلب نميري عليهم ، والأحداث بالطبع معروفة ، والإغتيالات مرصودة وحادثة بيت الضيافة لا تزال معلقة في مشلعيب الأخذ والرد والشد والجذب وبين درء الإتهام وتوجيه التهم
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
الحبيب/ ابو جهينة كل عام وانت والاسرة بالف خير
كالعادة قصة رائعة زي كل قصصك..
حبيت اسلم عليك واذكرك بي معلمين من معالم عطبرة اعتقد انهما سقطا سهوا
1- زكي العدوي (الفسيخ ومشتقاته)
2- مغلق عمك (حلمي شنوده)
واحي من هنا صديقي العزيز (عادل حلمي شنوده) اينما كان.. متابعين بأذن الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
الأستاذ جمال المنصوري تحياتي ورمضان كريم
1- زكي العدوي (الفسيخ ومشتقاته) : أيام لها ملوحة 2- مغلق عمك (حلمي شنوده) : كان علما في رأسه كل إحتياجات أهل أتبرا
بالله يا جمال هات من ذاكرتك كل الأسماء التي كان لها دور في ساقية أتبرا التي كانت مدورة
تحياتي لك ولكل أهل أتبرا الميامين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
ثم جاء وزير التربية والتعليم ( د. محي الدين صابر ) كأول مسئول في حكومة نميري يصل إلى أتبرا بعد عودة مايو إلى سدة الحكم. ثم إجتمع بالمعلمين وعينيه تقدحان شررا وشواظا من غضب ، فقد كان للمعلمين القدح المعلّى في تزكية روح التظاهر ومساندة الإنقلابيين. ثم جاء بالقشة التي قصمتْ ظهر البعير ، فقد طلب من كل المعلمين الذين أتوا من قرى ومدن الشمالية أن يختاروا المدارس التي تروق لهم وقال ما معناه : ( تاني أتبرا دي تشموها قدحة ). كنتُ أكثر المتضررين ، فحبيبة القلب ستبقى في أتبرا ، بينما جاء قرار نقلي إلى قرية لا تزال ( لمبة الجاز ) تعادل نظرية أرخميدس، ولا يزال (الحمار) هو فضْل الظهر الذي لا يشق له غبار الطريق. طلبتُ منها أن تطلب النقل إلى أي قرية قريبة ، ولكنها استهجنتْ طلبي وقالت : إن كنتّ حقا تريد الارتباط بي أن فتقدم لخطبتي قبل أن تشد الرحال إلى القرية. وقد كان ، فقد كانت والدتي تحبها ، أما أبي فكان رأيه أن أتريث قليلا ، ولكن والدتي أحكمتْ قبضتها على مجرى التفاوض وذهبنا لخطبتها.
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
رحّبت بنا أسرتها أيما ترحيب وأنا أختلس النظر إليها وكأنني أُمْلي ناظري من وجهها قبل أن أغادر إلى تلك القرية التي لا أعرف عنها غير أسمها وموقعها الجغرافي على خارطة قديمة عالقة بذهني منذ أيام دراستنا لمقرر ( سبل الكسب العيش في السودان ) ... اتفقنا على كل التفاصيل وعلى موعد الزواج في الإجازة الصيفية القادمة، ورغم أنني حتى تاريخه كنت لا أملك إلا بضع جنيهات تكفيني للسفر، إلا أن تعلقي بـ(إحسان) كان حافزا لأن أفعل المستحيل لتدبير المال الكافي واضعا في اعتباري كل كميات ( النقطة ) التي إنبهلتْ مني خلال الأعوام الفائتة في مناسبات الأفراح والأتراح وحتى في مناسبات الطهور والسبوع وحوليات القادمين من الحج وبوش البناء. انطلقتُ بعدها بأيام إلى وجهتي الجديدة وعلى فمي ابتسامة السعادة المرجوة القادمة بينما أنا أتحسر على مفارقة مدينتي التي رأيت فيها النور وترعرعت فيها وأعرف دروبها وأزقتها وأنا مغمض العينين. طوال الرحلة كانت (إحسان) كبورتريه ملون على وجوه المسافرات وعلى وجوه المستقبلين والمودعين في محطات القطار و(السّنْدات).
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
في القرية، حيث لا نقابة ولا اتحاد ولا سينما ولا قهاوي ولا دار رياضة ، لم أهتم كثيرا بكل هذه الرفاهيات التي أفتقدتها، ولكن قلبي كان معلقا هناك. إختزال الفصل الدراسي دون كل هذه الأشياء التي أدمنتها بأتبرا كان أمرا مقدورا عليه، ولكن من سكنتْ بالقلب كانت تتبعني كظلي في كل أوقات القرية الرتيبة. خلال العام الدراسي كله أرسلت لها خمس رسائل ، لم تصل إليها غير اثنتان ، والباقي تسلمتهم بعد رجوعي لأتبرا في الإجازة استعدادا لمراسم الزواج. لم أكن أحمل سوى منديلا مطرزا بخيوط حريرية حمراء أهدتْه لي ليلة سفري تحمل أسفلها الحروف الأولى من أسمينا. أما أنا فقد أهديتها ( علّاقة مفاتيح ) بلاستيكية على هيئة قلب. عندما عدتُ في إجازة الصيف وأنا أتمنى أن أسابق ( قطر كريمة ) الذي كان يتوقف في أي محطة وفي أي (سندة )، وصلت إلى البيت وأنا منتفخ كديك رومي ليلة عيد الفصح.
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحب في زمن الإنتفاضة ( حكاوي أتبراوية ) (Re: ابو جهينة)
|
التعابير المرسومة على وجه أمي جعلتْني أتوجّسُ خيفة. عندما عانقْتها سألتها وأنا لا أزال بين أحضانها : مالك يمة ، شكلك ما عاجبني؟ قالت وهي تصلح من هندامي دون أن تنظر إلىْ : كل شي قسمة ونصيب يا ولدي. ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أسألها : الحاصل شنو ؟ على ما أذكر أنني جلست على أقرب (عنقريب) في الحوش وأنا أستمع لأمي وهي تسرد لي وقائع انفراط حبات مسبحة علاقتي بـ(إحسان) :
قالت : جاتني أمها هي وأخوها وقالوا إن عمتهم قالت لو الزول دة لو عرّسْتو ليهو (إحسان)، ياها البيني وبينكم.
فقلت بصوت مخنوق : طيب هم مش وافقوا وأدونا كلمة؟ وإحسان موافقة ؟ شنو الجَدَّ في الموضوع؟ وعمتها دي طلعتْ لينا من وين ؟
قالت أمي مشفقة وهي تضع يدها على رأسي : عمتهم دي وارثة مال قارون ، شي أراضي وشي بيوت وقروش ماليها حد، أها وعمتهم دي ما عندها أولاد، وقالت لو عرّسوها ليك حالفة ما يضوقو مليم أحمر منها، إلا (إحسان) تتزوج من زول تختارو هي، أها من هنا وهناك إستفسرتَ عن سبب موقف عمتهم دة مننا ، عرفت إنها عندها تار بايت مع أبوك، وقدر ما سألت أبوك إتزاوغ مني وأبى يديني النجيضة ، ولاكين شكلو كدة مبسوط من فركشة العرس دة... أها حسع (إحسان) طلبت نقلية للخرتوم وهي وأهلها مشوا خلاص هناك عند عمتهم. القسمة شديدة يا حشاى.
فبُهتَ الذي كان ( أباطو والنجم )... بينما النار مضرومة في حشاه.
انتهت القصة الثانية.
نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
|