|
بدر الدين مدثر جدلية الحضور والغياب فى ذكراه السابعة
|
بقلم ضياء الدين ميرغنى الطاهر فى غالب الاحيان ترتبط ذكرى أشخاص محددين بتاريخ تلكم الحركات والاحزاب السياسية بمقدار دورهم الحيوى والمهم فيها . بالرغم من أن بنية تلك الاحزاب تقوم بالاساس على النتاج الفكرى وتطوره ، إلاّ ان دور الأفراد فيها يصل احيانا الى مستوى من الأهمية بحيث يشّكِل وجودهم فيها معادل موضوعى لوجود ذلك الحزب او الحركة نفسها، على الأقل فى مرحلة مؤثرة من مراحل تطورها نفسه. وهكذا يمكن الإستدلال على حالة الاستاذ بدر الدين مدثر (رحمه الله) فى هذا الإطار بالنسبة للفكر القومى العربى ونشأة حزب البعث العربى الإشتراكى فى السودان. رحل الاستاذ بدرالدين مدثر القيادى البعثى المعروف فى مثل هذه الايام قبل سبعة اعوام (25 يناير 2006 ) بعد فترة صراع مع المرض إثر مضاعفات السكرى والضغط وهى امراض ترتبط احيانا بهموم التفكير وتحمل الأزمات الكثيرة .ومن الطبيعى ان تظهر تأثيرات الأوضاع والمتغيرات الكبيرة التى حدثت على صحة العديد من الافراد الذين ارتبطت اسمائهم بهذا الحزب امثال القائد المؤسس ميشيل عفلق نفسه والاستاذ بدر الدين مدثر (رحمهما الله) ، ود.الياس فرح والاسير الاستاذ طارق عزيز ربنا يعطيهما الصحة والعافية .وعلى المستوى الداخلى كذلك المرحومين الشهيدين اسماعيل عبد الله مالك وعبد الله الصافى . فى بداية عهدى الحزبى كانت افكار الاستاذ ورؤاه السياسية هى اول ما طالعته من الأدب السياسي للبعث فى السودان (البعث ومسألة الجنوب فى السودان) ثم الوثيقة المهمة (البعث وقضايا النضال الوطنى فى السودان) والتى اعتقد ان للرفيق الاستاذ محمد على جادين دورا بارزا فيها. ,استمر الحال حين نحجت الإنتفاضة التى أطاحت بطغمة مايو وعودة الاستاذ بدر الدين . وفيها استطعنا الاستماع المباشر اليه فى عدد كبير من الفعاليات العامة والخاصة . ليتفّتح وعينا السياسى على يد قائد حزبى كبير بحجم حزب البعث العربى الاشتراكى. وأذكر وقتها حيث جادت قريحتى ببضع ابيات نظمتها فى خصال الاستاذ قائلاً:-
مشعلُُ أضاء الطريق فاصبح زادا ورحيق تغنّت به الارجاءُ شعراً واصبح شدو كل رفيق هو أنت لست أدرى غير أنى اراك فى صحوى ومنامى اراك اين رحلتُ فى حِلى وفى استجمامى ارى وجها صبوحا وبدرا دوما يضئ الطريق امامى هو انت بدر الحضور :- لم يتيسر بحكم المهام التى تسلمها الراحل على النطاق العربى (القومى) وفترات الإنقطاعات الديمقراطية القصيرة ، التواجد الكثيف فى السودان ولكنه كان بالرغم من ذلك ، أحد ابرز الشخصيات القيادية السودانية على المستويين المحلى (القطرى) والعربى (القومى) .وترك إسهاما فكريا وسياسيا كبيرا يحاول رفاقه الحقيقيون والمخلصون إعادة إنتاجه فى أقرب وقت . وذلك تجسيدا لمعنى وقيمة الوفاء للرفاق السابقين حيث كان الراحل نفسه يجسّد هذه القيمة من خلال احتفاظه بصورة للشهيد محمد سليمان الخليفة التى ظلت معلقة فى صالون منزله بشكل ثأبت مهما تعدد الرحيل من مكان الى مكان. ومن المعروف ان الشهيد محمد سليمان الخليفة كان أول عضو قيادة قومية من السودان قبل الراحل الاستاذ بدر الدين مدثر . وظلّ العمل الحزبى متصاعدا حقبة إثر أخرى حتى جاء الزمن الذى غاب فيه الاستاذ عن المشهد الحزبى أو بمعنى أصّح حتى تم تغييبه . توقف هذا التراث الفكرى والسياسى للراحل الذى امتدّ منذ الستينات عند العام 1989 وهوالعام الذى غادر فيه السودان للمرة الاخيرة قبل انقلاب الجبهة الأسلامية . بدر المغّيّب :- ومنذ ذلك التأريخ ورغم توفر وسائط الميديا الحديثة من انترنت وتسجيلات الفيديو إلاّ انه من النادر ان تجد مادة تخص الاستاذ بدر الدين مدثر وما يخص هذا الاسهام الكبير سواء فى كان ذلك قبل العام 1989 او بعد ذلك . وهى السنين المغيّبة تماما فى تأريخه . ولم نجد اجابة واضحة هل يتم ذلك عمدا من بعض الاطراف ؟ ام توقف عطاء الاستاذ فى العام 1989؟ من المعروف ان المرحلة من العام 1989 والى العام 2003 عام سقوط التجربة البعثية فى العراق على يد الإحتلال الامريكى، هى أخطر مرحلة فى تأريخ حزب البعث العربى الاشتراكى . وهى حبلى بالعديد من الأسرار والعطاء سلبا او ايجابا فى حياة قادة البعث. ولذلك بالرغم من تسّنم الراحل الاستاذ بدر الدين مدثر للعديد من المهام على المستوى القومى ، الاّ اننا لا نكاد نجدّ اثرا لهذا العطاء ويمتد ذلك حتى الى صور وعطاء الراحل فى الفترة الاسبق من حياته . وإذا لاحظنا الإهمال الذى تّعرض له الراحل أثناء فترة مرضه ووجوده بالسودان فى اواخر سنين حياته ، وحتى فى بغداد بعد سقوط التجربة ،لتوصلنا الى أنه نهج مقصود به تدعمه غياب سيرة الاستاذ فى اروقة منظومته الحزبية على حساب إعلاء قيادات واسماء أخرى . ورغم كل ما يمكن أن يقال كان الأحق ان يُسمى اول مؤتمر حزبى بعد رحيله باسم الراحل بدر الدين مدثر وليس غيره مهما كان . وهو رأى من الوجاهة لاكثر من سبب واهمها ان الراحل العزيز بذل وقدّم حياته لهذه المنظومة بأكثر مما قدمه اى شخص آخر . ولذا كان من المطلوب إحقاق الوفاء له . ولكن التغييب أستمر فى حياته وبعد مماته حيث لم يتم تكريمه والاحتفاء به بل انك تجد مشقة فى معرفة قبر الاستاذ بدر الدين مدثر اذا اردت زيارته . وها هى سبعة اعوام تمضى على رحيله وتستمر حالة تغييبه من قِبل تنظيمه وقياداته وانه لمن دواعى الحزن أن نرى كيف تحتفى الاحزاب الأخرى بالراحلين من قادتها . رحم الله الاستاذ بدر الدين مدثر المؤسس الفعلى لحزب البعث فى السودان كما قال الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي
|
|
|
|
|
|