|
تربية حبوبات..والحبوبات يا حليلهن
|
كل ما أسمع مصطلح (تربية حبوبات) بتذكر حبوباتي رحمة الله عليهن حبوبة كلتوم أم أمي و حبوبة فاطنة أم أبي أو(تاتا) كما يناديا أحفادها الحبوبات ضرا و حنان و حزم و ريحتهن رشة أمان و طمأنينة للنفس أتذكرهن فأدمع حيناً و أبتسم أحياناً من طلاوة الذكرى كلما تذكرت حبوباتي تذكرت أصالتهن خبراتهن اليومية في الحياة خبراتهن لجمال الداخل و الخارج نصائحهن لتكون حفيداتهن باهيات كان مجلس حبوبة تاتا تحت ظل شجرة الفايكس الضخمة في منزلنا لا تبرحه إلا لتغيير مكان النوم كانت تشع من صفائها صفاءً على كل المنزل كنت أحس أن منزلنا فيها و ليست هي في منزلنا كنت أحس أنها منزلنا رحلت عام 1991 كما رحلت حبوبة كلتوم بعدها بعام 1992 وكأنهما تؤكدان ما هو مؤكد أصلاً: إنهما توأمان حتى في الرحيل
(1) وأبدأ بأول وصفة (شعرك بشرك الما عندو شعر ما عندو بشر) حبوبة تاتا كانت تولي للشعر أهمية قصوى كان جمالها ملفتاً (شعرك بشرك الما عندو شعر ما عندو بشر) "يا بتي جيبي ليكي حبيبة حنة و حبيبة موية ريدي شعرك دة" كان مصطلح (ريدي شعرك) يبعث على وجهي بسمة عريضة لطرافته و جدّته، وكنت أفكر كم هي حكيمة؛ فالحب فعلاً يولّد الإهتمام
(2) حبوبة تاتا كانت أستاذة في (نجيض بليلة لوبة العدس) كانت مزروعة بمنزلنا ويطيب لها و هي الكبيرة السن أن تجمعها بنفسها من الشجر وتفرز الحبات الجيدة وتستبعد الغير جيدة ثم تغسلها ثم تصر على (نجاضها) على (نار المنقد) لا البوتجاز وتصر أنها (لسة شباب) لاتود مساعدة من (دي و للا دي) لا تطيق البريستو ولكن الحلة العادية صديقتها الصدوقة تضع في ال(حلة) ماءً حتى منتصفها وبعد ان يغلي تضع اللوبا عدس ولا تنس أن تضع نصف ليمونة ل(تمام النجاض) -ودة سر المهنة- -ودة روح الوصفة- و(رشّة) ملح ولا بد أن تغطى الحلة (نص نص) حتى (ينجّض نَفَس-بفتح النون و الفاء- البليلة البليلة) وعند ال(غرْف) لا بد في كل (صحن) من (حبيبة موية بليلة)
(3) حبوبة تاتا كانت طبيبة بلدية لا يشق لها غبار وكانت أستاذة في علاج ال(لوّاية) أو ألام البطن المختلفة وكان العلاج الناجع و السهل عندها حاضراً دوماً كباية موية و معلقتين سكر و عصير نصف ليمونة وملعقة كبيرة شمار أخضر تغلى كلها مع بعض وتصفى وكانت ل(تمام) الوصفة تفضّل ألا يغلي الليمون مع الماء بل يضاف لاحقاً بعد (ما تنزلي الموية من النار) ويشرب دافئاً
(4) حبوبة تاتا كان دهن الكركار أو دهن المجمموع هما اللوشنات المفضلة لها (ما بخش في راسها) أي مستحضرات جاهزة كريم أو لوشن كانت تصنع ال(كركار) بنفسها بشمع العسل و تفضله على كركار الودك أو دهن الخروف تأتي بشمع العسل ولا بد أن يكون أصفر جداً و (لمن تضغطيهو ينز) تضع حلة بها القليل من الماء وعندما يغلي تضع حلة ثانية و تضع عليها شمع العسل إلى أن (يسيح) بتقنية (حمام الماء) هذه وعندما (يسيح) تماما و تخلو الحلة من أي كتل شمع تبعد الحلة من النار و تتركها على الماء المغلي وبسرعة تضيف زيت السمسم وبعض (رؤوس ) القرنفل شريطة أن تنظف كل حبة قرنفل من (الكزملة) و هو الجزء المستدير أعلى حبة القرنفل و بعد نزعه يصير شكل حبة القرنفل كتاج الملك وتحفظ الخليط بعد أن يبرد في آنية زجاجية شريطة أن تكون (يابسة) حتى لا تفسد الخلطة و الوصفة وبعدها يكون ال(مسوح) كل يوم عند النوم
(5) حبوبة كانت عاشقة للحناء تقطف ورق الحناء المزروع بالمنزل وتضعه في جوالات ليجف بالشمس ثم تخزنه بالمخزن لا تحتفظ بكمية كبيرة من الحنة ال(مسحونة)بسحان الكهرباء بل تحب الحنة (المدقوقة) يدوياً ب(الهون)-(الفندق) كل مرة لا تكل و لا تمل من دق الكمية التي تحتاجها ثم تتفرغ لعمل خلطتها العجيبة " جيبي لي حبة سكر و نص ليمونة " أندهش وما للحناء و السكر و الليمون؟ أندهش ولا أملك إلا أن أطيعها و ألبي طلبها فأهرع ب(حبة) السكر و (نص) الليمونةمع الماء وتجيب حبوبة على تساؤلي الصامت: (السكر و الليمون بيخلو الحنة تكبّس وتلقط بسراع)
(6) حبوبة مياسة لم أحدثكم عنها هي والدة عمي الصغير شقيق والدي و(في الحسبة)هي خالتي و عمتي حبوبة مياسة كانت تقطن معنا في نفس المنزل إلى أن قررت أن ترجع البلد ولازالت في الإجازات معنا ذات إجازة رجعت من مصر فوجدت بالمخزن الملحق بالمطبخ (فرن بلدي) صنعته حبوبة مياسة بنفسها من الطين و (كُسّار) (صحانة الصيني القدام) كنا نأكل منه الخبز الطازج يومياً إضافة لل(الشريق)أو(القرقوش) تخبزهما بنفسها والكيك و المنين كانت ب(حرفنة) تغربل الدقيق (بحرفنة) تضيف الماء بدون مقادير(ما زيكن يا بنات الزمن دة) ثم تضيف رشة خميرة و بيكنج بودر و رشة ملح ورشتين سكر و(دة سر المهنة) و (رشة سمسم) (ودة سر الوصفة) وتقطع العجين لأقراص تخبزها في الفرن و(يمسخ علينا تاني عيش الأفران الآلية)
(7) حبوبة مياسة عندها (شربات عينة) بتعرفو براااها كانت ولا زالت لمن نزهج من أي عصير جاهز تأتي بمقدار من (بدرة القنقليز) وتضيف لها ملعقتين كستر فانيليا وعلبة أناناس معلب وتضربهم في الخلاط و(ما تدي الجنبك) من (لذاذة) العصير
(8) حبوبة مياسة فنانة في عمل (الشريق) الشريق خبيز البلد بسرعة قياسية وبدون استخدام أي مقادير تجيب الدقيق والسكر وحبة لبن وحبة زيت ورشة ملح وحبة موية وبسرعة تعجن وبسرعة قياسية تقطع العجينة لمستطيلات وترصها في صواني وتخبزها في الفرن وكل ما أسألها "بيكون كيفن لونو موحد الشريق دة؟" تجيبني باسمة: (دة سر الوصفة)
(9) حبوبة كلتوم أم والدتي و عمة والدي كانت فنانة في عمل (دمعة الرز) بنكهة لم أذقها في أي دمعة رز أكلتها في حياتي كانت تقطع البصل حلقات متساوية لا يضاهيها فيها (أجدع) فود بروسيسر ثم تشوحه على الزيت إلى أن يصير ذهبياً تضيف اللحم المقطع لمكعبات وقليلاً من الماء ونص كمية البهارات الملح (دوا ملاح) و فلفل أسود رشة هبهان مطحون وكسبرة وشوية (موية) و(أوعي تكبّي الصلصة حسة لأنها بتقسّي البصلة ما بتدوب) وبعد (تدوب البصلة) نص دوبان يضاف الأرز وبعد أن(ينجض) الرز و اللحم وتدوب البصلة تماماً تضاف بقية كمية البهارات و تضاف الصلصة وكان سر وصفتها (ذرات جنزبيل) مباشرة قبل ما (تدلي الحلة من النار) ويعلو صوتها لأبنائها: (قضيت) -بكسر القاف و الضاد-
(10) حبوبة كلتوم كانت تعتبر الحلبة ست الأدوية وكانت تردد تلك المقولة دوماً وكانت الأدوية البلدية تغنيها عن الذهاب للطبيب وكانت بمهارة تحدد الدواء مشخصة وتحقق قيمة المقولة (إسأل مجرب) الحلبة كانت لها ثلاثة طرق علاجية: إما بغلي اللبن الحليب و إضافة الحلبة الحب له ثم شربه محلى وإما بغلي الحلبة الحب مع الماء و تحلية المشروب أو سفوف أي مقدار من الحلبة الحب يبتلع بقليل من الماء
(11) أما حبوبة نعمات زوجة عم والدي و خال والدتي في آن وخالتي و عمتي في الوقت نفسه التي انتقلت للرفيق الأعلى كانت نور الأسرة ونور (ود نوباوي) بأسرها فكانت تؤمن أن البيت الحاوي لل(شيح) و(الحزا) و (المحريب) و (الحرجل) (ما بيجي لي ناسو شي) كانت هديتها لي دوماً أرتال من تلك الأعشاب الدوائية مقرونة بدعوتها الصادقة التي نؤمن كلنا أن لولاها لما تقدمنا شبراً في دنيانا هذه
(12) أطيب أنواع القهوة تلك التي كانت تعدها حبوباتي على (المنقد) بوضع الفحم و إشعاله ب(العويش) أو ورق الجرائد و الذي يوضع بداخل المنقد أسفل الفحم بعدها يقلى البن في (القلاي) و يرفع من على النار و يتم هز القلاي ليتطاير القشر من حبات البن ولا يترك ليصير بنياً غامقاً بل الأفضل أن يكون بنياً وسطاً- وبعد الانتهاء من عملية القلي يدق البن بواسطة الهون وإيد الهون (لا ينصح بالسحان الكهربائي لناس المزاج العالي) و يدق البن بحمل يد الهون و (هبتها) رأسياً بداخل الفندق و تحريك البن المدقوق يمين شمال(لا أدري السر وراء هذه الحركة) بعدها يوضع البن في الشرغرغ مع الماء و(دوا البن) أي التوابل المطيبة وأهمها الزنجبيل، الهبهان بعض الكييفين بعد وضع البن في الشرغرغ قبيل وضعه على المنقد يغطون الفحم المشتعل بطبقة من الرماد ليغلي البن على نار هادئة و يصير طعمه أجمل يوضع في الجبنة وتغطى فوهتها بالعشميق وهو ليفة شجرة النخيل بخور التيمان أسااااااااااسي مع الجبنة شريطة أن يحتوي على "عللي" و "قاقا" و "عين العروس" ذات اللون الأحمر و الأسود الشبيهة بعين الديك مع اللبان و بقية خلطة البخور المجمّع المعروفة ويشرب البن ب(رواقة) فنجان ورا فنجان بكر وتني-بكسر التاء والنون- وياسلام على الحبوبات وعالمهن محبتـــــــــــــي
|
|
|
|
|
|