|
يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى
|
هو الموت يمارس لعبته القديمة الجديدة، ها هو يحوم حول الحمى ليصطفى كل سمح النفس كل إنسان نبيل عفيف القلب طاهر السريرة. ثلاثة من أعز الرفاق رحلوا عن دنيانا وهم في المنافي البعيدة عن الوطن، اثنان منهم جيء بهما إلى الوطن في توابيت أولهم فتيحابي الساخر الباسم الضحوك ، داهمة المرض بعد أن وصل إلى الولايات المتحدة في معية أسرته الصغيرة، انقطعت أخباره عني، كنت أعلم أنه يعمل بالخليج أستاذاً للغة الإنجليزية التي تخصص فيها في المملكة المتحدة وكانت جامعة الجزيرة قد بعثت به إلى هناك، وعكس الكثيرين من غيره عاد فتيحابي إلى السودان ليواصل عمله بجامعة الجزيرة ، وكانت أمامه الفرصة ليبقى بالمملكة المتحدة ويحضر لدرجة الدكتوراه. لكن فتيحابي لم يكن من ذلك الرهط من الذين يعرفون كيف تؤكل الكتف ويتهافتون على المغنم . عاد فتيحابي إلى الوطن الذي أحبه وعمل بإخلاص وجد في جامعة الجزيرة التي فصل منها فيما سمي بالصالح العام، وهكذا كوفيء فتيحابي بكل إخلاصه وتجرده. كنت أتسقط أخباره من حين لآخر، في زمان عز فيه وصال الرفاق والأحباب، ومرت الأيام وعرفت أن فتيحابي هاجر إلى الولايات المتحدة مع أسرته الصغيرة، وبعدها سمعت بالمرض اللعين الذي لم يمهله كثيراً، وبعدها جيء بجثمانه الطاهر ليدفن في ثرى الوطن في مقابر بري المحس. وللمفارقة أن فتيحابي عاش زمناً ليس بالقصير في امتداد ناصر في منزل آل النقر حيث كان زميل دراسة للراحل كمال النقر، ذلك المنزل الذي لا تغلق أبوابه وهي دوماً مشرعة في أريحية ومودة. آه ما أقسى موتك يا فتيحابي وما أفجعه. وها نحن بعد فجيعة فقد فتيحابي نفجع مرة أخرى برحيل رجل من أنبل الرجال وأشجعهم ، مضى ميرغني محمد عبدالله مالك (الشايب) ذلك العنيد الشجاع الذي وهب عمره وشبابه للوطن الذي أحبه، كم كان فقدك فاجعاً يا ميرغني بعد صراعك المرير مع المرض اللعين، كالعهد بك كنت صامداً جسوراً، لم ينل المرض من روحك الوثابة وقلبك النبيل. ليس موت ميرغني هو الفاجع، لكن الفجيعة هي موت ميرغني بعيداً عن ثرى الوطن، في منفاه الاختياري في المملكة العربية السعودية، تبوأ ميرغني أرفع المناصب ونال أعلى المرتبات، لكن كل هذا لم يغير من ميرغني الشاب المنافح الذي لا يهادن في مواقفه ولا يساوم، كان دائماً في الطليعة، لا يخشى الوغى ويعف عن المغنم، أفضاله على الكثيرين، وأنا واحد منهم لا تعد، كان يحمل الوطن في غربته كان سباقاً للمكارم ، إنني على يقين أن صلاح أحمد إبراهيم في قصيدته (نحن والردى) يقصد ذلك النبيل الشجاع الصادق تماماً ، مثل ميرغني الشايب، يقول صلاح: يا منايا حوّمي حول الحمى واستعرضينا واصطفي كل سمح النفس بسام العشيات الوفي الحليم العف كالأنسام روحا وسجايا أريحي الوجه والكف افترارا وعطايا فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي بضمير ككتاب الله طاهر انشبي الأظفار في أك######## واختطفي وأمان الله منا يا منايا كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر .. شرّفي تجدينا مثلا في الناس سائر نقهر الموت حياة ومصائر
وأيم الله: إن ميرغني هو ذلك الحليم العفيف الشفيف، التقيته أول مرة في جامعة الخرطوم، وكان قد دخل الجامعة بعد أن تخرجت فيها، لكن دروب النضال جمعتنا وكذلك مدينة الأبيض، تلك الرائعة، فأحببت ميرغني وأهله. كان أكثر ما يجذبني شكله الطفولي الممراح ودخيلته التي تمور بجسارة نمر جائع، لم يكن ميرغني من المتخاذلين أو المترددين. كان شجاعاً مقداماً يضع نفسه دائماً في مواجهة فوهة البركان، دون وجل أو رهبة. ما أكثر مواقفه التي تعبر عن كل ذلك، أذكر منها تضامنه مع زملائه المحامين إبان إضرابهم الشهير في سبعينيات القرن الماضي، كان ميرغني يعمل بالنائب العام، ولم يكن مطلوباً منه إعلان موقفه المؤيد والمساند للإضراب ، لكن ميرغني كان حاضراً دائماً في دار نقابة المحامين معلناً موقفه – كالعهد به – بكل صدق وشجاعة. لم يكن ميرغني على استعداد للمساومة أو الصمت. وفي مهجرة في السعودية كان جهير الصوت على عكس الكثيرين الذين آثروا التقية. مع شجاعته وجسارته كان ميرغني شفيف الروح رقيقاً كريماً أجواداً. ألتقيناه في مصر، الراحل عبدالمكرم ومحمد المصطفى الأمين ويحيى فضل الله وآخرين، دعانا إلى شقته في الزمالك وأكرم وفادتنا وفي نهاية السهرة دعانا إلى غرفته الخاصة وفتح دولاب ملابسه قائلاً: خذوا ما تشاؤون من الملابس والبدل، أي كرم وأي أريحية. برغم مصائب الدهر عليه وأقساها وفاة ابنه الذي عجز الطب عن إيجاد علاج لمرضة في أمريكا أم الدنيا. كان الفقد كبيراً نال كثيراً من روح ميرغني، الذي سرعان ما تجاوز محنته الشخصية وأنتبه إلى محنة الوطن الكبرى، وكانت الطامة الثانية إصابة ميرغني نفسه بمرضٍ خبيث عُولج منه في الولايات المتحدة ، لكن ميرغني كان على يقين أن ذلك المرض لن يتركه وشأنه، أقبل ميرغني على الحياة والنضال الذي لا يلين، ووهب عمره القصير للوطن الذي أحبه، ولا أعرف شخصاً شغوفاً بالقراءة والإطلاع مثل ميرغني، كان محدثاً مفوهاً ذرب اللسان وا حسرتاه مات ميرغني بعيداً عن تراب الوطن مثل مصطفى الذي قال عنه حميد: تغني من التعب لامن كلاك دمّن لا شكراً رجيت لا من فهل يعني النهاية الموت وينبعزق غناك سدى أم أن الغيم حينسابق على الأرض العزيزة فدى .... وطن .... مع إنو حباك ميت الغربة واستكتر عليك كفن!
وقبل أن نفيق من صدمة فاجعة ميرغني يدهمنا خبر (الخلا) خبر طه سورج، كنت في ندوة يسألني المحامي عصام شوربجي إن كنت أعرف طه سورج ، قلت له لا تكمل أين ومتى، أجابني قبل يومين في القاهرة، سرعان ما مر شريط ذكرياتي مع طه في عمره القصيرة، عاش طه في الدنيا كنسمة عابرة ولم يأخذ منها إلا حسوة طائر، مثله مثل فتيحابي ومثل ميرغني تخرج في جامعة الخرطوم حيث درس القانون، وكان متفوقاً مما أهله للانضمام للهيئة القضائية التي لم تكن تستوعب إلا المتفوقين علماً وخلقاً، كانت الهيئة لما تزل تحافظ على عهدها الذهبي وسيرتها كواحدة من أعظم الهيئات القضائية في إفريقيا بل والعالم أجمع، وفي زمان الشمولية وسلطة الفرد رفض طه مع زملائه القضاة الأشاوس العبث بالقضاء وقادوا إضراباً سار بذكره الركبان وانتصروا للحق. بعدها نال طه سورج مع الكثيرين من زملائه القضاة شرف الإبعاد عن الهيئة القضائية ، وكان ضربة أصابت طه في قلبه النبيل، عمل بعدها طه في المحاماة وظل مطارداً، وعمل محامياً للبسطاء وأصحاب الحاجات، ولم يتكالب على المال وهو سليل الأكرمين إبن الأرومة السامقة التي حافظت على العمودية زمانا ليس بالقصير. مثل ميرغني: مات طه سورج في الغربة في القاهرة وجاء جثمانه الطاهر ليدفن في ثرى الوطن الذي أحبه وافتداه بروحه، رحل طه عن دنيانا دون زوج أو ولد، رحل عن الدنيا كما دخلها متجرداً عفيفاً لم يظلم إنساناً ولم يهادن طاغية أو مستبد، رحل فتيحابي ورحل ميرغني وفي إثرهما زميلهما وصديقهما طه سورج، ولا أجد ما أقوله إلا ما قال كما الجزولي في خريدته (حُداة القافلة) إلى أين يا حُداة القافلة ينسل واحدكم من خلف واحدكم لكن الموت عُرس في فضاءات النشيج القاحلة وكل الأغنيات وهي تستدير في رمادها لا تستدير إلا جذوة للإنكسار، الإنهيار، الإعتذار، والأسى، .......... .......... أنظروا ...... تسنه الطعام - يا أحبتي – والخبز، في السلال صار يابساً، وفي الجرار غاض الماء! .......... .......... إلى أين، يا حُداة القافلة؟! ناءت .. ظهور الخيل بالوجوه الخُضر ، والأسماء، وبالذكريات الآفلة صبراً آل فتيحابي وصبراً د. علي عبدالله، وصبراً عمر سر الختم، وصبراً سيف سمعريت، صبراً آل الشايب، وآل سوار الذهب، وصبراً آل سورج، وصبراً عبدالقادر الرفاعي وعمر صديق وكمال الجزولي ويوسف مختار ومعاوية الطاهر، صبراً جميع الشرفاء الذين يحلمون بوطن جميل نبيل معافى الرحمة للراحلين وأجل الصبر لآلهم وذويهم.
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
وها نحن بعد فجيعة فقد فتيحابي نفجع مرة أخرى برحيل رجل من أنبل الرجال وأشجعهم ، مضى ميرغني محمد عبدالله مالك (الشايب) ذلك العنيد الشجاع الذي وهب عمره وشبابه للوطن الذي أحبه، كم كان فقدك فاجعاً يا ميرغني بعد صراعك المرير مع المرض اللعين، كالعهد بك كنت صامداً جسوراً، لم ينل المرض من روحك الوثابة وقلبك النبيل. ليس موت ميرغني هو الفاجع، لكن الفجيعة هي موت ميرغني بعيداً عن ثرى الوطن، في منفاه الاختياري في المملكة العربية السعودية، تبوأ ميرغني أرفع المناصب ونال أعلى المرتبات، لكن كل هذا لم يغير من ميرغني الشاب المنافح الذي لا يهادن في مواقفه ولا يساوم، كان دائماً في الطليعة، لا يخشى الوغى ويعف عن المغنم، أفضاله على الكثيرين، وأنا واحد منهم لا تعد، كان يحمل الوطن في غربته كان سباقاً للمكارم ، إنني على يقين أن صلاح أحمد إبراهيم في قصيدته (نحن والردى) يقصد ذلك النبيل الشجاع الصادق تماماً ، مثل ميرغني الشايب، يقول صلاح: يا منايا حوّمي حول الحمى واستعرضينا واصطفي كل سمح النفس بسام العشيات الوفي الحليم العف كالأنسام روحا وسجايا أريحي الوجه والكف افترارا وعطايا فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي بضمير ككتاب الله طاهر انشبي الأظفار في أك ت ا ف ه واختطفي وأمان الله منا يا منايا كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر .. شرّفي تجدينا مثلا في الناس سائر نقهر الموت حياة ومصائر
وأيم الله: إن ميرغني هو ذلك الحليم العفيف الشفيف، التقيته أول مرة في جامعة الخرطوم، وكان قد دخل الجامعة بعد أن تخرجت فيها، لكن دروب النضال جمعتنا وكذلك مدينة الأبيض، تلك الرائعة، فأحببت ميرغني وأهله. كان أكثر ما يجذبني شكله الطفولي الممراح ودخيلته التي تمور بجسارة نمر جائع، لم يكن ميرغني من المتخاذلين أو المترددين. كان شجاعاً مقداماً يضع نفسه دائماً في مواجهة فوهة البركان، دون وجل أو رهبة. ما أكثر مواقفه التي تعبر عن كل ذلك، أذكر منها تضامنه مع زملائه المحامين إبان إضرابهم الشهير في سبعينيات القرن الماضي، كان ميرغني يعمل بالنائب العام، ولم يكن مطلوباً منه إعلان موقفه المؤيد والمساند للإضراب ، لكن ميرغني كان حاضراً دائماً في دار نقابة المحامين معلناً موقفه – كالعهد به – بكل صدق وشجاعة. لم يكن ميرغني على استعداد للمساومة أو الصمت. وفي مهجرة في السعودية كان جهير الصوت على عكس الكثيرين الذين آثروا التقية. مع شجاعته وجسارته كان ميرغني شفيف الروح رقيقاً كريماً أجواداً. ألتقيناه في مصر، الراحل عبدالمكرم ومحمد المصطفى الأمين ويحيى فضل الله وآخرين، دعانا إلى شقته في الزمالك وأكرم وفادتنا وفي نهاية السهرة دعانا إلى غرفته الخاصة وفتح دولاب ملابسه قائلاً: خذوا ما تشاؤون من الملابس والبدل، أي كرم وأي أريحية. برغم مصائب الدهر عليه وأقساها وفاة ابنه الذي عجز الطب عن إيجاد علاج لمرضة في أمريكا أم الدنيا. كان الفقد كبيراً نال كثيراً من روح ميرغني، الذي سرعان ما تجاوز محنته الشخصية وأنتبه إلى محنة الوطن الكبرى، وكانت الطامة الثانية إصابة ميرغني نفسه بمرضٍ خبيث عُولج منه في الولايات المتحدة ، لكن ميرغني كان على يقين أن ذلك المرض لن يتركه وشأنه، أقبل ميرغني على الحياة والنضال الذي لا يلين، ووهب عمره القصير للوطن الذي أحبه، ولا أعرف شخصاً شغوفاً بالقراءة والإطلاع مثل ميرغني، كان محدثاً مفوهاً ذرب اللسان وا حسرتاه مات ميرغني بعيداً عن تراب الوطن مثل مصطفى الذي قال عنه حميد: تغني من التعب لامن كلاك دمّن لا شكراً رجيت لا من فهل يعني النهاية الموت وينبعزق غناك سدى أم أن الغيم حينسابق على الأرض العزيزة فدى .... وطن .... مع إنو حباك ميت الغربة واستكتر عليك كفن!
| |

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: عائشة موسي السعيد)
|
الأخت الأستاذة/ عائشة موسى السعيد .. تحياتي لك .. حضورك لنا في عزاء الوالد وبرفقتك إبنك معتز خفف عليناأحزاننا وفتحك خيطا لدعوات أعضاء المنبر للوالد غمرني بالراحة .. بارك الله فيك ..
هو الموت يسعى إلينا بلا قدم في الدجى والنهار ولدنا له ناضجين أستدرنا له فلماذا البكاء؟! أتبكي الثمار إذا أقبل الصيف ليحقنها في الخلايا بنار الدمار محمد عبدالحي
لدينا يقين شديد بهذا ولكن
يترك غياب البعض ثغرة في جدارنا تستعصى على السد.. ولله الحمد دائماً
| |

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
وياله من حزن شديد السواد عميق الإقامة..ويا حسرة عليهم جميعا! علما وأدبا وتواضع! يموت أولا الأفضل لنبقي نحن بعدهم فقراء غرباء لا ننتج قليلا مما انتجوه هم في حياتهم القصيرة!
............. .............
ميرغني صديق الكلمة الصادقة والمحب المخلص للوطن.. قابلته أول مرة في حياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي في مدينة لندن مع أسرة سودانية صديقة.. توالت زيارات ميرغني للندن واستمر التواصل بيننا وصار صديقي العزيز.. يحدتني عن الأبيض في كل مناسبة وعن موت أهله الكتير.. وفي الخرطوم شاركته عدد من جولاته في البحث عن كلي لإبنه المرحوم مازن.. كانت قد كثرت الوعود وقل الوفاء بها..وفي كل مرة ينبعث أمل كان يتشبث به فنجاة مازن قد تكون في الزياره القادمة.. الا أنهم خذلوه..وكان الغرض ماله فقط!
ميرغني المشغول بالوطن..كان سؤاله للوضع ينتهي دايما بإجابته هو.. مالازم يا مني لكن نعمل حاجة..لازم نكتب ونجمع الناس.. يقولها في حماس لايقل ابدا عن حماس إنتفاضة أبريل وسريان حلمها في الجميع..
ميرغني يا صديقنا النقي.. مازلنا كما تركتنا فقط زدنا تخبطا ..فالحقيقة أن أحلامك وكلماتك القوية كانت تخففه عنا..
السرطان رجع يا مني..لكن ان شاء الله بيعالجوه!
كنت أخاف كثيرا ولكن أنشجع بشجاعتك وقوتك. فإمل بشفاؤك من أجل أسرتك ومن أجلنا ومن أجل الأيتام الذين كنت ترعاهم دون تردد. هنا ندوة في الرياض ..وهناك إستعداد لأخري وانت في قلبها وعلي منصتها كأنك لم تمرض قط.. اي شجاعة كانت تلك؟؟ كنت وكأنك تقبض علي كل أيام الدنيا في كلتا يديك واثقا من سيطرتك عليها.. يا لحزن العمر عليك يا ميرغني!
رحمك الله ورحمهم أعزائنا الذين ذهبوا عنا ونحن ما زلنا في إشتياق لهم.. جمعك الله بمازن حبيبك في جنات واسعات تشبه أحلامك عن السودان وعن يقينك وطيبة قلبك..
................ ................
البركة فيك يا محمد فهي سنة كبيسة حقا بفقد الأحباب..
....
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Muna Khugali)
|
كتب الراحل ميرغني الشايب:
مرثية الحلم الجميل ميرغني عبدالله مالك (شايب) علمتني الصدق الجارح ،وشفافية الأشياء دون ضجيج أو استعلاء ، وزاوجت بين الكلمة والفعل ، وتحررت من ازدواجية قاتلة ومقيتة . هنالك من يغازل الحقيقة كثيرا دون أن يفلح في الاقتران بها ، إلا انك قد اقترنت بها صنواً ونداً ، وقع الحافر على الحافر . أهداك برومثيوس قبساً من شعلته المقدسة ، فبددت بها العتمة ، وسبرت غور الأشياء والناس ، لكنك كنت تنوء بصخرة سيزيف . لماذا غادرتنا خلسة دونما وداع ، يا أخا الصفاء يا مازن . غمرني ذلك الشعور البغيض قبل رحيلك ، وأثقل على خوف غامض مبهم ـ صهيل الكارثة ـ لم أكن اعلم أن الفارس اثر أن يترجل ليمضي بعيدا في الغياب السرمدي . كان حدسي يشي بذلك ، وقد ناء صدري بحمل ثقيل، وأنفاسي متقطعة لاهثة . كنت في تلك اللحظة تقاوم حشرجة الموت وغرغرته ، وقد استأسد عليك . مسجياً على السرير الأبيض .أستعيد أوراق الغرفة 8 لأمل دنقل : عم صباحاً أيها الصقر المجنح عم صباحاً سنة تمضي وأخرى سوف تأتي فمتى يقبل موتي قبل أن أصبح مثل الصقر صقراً مستباحاً ؟ وقد تقاطر على المستشفى رهط كثير ضاق بهم المكان على سعته . لا يعرفونك ، ولكنهم يعرفونك ، نقي السيرة والسريرة عفيف اليد واللسان (... تعف عند المغنم) ، في وقت أصبحت فيه المغانم بضاعة مزجاة على قارعة الطريق في المدن اليباب التي تعج بالنفايات وبالعقم . جلست إلى جوارك كسيراً مجروحاً ، وقد استبد بي الحزن ، هصرتني الفجيعة . شبح الموت يحلق فوقك ، وتناوشك يد المنون ، وأنا متأرجح بين الخوف والرجاء . أتوسل للعزيز الجبار في ضراعة واستجداء ، ولساني يلهث بالدعاء ، أن يعيدك لسيرتك الأولي ، قويا فتيا ، تمور بالصحة والعافية ، مفعم بذلك الفوران والتدفق . استعيد ألان حيويتك في التايكندو ، وتسيدك في ملاعب التنس ، أداء بارعاً يفيض بالحيوية وقد حصدت كأس المجمعات السكنية في مباريات حمى فيها وطيس المنافسة . كأسك ينتصب أمامي الأن كما تزينت الجدران بسجل نبوغك المبكر ( المنارات ، نجد ، مدرسة بلوريدش وجامعة تنسي ) . أغوص في عينيك الغافيتين ، أناديك ، ترخي السمع ، لكنك تذهب بعيدا في صمتك النبيل ، فقد أزمعت الرحيل . باسمك كان يبدأ حلمي . استصرخك " يا مازناه ... يا مازناه " ألا تنطفئ حتى تظل شعلة برومثيوس متقدة . كنا نسقط أحيانا من بؤر الكلمات الضحلة ، واللغة السقيمة والزمن اليباب ، وحين أراك ، يا وضاح المحيا ، ينبت في أيدينا نرجس الحياة ويخضوضر عشب الأرض . في تلك الغرفة التي تختلط فيها الأنفاس المتحشرجة برائحة العقاقير وهمهمة الأطباء ، وحفيف أجهزة الإنعاش وهي تواجه قلباً مثخناً أنهكه المرض وهده الإعياء وطول التنقل بين العيادات والمستشفيات في قارات أربع ، وأطباء يلهجون بلغات مختلفة . لكنه قلب أنعشه عبير الأمكنة وضمخته الأشياء الجميلة ، وأضناه الشوق والتوق لعالم ليس فيه متكأ لزيف أو أقنعة . هل كان بك مس من اليوتوبيا والفكر الحالم الزاهي كحال أبيك الذي بدأ رحلة خريف العمر ولم يحصد غير هشيم الأحلام الكبرى وانكسار المشاريع الإنسانية وسقوطها المدوي وهي التي صاغها فكر وردي محلق وجانح . هل اقلب البوم الخسارة لعباس بيضون في تلك الغرفة الموحشة ، وأشبه بالأقبية الرطبة ، الملبدة بغيوم الموت ومزن الرزايا ، داهمني إحساس مراوغ و جارف أن ما أراه أضغاث أحلام وكابوس مزعج سيمضي مدحورا ، والموت لن يهزم " فارس الحوبة" ، وستعود إلينا ، لتبعث فينا ذلك الإحساس المفعم بعظمة الحياة بنبلها وكيدها ، وشموخ الإنسان ، والأحلام اليانعة الصغيرة ، والشعور بالتفاؤل المديد و الوريف :
" لا اعرف أيهما أكثر إستبسالا الروح أم الجسد ؟ كلاهما كان يصهل " كلاهما خذلاني ، وكان شعورا مخاتلا وكذوبا ، لأن القدر أحكم قبضته ، وأنت بين حجري الرحا ، لا فرار ولامناص . أيقنت لحظتها أنك مفارق . أزمعت السفر وتتعجل الرحيل ، ونحن نستبطئه ، علنا نستزيد من نبوغك ووعيك الشقي المبكر ، نكمل مشوارنا معاً ، ونواصل ذلك الحوار الحميم والنبيل لنعيد للأيام بهاءها ونضرتها بعقل طفولي مشاغب ، ومبدع . " هل تسافر حتى تبتعد عن المكان الذي أنجبنا لترى الجهة الأخرى من الكون ، بحثاً عن طفولاتنا ، وعن ولادات لم تحدث بعد . تسافر حتى تكتمل الأبجديات الناقصة ، تبتعد كالشفق الذي يرافقنا ويودعنا " . انفجر الحزن شلالات وانهارا ، وفاضت المآقي بدمع لا يكفكف " يا كمين بشر " "ودمع نازل كالمزن في الهملان " . ودخلت الرياض والأبيض والعيلفون " بيت الحبس " ، وارتاح الموت وهدأ إعصاره المزمجر حين أسكتك ، وكنت قبلها في " جفن الردى وهو نائم " . أبكيك أيها الحاضر الغائب ، يا ريحانة حياتي وخلي الوفي . في القلب لوعة وندوب ، وبالنفس جراح غائرة . أبكيك أيها الابن والصديق الحميم والهميم . معا تعلمنا حب مصطفى سيد احمد حين أقام معنا في الرياض وأرملته الثكلى بثينة . مصطفى ، وبصوته الشجي الندي تدوزنا ( يا الدوزنت عصب الزمن الأشتر) . مصطفى الذي أنشدته عفاف الصادق " يا الكحلت عيون الدنيا بلون الغنوة ... يا الضفرت ضفاير إحساس الكلمة الحلوة " . عشقنا معا سيرة مصطفى ، نتسقط أخباره ، ونمضي معه في حله وترحاله ، وهو يشمخ في أعيننا . ملحمة في حياته وموته . أصبح غناؤه خبزنا اليومي ، ولنا غذاء الروح والجسد . كنت أكثر عشقا لمصطفى ، وأصبحت متيما كلفا بغنائه . غادر مصطفى مبكراً واقتفيت أنت خطوه . مصادفة أم تواطؤ غير معلن مع المرض والسقم . جمعت بينكما تراجيديا الكلى الفاشلة ومآلاتها الكارثية . هل يرحل المبدعون والنابغون عن هذه الحياة المقفرة مبكراً ، ويتركون للآخرين جدب الأشياء ######طها . لا يبزك احد في حفظ تلك المقاطع البديعة والمفردات ذات الجرس العالي ، وهي مقاطع ومفردات استعصى فهمها على البعض لما فيها من ترميز وإيحاءات ودلالات ، وخطاب شعري جديد ، خرج على المألوف ، وتواطأ على العادي . سكنتك تلك الروح الجانحة دوماً لثقافة التسامح وقيمه لان في السودان متسع للجميع . هل كان محمود درويش صوتك المضمر ، وهو ينشد :- قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري مقاعد كافية للجميع.. . هنا هامش يتقدم ، أو مركز يتراجع ، لا الشرق شرق تماما ، ولا الغرب غرب تماما ، فان الهوية مفتوحة للتعدد لا خنادق أو بيارق همست في إذني يوما بصوتك الندي الحميم أحد مقاطع مصطفى ، ونحن نجتاز ذلك البهو الفسيح بناسه (أو كما قال شاعرنا محجوب شريف (المكان بالناس ) " غايتو أمشي في الدرب البطابق فيهو خطوك صوت حوافرك " . لم التقط إيماءات المفردة ومحمولاتها . هل كان في إذني وقر ؟ أسعفتني بالشروح لأنك تستبطن المعاني ، وتفك شفرة الالتباس ومعاندة المبهم ، ومشاكسة المألوف والتحرش بالعادي . كنت قمة في التسامح رغم عمرك الغض ويفاعة سنك ، وقامة سامقة في أدب الأختلاف وحوار الآخر . تعلمنا أن نكبح جماح الأنا المفرط ، ونحترم متعة الإصغاء للأخر المختلف . افتقدك الان في زمن الحيف والغشامة والغشاوة والعشى اليومي المزمن ونبكيك بدمع سخين . حزني كبير عليك يا مازن ، يا ثمرة قلبي ورمانة فؤادي . من ذا يدثرنا بريش حنانك ، ويزملنا بوشاح نبلك . " أن الرزية لا رزية مثلها : فقدان كل أخ كضوء الكوكب " ها هي الخنساء تبكيك وتذيع شيمك وكرم خصالك بين الناس . بعدك فقدنا القدرة على الحزن لشدة ما حزنا ، وفقدنا القدرة على البكاء لشدة مابكينا كما قال دوريش في وداع أستاذه ورفيقه أميل حبيبي صاحب " سداسية الأيام الستة " وسعيد أبو النحس المتشائل " .
فلترتقي مكانك بين الصديقيين والشهداء ، وليسبغ عليك الله شأبيب الرحمة .
ميرغني عبدالله مالك ( أبو مازن )
| |

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
ترك رحيل ميرغني وجعاً في القلب وثغرة يصعب سدها وربما يستحيل في جسد العمل الوطني .. العزاء أن تلك الروح ربما إنغرست بدرجات متفاوتة في نفوس كثير من الأصدقاء والصديقات.. نم هانئاً يا ميرغني فقد ظللت إلى آخر لحظة من حياتك العامرة ناكراً لذاتك متغاضياً عن أوجاعك الشخصية قابضا جمر رهانك القديم على الإستنارة، تؤسس لثقافة مغايرة وتقدم الوطن في سياق ثقافي تعددي مبين
| |

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
" لا اعرف أيهما أكثر إستبسالا الروح أم الجسد ؟ كلاهما كان يصهل " كلاهما خذلاني ، وكان شعورا مخاتلا وكذوبا ، لأن القدر أحكم قبضته ، وأنت بين حجري الرحا ، لا فرار ولامناص . أيقنت لحظتها أنك مفارق . أزمعت السفر وتتعجل الرحيل ، ونحن نستبطئه ، علنا نستزيد من نبوغك ووعيك الشقي المبكر ، نكمل مشوارنا معاً ، ونواصل ذلك الحوار الحميم والنبيل لنعيد للأيام بهاءها ونضرتها بعقل طفولي مشاغب ، ومبدع . " هل تسافر حتى تبتعد عن المكان الذي أنجبنا لترى الجهة الأخرى من الكون ، بحثاً عن طفولاتنا ، وعن ولادات لم تحدث بعد . تسافر حتى تكتمل الأبجديات الناقصة ، تبتعد كالشفق الذي يرافقنا ويودعنا " .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: يا حُداة القافلة .. الموت في المنفى - محمد المهدي بشرى (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
كتب الأخ عصمت الصادق بمنبر الرابطة الرياضية الصالحية بالرياض
بقاعة نورماس يوم الجمعة 7 يونيو الأمسية التأبينية الخالدة للراحل المقيم ميرغني مالك الشايب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ستكون قاعة نورماس الفخيمة بمخرج 18 بالرياض مسرحاً لاستضافة الأمسية التأبينية الخالدة التي تنظمها اللجنة القومية للاحتفاء بالراحل المقيم ميرغني الشايب وذلك يوم الجمعة الموافق 7/6/2013م الساعة السادسة مساء هذا وقد أفادنا الدكتور عثمان محجوب مقرر اللجنة بأن الأمسية سوف تشتمل على حفل خطابي معبر إضافة إلى إفادات من شهود العصر وقراءات شعرية رصينة وكورلات شبابية وفن تشكيلي. ومن ناحية أخرى صرح لنا الأستاذ محمد عبد الجليل نائب مقرر اللجنة بأن لجنته قد وجهت الدعوة لمنسوبي الملتقى السوداني الثقافي الاجتماعي الرياضي وكافة التنظيمات الوطنية والاتحادات الإقليمية والروابط والجمعيات المهنية المنضوية تحت لواء الملتقى كما وجهت الدعوة للرابطة الرياضية للسودانيين بالخارج الصالحية وجميع فرقها ولجانها وكذلك دعت منظمات المجتمع المدني التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الراحل المقيم مثل جمعية الصحفيين السودانيين وجمعية القانونين السودانيين وتجمع الفنانين والموسيقيين والجمعية السودانية للثقافة والآداب والفنون وجمعية التشكيليين السودانيين ومنتدى بلاد النور وجمعية التراثيات والفنون والسودانية وفرقة المسرح السوداني ومنتدى الأربعاء الأدبي وغيرها. كما وجه الأستاذ أحمد الجبوري عضو اللجنة بأن أسرة الفقيد بالرياض وجمعية أبناء الأبيض وجمعية أبناء العيلفون وكل أبناء كردفان ودارفور على مختلف مشاربهم ومنازعهم سيتدافعون للمشاركة في هذا الحدث الهام حتى يردون بعض من الدين للراحل المقيم الذي أجزل العطاء النبيل للوطن ولأهله وكافة أبناء الوطن سواء بالداخل أو المغتربين في المهاجر.
| |

|
|
|
|
|
|
|