|
زلابية بالعسل .. يا فرحة ماتمت
|
كانت السيارة التويوتا هايلكس غمارة تنهب الأرض وتطوي المسافات مسرعة نحو الهدف وكنا جلوسا على صفين متقابلين كان الليل يلف عباءته حول الكون إلا من أضواء نجوم بعيدة أو كشافات السيارة التي تعلو وتهبط في طريق متعرج ولكنه ممهد كانت الوجوه تختفي خلف العمائم التي ربطت بعناية حول الرأس والوجه وكانت الاحاديث تخرج بصعوبة من بين فرجات العمائم فلا تلبث أن تحملها الرياح بعيدا قبل ان تصلك بوضوح كنت الغريب الوحيد في ذلك الجمع فأنا ضيف عليهم لمدة أيام قليلة كان البشر واضحا عليهم بوجودي كانوا مجموعة من المسافرين والعائدين الي ديارهم وكان يداعبونني ويمازحونني طول الطريق وبدأت العربة تصل ألي أطراف الحلال وبدأت أشباح النخيل في الظهور وسط الظلام كأنها سفن في لجة ويداعب ما ظهر من وجوهنا نسائم النيل الباردة وظهرت علي الساحة منازل بيضاء متراصة تظهر وتختفي بين الأشجار وبدأت السيارة تبطئ من سرعتها وتتوقف أحيانا ليغادر أحد الركاب مقعده مودعا وملوحا ... يتمتم برقم هاتفي ليحفظه فلا مجال للكتابة في ذلك الوقت ونلك الحال وتغادر العربة مرة أخري وسط نباح الكلاب ووجوم الأشجار ويتوالى المغادرين حتى أصبحنا ثلاثة هم مضيفي في تلك البقاع وصلنا الي دار فسيحة مع أول خيوط الفجر وصياح أول ديك وأمام باب السنط الكبير والشجرة الوارفة توقفت السيارة وأنفتح الباب علي شيخ كبير يرحب وخلفه أولاده وإمراة كبيرة في السن أصرت أن تكون من المستقبلين في هذا البكور دخلنا وسط الاحضان ورائحة المكان عبق الشمال وحميمية الأهل وصدق الدعاء تنقلنا من دار لدار دون المرور بالشوارع فالبيوت هناك مفتوحة لا يفصل بينها ألا باب صغير مررنا بأقوام نائمون وآخرون يحملون أجفان ناعسة ويرحبون وطيور وجلة بدأت تغادر أعشاشها في عجل ووصلنا الي الدار الأخيرة وكثير من الأحضان والترحاب ووجدنا اسرة معدة مسبقا فجلست في أول سرير وتحررت من حذائي وجلست القرفصاء وسط السرير وجاء أهل رفقائي مرحبين بكلمات نوبية لا أفهمها فيتولى صاحبي الترجمة السريعة وأنا أوزع ابتساماتي يمنة ويسرة وجاءت الأم تحمل إناءا فيه لبنا دافئا وإناء آخر مليء بالزلابية الشهية سكبت فيه كميات من العسل الذهبي تناولت كوب الحليب ومددت يدي وأنا اختار أكبر حبة من الزلابية المعسلة الشهية
فصحوت من نومي مذعورا
|
|
|
|
|
|