|
عمر كانديك فى ذكراه السنوية .. رثاء
|
عمر كانديكــــ؛ مالو قلبي أسروهو..
14 أبريل 2007 – 14 أبريل 2013
خريفٌ سادس..
وذات الحُزن الراعف يتجدد..
خريفٌ سادس..
ولم يُزاولْ طيفُك ظلَّنا..
خريفٌ سادس..
نضغط الكفَّ على الكفِّ ونمشي..
وإذا جعنا تقاسمنا الرغيف..
خريفٌ سادس.. ومازلنا نقف عند ملتقى أرواحنا، نهادن الوقت بالآمال العراض، نداهن السلاح بالكفاح، ونعالج اليأس بالبأس.
وعندما تخذلنا الدروب؛ ندندن آنئذٍ لحنك المفضّل:
مالو قلبي أسروهو؟ هواهم.. وأصطفاهم.. بي ودادي.. مالو قلبي أسروهو..
رحلتَ باكراً ياكانديك.. ولم تترك لنا سوى هذا الضجيج الماكر.. هذا الفراغ المُر.. وهذا الأنين الدامي..
أذكر ذات وجوم سائد.. تحدثت إليك مطولاً.. واحداً من أحاديثنا الشجيّة..
شِن رسالتك في الزايلة البناها مكسّر؟
وأتى ردك شفيفاً:
أوزّعُ جسمي في جسومٍ كثيرة..
وأحسو قراحَ الماءِ والماء بارد..
نعم ياصديق.. لقد وزعّتَ جسمك ومفاهيمك في آلآف العقول.. أشهدُ أنا، وتشهد معي كل مشاويرنا الخصوصية: الأهلية، الخرطوم، الإنمائية، السوق العربي، النيلين، الغربي، الجنوبي، ودمدني، أم القرى، الشكابة شاع الدين، إجتماعات الرفاق، ورش العمل، المؤتمرات، أركان النقاش، التفاوضات، المخاطبات، اللِّجان، القوائم، الإنتخابات، المنابر، المناظرات، الندوات، المؤتمرات، الحفلات، الإستادات، المدارس، المحاضرات، المظاهرات، العرق، العصي، الهراوات، السيخ، العنف، الملتوفات، البمبان، الرصاص، الكجر، الدماء، الموت، وغيرها وغيرها. وكلُّ شيءٍ يذكرني بشيء.
كم أشتاقك ياكانديك.. وكم أشتاق أن أغني معك أغنيتك المفضلة للبلابل:
زِيد عُمرنا محنّة لينا منها طَولة..
لمْلِم إنتا حُزُنّا بإبتسامة وقولَة..
أشتاق أن أجالسك الشاي كما كنا نفعل في أزقة السوق العربي، نشتري الصحف، ونتبادل أخبار الأدب والسياسة، وتصارحني برغبتك الجامحة في تخصيص جزء من وقتك لنقد الشعر والقصص والروايات. كم أشتهي أن نتسامر فكرياً مرّةً أخرى حول منطلقات كارل بوبر، وكتب حسين مروّة، وأحاديثك التي لاتُمل عن الفلسفة الإسلامية ومدى جدواها. أعلم أنك الآن على قلقٍ كأن الريح تحتك بسبب رسالة الماجستير خاصتك حول كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، لاتقلق فقد سلّمتُ مسوداتك ومخطوطاتك لأيدٍ أمينة: شقيقك الجميل عثمان، ويقيننا أنك ستكملها على أحسن وجه في حيواتٍ أخرى.
هل تذكر حديثنا عن الأدب الشعبي؟ أنا أذكر. هل تذكر مربعات الدوبيت التي تقاسمناها؟ أنا أفعل. هل تذكر مربع عكير الدامر الذي كنت تردده كثيراً؟:
الحُقَن إتْمَلَتْ والدابي جاتو فضيحتو..
غير خاطِر مَرَق.. ضاقتْ عليهو فسيحتو
إدشّه السَرِح.. كَرَفَتْ هواهو منيحتو..
والمحريب شهق.. فَتَّح قزايز ريحتو..
كم أفتقدك ياصديقي، أفتقد همّتك العالية، كلامك البديع، ظلالك الورافة، أدبك الجم، ثقافتك الغزيرة، عقلك النابه، رأيك الثاقب، لطف معشرك، سخاءك، مروءتك، شجاعتك، وجَلَدَكْ وصبرك المستعان.
أشتاق صيفك وخريفك وربيعك وشتاءك، وعلى ذكر الشتاء أزفك البشرى فحين يأتي الشتاء القادم، سأجتر معي ذكرياتنا الدافئة، وسأنبهك: أيها الكانديك النحيل إحذر البرد فإنه قتل أخاك أباذر، وبالطبع سأنتظر قفشة الطفل الصغير ابن أخيك عصمت : (وهو أبوذر دا، ليه أبوهو ما أشترى ليهو سيوتر؟)، وسنضحك ملء آمالنا.
أدرك تماماً ياعزيزي قلقك النبيل، وإنك مشفق على ما آل إليه حال البلاد والعباد، ولكن وبالرغم من القهر والفقر الذان يملآن خلايا المكان، دعني أصارحك بأنه لا يزال هناك بصيص من أمل لم ينقطع بعد، أمل في جيل قادم قد تفهّم مقدار عطاءك الوفير وتضحياتك الجسام، جيل يصدح بالحق وللحق، مصمم على إكمال ما بدأناه سوياً، ودعني أطمئنك بأن حلمك عصي المنال سيتحقق قريباً، وإن غرسك الذي بذرته سيكون له سقيا بصورة أو بأخرى. صحيح أن كثير من الأصدقاء تناحروا، وآخرين تنادموا، وآخرين تفاءلوا، وآخرين تباعدوا، وآخرين تخاذلوا، ولكن رجائي ألا تُصدِّق علينا الأظنّاء، وأنت خير العالِمين بأن ما لايقتلنا، حتماً يقوّينا.
أما الخبر الأجمل ياكانديك فهو عن نساء بلادك، فقد أقتربن من تحقيق حلمك السرمدي، أصبحن أضوأ فكراً، وأنضر عوداً، يسرن بخطىً واثقات لإنتزاع حقوقهن كاملات غير منقوصات، وقد بدأت ثمار غرسهن بالنضوج. لقد إتخذن من مقولتك الشهيرة شعاراً مدوياً يزلزن به جبروت الطاغوت: لن أرتاح حتى أرى نساء بلادي يتزيأن بما يرغبن في إرتدائه؛ بلا رقيب أو حسيب عدا مقاييسهن الذاتية.
نساء بلادك ياكانديك صبحن حلاتن.
فلتسعد بهذه الحفنة الأولى من الإنتصار ياصديقي..
ولترقد هانئاً يارفيق..
جوار الخاتم..
جوار بكّار..
وأبلغهما السلام..
و...
مالو قلبي أسروهو؟
مدحت عفيفي
|
|
|
|
|
|