|
فريدة- قصة قصيرة
|
فريدة
كانت ظاهرة منعشة. التقيتُها ذات يوم رائع. كانت الشمس تتسللُ بين الأشجار حانية لتمنح الدفء والضياء. لمحتُها، فسقطَ قلبي على رصيف الشارع. أسرعتُ التقطُ القطع المتبعثرة، ولكن بعضها اختبئ في زوايا العشق لأول مرة. منحتني نظرة، فسبحَ عقلي في الآمال. عرّفتني عليها صديقتنا المشتركة. فريدة، اسم على مسمى! سرنا في تلك الجادة وارفة الظلال، فمالت أغصان الأشجار لعلها تحظى بنفحة من عبيرها، وانتظمت شحاريرٌ على هيئة سهم كيوبيد، ثم صوّبته نحو فؤادي، فأردتهُ صبّا.
تحايلتُ مرارا لألقي عليها نظرات جانبية متلصصة. اختلستُ فرصة انشغال صديقتنا المشتركة "س" لأُشبع عيني من مُحيّاها، وكنتُ لا أدري أنني أسكبُ من حيث لا أعلم المزيدَ من اللهب على الهشيم. صرتُ اتصلُ بصديقتنا "س" أكثر مما كنتُ أعتاد، وفطنت الشقية إلى مُرامي. كانت تضحكُ ملء شدقيها على معاناتي، ولكنها رضخت مُشفقة في نهاية المطاف، وخططتْ لبعض المقابلات التي رتبتها وكأنما حضوري كان مصادفة بحتة.
استلطفتني، وأصبحتْ ترتسمُ على وجهها علامات الأنس برؤيتي. تبادلنا أرقام الهواتف، وقضينا ساعات مطوّلة عبر الإنترنت أيضا. يا إلهي! لكم تتقاربُ أفكارنا. أحسستُ بأنها رفيقة روحي، بل امتدادٌ جسديٌ خارج الجسد الذي أحمله ويحملني ليل نهار. فاتحتُها برغبتي في الاقتران بها، فظهرَ شبحُ ابتسامة حزينة على أطراف شفتيها، ثم أجابتني بصوت مبحوح: مستحيل!
حاولتُ استدراجها لتخبرني السبب، فتمانعتْ طويلا، ثم صارحتني. قضينا شهورا سعيدة برغم سقوط الأمل. لاحقا، بدأت مرحلة العلاج. تغيّرت ملامح وجهها المشرق، وشرعت ترتدي حجابا عصريا، لعلها تُخفي البقع الجرداء التي بدأت تستشري. رويدا رويدا أصبحتْ تصرفاتها مشوبة بشيء من العصبية، وتعلمتْ التدخين بشراهة. تفهمّتُ صراعها الداخلي، وسكبتُ من حناني على عذابها ما أطفئ بعض لهيبها.
ذات نهار كالح، أتاني صوتها عبر الهاتف: - كيف صحتك؟ - بخير يا عزيزتي. أخبارك؟ - أنا في المستشفى. يبدو أن الستار سيُسدل بعد قليل. سقطَ قلبي تحت رجلي. جريتُ خارج المكتب، وانتحبتُ حتى انتفخت عيناي.
فتحتْ عينيها ببطء، ونظرتْ حولها: - أما زلتَ هنا؟ - بالطبع! - لماذا لا تذهب إلى الجحيم؟ أجبتُها باسما: ليس الآن. - أنا أسِفة. - ولا يهمك. - حاول أحد الرعاع هنا إقناعي باستخدام باروكة. تصوّر مدى الصفاقة! - لا تُحمّلي الموضوع أكثر مما يستحق. - ولكن لماذا؟ هل أصبحتُ بهذه البشاعة؟ لماذا لا أموتُ وأرتاحُ من هذا العذاب؟ - فريدة. أرجوكِ اهدأي. - اعذرني لهذه الثورة. تعبتُ يا صديقي، والآلام تتزايد برغم جرعات المورفين. - لا عليك. سأدعُكِ ترتاحين، ولكني سأعودُ مساء اليوم. أجابتني بصوت خافت: حتى لقاء قريب. ثم أغمضتْ عينيها.
كان اتصالا قصيرا. وضعتُ السماعة ببطء مُفتعل. هُزمت الشمسُ، ورحلت فريدة مع حلول غيهب الشفق.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
Re: فريدة- قصة قصيرة (Re: Moutassim Elharith)
|
يا مراحب يا معتصم ...
شكرا على القصة الجميلة ...وأظن أن لديك المزيد لتقوله هنا...فإلى الأمام...
أتمنى مرور كتاب القصص والنقاد بالبورد ...فمحطتك تستحق الوقوف عندها ....
لك التحية أجملها ...
| |

|
|
|
|
|
|
قصة محكية صاح (Re: ibrahim fadlalla)
|
يا معتصم إن هذا لهو القصص الحق! طبعاً ابراهيم الأديب المتفاعل أو في الحقيقة الأديب المفاعل سبّاق دائماً في انتزاع الكهرمان من جُب غلاط بني سودان! قصة جميلة وسنحميها من النسيان أو التناسي في الحقيقة برفع البوست ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. تكنيك جميل يحترم استنتاجات القارئ ويؤكد على إثارة في حجم الوقائع. ألف شكر! تحياتي يا ابراهيم فضل الله! .
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قصة محكية صاح (Re: mustafa mudathir)
|
كتب إبراهيم فضل الله: يا مراحب يا معتصم ... شكرا على القصة الجميلة ...وأظن أن لديك المزيد لتقوله هنا...فإلى الأمام... أتمنى مرور كتاب القصص والنقاد بالبورد ...فمحطتك تستحق الوقوف عندها .... لك التحية أجملها ... __________________________________ الأخ الفاضل إبراهيم بل الشكر لك على منح الراحلة "فريدة" شيئا من وقتك الثمين. لا أخفيك سرا، "فريدة" هي إحدى محاولاتي القصصية القليلة، إذ أميلُ إلى كتابة القصة القصيرة جدا، ونشرتُ بالفعل مجموعة بعنوان "راسكلنيكوف متمردا"، وأخرى بعنوان "الرصاصة وحبوب الطلع" قيد الطلع، وذلك بخلاف مجموعتين تنتظران قدوم غودو!
لك التقدير الوافي والتحية
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قصة محكية صاح (Re: طه جعفر)
|
كتب الأستاذ مصطفى مدثر: يا معتصم إن هذا لهو القصص الحق! طبعاً ابراهيم الأديب المتفاعل أو في الحقيقة الأديب المفاعل سبّاق دائماً في انتزاع الكهرمان من جُب غلاط بني سودان! قصة جميلة وسنحميها من النسيان أو التناسي في الحقيقة برفع البوست ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. تكنيك جميل يحترم استنتاجات القارئ ويؤكد على إثارة في حجم الوقائع. ألف شكر! تحياتي يا ابراهيم فضل الله! _____________________________________ أستاذنا مصطفى نشرتُ هذا النص ويدي على قلبي فعلا، فمحاولاتي في القصة القصيرة محدودة. أشكرك جزيلا على المرور، وأتمنى عودتك(م) بقراءة نقدية إذا أمكن.
تقديري الفائق
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قصة محكية صاح (Re: mustafa mudathir)
|
Quote: أتمنى مرور كتاب القصص والنقاد بالبورد ...فمحطتك تستحق الوقوف عندها ....
|
الأخ معتصم الحارث
يصنفني بعضهم من النوع الأول (أعلاه) وقد مررت بقصتك الرائعة جداً وأعجبتني جداً ولا أزيد
اخوك عمر حسن غلام الله
| |

|
|
|
|
|
|
Re: قصة محكية صاح (Re: Moutassim Elharith)
|
كتب الأخ الكريم عمر حسن غلام الله:
الأخ معتصم الحارث يصنفني بعضهم من النوع الأول (أعلاه) وقد مررت بقصتك الرائعة جداً وأعجبتني جداً ولا أزيد
اخوك عمر حسن غلام الله ______________________ أخي الكريم عمر وقوفك على هذه القصة أثلج صدري، فلك الشكر والعرفان.
تقديري
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قصة محكية صاح (Re: Moutassim Elharith)
|
كتبت الأخت الكريمة سلمى سلامة: هذا النص يدخل الى القلب مباشرة بلا اى تعثر لانه من القلب الى القلب ، لغة بسيطة ، فكرة واضحة شكرا يامعتصم الحارث _______________________________________
الأستاذة سلمى لك الشكر الجزيل على المرور والتعقيب.
تقديري
| |
 
|
|
|
|
|
|
|