وداعا محمود سالم مؤلف المغامرون الخمسة

Quote: وداعا محمود سالم حسين شبكشي الثلاثـاء 16 ربيـع الثانـى 1434 هـ 26 فبراير 2013 العدد 12509 جريدة الشرق الاوسط الصفحة: الــــــرأي إلهام الفكر مسألة في غاية التعقيد، وخصوصا على مستوى الأطفال، وهي مسألة لم يتقنها ويحسنها إلا القلة القليلة. وعلى مستوى العالم العربي كان اسم محمود سالم الأكثر تميزا. رحل بالأمس محمود سالم، المؤلف والمثقف المصري، عن عمر تجاوز الـ84 عاما، كانت مليئة بالفصول المثيرة والأحداث والإنجازات. كان محمود سالم معروفا بأنه مؤلف «الألغاز»، وتحديدا المجموعة التي عرفت بالمغامرين الخمسة، وأبطالها «تختخ» و«محب» و«عاطف» و«ونوسة» و«لوزة»، والمفتش سامي والشاويش «فرقع»، وال###### «زنجر»، وهي كلها شخصيات أثرت على مخيلات أجيال من الأطفال العرب من المحيط إلى الخليج، وباتوا جميعا «يعيشون» الأحداث في ضاحية المعادي الأنيقة بالقاهرة - موقع معظم الأحداث، وكان أسلوب الرجل ساحرا وجميلا وسلسا، ساهم بشكل واضح ومباشر في غرس محبة القراءة في نفوس الآلاف بشكل مبسط ومشوق. وكانت هذه المجموعة التي تصدر بشكل شهري من قبل «دار المعارف» العريقة بمثابة نموذج مبسط للكتب الأكثر مبيعا، واستمر دورانها من جيل إلى جيل تباع على أرفف المكتبات وعلى قارعة الطريق، وتورث من جيل إلى جيل. وتحولت هذه الألغاز إلى مشروع مسلسل تلفزيوني، باء بالفشل لأن الرؤية التلفزيونية كانت قاصرة جدا أمام الخيال الواسع والخصب الذي وفرته تلك الألغاز المشوقة، وكان محمود سالم متأثرا بشدة بالكاتبة البريطانية العملاقة أيندبلايتون التي قدمت للعالم هي الأخرى «ألغازها» للأطفال وكانت سلسلة ذائعة الصيت، ولا تزال تلقى القبول وتحقق المبيعات المحترمة. وقام محمود سالم بعد ذلك بتقديم مجموعة الشياطين الثلاثة عشر، وهي فكرة متأثرة بالحلم العربي وقومية الطرح السياسي. والفكرة عبارة عن مجموعة من الشباب العربي من ثلاث عشرة دولة يتحدون لحل الألغاز ومواجهة الأعداء، يقودهم شخصية غامضة هي «الرقم صفر». والمجموعة موجهة للمراهقين، فلغتها متطورة أكثر وأغزر ومتأثرة بأفلام العميل السري البريطاني جيمس بوند وأمثالها، ولاقت هي الأخرى نجاحا كبيرا، وقامت إحدى شركات الإنتاج بتقديمها على الشاشة الكبيرة، ولقي الفيلم نجاحا محدودا. محمود سالم كشخصية كان من المثقفين الاستثنائيين وقارئا نهما، وفي مجلسه كان دوما ما يوجد الطيب صالح الروائي السوداني العبقري، ورجاء النقاش المثقف المصري العتيد، وأعداد غير قليلة من الكتاب والمؤلفين مختلفي المشارب. ترأس الرجل في فترة من حياته تحرير مجلة «الإذاعة والتلفزيون»، وأبلى فيها بلاء حسنا، ولكنه استمر ككاتب رئيس للألغاز، مع وجوده المستمر في أكثر من عمود صحافي ككاتب معلق على الأحداث فيها، كان عاشقا لجمال عبد الناصر ومتأثرا بفكره وقوميته، واضعا صورة ضخمة للرجل في وسط صالون منزله، في إشارة واضحة لضيوفه عن موقفه السياسي. كان محمود سالم متأثرا بالفكر اليساري بشدة، قارئا نهما للرواية الروسية، عاشقا لتشيخوف وتولستوي، ومغرما في ذات الوقت بغابرييل ماركيز، ولكن كان عشقه العربي في الأساس للرواية القصيرة وعبقرية الدكتور يوسف إدريس فيها. كان صاحب نكتة لاذعة وخفة دم استثنائية، لديه قدرة على السخرية من كل شيء بأقل الكلمات وأقصر المعاني، كان يعتبر ذلك خفة دم المفكر، وأن تضحك من عقلك لا من بطنك فقط. ولد بالإسكندرية وكان عاشقا لها، فكانت دوما هي استراحة المفكر عنده ومصدر الإلهام له بشكل متواصل. ورث جينات الفن والأدب لأولاده، فنجله الأكبر أشرف مخرج تلفزيوني معروف، ونجله الثالث أحمد مدير تصوير تلفزيوني معروف هو الآخر، نجله الثاني أكرم تفرغ للتجارة، والأصغر أدهم في البحرين في عالم مليء بالألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية والشاشات التي لا نهاية لها. تعرف أجيال كثيرة معنى أن تسبح بخيالك بعيدا بين دفتي كتاب جميل يثير فضولك ويفتح آفاق التأمل، وهي مسألة أصبحت بعيدة المنال اليوم تماما عن أجيال كثيرة. رحم الله محمود سالم فقد أمتع الكثيرين ببراءة جميلة.

Quote: وداعا محمود سالم .. اللهم ارحمه واغفر له واسكنه جناتك ..

Quote: رحم الله محمود سالم فقد أمتع الكثيرين ببراءة جميلة.

Quote: كلنا لنا ذكريات مع سلاسل ' المغامرون الخمسة و الشياطين الـــــ 13 ' التي حققت نجاحات كبيرة.. ولكن مالا يعرفه الكثيرون أن مؤلف تلك القصص يعيش الآن في عزلة ويعاني من ضعف القلب ويحتاج إلي عملية خطيرة .. كلامنا عن الكاتب الكبير محمود سالم الذي احتفل منذ أيام بعيد ميلاده الـــــ 84 وبالرغم من عزلته إلا أنه خصنا بهذا الحوار حيث فتح قلبه لنا وروي الكثير من الذكريات التي نعرفها لأول مرة من خلال هذا الحوار الإنساني... في البداية طمئنا علي صحتك .. الحمد لله , ولكن قلبي ضعيف , وشغال علي 1 من 10 علي 16 من الدم , وجميع الأشعات في مصر وأمريكا أكدت حاجتي إلي عملية لتغيير صمام الأورطي لأن الدم يضخ بصعوبة , ولكني أستطيع أن أتغلب علي ذلك بالتقليل في الأكل والحركة . الكاتبة فاطمة ناعوت كتبت أنك في حاجة إلي تبرعات لإجراء العملية .. فهل هذا صحيح؟ لا , أنا الحمد لله كسبت فلوس كثيرة طول عمري , فأنا حياتي ومكاسبي كانت في تسلسل , منذ أن كنت رئيس قسم الحوادث بجريدة الجمهورية , ثم مجلة سمير , وخطر ببالي أن نكتب لغزا بسيطا ومن يحله يكسب هدايا , ثم تطور الأمر إلي قصص وألغاز وكانت المبيعات مرتفعة , وكنت أحصل علي 50 جنيها في الشهر بنيت بها منزلي , ثم ارتفع أجري إلي 100 جنيه , وبدأت الفلوس تجري في يدي , وكتبت ' المغامرون الخمسة ', ولكن الدول العربية قالت لماذا يكون المغامرون مصريين فقط؟ ! فجاءت لي فكرة الشياطين الـ 13 وهم من كل الدول العربية , وحصلت علي فلوس كثيرة , وأصبح الشغل بالنسبة لي مثل المرض لا يتركني , وزوجتي - الله يرحمها - كانت من الطراز القديم وكانت تأخذ بالها من كل شيء ومن الأولاد وأنا أكمل في الكتابة , وصرفت علي أولادي حتي تزوجوا , ولكن ابني الكبير المخرج أشرف سالم عنده سرطان وكلفني حوالي 600 ألف جنيه وأجري عملية زرع نخاع ونجحت بشكل جزئي , فهذا ما أثر معي بشكل كبير , ولدي حفيد أيضا معاق وهذه مشكلتي الآن وأحاول تدبير نفقات علاجه , ولكن الحمد لله علي كل شيء . ولماذا ترفض إجراء العملية؟ لأنه لو هناك سيارة قديمة وركبوا لها موتورا جديدا سيكون صعبا عليها , فلابد أن يكون هناك تجديد شامل , والأطباء يريدون أن يقوموا بأشياء كثيرة في جسمي , ولكني قلت كم سنة سوف أعيشها , ولا أحد يضمن عمره , وأنا كده كده ميت , لأن الموت قدر نهائي , و التمرد عليه خطأ , ولكن فقط ينقصني النوم , فأنا لا أنام , ولكن الحمد لله . وهل صحيح أنك كنت تعيش في عزلة؟ أنا بالفعل الآن في عزلة , فيومي يمر بهدوء , وحتي أحفادي عندما يجتمعون عندي يمشون بسرعة , وأنا لدي 12 حفيدا , وأصحو في الرابعة صباحا وأفكر فيما سوف أفعله في اليوم , فلو لدي أي عمل أقوم به , وأنا من النوع الذي يتقن عمله , ويجب أن أكون مقتنعا بما أفعله , حتي الألغاز التي كنت أكتبها كنت أتقن فيها , ولكن في وقت العز الذي عشته لم أعرف الراحة وهذه هي تركيبتي , والدي مات وكنا 8 إخوة , وكنت أعمل لأنفق عليهم , وأخي الأكبر هرب لسنوات , أما عن الأصدقاء فأكثرهم ماتوا ولم يبق لي سوي السفير عبد الرءوف الريدي وصديق آخر سوداني تعرفت عليه عن طريق الطيب صالح , والجنزوري كان صديقي وكان يأكل في بيتي أكثر مما يأكل في بيته , ولكن بعد رئاسته للوزارة لم يرد علي , علي الرغم من أني لا أريد منه شيئا , وربما أن مساعديه لم يبلغوه بأني اتصلت به , ولكن بشكل عام هذه هي حياتي , وعملت مؤخرا في جريدة التحرير لأن إبراهيم عيسي صديقي وكنت قد عملت من قبل معه في الدستور . هل تشعر بأن الأضواء انحسرت عنك بالتوقف عن كتابة الألغاز والمغامرات؟ أنا والحمد لله عشت حياة رائعة وراض عنها , وراض عما فعلته , وكانت فيه فرص ضاعت بالتأكيد , فكان من الممكن أن أكون من مساهمي موبينيل , والشركة تم توقيع عقودها في بيتي وأعلم من قبض ومن لم يقبض من ورائها ولكني لن أتكلم , بجانب ذلك مرت بي فترة وجدت نفسي لست مضطرا لأن أعمل طوال الوقت كما كنت أفعل من قبل , وبدأت حياتي تدخل مرحلة السكون بعد وفاة زوجتي . وهل تشعر أنك حصلت علي حقك في مصر؟ طبعا الكتاب لا يحصلون علي حقوقهم هنا , ولكني حصلت علي حقي بالكامل من الناحية المادية , فكسبت فلوس كثيرة من الألغاز والمغامرون والشياطين وغيرها وأمي كانت تسميني المبروك , وقالت لي ' مطرح ما تحط ايدك تجيب فلوس ', بجانب أن الربح كله في سيناريوهات السينما أو التليفزيون وكتبت فيها وكان ابني أشرف المخرج ينفذها , فكل ذلك تجمع مع بعضه , وكانت صدفة طيبة , ووصل بي الأمر إلي أنه كانت هناك طائرة خاصة تحت تصرفي .. لكنها طبعا لم تكن ملكي , وكان لدي سيارة مرسيدس بجانب الفيلا , ولكن علي المستوي المعنوي لم أحصل علي شيء , ولم أحصل علي أي جائزة ولا سعيت لذلك , وهناك شخصيات كثيرة عملوا تحت يدي وحصلوا علي العديد من الجوائزمثل سكينة فؤاد وخيري شلبي وغيرهما , ولكن الحمد لله من أستطيع أن أساعده أقوم بذلك , فأنا من أنصار مبدأ ربنا يرزقك عشان ترزق الناس . بما أنك كاتب الألغاز الأول .. ألا تري أن مصر حاليا فيها كثير من الألغاز؟ البلد حالتها طبيعية جدا , فالثورات دم وقتل وغدر ومؤامرات , وهذه هي الثورة بعيوبها , والشعب هو الذي قام بالثورة , وشوية عيال قلبوا نظام ديكتاتوري لأنه كان هشا , و أمريكا تخلت عنه لأنه أصبح ضعيفا , فما يحدث في مصر عادي جدا , فلو أردتم ثورة فهذه هي الثورات , بمطالب ليس لها نهاية , وناس حرامية وبلطجية . ولكن ما الذي سنصل إليه؟ الأمور ستتحسن بمرور الوقت , ومصر ستكون بلدا جيدا , ولكن نفسي أري مصر مثل زمان عندما كانوا يغسلونها بالصابون , ولكن الأيام لن تعود لأننا في زمن الجماهير الغفيرة , فالبلد تم تخريبها علي مدار 30 سنة و ' مصمصوها ' , وعلي سبيل المثال أحمد عز اشتري صلب الدخيلة دون أن يدفع مليما , وكانت فخرا لمصر مثل الهرم وعملها عبد الناصر , ولكن البلد التي تطبق القانون هي البلد التي تسير بشكل صحيح وهذا ما نحتاجه الآن . هناك من لديه إيمان بوجود مؤامرة علي مصر .. فهل تشعر بذلك؟ هناك مؤامرات علي البلد , سواء من إسرائيل أو أمريكا أو الفلول أو أصحاب الامتيازات , فكلهم يقومون بمؤامرات ولكن لن يقوموا بانقلاب , فهناك مؤامرات منذ فترة طويلة علي البلد . بالمناسبة .. ما حكاية اتهامك بالتآمر؟ اتهموني بالخيانة العظمي والتسبب في النكسة , فقبل حرب 1967, كان رجاء النقاش في مجلة الكواكب , وأنا في الإذاعة والتليفزيون فكان لديه فكرة لجمع تبرعات , وعبد الوهاب وأم كلثوم كل واحد دفع 50 جنيها , وكان هناك اقتراح لعمل حفلات للقوات المسلحة علي الحدود مثلما تفعل أمريكا وغيرها , ووجدت أنها لن تكلفنا شيئا , واتفقنا مع القوات المسلحة وبدأنا نتفق مع الفنانين وكل يوم يقولون لنا بكرة , وبعد ما نتفق علي موعد نؤجله , إلي أن جاء يوم 5 يونيو اتفقوا معنا علي الحفلة , وهي ليلة النكسة بالصدفة , وأحيينا الحفلة في أنشاص , وابن أخت عبد الحكيم عامر سألني عن المشروبات فقلت له مشروبات عادية , فقال إنه سيدخل الويسكي , ولكن لم يشرب أحد من الجنود , وأنهينا الحفل في الثانية صباحا , وعقب وصولي إلي البيت وصلني خبر الهزيمة , وبعدها قالوا إنه كانت هناك راقصات وويسكي , وظهر كتاب اسمه ' تحطمت الطائرات عند الفجر ', وحققوا معي 3 مرات , وكان حسني مبارك هو الذي يحقق معي , ولكن ظهرت براءتي بعد أن ثبت لهم كذب ما قيل وتأكد أن الجنود لم يشربوا أي شيء , ولكن وهو يحقق معي لم أتوقع ولو للحظة أن يكون رئيس جمهورية في يوم من الأيام , فلم تكن لديه أي كاريزما . لماذا تحتفظ بصورة جمال عبد الناصر فوق مكتبك حتي الآن؟ لا يوجد أحد أحبه بعد عبد الناصر , فكان أمل مصر والعرب ورجلا شريفا ومحترما , ولي معه مواقف , فقد ارتكبت ذات مرة خطأ كبيرا جدا , فقد كنت سكرتير تحرير مجلة اسمها ' التحرير ' وكنت أكتب الافتتاحية في عيد الأضحي , وكتبت مقالا بعنوان ' خروف العيد ', وكتبت عن شخص إنجليزي سيتولي الجيش الأردني , وكانت هناك كلمة زعيم القومية العربية , وأرسلت المقال لسكرتير التحرير حتي يضع صورة الغلاف , فقرأ كلمة زعيم القومية العربية فظن أن المقصود جمال عبد الناصر فوضع صورة عبد الناصر علي الغلاف وتحتها صورة الخروف , فكانت كارثة , فبعد أن ذهبت لبيتي وجدت البوليس الحربي يأتيني , وذهبت معهم لدار التحرير وكان يرأسها أنور السادات , وقال لي ' روح ولا تأتي مرة أخري ' ورفض أن يسمع مني أي توضيح , فبقيت في بيتي 3 أشهر , ولم تنجح أي شكوي , وفي يوم كان جمال عبد الناصر يخطب عن العدالة الاجتماعية , فأرسلت له خطابا وشرحت له الموقف وقلت له إنهم يتحدثون عن أشياء ويقومون بعكسها , فبعد أسبوع جاءني ضابط من البوليس الحربي وقال لي عبد الناصر قرأ خطابك ويرسل لك راتب الثلاثة أشهر وتستطيع أن تعود لعملك من الغد , فهذا موقف بالطبع لا أستطيع أن أنساه أبدا وجعلني أحتفظ بصورة هذا الإنسان حتي اليوم . وما سر وجود هذا الكم من التحف واللوحات في المنزل؟ أعشق كل ما هو قديم , ولدي حنين للماضي بشكل كبير , وأتذكر أني قبضت في يوم 45 جنيها وزوجتي كانت تنتظر ' المحمر والمشمر ' ولا يوجد أكل في البيت ولكني ذهبت واشتريت بكل المبلغ تحفا , فما أملكه الآن هو الماضي , ولكني لا أعلم شيئا عن المستقبل ولا أملكه .