فى تحليلهم لأسباب هزيمة جيوش المهديه أمام جيش كتشنر عزا بعض المؤخرين تلك الهزيمه الى أن الخليفه لم يعمل بنصيحة عثمان دقنه-أحد قواد المهديه-النصيحه القاضيه بالهجوم ليلاً على الجيش الغازى...إذ أن جيش كتشنر كان يفتقد الى الكشافات المضيئه...لم يستمع الخليفه لنصيحة أحد قواده المخلصين...فراح جيشه فريسةً لمدافع المكسيم!
لكن يبدو أن خطأ الخليفه-الفادح ذاك-هو الخطأ الوحيد الذى إستفادت منه الإنقاذ...إذ هجم علينا القوم-بعد أن تكلو أمرهم لشيخهم المتفلت-هجموا علينا بدباباتهم ليلاً!
لم تكن ثوريتى فى ذلك الحين-والحديث هنا لمكى القليِّل-قد تلاشت فى بحار المجتمع السودانى...وقد كنتُ شاهداً على إحدى الهزائم التاريخيه التى باء بها أنصار الإنقاذ!
وأتحدث-هنا-عن الملاحم الخالده التى خاضها طلاب جامعة الخرطوم..والتى توجت إحداها بنصرٍ حاسم دفع (بمجاهدى) الإنقاذ للسكن بجامع الجامعه بعد أن أقفل عليهم الطلاب منافذ الداخليات التى ظنوا-إثماً- انها ستكون رأس رمح للتآمر على المجتمع السودانى.
لم يُرهب الطلاب فى ذلك الحين بكل الخطوط الحمراء النى تجاوزتها الإنقاذ فى مطلع سنى حكمها من تعذيب وقتل وسحل.
هزائم عسكريه وسياسيه فى الجامعات-رأس رمح المجتمع السودانى-وحصار إجتماعى رهيب داخل المجتمع...فماذا فعل كهنة الإنقاذ؟
لم يتوان قادة الإنقاذ من إرسال كوادرهم الى محرقة الحرب فى الجنوب...وذلك لأسباب ثلاث:
• المشاركه فى حرب (التمرد) التى ظنوا-غباءً-إنهم سيقضون عليه
• مماسكة أعضاء تنظيمهم وشغلهم بعد الهزائم السياسيه والعسكريه فى الجامعات
• الإستفاده من الإعلام والمتاجره بدماء أعضائهم فى إستجداء
عواطف الشعب السودانى
قال لى صديقى الحكيم أبوعبيده النعمان ان الأنقاذ تحكم الشعب السودانى بواسطة البرنامج التلفزيونى فى ساحات الفداء...وقد صدق فى عميق تحليله
لم أكن من المتابعين المواظبين لبرنامج فى ساحات الفداء لكنى ما زلت أذكر منظر الطفله الدامعه وهى تنشد"منتظرين جيتك...."...انها ليست دموع طفله بريئه...لكنها دموع نظام كامل...نظام فشل فى تقديم نموذج قويم للحكم...فطفق يتاجر بأشلاء أعضائه
نعم...لم يجد الترابى- بعد أن حوصر نظامه من الجهات الست- بداً من تقديم كوادره كقرابين فداء لحكم الشعب السودانى..
ومن هذه التجربه أقول وبالفم المليان "تانى القنعان من أخوانو وأولادو اليجى يحاول يحكم الشعب السودانى بالقوه"
ولم تعط محرقة الحرب هذه نفَساً طويلاً للإنقاذ..إذ جوبهت بعد ذلك بحمله عسكريه شرسه من الشرق والجنوب الشرقى والجنوب!
وواصل المجتمع حصار الإنقاذ فى حياته اليوميه...فكان أن بدأ منحنى السلطه فى الإضمحلال...حتى جاءت الطامه الكبرى بالإنقسام الشهير....وقد إختلف طرفا الإنقسام-المؤتمرين الشعبى والوطنى-فى كل شئ...لكنهما إتفقا فى شئ واحد:هو التسابق فى التنصل من المشروع الحضارى...فأى هزيمه يا أستاذ شوقى-بالله عليك-أفدح من هذه؟!
وقد شاهدت الأستاذ على عثمان فى برنامج فى الواجهه ذات مره وهو يكيل بكلمات الثناء والتبجيل للشعب السودانى...ونظن أن هذا ذكاء قد جاء متأخر...وإستفادة (حِوار) متمرد من شطحات شيخٍ فاشل..!
ولم يكن سلاح المواجهه هو السلاح الوحيد الذى إستخدمه المجتمع السودانى ضد الإنقاذ...فالمجتمع بما ملكه من خبره طويله فى مواجهة حكامه الغِشام...قد نوع من اساليبه النضاليه مستلهماً ذخيرته الثره فى هذا الصدد!
ولأهلنا ببربر حصيله (درء كوارث) غنيه لخصوها فى بعض الأمثال:
"العفِن اقضى حاجتك منِّو...وخَلّى فى عفَنتو"!
"الغالب القاضى حاجتو"
وقد لجأ النظام فى خضم حملاته الإعلاميه الى المسيرات الشعبيه الضخمه والخطب الرنانه...
ويحدثنا التاريخ أن للخليفه التعايشى مسيرات مشابهه يستخدم فيها الدفوف والطبول...ويحرص الخليفه فى مسيراته تلك على إرفاق سلاطين باشا-الأسير الشهير-فكان سلاطين يسير حافياً حسير الرأس قرب فرس الخليفه..والسبب الحرص على إبراز سطوة الخليفه وهيبته وتمكنه حتى من الأعداء الأشداء.
.وقد أثبتت هذه الحشود وعبر التاريخ الطويل أنها حشود ورقيه...لا تغنى من سقوط...ولا تسمن من جوعٍ لدولارات الإستعمار.!.
فتتعدد أسباب البطش والتركيع...لكن النهايه-دائماً-متشابهه!
نعم-يا أستاذ شوقى-لا تدع الإحباط يتسرب الى قلمك...فندوات الأحزاب المعارضه تعم الأحياء والمدن...والنشاط السياسى الدؤوب يعم الأرجاء...والكتابات المعراضه الجريئه تملأ الصحف...
لا تدع الكآبه تتسرب الى قلبك...فإن الألم الذى يعتصر طرفى الإنقاذ- المتخاصمين-أفدح وأنكأ...
لا ننكر أن الألم الذى سببته لنا سنى الإنقاذ ما زال لم يبارح مكانه...خصوصاً ونحن ما زلنا نشاهد نهب ثروات البلاد (وبعزقة) أموال العباد
قراءتنا للأمور تقول أن هناك اعناقاً قد اينعت وحان وقت قطافها...لا نستطيع ان نتكهن بالسيناريو...لكننا فقط ندعو رافعين الأكف بأن يفنى شيطان الحكم معهم!
حواشى ومتون:
- كاتب المقال الأستاذ مكى القليِّل هو صديق عزيز لنا يزورنا من الحين للآخر..ويتحفنا دائماً بارائه الثره...وقد إستحلفنا بالله أن ننشر رده هذا فى س.أونلاين
*وردت فى المقال عبارة "التفاؤل الساذج" وهى من إنتاج الأخ مازن الذى يشاركنا عضوية البورد
** إستخدم الأستاذ القليِّل بعض المراجع التاريخيه مثل كتاب حياتى للشيخ بابكر بدرى..وسفر نعوم شقير جغرافيا وتاريخ السودان
مع تحياتنا-شخصى وود القليِّل-للجميع