سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 07:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2013, 03:46 AM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة



    سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة
    الكاتب: عبدالله المالكي
    نوفمبر, 2011


    في ظل الثورات العربية، وتحرير إرادة الشعوب، وإزالة الأنظمة الدكتاتورية؛ يبرز مشروع الإسلام السياسي كمرشح قوي للحكم وإدارة البلاد لأجل الانتقال والتحوّل بالواقع السياسي من فضاء الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية، ومن ثقافة القمع والإقصاء والخوف التي رسختها الأنظمة الدكتاتورية إلى تعزيز وترسيخ ثقافة الحريات والتعددية وحقوق الإنسان، ومن عوالم الفساد والحرمان والجهل والظلم الاجتماعي إلى عوالم التنمية والتقدم العلمي والرفاه والعدالة الاجتماعية، ونحو ذلك من الاستحقاقات الثورية التي من أجلها بذلت الشعوب دماءها. وهذا يعني أن الإسلام السياسي أمامه اختبار تاريخي في بالغ الصعوبة والحرج، وأن بين يديه أمانة جسيمة تحمّلها عبر دماء الشهداء المناضلين الذين كانوا سببا في إزالة الدكتاتورية وتحرير إرادة الأمة.

    إن على التيارات الإسلامية بكل أطيافها وأنواعها – قبل أن تخوض تجربة الحكم والسياسة – أن تطرح على نفسها السؤال التالي :

    ما الذي تريده الشعوب العربية الآن في هذه المرحلة ؟ ما هو الشيء الذي ناضلت الشعوب من أجله وقدمت دماءها رخيصة له؟ لماذا دفعت الشعوب العربية هذا الثمن الباهظ؟ وما هو المقابل جراء هذه التضحيات الذي بذلتها الشعوب وما زالت تبذلها؟

    لا أظن بأن ثمة خلاف في أن الشعوب العربية الثائرة لم تخرج إلا لأجل تحقيق (الحرية والكرامة والعدالة)، وواقع هذه الثورات ومشاهداها المتنوعة والمتكررة تؤكد هذا الدافع بوضوح، تؤكد بأن الشعوب إنما خرجت لكي تطالب بحقها السيادي على أوطانها وعلى منافعها ومواردها ومصارفها، وأن تكون مصدرا لجميع السلطات وأن تكون مراقبة ومحاسبة لحكوماتها التي تختارها بنفسها وتفوضها في إدارة شؤون البلاد. خرجت الشعوب لكي تحكم، لكي تكون لها السيادة، لكي تحرر البلاد من عصابات الفساد وأصحاب المنافع والمصالح الشخصية الذين تمكنوا على رقاب الناس عبر التحالف مع الأنظمة الفاسدة، خرجت لكي تمارس حقها في تأسيس مجتمعها المدني وحراكها الاجتماعي على كافة الأصعدة والمجالات دون وصاية أو قمع أو إرهاب. خرجت لكي تحطم سجون الباستيل المنتشرة في البلاد العربية وأن تزيل زبانية (الباستيل) وثقافة (الباستيل) وقضاة ووزراء داخلية (الباستيل).

    في كلمة واحدة.. خرجت الشعوب لأجل سيادتها! نعم لـ(سيادتها) وليس لشيء آخر، وليس لدافع أيديولوجي سواء كان عقائدي ديني أو فلسفي وضعي.

    ولكي نكون أكثر وضوحا: لم تخرج الشعوب لأجل تطبيق الشريعة مع شرف هذا المطلب وأحقيته للمجتمعات الإسلامية بلا شك، ولكن الشعوب لم ترفع هذا الشعار خلال مظاهراتها واحتجاجاتها، لم تخرج لأجل إحياء منهج أهل السنة والجماعة كما يظن البعض، أو لأجل نصرة مذهب السلف، لم تخرج لأجل محاربة المنكرات السلوكية، أو لكي تحطم المزارات والأضرحة، لم تخرج لأجل تطبيق المصارف الإسلامية أو لأجل السماح بالتعدد في الزواج أو لأجل فرض النقاب أو الحجاب أو منع الخمور والمراقص الليلية. لم تخرج الشعوب لأجل هذه المطالب. وإنما خرجت لكي تسترد سيادتها على أوطانها أولا، ولكي تكون هي المصدر الوحيد للسلطة وللشرعية وليس الفرد المتغلب ولا الحزب الحاكم الأوحد. لا يعني أن الأمة ضد هويتها الإسلامية ومرجعيتها الشرعية. بل نحن نعتقد بأن الشعوب هي أكثر أصالة ومحافظة لهويتها ولقيمها من أنظمتها الفاسدة البائدة، ولكن لم يكن هذا هو الدافع في خروجها وثورتها وإسقاطها لأنظمتها.

    إذن استعادة (السيادة) على الأوطان هو الذي أخرج الشعوب العربية الثائرة ودفعها لبذل الدماء والتضحيات الجسيمة.

    - 2 -

    ماذا يعني هذا الكلام؟

    يعني.. أنه لا يحق لأحد – بعد تحقيق سيادة الأمة – أن يفرض شيئا على هذه الأمة دون الرجوع إلى الاحتكام إلى إرادتها وإلى الدستور الذي اختارته عبر صندوق الاقتراع. فإن اختارت الأمة منظومة القيم والمبادئ الإسلامية كمرجعية عليا وإطارا للتشريع والقوانين فلا يحق لأحد أن يفتئت عليها أو يفرض ما يناقض ويعارض مرجعيتها الدستورية.

    وإن اختارت شيئا آخر غير المرجعية الإسلامية؛ فيجب احترام خيارها ولا يجوز قهرها وإجبارها بشيء لا تؤمن به، لأنه لا خير في قيم ومبادئ لا تؤمن بها الشعوب ولا تتمثلها وتطبّقها إلا خوفا ونفاقا وتقيّة، وليس من مقاصد التشريع تحويل المجتمع إلى منافقين، وإنما غاية التشريع إصلاح الناس وتزكيتهم وتربتهم على قيم الإسلام. ولهذا كانت حرية المعتقد والضمير في القرآن من القضايا المحكمة والكلية التي لا ينبغي معارضتها أو تخصيصها أو نسخها بالمتشابهات والنصوص الجزئية وقضايا الأعيان، واستعراض آيات القرآن تؤكد هذا المعنى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس 10 {يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون} (المائدة 4 {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف29) {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلَّ عليها وما أنا عليكم بوكيل} (يونس 10 {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} (الرعد 40) {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين} (النحل 82) {فإن أعرضوا فما أرسلنا عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ} (الشورى 4 {فذكر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر} (الغاشية 21-22) ونحو ذلك من الآيات التي لا يتسع المقام لإحصائها. ولهذا في مثل هذا الخيار ليس على دعاة الإسلام سوى أن يمارسوا حقهم في البلاغ وفي دعوة الناس إلى مبادئ الإسلام والتبشير بقيمه وأخلاقه بالجدال والحكمة والموعظة الحسنة دون الفرض على الشعوب، لأن الفرض لا يكون إلا عبر إرادة الأمة من خلال مؤسساتها التشريعية والدستورية والقضائية. فإذا آمنت الأمة بقيم الإسلام انعكس ذلك بشكل ضمني على واقعها وتجسّد بصورة آلية في منظوماتها التشريعية والدستورية، ولكنّ ذلك لن يتحقق ما لم تكن (السيادة) بيد الأمة بمجموعها لا بيد فرد متغلب أو فئة أو حزب معين يحتكر السيادة دون الأمة.

    لا يعني أن الشعب هو معيار المبادئ والقيم والأخلاق كما يتصور البعض. بل المعيار من حيث المنطق المعرفي هو المرجعية التي يؤمن بها الإنسان سواء كانت دينية عقدية/ أو فلسفية وضعية، ومعرفة الحلال والحرام في الإسلام لا يكون من خلال الاستفتاء الشعبي وإنما من خلال مصادر التشريع في الإسلام وعلى رأسها الكتاب والسنة.

    والحكماء والأحبار والنظّار والفلاسفة عبر التاريخ ما كانوا يطرحون مفاهيم: الحق والباطل/ والخير والشر/ والنافع والضار/ والعدالة والظلم من خلال التصويت واللجوء إلى الأغلبية، بل كانوا يطرحون تلك المفاهيم ويؤصلونها ويؤسسونها من خلال مرجعياتهم وقناعاتهم وخلفياتهم الدينية والثقافية والفلسفية، فهي الحاكمة وليس الشعب، فالشعب ليست وظيفته فلسفة وتنظير وتبرير القيم والأفكار كما يتصور البعض. إنما وظيفة الشعب تنحصر في خلع السلطة والسيادة على تلك القيم والأفكار وتحويلها من مجرد قناعات أخلاقية إلى قوانين دستورية سيادية تطبيقية. بعبارة أخرى: وظيفة الاستفتاء هو الاحتكام إلى إرادة الناس حين تتصارع القيم والإرادات فيتم حسمها بمسار سلمي وحضاري لا بمسار الحروب والاقتتال والإرهاب والقمع والإقصاء وسفك الدماء وانتهاك الحرمات، كما كانت عادة الشعوب قديما؛ حيث كان المنتصر والمتغلّب هو من يملك الحقّ في فرض قناعاته وإراداته دون الرجوع إلى إرادة الشعوب.

    أعيد وأكرر.. إن النقاش هنا ليس حول القيم في ذاتها من أين تستقى وما مصادرها؟ وإنما النقاش كيف نجسّد تلك القيم؟ كيف نحولها من قناعات إيمانية فكرية أخلاقية إلى مرجعية دستورية ذات سيادة مطلقة ؟ مساران لا ثالث لهما : إما عن طريق السيف والتغلب والقهر والإكراه وإما عن طريق إرادة الأمة الحرة والمستقلة!

    وهذا يأخذنا إلى نقاش فلسفي لا يتسع المقام للاستطراد فيه؛ ولكن يكفي أن أشير إليه باختصار وهو: أن الاعتقاد بامتلاك أو اكتشاف الحقيقة لا يتضمن السلطة في فرضها على الآخرين، مفهوم الحقيقة مجرّد عن سلطة الإكراه، شرعية الحقيقة لا يلزم منه شرعية السلطة، شرعية الحقيقة لها مرجعيتها ومصدريتها المعرفية الدينية أو الفلسفية، بخلاف مرجعية السلطة التي إما أن يكون مصدرها: القوة والتغلب والتملك القهري، وإما أن يكون مصدرها: تفويض الآخرين بها لهيئة مخصوصة (كالحكومة) أو لفرد معين كوكيل عنهم. إذن سؤال الحقيقة يختلف تماما عن سؤال السلطة.

    وهنا تظهر إشكالية المعارضين للديمقراطية، فيتصورون أن الديمقراطية تتيح للشعب بأن يحلل ويحرم من حيث الدين، وهذا غير صحيح، فالحلال والحرام في الإسلام وفي الأديان عموما لا تتم معرفته إلا من خلال مصادر التشريع وليس من خلال أغلبية الشعب. ومجالس التشريع في الديمقراطية ليست محل للفتوى ولبيان الأحكام الشرعية، وإنما هي محلّ لانبثاق وصناعة السلطة عبر القوانين الملزمة، وفرق بين أن يكون المجلس مصدرا للحكم الشرعي وبين أن يكون مصدرا لمنح السلطة والفرض والإجبار عبر القوانين الملزمة.

    إذن، للحقائق والقناعات والأفكار مصادرها المعرفية بحسب مرجعية كل إنسان، لكن من يملك الحق في فرض هذه الأفكار والقيم ويجعلها مجسدة في أرض الواقع؟ قديما – كما قلنا – كان الأقوى والمنتصر والمتغلب هو الذي يفرض إرادته وقيمه وأفكاره على الشعب المغلوب والمقهور. بغض النظر هل كانت تلك الأفكار والقيم صالحة في نفسها أم فاسدة. وبغض النظر هل ذلك المتغّلب صالح في نفسه ونزيه وعادل في تطبيق تلك القيم أم هو مستغل وفاسد ومتلاعب وظالم. بغض النظّر عن هذه الاعتبارات الخطيرة يبقى أن الشعب مهمّش ليس له إرادة له أمام إرادة الحاكم المطلقة، ولا يحق له أن يختار قيمه وأفكاره وإراداته التي يؤمن بها ويعتقد بصلاحها.

    - 3 -

    من هنا كانت سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة، وتقديمنا لـ(السيادة) هنا وجعلها أولية ليس على (الشريعة) وإنما على (تطبيق) الشريعة، وفرق بين (الشريعة) وبين (تطبيق) الشريعة. الشريعة: عبارة عن معطى إلهي منزل مستمد من الوحي، ومتمثل في المحكمات والقطعيات والكليات الشرعية، وأما (التطبيق) فهو فعل بشري اجتهادي تاريخي لذلك المعطى الإلهي. فالتطبيق ليس دينا بالضرورة بل قد يكون مخالفا للدين، وقد يكون مفسدا لغايات التشريع ومناقضا لمقاصده.

    وهذا يعني أن (تطبيق الشريعة) قد يكون معارضا لـ(الشريعة). وبالتالي فنقد ذلك التطبيق ورفضه وإنكاره لا يلزم منه إنكار ورفض (الشريعة) في نفسها، فالتطبيق محكوم بمبادئ وكليات ومقاصد (التشريع). وليس كل تطبيق هو موافق لمقاصد الشريعة.

    لهذا فأولية مبدأ (سيادة الأمة) هي بالنسبة للتطبيق لا بالنسبة للشريعة. لأن مبدأ (سيادة الأمة) مبدأ شرعي في الأساس، أي عنصر من عناصر الشريعة وفرد من أفرادها. بخلاف التطبيق البشري الذي قد يتضمن أولية مبدأ (سيادة الأمة) وقد لا يتضمنه. وكم طُبِّقت الشريعة عبر التاريخ في كثير أو قليل من أفرادها بدون احترام (سيادة الأمة)، ولكن هذا (التطبيق) هل كان موافقا لمقاصد وغايات التشريع، أم كان مآله التلاعب والاستغلال والتعطيل والتحريف من قبل الحاكم الفرد الذي كانت السيادة المطلقة بيده دون الأمة ؟ التاريخ والواقع المعاصر يقول الثاني، إلا في حالات استثنائية ونادرة بسبب عدالة ونزاهة وفقه الحاكم، لكنه لا يلبث أن يموت ذلك الحاكم ويعود الأمر كما كان عليه من التلاعب والاستغلال والتعطيل. ولهذا فسيادة الأمة هو السياج الضامن، والفضاء الآمن، للتطبيق الأمثل للشريعة، حتى تكون رحمة وعدلا لا آصارا وأغلالا فيكفر بها الناس.

    - 4 -

    قد يقول قائل: السيادة في الإسلام للشريعة فقط. وليس للفرد ولا للشعب؟

    الجواب: أن هذا القائل لديه إشكالية في فهم طبيعة الشريعة، فهو لا ينظر إلى الشريعة على أنها عبارة عن منظومة من القيم والمبادئ والأحكام، وإنما ينظر إليها كأنها أشبه بالكائن الحي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويجلس على أريكته ويفرض قيمه وإراداته على الناس. هكذا يتصور البعض! ولا أقول هذا مجرد تصوير (كاريكاتوري)!! بل البعض فعلا يشعرك بأن الشريعة هكذا في تصوّره، ولهذا فهو دائما يقابل بين سيادة الأمة وسيادة الشريعة، فيقدّم سيادة الشريعة على سيادة الأمة، وكأن قيم الشريعة كائنات حية تملك الإرادة والقدرة.

    وبالمناسبة؛ هذا التصور الواهم كان حاضرا في ذهنية الخوارج قديما (المحكمة الأولى) حين رفعوا شعار (لا حكم إلا لله)، وذلك عندما ذهب علي رضي الله عنه ومعاوية إلى التحكيم فاختار عليٌّ أبو موسى الأشعري واختار معاويةُ عمرو بن العاص. فاعترض الخوارج على ذلك بأنه (لا حكم إلا لله) أي أن الحكم لله وحده وليس للرجال!! فردّ عليهم أمير المؤمنين رضي الله عنه: “القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال” (الطبري 5/66). فالخوارج كانوا يظنون بأن منح السيادة القضائية للحكمين (أبي موسى/ وابن العاص) يعارض ويناقض سيادة الشريعة. فردَّ عليهم أمير المؤمنين بأن الشريعة لا تنطق بنفسها وإنما يتكلم بها الرجال.

    نعم؛ الشريعة لها سيادتها المطلقة من حيث اعتقاد المؤمن في نفسه، ولكنها تبقى سيادة علمية معرفية إيمانية، لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الأمة، الأمة هي التي تمنح الشريعة السيادة الفعلية وتجسّدها إلى واقع معاش، هي التي تحول قيمها ومبادئها إلى قوانين وتشريعات دستورية، وليس هذا خاص بالشريعة فحسب، بل أي منظومة قيمية وأخلاقية وفلسفية لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الإنسان وقدرته البشرية. وهذا الإنسان إما أن يكون حاكما متغلبا يملك بمفرده السلطة والسيادة المطلقة، وإما أن تكون الأمة بمجموعها؛ هي التي تملك السلطة والسيادة بحيث تتفتت السيادة بين أفرادها ولا يختص بها فرد دون فرد آخر. نحن إذن أمام خيارين لا ثالث لهما. إما الشعب وإما الفرد. وليس إما الشعب وإما الشريعة. لأن النقاش ليس حول (مرجعية الشريعة) كما يظن البعض، وإنما حول مصدر السلطة والسيادة التي تحوّل تلك المرجعية إلى قوانين دستورية ذات سلطة وسيادة مطلقة.

    ونحن نعتقد بأن الأمة بمجموعها هي المخاطبة بالتشريع وهي المكلفة بالتطبيق وليس فردا أو فئة دونها. وغالب التكاليف العامة في القرآن موجهة إلى الأمة بمجموعها وليس إلى فرد بعينه.

    أعرف بأن هناك كلام كثير حول هذا الموضوع وثمة إشكالات وتساؤلات، ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا، لهذا سأقف هنا. ولكن أخير ا.. أتمنى أن يتحول ذلك الشعار الأثير :

    (الإسلام هو الحل) إلى شعار (سيادة الأمة هي الحل)!

    __________________
    خاص بموقع “المقال”
    http://www.almqaal.com/?p=922
                  

02-05-2013, 03:52 AM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة (Re: احمد سيد احمد)

    تعليقاً على عبدالله المالكي ومُحاوريه: حديثٌ عن سيادة الأمة ومرجعية الشريعة
    الكاتب: نواف القديمي
    نوفمبر, 2011


    صحيح أنني شعرتُ ببعض التردد في العودة مجدداً للحوار بشأن فكري نظري يدور في فضائنا المحلي، وسط عالمٍ عربي مشغولٍ بالفعل وتحقيق الحرية والكرامة.. إلا أن بشاعة بعض الردود على مقال الباحث الشرعي عبدالله المالكي (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة).. حفزتني للمشاركة بشكل مُقتضب في هذا النقاش.. علماً أن هناك تعليقات اعترضت على مقال المالكي وكانت تحمل كثيراً من الأدب واللياقة، وهو أمرٌ يستحق الإشادة والشكر.

    المشكلة أن هناك من لا يزال يظنّ أن التخويف عبر التشويه، والإساءة، والطعن في النوايا، والتلويح بالتكفير، والتضليل، والاتهام بالعلمانية، سيُجدي نفعاً في ردع الباحث الشرعي عن طرح أفكاره.. وهو أمرٌ كنا نظن أن الزمن قد تجاوزه.. وأن أصحاب هذا السلوك قد اكتشفوا أن ممارساتهم تلك لا تعود سوى عليهم بالتشويه والإساءة.

    * * * *

    ما مُلخص فكرة عبدالله المالكي في مقاله بإيجاز شديد؟.. وما هي مساحة الخلاف؟.. عبدالله المالكي ذكر التالي:

    1. أن المُسلم غير مُخيّر في موضوع التزامه بالشريعة.. بل هو مأمورٌ بذلك قطعاً.. وأن نصوصاً قطعيةً كثيرة وردت في ذلك.

    2. أن هناك فرقاً بين الالتزام الواجب للمسلم بالشريعة.. وبين فرض تطبيق الشريعة على (أمّة) رفضتها.. (لاحظ أن الحديث هنا عن “أمة”.. والمقصود بذلك هم “الغالبية الساحقة من الناس في وطن” وليس مجرد أشخاص أو أقليات فكرية في مجتمع مسلم ينصّ دستوره على الالتزام بالشريعة.. لأن هؤلاء لابد من التزامهم بأحكام الشريعة الظاهرة التي نص عليها الدستور).

    ولتوضيح أكثر للمسألة.. أذكر المثال التالي.. وهو تحديدٌ لمناط الخِلاف والنقاش:

    لنفترض أن هناك بلداً مُسلماً، قام 90% من الناس فيه باختيار دستور يتضمّن مُخالفاتٍ لقطعيات شرعية.. أو أنهم رفضوا الشريعة بالكلية.

    السؤال هنا: ماذا يعتبر فعلهم هذا شرعاً؟

    الجواب الذي يقوله عبدالله المالكي، وأقوله، ويقوله قبلنا من همّ أجلُّ قدراً وأعظم منزلة _ سأذكرهم لاحقاً _:

    أن هذا الرفض لبعض الشريعة أو جميعها يُعتبر حِياداً عن الدين، وضلالاً عن سبيل الله.. وفي ذلك تفصيل شرعي في كتب العقائد يذكر فيه أهل العلم أن حال من يجحد ويُنكر الشريعة، وانطبقت عليه الشروط، انتفت فيه الموانع، قد يصل به الحال إلى الكفر.

    السؤال الآن: هل المطلوب من الأقلية المُلتزمة بالشريعة التي تُشكل 10% من سكان هذا البلد أن (تُجبر بالقوة في حال الاستطاعة) تلك الأغلبية التي حادت عن الشريعة على التزامها؟

    الجواب عن هذا السؤال هو موطن الخلاف.. وفيه رأيان:

    الأول: يرى بوجوب أن تقوم (الـ 10% الملتزمة بالشريعة) على إجبار (الـ 90% غير الملتزمة بالشريعة) بالقوة والقسر على تطبيق الشريعة، في حال توافرت لديهم الاستطاعة بالطبع.

    والثاني: يرى أنه يجب على (الـ 10% المُلتزمين بالشريعة) عدم إجبار وقسر الناس على تطبيق بالشريعة.. بل المطلوب منهم أن:

    أ. تُعلن هذه الأقلية مُخالفتها لقرار الأغلبية، وتكون بذلك في صف (المُعارضة).

    ب. أن تسعى هذه الأقلية لتغيير هذا القرار بـ (الدعوة) وبكل الوسائل السلمية –دون إجبارٍ بالقوة– حتى يعود المجتمع المسلم إلى الالتزام بالشريعة.

    في رأيي المتواضع هذا المثال يُشخِّص موطن الخلاف الذي يدور على فكرة: وجوب إلزام (أمة رفضت الشريعة) على الالتزام بها قسراً، من عدم وجوب ذلك.

    وهذا الموضوع هو من صميم الفكرة الديمقراطية التي يدور هذا النقاش حول أحد تفصيلاتها.

    حسناً.. ماذا تضمّنت غالبية الردود التي نُشرت على مقال عبدالله المالكي؟

    تضمّنت التأكيد على مسألة هي ليست (منطقة خِلاف)، بل (منطقة اتفاق).. ألا وهي مسألة: أن المُسلم بنفسه ليس مُخيراً في مسألة التزامه بالشريعة، بل هو مأمورٌ بالتزامها _وهو أمر كرره وأكده عبدالله المالكي مرات عديدة_ .. وعلى هذا وردت النصوص الشرعية التي أوردها المعترضون، من مثل قوله تعالي: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).. وقوله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).. وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).. وسوى ذلك من نصوصٍ شرعيّة تدلّ على وجوب التزام المسلم بالشريعة وبحكم الله عز وجل.

    إذاً كانت هذه البرهنة على مسألة هي خارج منطقة الخلاف.

    وتحدث بعضهم عن شرعيّة الإلزام استشهاداً بما فعله الخليفة أبو بكرٍ الصديق في قتاله للمرتدين.. وقد أُجيب عن ذلك بأن المُرتدين كانوا قد انفصلوا عن جسم الدولة المُسلمة، وظهر عند كثيرٍ من الأقوام مُدعي النبوة (كما عند أقوامِ مُسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح التميميّة، وطليحة الأسدي).. إضافة إلى أنه بإجماع المسلمين أن (من منع تقديم الزكاة إلى الحاكم وقرر صرفها بنفسه) أنه لا يكفر.. وبذلك فليس كلُ من قاتلهم أبو بكر كانوا كفاراً.. وهذا يُعطي اعتباراً إلى أن الانفصال السياسي عن جسم الدولة المُسلمة كان من ضمن مُبررات القتال.. إضافة إلى ما أشار إليه البعض من خصوصية الجزيرة العربية.

    المُهم أن منطقة الخِلاف في الحوار القائم الآن تتركز في السؤال التالي: هل المُسلم مأمورٌ بفرض تطبيق الشريعة على أمةٍ رفضتها؟

    ورغم أنني لستُ في وارد النقاش العلمي للمسألة.. ولكن أود فقط الإشارة إلى بعض النصوص التي يستشهد بها من (لا يرى) فرض تطبيق الشريعة على أمة رفضتها.. من مثل:

    1. كل النصوص الشرعيّة التي وردت بأنه لا إجبار على الدين: كقوله تعالي (لا إكراه في الدين)، وقوله عز وجل: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقوله: (لست عليهم بمُصيطر)، إضافة للآيات العديدة التي تؤكد أن على الرسول البلاغ: (فإنما عليك البلاغ)، (فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)، (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)، (وما على الرسول إلا البلاغ المبين).. وسوى ذلك من آيات.

    2. أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام.. حيث أقام دولة المدينة ببيعة تراضٍ (عقد اجتماعي) مع أهلها، مُسلمهم وكافرهم، كما ورد في صحيفة المدينة، ودون إجبار وقسر.. وكما عقد الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان بالتراضي والقبول.. إضافة إلى شواهد عديدة من تعامله عليه الصلاة والسلام مع غير المسلمين، كما في قصة إرساله للصحابي الجليل مُعاذ بن جبل إلى اليمن، عندما أمره كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك …الخ).. فمدار قيام الدين على الطاعة بالرضا لا الإجبار.

    3. موقف الشريعة من الدول الكافرة في مرحلة الفتوح الإسلامية.. حيث نص الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (فسلهم الجزية.. فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم).. إذاً فالإسلام سمح بأن تبقى هذه الدول على شريعتها ودينها رغم توفر (الاستطاعة) للسيطرة بالقوة وحُكم البلاد بالإسلام.. وقد قال الشيخ محمد الحسن الددو _في برنامج مفاهيم_ عن دور الجهاد: (الإسلام ما جاء بالإكراه، ولا انتشر بالسيف، وإنما أصلُ مشروعية الجهاد إنما هي لأن يُحرَرَ الناس ليختاروا الدين الذي رضوا به، ومن أراد الحيلولة بينهم وبين ذلك لا بد أن يُقاتل).

    4. أن النجاشي كان مسلماً، وكان ملكاً على الحبشة، وبيده السلطة والقوة، ومع ذلك لم يُحاول أن يفرض تطبيق الشريعة بالإجبار على قومٍ لا يؤمنون بها، وقد أقرّه الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك.. وقد قال في ذلك الشيخ الأصولي د.أحمد الريسوني في كتابه “الأمة هي الأصل”: (لقد عاش المسلمون في الحبشة ولم يطالبوا النجاشي بأن يطبق الإسلام ويحكم بالإسلام بالرغم من أنه أسلم وكان في إسلامه نوع من الخفاء ولم يعلنه صراحة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن مات النجاشي، فيمكن أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطبق الإسلام في مكة، لأنه لم تكن لديه القدرة المادية.. لكن النجاشي كان صاحب سلطة، ولكن أغلبية الناس ليسوا على الإسلام، فكيف يطبقه عليهم وهم لا يؤمنون به؟.. وأي شيء أفسد للإسلام وأكثر تشويهاً له من أن يُلزم أناسٌ بتطبيقه وهم لا يؤمنون به؟).

    وكما ذكرت سابقاً.. لستُ هنا في وارد ذكر كل الأدلة والشواهد في هذا الموضوع، بقدر ما أن القصد هو الإشارة إلى بعض الشواهد والأدلة في الموضوع.

    والآن لننتقل إلى جزئية أخرى.. ولنستحضر أولاً شيئاً من الأوصاف التي أطلقها بعض الشيوخ _ في ردهم على مقال عبدالله المالكي _ على الأشخاص المؤمنين بشرعية عدم الإجبار بالقوة لتطبيق الشريعة على أمةٍ ترفضها:

    _ حيث أشار أحدهم إلى أن عبدالله المالكي يرى جواز التحاكم إلى غير ما أنزل الله!!.. وأن هذا القول كفرٌ أكبر.

    _ وأيضاً تم وصف هذا الرأي بأنه (علمانية صريحة).. وأنه (روغانٌ عن شريعة الإسلام).. وأنه (وثنيّة).. وأنه (نفاقٌ قديم وتلفيق مكشوف بين حكم الشرع والطاغوت).. وأنه (تأليه للإرادة الشعبيّة) …الخ

    وبعد كل هذه الأوصاف التي لم تُبقِ شيئاً في دين المُسلمِ.. دعونا نستعرض الآن بعضاً ممن يؤمنون بفكرة (أننا غير مأمورين بفرض تطبيق الشريعة بالقوة عند أمة رفضتها).. وسأستعرض بعض فئاتهم بشكلٍ مُختصر:

    1. تؤمن بهذه الفكرة الغالبية الساحقة من الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي (كجماعات الإخوان المسلمين، التي حسمت هذه القضية بوضوح في الوثيقة التي أصدرتها عام 1994م.. وكحزب العدالة والتنمية المغربي.. وحزب النهضة التونسي.. وحزب الإصلاح الإسلامي في الجزائر…الخ).. وقد وصلت تلك الجماعات الإسلامية إلى هذه القناعة الشرعية بناءً على تأصيلٍ شرعيٍ لعُلماءٍ مُعتبرين عند هذه الجماعات والأحزاب.. وقد أكدت هذه الجماعات مراراً على إيمانها الكامل بشرعيّة النظام الديمقراطي، وتداول السلطة، واحترام نتائج صناديق الاقتراع أياً كانت.

    2. إنه رأيٌ لعددٍ من كبار العلماء المُتفق على رسوخهم الشرعي واستقلالهم السياسي.. من أمثال:

    أ. الشيخ د.يوسف القرضاوي.. الذي أكد في عدة مواضع أن الحُرية قبل تطبيق الشريعة، وأنه لا إجبار بالقوة على تطبيق الشريعة.

    ب. الشيخ الأصولي د.أحمد الريسوني.. الذي أكد ذلك في عدة مواضع، كما في كتبه (الأمة هي الأصل)، و(حكم الأغلبية في الإسلام)، و(الشورى في معركة البناء).. وأنقل هنا أحد هذه المواضع.. حيث قال د.الريسوني في كتابه “الشورى في معركة البناء” في سياق حديثه عن احتماليّة اختيار الشعب في بلدٍ مُسلم لغير الشريعة عبر النظام الديمقراطي: (لنفترض فرضاً أن شيئاً من هذه المخاوف قد وقع، وظهر _ بديمقراطية حقيقيّة _ أن غالبية المسلمين في قُطر من الأقطار، قد اختاروا ما يتنافى مع الإسلام، وما يُعدُّ خروجاً عن الإسلام، فهل العيب في الديمقراطية أم العيب في الواقع القائم؟!.. فليست الديمقراطية هي من أتتنا بهذا العيب، وإنما الديمقراطية كشفت لنا هذا العيب.. فهذا سببٌ لشكر الديمقراطية والتمسك بها، وليس سبباً لرفضها والقدح فيها واتهامها.

    فإتاحة الفرصة للناس، ليعبروا تعبيراً حُراً عمّا في نفوسهم وعمّا في عقولهم، سواءٌ سُمي ديمقراطية أو سمي بأي اسم آخر، إنما يكشف لنا الحقيقة، ويُتيح لنا معرفة الحقيقة.. فهل هناك أحدٌ ضد كشف الحقيقة وضد معرفة الحقيقة؟

    أما مُعالجة هذا الواقع المؤسف _ إن وقع _ فلا تكون بتجاهل الحقيقة ولا بالهروب منها، كما لا يكون بإصدار قوانين أو إلغاء قوانين، بل تكون بالدعوة والبيان، وتكون بالتوعية والتربية، وتكون بالتعليم والتثقيف، وتكون بالحوار والإقناع.. فالعلاج في الدعوة والإقناع لا في المنع والإكراه.. أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!.. أم أنت تُقنع الناس حتى يكونوا مؤمنين؟

    ليس من الإسلام، ولا في مصلحة الإسلام، ولا في مصلحة المسلمين، أن تُقيم على الناس دولة إسلامية ليست نابعة من قلوبهم، وأن تُنفذ عليهم قوانين هم لها كارهون.

    وأنا هنا لا أتحدث عن قلة من الناس، أو الشواذ من الناس، وإنما أتحدث عن عمومهم وعن جمهورهم).

    ج. الشيخ محمد الحسن الددو.. الذي أكد ذلك في عدة مواضع، كما في حلقاته الأربع عن الديمقراطية في برنامج (مفاهيم)، وخصوصاً في الحلقتين الثانية والثالثة.

    د. الشيخ السلفي عبدالرحمن عبدالخالق.. الذي أكد في حوارٍ له نُشر على حلقتين في جريدة الوطن الكويتية، احترامه لنتائج صناديق الاقتراع.. حيث قال في سياق حديثه عن الثورة المصرية: (إن الذين سيتولون مهمة التشريع للأمة في البرلمان سيحددهم صندوق الانتخابات الذي سيُعبّر جموع الشعب المصري عن أنفسهم من خلاله).. وحين سُئل فيما لو أتت الانتخابات برئيسٍ علماني أو ليبرالي، قال: (لابد أن نقبل به، فنحن قبلنا بالنظام ولابد أن نرضى بنتائجه، ولتعزز صناديق الانتخابات من تفرزه، فالانتخابات عقدٌ وعهدٌ وينبغي أن نفي بهذه العهود والعقود، لكن على الأغلبية ألا تلغي الأقلية).. وحين سُئل عن فهمه للمواطنة، قال: (المواطنة هي الاحتكام لرأي الشعب بكل عناصره عبر صناديق الانتخابات، ويقوم المجلس التشريعي المنتخب بالنظر في القوانين والتشريعات، وإذا انتخب الشعب قبطياً أو علمانياً أو ليبرالياً بالأغلبية لمنصب ما، فعلينا أن نحترم اختيار الشعب).

    هـ. وحتى داخل السعودية.. أكد ذلك بوضوح الشيخ د.عوض القرني في برنامج له بقناة الرسالة (وحديثه عن هذه الجزئية في البرنامج موجودٌ في اليوتيوب بعنوان “الشيخ الدكتور عوض القرني يتحدث عن الديمقراطية”)، حيثُ قال: (أنا أقول وإن خالفني العديد من الإسلاميين، وقد يثيرهم هذا، أقول إذا لم يكن خيار الشعب هو الإسلام، لا يُفرض عليهم الإسلام، بل يجب أن يكون دور الإسلاميين حينئذٍ هو دعوة الناس للإسلام، وتربيتهم على الإسلام، وإقناعهم بالإسلام).. وكذلك أستاذ أصول الفقه الشيخ د.مسفر القحطاني أكد على موافقته على هذه الفكرة في تعليقه على مقال الأستاذ عبدالله المالكي بموقع (المقال).. إضافة إلى موافقة بعضٍ من كبار العلماء والدعاة داخل السعودية على هذه الفكرة.. ولولا أنهم نقلوا تأييدهم لها عن طريق التواصل المباشر، لذكرتُ أسماءهم.

    3. قرر هذا المبدأ واحدٌ من أكبر وأهم المجامع الشرعيّة في العالم الإسلامي.. وهو الأزهر الشريف، الذي يضمّ عشرات الفقهاء والأصوليين.. حيث أصدر قبل أسابيع وثيقة شهيرة أُطلق عليها اسم (وثيقة الأزهر)، وقد نصّت على: (تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِيٍّ يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته في الدّولة الحديثة والمعاصرة).

    4. حاول أحد المُعلقين المُعترضين ربط فكرة (سيادة الأمة وعدم إجبارها على تطبيق الشريعة بالقوة) بالمفكر العربي رضوان السيد.. وكأنما كل الجماعات الإسلامية وهؤلاء العلماء قد التقطوا هذه الفكرة من رضوان السيد!!.. وحتى لا أسهب في نقاش ضعف هذا الاستدلال.. أذكر هنا نصاً لواحدٍ من أكبر العلماء السلفيين في زمانه، ومُحقق مُسند الإمام أحمد، ألا وهو الشيخ أحمد شاكر، الذي توفي في عام 1958م (أي قبل قرابة الثلاثين عاماً من صدور كتاب رضوان السيد “الأمة والجماعة والسلطة”).. حيث ذكر الشيخ أحمد شاكر في كتابٍ له بعنوان: (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين) الذي صدر عن مكتبة السنة في القاهرة، قوله التالي: (وإذ ذاك سيكون السبيل إلى ما ينبغي من نصر الشريعة السبيل الدستوري السليم: أن نبث في الأمة دعوتنا، ونجاهد فيها، ونجاهد بها، ثم نصاولكم عليها في الانتخابات، ونحتكم فيها إلى الأمة، ولئن فشلنا مرة فسنفوز مراراً، بل سنجعل من إخفاقنا _ إن أخفقنا في أول أمرنا _ مقدمة لنجاحنا بما سيحفز من الهمم، ويوقظ من العزم، وبأنه سيكون مبصر لنا مواقع خطونا، ومواضع خطئنا، وبأن عملنا سيكون خالصا لله، وفي سبيل الله

    فإذا وثقت الأمة بنا، ورضيت عن دعوتنا، واختارت أن تحكم بشريعتها طاعة لربها، وأرسلت منا نوابها إلى البرلمان فسيكون سبيلنا وإياكم أن نرضى بما يقضي به الدستور، فتلقوا إلينا مقاليد الحكم كما تفعل كل الأحزاب إذا فاز أحدها في الانتخاب، ثم نفي لقومنا إن شاء الله بما وعدنا من جعل القوانين كلها مستمدة من الكتاب والسنة).

    * * * *

    وبعد هذا الاستعراض السريع لبعضٍ ممن يؤمنون بعدم إجبار أمةٍ رفضت الشريعة على تطبيقها.. أرجوا أن يُدرك الإخوة الذين وصفوا هذا القول بالعلمانية، والكفر، والوثنية، والنفاق، أنهم بذلك يتهمون غالبية الحركات الإسلامية المعاصرة، وكثيرٍ من العلماء المعاصرين _ وربما غالبهم _ بهذه الأوصاف البشعة.. وهو أمرٌ أقل ما يوصف به أنه غلوٌ في الدين، وقلةٌ في الفقه والورع، لا يليق بصغارِ طلبة العلم، فضلاً عن العلماء.

    أتمنى بحق أن تفتح هذه الأفعال المشينة في الخلاف الفكري بمجتمعنا باب التأكيد على أهمية ضخ القيم والأخلاق والتورّع عن استخدام الأوصاف الشرعية (كالتكفير، والتضليل، والتبديع، والاتهام بالنفاق) كممارسة سجاليّة _ غير علمية _ تهدفُ إلى التشنيع والتخويف والتخطير على المُخالف.. ففي ذلك انتقاصٌ من قيمة العلم، وابتذالٌ لهذه المفاهيم الشرعية حينما تكون بين يدي البعض مجرد ورقةٍ يستخدمها لإدانة المُخالفين.

    خاص بموقع “المقال”
    http://www.almqaal.com/?p=958
                  

02-05-2013, 03:54 AM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة (Re: احمد سيد احمد)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de