أين كنت قبل أن تُولد؟ مقال جدير بالقراءة

Quote: الولادة ليست بداية حياتنا وإنما هي مجرد جسر للعبور من مرحلة حياتية إلى أخرى، فحياتنا - والله أعلم - بدأت قبل ذلك "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم"، وبولادتنا نكون قد انتقلنا إلى مرحلة أخرى، حتى تعليمنا ورسم شخصياتنا ليس كما كنا نعتقد لسنين طويلة، أنه يبدأ بعد ولادتنا ولغاية ثلاث سنوات من عمرنا، لأن الحقيقة التي أثبتها العلم تقول إننا نبدأ في التعلم في الرحم قبل ذلك، وليس فقط أجسادنا تتكون داخل أرحام أمهاتنا وإنما تتبلور شخصياتنا هناك أيضاً! فالجنين لديه حواس يتعلم من خلالها ما يدور حوله، وذاكرة يخزن تلك الخبرات والتجارب، كما أنه يتنفس وينام ويحلم ويتألم. وأول حاسة تتكون لديه هي حاسة اللمس فيبدأ يتحسّس أصابعه ويمصها ويداعب الحبل السري بيديه ورجليه، كما يشعر بلمسات أمه الحانية على بطنها وكأنها تربت على ظهره فيشعر بالأمان، ويُولد الطفل الذي يكثر والداه من لمس البطن والمسح عليه أثناء الحمل ولديه شعور أكثر بالأمان والراحة عن غيره من الأطفال، وتعتبر هذه اللمسات لغة الحوار الأولى بين الأم وجنينها ويرد عليها بضربات واهتزازات خفيفة، لقد كشفت الدراسات أن الجنين جزء من هذا العالم وليس معزولاً عنه، فالغشاء والماء المحيط به ليسا حواجز تعزله عن العالم وإنما وسائل اتصال بينه وبين محيطه فيتأثر بانفعالات أمه ويفرح لفرحها ويغضب لغضبها، وعندما تعاني الأم من اضطرابات عاطفية ومشكلات أثناء الحمل تكون عُرضة للإجهاض أو الولادة المبكرة كردة فعل لجنينها على ما يحدث لها وليس فقط لتغير هرموني. كما أن الجنين لا يعيش في صمت مطبق؛ فهو يستطيع السمع منذ الشهر الرابع ويستجيب لترددات أعلى من والديه تراوح بين 16 و180 ألف هرتز في الثانية، وهو بهذا يشبه جنين الحوت بحاسته الفائقة للأصوات، بينما والديه لا يستجيبان إلا لنطاق صوتي من 20 إلى 20 ألف هرتز، وبما أن أذن الجنين لا يكتمل نموها إلا في الشهر السادس، لذا يعتقد أن الجنين يسمع عن طريق الجلد "لا يزال الموضوع تحت الدراسة". قام باحثون من جامعة كامبردج بوضع مكبرات صوت مائية داخل محفظة جنين نعجة حامل، ودهشوا عندما وجدوا أن أصوات المحادثات العادية تخترق الرحم وزادت دهشتهم لعدم سماعهم الصوت الوحيد الذي توقعوا سماعه وهو صوت دقات قلب الأم. وفي داخل الرحم يتعلم ويتعرف على مذاق الأطعمة ونوع البيئة التي سيخرج إليها من نوع الطعام وهل هي غنية أو فقيرة، ويكيف أجهزته حسب ذلك ويتعرّف عليها سريعاً بعد ولادته مثل الأم التي تكثر من شرب الينسون تجد طفلها تعوّد على طعمه، أما الطفل الآخر فتجد تعابير وجهه تتغير تعبيراً عن عدم رضاه واستساغته الطعم. ويتعلم الجنين اللغات واللهجات وعند خروجه للدنيا تكون صرخته بلهجة أمه، ففي دراسة أجريت على 60 طفلاً ألمانيين وفرنسيين وجدوا أنهم يصرخون بطرق مختلفة، فالفرنسيون يصرخون بنغمة منخفضة ثم تعلو، أما الألمان فيصرخون بالعكس، ومن أغرب ما يتعلمه الجنين داخل رحم أمه كيف يتصرف في الأزمات، فعند تعرُّض الأم أثناء حملها للحروب أو الكوارث الطبيعية تعاني متلازمة اضطراب ما بعد الصدمة فتنقل أعراض المتلازمة ومخاوفها وحذرها إلى جنينها؛ فيُولد ولديه فرط انتباه بمحيطه وسرعة استجابة للخطر من حوله، وبذلك يتمكّن من إنقاذ حياته وحياة الآخرين. وكما يتعلم فهو ينام ويحلم، فقد رصدوا لديه مرحلة REM وهي حركة العين السريعة وتحدث أثناء الحلم، ولكن "أليس الحلم يحتاج إلى تجارب سابقة، فمن أين حصل على تجارب وهل عاش الجنين قبل ذلك؟".