|
«أم هاني».. (معلِّمة) في ورشة حدادة .....
|
أم درمان: محمد أحمد الكباشي من الطبيعي أن يكون وسط الرجال حداد ماهر يجيد فنون الصنعة ويشتهر بذلك وسط عامة الناس، أما أن تكون هناك «معلمة حدادة» تتقن فنون الحدادة بكل مراحلها بدءًا من التوضيب فاللحام انتهاء بطلاء البوهية فهذا ما يمثل غاية في الغرابة والدهشة خاصة في المجتمع السوداني حينما كان عمل المرأة ايًا كان خارج المنزل يعد خروجًا عن القيم والتقاليد، بيد ان سوق حلايب القابع بمحلية كرري بأم درمان يؤكد وجود الظاهرة التي أشرنا إليها.. فأم هاني ــ تلك المرأة الحديدية ــ حجزت لنفسها موقعًا وسط سوق عُرف نشاطه بالحرفيين من الرجال فقط إلا أن الظروف القاهرة هي التي رسمت مشهد قصة «أم هاني» وما كانت تدري أن قدرها سيرمي بها يومًا ما في «ورشة حدادة»، لكن أحيانًا تختار «المهن» من تريد، لذا أتتها الحدادة طائعة تجرجر لحامها وحديدها وطلاءها حتى تكللت جهودها وأفضت بها إلى قصة نجاح عبرت بها وبأبنائها الذين رضعوا من ثديها ثم ورشتها التي اختارت لها «ورشة المحبة» تصنع الأسرَّة والأبواب والشبابيك وغيرها، فكان الطريق ممهدًا لصناعة أجيال هم ثمرة أحشائها:
أولاً نتعرف عليك أنا «أم هاني خوجلي بشير» من مواليد كرري العجيجة، تزوجت صغيرة كعادة ناس زمان، وأنجبت «5» من البنين والبنات أصغرهم كان عمره «9» أشهر الآن خريج من الجامعة، وفي خضم معركتنا مع الحياة وتربية الأولاد قرر زوجي الهجرة إلى العراق ولم يعد حتى سمعنا خبر وفاته في أواخر 1988م كيف كانت بدايتك مع الحديد؟ قررت العمل وكنت أشتري بعض الأشياء «المكسرة» من الحديد مثل السراير والكراسي وأذهب إلى «الحدادين» لإصلاحها ومعالجتها ثم أبيعها وقد نجحت في ذلك، وخطرت لي فكرة أن أقوم بفتح «ورشة»، وبعد مشاورات مع الأهل توكلت على الله، وبدأت في العمل داخل منزلي بالحارة «21» الثورة وأحضرت متخصصًا ليعمل معي في هذا المجال خاصة التوضيب واللحام بينما كنت أقوم بعمليات طلاء السراير والكراسي، إضافة لإدارتي للورشة كنت أراقب العمال وأتعلم في صمت، حتى صرتُ حدّادة محترفة فعلّمت أبنائي وكثيرين دخلوا مجال الحدادة. ألم يكن هناك اعتراض من الأهل على ولوجك هذا المجال؟ لا.. بالعكس، فمنذ أن توفي زوجي وقبل ذلك آليت على نفسي أن أجدّ وأجتهد لتربية أبنائي وتعليمهم دون الاستسلام للظروف وعدم الالتفات إلى الكفاف والهبات من أي جهة كانت ولأجل ذلك قمت ببيع ثلاجة البيت بمبلغ «200» جنيه فقط في بداية العام «1990م» وكان هذا بمثابة رأس المال وقد وجدت تشجيعًا من الأهل والعشيرة حتى وصلت لافتتاح هذه الورشة وماذا عن أبنائك؟ بحمد الله استطعت من خلال عملي هذا أن أقوم بتعليم أبنائى بعدد من الجامعات وزوّجت البنتين بعد تخرجهما، أما ولدي الكبير «أحمد» فقرر بعد إكماله الثانوية الالتحاق بالورشة لمساعدتي وهو الآن عضدي وساعدي الأيمن هذا فضلاً عن أن الورشة خرَّجت شبابًا كثرًا أولادًا استوعبتهم من الشارع وبذلك أسهمت في الحيلولة بينهم وبين المشردين، وتركوا الدراسة بعد ما أجبرتهم ظروفهم وشغّلتهم معي وصاروا من كبار المعلمين في مجال الحدادة وبعضهم فتح ورشة. ماذا تقولين لمن تمر بها نفس هذه الظروف؟ يا ولدي الفي إيدو صنعة ما بتغلبو المعيشة، وعلى النساء تجاوز حالات الحياء والخوف من الفشل، فالعمل ليس عيباً ولا توجد مهن رجاليّة ومهن نسائيّة، لكنّ المهم الجودة والحرص على إتقان المهنة مهما كانت صعوبتها. هل هناك أي جهة قامت بتكريمك وأنت تقومين بهذا الدور؟ لا.. ليس هناك أي جهة قامت بتكريمي، وكنت أتمنى أن أكون ضمن من رشحتهم شركة زين في مسابقة الأم المثالية، بل إن عددًا من الشخصيات والمسؤولين يرتادون ورشتي لأجل شراء بعض المنتجات إلا أنني أشيد بتعاون أفراد محلية كرري وتساهلهم معي فيما يختص بأمر النفايات والعوائد.. مواقف طريفة مرت بك وأنت تمارسين هذا النشاط؟ كثيرة هي المواقف، لكن المتكرر منها دايمًا حينما يأتي زبون أقف إلى جوار المعروض وأقول لهم «أيوا اتفضل داير سراير وللا كراسي»؟ فيجيبني معليش يا أخت أنا داير صاحب المعرض ويندهش حينما أخبره بأنني صاحبة الموقع ويقول أول مرة أشوف لي مرا حدادية، أما النساء فكثيرًا ما يداعبنني بي يا أوسطة فخورون بالوالدة وداخل الورشة ظل «أحمد إدريس» الابن الأكبر لأم هاني ممسكًا بماكينة اللحام منهمكًا في العمل لا يأبه للحوار مع والدته وكأنه ينفذ في تعليمات صادرة عن معلم لا تربطه به قرابة ناهيك أن تكون والدته، فيقول: «نحن فخورون بوالدتنا وبنجاحها في عملها ونعتز عندما ينادوننا أولاد أم أحمد الحدادية» وحين كنت طالبًا تعلمت العمل في الورشة بعد انتهاء اليوم الدراسي وكان أهل «زملائي الطلبة» يقفون إلى جانبنا ويقومون بأعمال الصيانة التي يحتاجون إليها في ورشة أمي.
http://alintibaha.net/portal/%D8%B1%D9%8A%D8%...B1%D8%A7%D8%B1%D9%8A
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: «أم هاني».. (معلِّمة) في ورشة حدادة ..... (Re: Ridhaa)
|
Quote: إلا أنني أشيد بتعاون أفراد محلية كرري وتساهلهم معي فيما يختص بأمر النفايات والعوائد.. |
الشعب السوداني غريب في رضاه بالقدر وفي تسليمه العفوي لدرجة (فظيعة) فها هي المرأة التي أجبرتها ظروف الحياة على العمل في مهنة الحدادة وهي مهنة قاسية للغاية وتكاد تكون هي الأولى في هذه البلاد التي ترتاد هذه المهنة لحفظ كرامتها, تشيد بالمحلية في كرري ليس لأنهم قدموا لها أي خدمة بل فقط لأنهم (تساهلوا) في جباية الجبايات المرهقة المعروفة لأهلنا في السودان.
هذا أمر غريب جداً وهذه المرأة كانت تستحق أن تمنح (وسام الجمهورية) وتعفى من الجبايات ويقدم لها التمويل لتطوير عملها ...
أحمد الشايقي
| |
|
|
|
|
|
|
|