|
ماذا أكتب؟
|
هذا القلم عاندني ولم يكتب ما أرغب في كتابته .. بينما أحاول أن أعتصره ليسكب الحبر على الأوراق .. هذا الواقع المحبط .. ماذا أكتب ؟ عن الفساد ؟ كتبت .. كتبت و العمارات في قلب الخرطوم تستطيل بين ليلة و ضحاها .. و تنبت لنا الأرض أشخاص إنتفخت جيوبهم بين ليلة و ضحاها .. ننام لنستيقظ باكراً لنجد أن ولي أمر سلطة ما بالأمس عاث في الأرض فساداً اليوم أصبح في منصب أعلى .. ملعون هذا القلم لماذا يعصيني و لا يرغب أن يخرج من جنة أفكاري، يظل ملتصقاً بسبابتي و الإبهام ، يكتب حروف عنيدة هي بعض من إنكسار و كثيرٌ من وجع . لن أكتب عن الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان حتى لا يصفني البعض بالمخبول .. و لن أكتب عن المساواة فهل أستوى أنا العبد لله مع أصحاب السموء العالي السادة الذي يتولون أمرنا؟ نسكن نحن هامش المدن و يسكنون هم خلف جامع كبير و أبراج كهرباء الضغط العالي .. مصابون بالتخمة و على أرصفة الخرطوم أطفال (غسيل العربات و الأورنيش) ينامون و يأكلون من سلات النفايات إن وُجدت .. و الأسفلت يلتهم أقدامهم الحافية .. بينما أطفالهم يتوسدون المفارش الناعمة و يغسلون أياديهم في الطنافس بعد أن يأكلوا الحلوى .. يغسلون أياديهم جيداً بعد الأكل بينما أولئك الاطفال الذين ينامون تحت خطي الفقر و الإستواء يغسلون العربات جيداً على أرصفة الطرق لأجل بعض جنيهات يشترون بها طعام رخيص يسد الفجوة الغذائية في أجسادهم النحيلة .. هل أكتب عن صالة المغادرة بمطار الخرطوم و هي تكتظ بالأجساد التي فقدت أرواحها بفقدانها الأمل بواقع جميل فحملت حقائبها و أرادت الغياب و الغربة بأعداد كبيرة و بأعمار مختلفة شباب و شيوخ ، يا للوجع هل أصبح الوطن طارد لهذا الحد ؟ .. بكل تأكيد لن أكتب عن برلمان قوي لدرجة أنه يقرر ألغاء حفل لفنانة عربية جاءت تغني في حفل خيري لدعم أطفالنا المصابين بالسرطان .. بينما هذا البرلمان يفشل في حل مشاكل الحرب و مشاكل الفساد و نوابه غارقون في نوم عميق أثناء جلسة رسمية لحل مشاكلنا .. عن ماذا سأكتب ؟ عن صديقي الذي جاء من بلاد العم (سام) إلى هنا حيث بلاد العم سأم - موت) .. حيث أصبح عقله مكتظ بالمعرفة و العلم و أدهشني بأفكاره .. بينما عقول أهلنا اما هاجرت أو عشعش فيها اليأس و ماتت .. شتان بين إنسان يعيش بكامل إنسانيته و آخر لا يتعدى (الحيوانية) الصراع من أجل الأكل و الشراب .. هل أكتب عن ليلة أمس خرجت أجوب شوارع الخرطوم ألتقط بعض الأفكار و أنفاسي في صيف بلادي الساخن .. أجوب الشوارع أبحث عن بعض الأمل الهارب في مجموعة من الشباب (شوارعية ) يرقصون و يغنون و يمثلون على رصيف شارع النيل يزرعون الأمل في عيون ضاع عنها الضوء و الحلم .. و يحاولون أن يجعلوا عقول الحضور الذين يتحلقون حولهم تستيقظ .. و مابين الغفلة و الإستيقاظ .. بعض النفوس الجميلة من الأصدقاء تحلق حولي تجدد في نفسي الأمل .. ثم أمضي و على رصيف الأسمنت طفل نائم من تعب أصابة بسبب غسل العربات طوال اليوم .. طفل على ما يبدو أنه في العاشرة من العمر، و طفل آخر إشترينا منه قوارير الماء لنطفئ عطشنا .. سأله صديقي بعض أن أعطاه جنيهات الماء ( إنت بتقرأ ؟ ) أجابه ( نعم ) ثم مضى لحال سبيله طفل يعمل مساءاً ليدفع ثمن التعليم صباحاً في وطن يتبجح البعض فيه بالحديث عن مجانية التعليم .. ثم مضيت و مضت الأحلام إنحساراً تكاد أن تنضب .. و الفيتوري يحاصرني :- دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استيحاء و العاقل من ظن الأشياء هي الأشياء أرجوك سيدي توقف و لا تطن في أذني .. خذ ياقوت عرشك و إنصرف عني .. و صدقني أن الرابح فينا أصبح من صار و الياً للأمور و يحكم بالسيف و النار .. يقتل .. ينهب .. يسرق .. و الخاسرون هم الفقراء الذين يتسولون الخبز على الرصيف .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق رحيم الجمعة 18/5/2012
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا أكتب؟ (Re: Mohamed alhabib)
|
Quote: [انه كيبوردك ليس لأي كائن كان ما عدا (لوائح المنبر) سلطة عليك وقبل ان ترضي احدا يجب ان ترضي ضميرك] |
محمد الحبيب .. ياصديقي لكيبوردك عليك حق .. حق أن تخرج به الحقيقة و الحروف الأنيقة
تسلم
| |
|
|
|
|
|
|
|