|
قهر ودموع....! خضر حسين في تشييع عوضية
|
الصدفة وحدها التي قادتني وصديقي معتزعبدالصمد لذات المكان الذي إستقبل جثمان الشهيدة عوضية عجبنا ـ بمقابر الصحافة شرق حيث ووري جثمانها الطاهر الثري . والعالم كله يستعد للإحتفاء بالمرأة بمناسبة عيدها السنوي الذي يفصلنا منه ساعات فقط ـ غير أن الجماهير السودانية علي موعد مع قهرٍ آخر بل وأدٍ لإمرأة سودانية ظلت وعلي الدوام تنشد سعادة شعبها ـ عوضية عجبنا إسم سيذكره التاريخ بكل شرفٍ كواحدة من نساء الأرض اللائي قدمن حياتهن رفضاً للقهر والظلم في مقابر الصحافة كان المشهد مختلفاً عربة إسعاف تحمل جثمان الشهيدة ـ رجال غاضبون ـ يمسحون الدمع بأكف جلاليبهم ـ يمشون في هيبةٍ وصرامة ـ كانوا ولكأنهم في سباق مع الزمن أم الوطن لست أدري كانوا كتمام حضورهم في تظاهرة عادلة المطالب لا في تشييع جثمان . شباب جالسون علي الأرض لا أدري فيم كان تفكيرهم ـ غير أنني أقسم إني رأيت الظلم يمشي بين الناس ـ رأيت القهر يمشي بينهم ـ كنا تماماً كجماعة لا يملكون من حطام الدنيا سوي حزنهم المقيم ـ كنا جميعنا أهلاً للفجيعة ـ أشقاء وأبهات وخيلان وأعمام لمأساة ترقد أمامنا كجسد مسجي في نقالة عادية ـ كنا جميعنا أفراد وجماعات لايملكون من أمر حالهم سوي تفويض أمرهم لله الذي لا تضيع ودائعه هو ذا شعب أكتوبر وإبريل شعب الرهان العظيم ـ يواسون بعضهم بالدمع والصمت النبيل . دمعتان ما حسبت لهما حساباً سقطتا وأنا إحتضن ( عادل شقيق عوضية ) كان الغضب والقهر والحزن يتملكانه جالساً علي الأرض يستقبل أفواج المعزين والأحباب ـ يصبروه علي مصيبته فيحدق في البعيد غير آبهٍ بما حوله . أتراه كان يستحضر آخر لحظات الفجيعة أم كان يفكر في ما جنوه كأسرة ليواجهوا هذا المصير ، ها عوضية عجبنا ترقد أمامك بكامل إستقامتها الدوغرية ياعادل . ها هي الآن ترفل في نعيم آخر مافيهو ظلم شئ من ظلم الإنسان . ها هي تزف كعروس في ليلتها الأولي عروساً للبلاد كلها . إنني حزين للغاية كون أنه لم يتبقي لنا سوي الحسرات والدموع ـ فقراء نحن يا الله من كل شئ فشكراً لهاتيك الدموع ـ فقراء للدرجة التي لا نملك حيال ما يجري سوي التحسر علي وطن كان ما كان من أمره ـ فقراء للدرجة التي يستجدي فيه مثقفونا في ليالي الهزائم أيام نميري وعبود والتابعين وتابعي التابعين من العسكر ـ ليقينهم أنهم أصبحوا أمام حالة مختلفة ـ حالة ماعرفوا لها إيداً من كراع . حالة تجعل من ظابط حديث تخرج آمراً وناهياً ومنفذاً ومشرعاً لا للقوانين وحسب بل قابضاً لأرواح الخلق بأمر السلاح مهانةً ما بعدها أخري وألم ما بعده ثانٍ ما يعتصر الناس ليس في (الديم) فقط حيث مراسم العزاء بل في أرجاء الأرض كلها . فعلها البوليس الذي (لا يرعوي) فعلها الناس الذين ما كفتهم أوجاع هذا الوطن ليضيفوا بكل برود عوضية عجبنا لقائمة الذين رحلوا من هذا الوطن مضرجين بالدماء ـ الحالمين بغدٍ آمن مطمئن ما فيه شئ من رائحة البارود ولعالع الرصاص . ونحن قوم لا نستحق كل هذه الأحزان يعلم الله ـ أمهاتنا لا يستحقن علي الإطلاق الضرب والتنكيل وذبح فلذات أكبادهن بأمر الشرطات والرصاص والبوليس الذي لا كبير عنده علي ما يبدو . رخيصون نحن ورخيصةُُ حياتنا ـ للدرجة التي يمكن أن تتحول حياة الفرد منا لمأساة تتناقلها الألسن لا لخطأ إرتكبناه بل لأخطاء يصرعلي إرتكابها ولاة أمرنا . بسطاء حال نحن السودانيين ـ يقتلوننا ليلاً ويصر القتلة مرافقة جثاميننا حتي النهايات ـ يرافقونا حتي المقابر ـ يصلون مثلهم مثل الناس صلاة جثاميننا ـ يرفعون أكفهم بالدعاء مع جمهور الحاضرين ـ يدعون لنا بحياة أفضل وبأهل أخير من أهلنا وبدار أفضل من دارنا يفعلون كل ذلك بهدوء مسبق ـ ولا أدري أينافقون الله ضحيً أم هي المهام التي لا تنتهي . إني علي يقين أن الله لا ينسي خلقه ـ كلي يقين أن عجلة التاريخ دوماً للأمام ـ كل ثقة أن الظلم ليلته قصيرة ـ كلي ثقة أن الصبح آتٍ ولو كره الكارهون ـ في الخالدين عوضية عجبنا . Like · · Share
|
|

|
|
|
|