|
Re: مجزرة جونقلي بجنوب السودان (Re: مدثر صديق)
|
Quote: ولا تجد تطبيقاً لحرب المتعلمين التي وقودها غمار أهلهم مثل الجيش الأبيض نفسه. فرياك مشار وصفوة النوير امتطوه لأغراضهم في صراعهم ضد العقيد قرنق وانقلابهم المعلوم عليه في 1991. ولم يعد ذلك الجيش بعدها مثل ما كان قبلها. فمن تاريخ موجز لذلك الجيش كتبه جون يونق (وصدر عن مؤسسة مسح الأسلحة الصغيرة في جنيف عام 2007) يتضح أنه كان الفرقة المسلحة "القبلية" التقليدية للو نوير والنوير قاوار والنوير الجيكان وبعض الدينكا من أفخاذ دوك الأقرب ثقافياً للنوير. وانتظم فيه كما هو معروف في مثل هذه الكيانات شباب النوير ممن وظيفتهم في قطاعهم العمري السهر على رعي البقر وحماية زرائبها. والأصل في الاسم، الأبيض، هو طلائهم أنفسهم برماد خفيف اللون للوقاية من الحشرات. ولكن تخطى هذا الجيش وظائفه التقليدية في ملابسات الحرب الأهلية (1983- 2005) وذيولها. فصار قوة مستقلة للأدوار السياسية التي لعبها منذ 1981. وفي بعضها كان أداة مخربة حتى للجماعة التي خرج منها. وأزدادت أهمية هذا الجيش بعد خروج مشار على قرنق بجنرالات كثر وجند قليل. فأصبح الجيش الأبيض بالنتيجة هو عصب قوة مشار. وتوافر السلاح بيده وقيل إن الحكومة زودته بعشرة آلاف قطعة سلاح صغير. ولم يوظف مشار المتعلم الجيش الأبيض كعصبة من النوير، شعبه, فحسب بل اعتنق عقائده ورموزه. فقد كان الراعي الروحي للجيش أحد متنبئة النوير المشهورين ممن يظهرون في وقت النكبات التي تقاصرت عن تداركها الثقافة المتعارف عليها. فيقوم بينهم متنبئ بوصفة طارئة أو مبتكرة لتجاوز المحنة المستجدة. وعادة ما تجسدت وصفته في دعوة لوحدة الجماعة بعد شقاق وتقديم القرابين للرب تطهيراً وتزكية. فقد ظهر ووت نيانق، المتنبي، في 1991 ودعا إلى تناصر النوير ضد الدينكا، عصبة قرنق والحركة الشعبية، في وحدة شاملة للنوير تضم جماعة مشار وقوات أخرى كان ولاؤها لحكومة السودان لا الحركة الشعبية. وفي هذا الحشد النويري العظيم انغمس مشار في رمزيات ثقافة النوير. واستفاد من حقيقة أنه أعسر اليد لينتفع من قولة لنبي النوير الأشهر، نقوندنق، أنه سيظهر رجل أشول في قادم الزمان ويقود النوير للنصر. ولم تكن تلك المرة الأولى لمشار في استثمار نبوءات نقوندنق. فقد طلب يد الإنجليزية الحسناء إيما على أنه الأشول الذي سيتزوج بفتاة بيضاء في الزمان. وبنى عليها وماتت في ظروف غامضة جرى اتهام الحركة الشعبية فيها بقتلها في نيروبي ودفنت في قرية مشار بدار النوير. وفي ملابسات انقسام الحركة الشعبية ارتكب الجيش الأبيض مجزرة بحق الدينكا هي الثانية في درجة البشاعة في سائر حروب الجنوبيين الأهلية داخل الحرب الأهلية الوطنية. وكان قرنق بعث بقوة من حركته لهزيمة مشار في أرض النوير. وليتفادى الانطباع بأن المواجهة هي بين النوير والدينكا، شعبه، جعل على قيادة القوة وليام نون النويراوي. واحتل نون بقواته مراكز مشار. فأوعز مشار للمتنبي أن يحرم على النوير حرب واحدهم الآخر. ورد مشار على الهجوم بالجيش الشعبي بطلائه الأبيض والخرق البيضاء المعقودة عند الأكتاف التي من المفروض أن تحميهم من ويلات الرصاص لأجسادهم. |
Quote: وحذر المتنبي الخالفين من النوير عن حرب قرنق من أنهم سيمرضون أو تأكلهم التماسيح وأباح لهم بقر الدينكا حلالاً عليهم. فقاتلوا على النهج التقليدي الذي يرتب المقاتلين بحسب تصنيفهم العمري. فطردوا جيش قرنق حتى بلدة بور وبدؤوا مقتلة الدينكا في تصفية لحساب تراكم للنوير على دينكا بور الذين منهم قرنق بالذات. وكان النوير اشتبهوا أن حظوة هؤلاء الدينكا بمنافع الغذاء من المنظمات الطوعية والأمم المتحدة راجع لمنزلتهم عند قائد الحركة الشعبية. وكانت مذبحة عصيبة. قتل فيها النوير ألفين من الدينكا وفر أكثر من مائة ألف منهم ونهبوا آلاف الرؤوس من البقر اتضح أنها مصابة بالطاعون. وما ترامت أخبار المذبحة حتى تنازع النوير والدينكا وتقاتلوا في كل مكان: بين طلاب القاهرة الجنوبيين ومخيمات اللاجيئن. وقال مشار بعد عام من المذبحة إن الأشياء خرجت عن السيطرة ولم يكن ذلك رأيه بعد المذبحة مباشرة. وكانت المذبحة النقطة الفاصلة بين مشار والدكتور لام أكول، شريكه في التمرد على قرنق، الذي قال: "كل ما ناضلنا من أجله تهدم. فبعد أن رأى الناس الجيش الأبيض وقد صار جيشنا السياسي تهافت الضبط والربط. فلا يصح أن تلهم الناس بالسحر". ويروى أن إيما، زوجة مشار الإنجليزية المار ذكرها، قالت:"استولينا على بور، ياله من نصر عظيم!". ولما عرض عليها أصدقاؤها الصحفيون صوراً من المقتلة التي أظهرت الصقور تنهش الجثث وفيهن نساء قتلهن من تخاصم المعتدين حول من أحق باغتصابهن، احتجت قائلة :"وما هذا؟ ما أريد أن اعرفه هل كان ذلك نصراً". ولم يتحمس الصحفيون لإذاعة خبر المذبحة لأن إيما كانت نجماً ساطعاً وصديقاً حجبهم عن الحق. أما الفصل الثاني من حياة الجيش الأبيض فهو صدامه مع الجيش الشعبي لحكومة الجنوب خلال مرحلة تجريده "القبائل" من السلاح الذي كان زودهم به خلال حربه الحكومة في الخرطوم. فبعد توقيع اتفاق نيفاشا كان على الجيش الأبيض، كمليشيا، إما أن ينضم للجيش السوداني أو جيش الحركة الشعبية أو أن يلقي بسلاحه. ولم تصدع بعض جماعات الجيش الأبيض للخيارات وذبحها الجيش الشعبي بصورة مبرمة عام 2007. ومن رأي أحدهم أن حملة الجيش الشعبي الخشنة لتجريد الجيش الأبيض من السلاح كانت في جوهرها للانتقام من اللو نوير لقتلهم الدينكا في 1991. فكأنه كان ثأراً للدينكا على النوير تكفل به الجيش الشعبي ذو الطاقيتين: جيش للحكومة وللدينكا. حين احتشد الجيش الشعبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي لغزو المورلي اجتمع بهم مشار كنائب لرئيس حكومة الجنوب فلما يحسنوا استقباله. فقد سبق له حل هذا الجيش في سياق عودته للحركة الشعبية التي ألزمته بحل "مليشياته" كشرط للعودة. وربما وضح لمشار يومها أن حرب الريف الجنوبي المعقدة لا تضع أوزارها متى وضعت حروب المتعلمين أوزارها. لقد اختار المتعلمون خيار حرب التحرير في وجه خيار التنزل عند الديمقراطية المستعادة بانتفاضة أبريل 1985 ضد الرئيس النميري. واستكبروا عليها وفرحوا بالسلاح. ومن عاش بالسلاح طويلاً شقي به كثيراً.
|
http://www.aljazeera.net/pointofview/pages/39...e3cb2?GoogleStatID=2
| |
|
|
|
|