|
إقتصاد .. سياسة .. إستعمار .. هلاك
|
الإقتصاد السياسي كمصطلح إستخدمه الإقتصاديون الكلاسيكيون ومنهم هنري جورج، ويعرف الإقتصاد بأنه العلم الذي من خلاله تتعرف الشعوب على كيفية تخصيص وتوظيف الموارد لصالح التلبية القصوى لحاجياتها المعيشية حيث أن تلبية الحاجيات يخضع لعامل هام ألا وهو مشكلة الندرة التي تعتري الموارد وتخلق الضرورة لإيجاد الحلول الإقتصادية، ولقد تعرف الإقتصاديون الكلاسيكيون على مشكلة الندرة كعامل إقتصادي هام ومؤثر، إلا أنهم فضلوا أن يتعاملوا في إطار الإقتصاد الكلي الذي يشمل كافة مناحي الحياة الإجتماعية من صحة وتعليم وغيرها ولذا توجهوا نحو التفكير في الثروة والإنتاج كيفية توزيع الثروة وعليه كان التركيز على عوامل الإنتاج. وتتلخص عوامل الإنتاج في الموارد المختلفة للإنتاج والتي تشمل ما يلي: 1- الأرض وتم تعريفها على أنها تشمل أي ثروة مادية (غير الثروة البشرية) والتي هي ليست من صنع الإنسان، و وفقاً لهذا التعريف فإن الأرض لا تعني فقط معناها الحرفي المعروف (سطح الأرض) وإنما تعني كافة الموارد الطبيعية عليها والتي هي ليست من صنع الإنسان. 2- القوى العاملة القوى البشرية التي تعمل في إنتاج الثروة والخدمات. 3- الثروة (رأس المال) الأموال التي توظف في الإنتاج. وهناك العديد من العوامل التي هي في الأساس مبنية على إحدى العوامل أعلاها وذلك عند التفصيل الدقيق للعوامل الإقتصادية. ولكن يهمنا في هذا الموضوع أن نتناول العوامل الرئيسية المذكورة أعلاها بحيث نوظفها لمعرفة لمحات وقسمات الإقتصاد السياسي السوداني. نبدأ بالأرض (الموارد الطبيعية) وما تتأثر به هذه الموارد سواء في حالات السلم أو الحرب والتي ترجع أسبابها إلى مدى العدالة في توزيع تلك الثروة والتوزيع هنا يقصد به توظيفها سواء في مشاريع إستراتيجية وبنية تحتية أو مشاريع خدمية وأجور للقوى العاملة وكافة قطاعات الشعب. مستوى العدالة في توزيع الثروة هو الذي يحدد نشوء أو عدم نشوء الحروب الداخلية والتمرد في البلد المعني. ويبدو جلياً أن توزيع هذه الأرض (الموارد الطبيعية) لم يحظى بقدر من العدالة التي ترضي طموح الشعب السوداني على مر العصور المختلفة منذ إستقلال البلاد وحتى تاريخه وهو بالرغم من التعتيم الذي مارسته السلطات الحاكمة وما تزال تمارسه حتى يومنا هذا إلا هو بالتأكيد السبب الرئيسي في الحروب الأهلية والتمرد وهو السبب الرئيسي في إنفصال جزء من السودان (جنوب السودان) والذي أصبح الآن معروفاً ومعترف به دولياً. والمعروف إقتصادياً أن مدى الإعتماد على الموارد الطبيعية لبلد ما يقاس بنسبة صادرات السلع الأولية لذلك البلد كجزء من من إجمالي الناتج المحلي للبلد، ونحن نستمع للخطاب السياسي للحكومة السودانية نجد التصريحات الملفتة لللإنتباه بأن صادرات البلد في إزدياد من الذهب وخلافه ولكن في ذات الوقت لا نتلمس أي تحسن واضح في مستوى المعيشة ولا في البنيات التحتية التي يمكن الإعتماد عليها في المستقبل القريب للمساعدة على زيادة إنتاج أي سلعة إستراتيجية وإنما هنالك خطاب سياسي غير مؤسس ولا يملك من الأدلة والبراهين الواقعية ما يسنده ويعضده. وفي ذات الوقت نفس الخطاب السياسي ينفي وجود أي مظالم وأي تعدي على المال العام من قبل المسئولين الحكوميين بالرغم من كثير من القضايا التي تتعلق بالفساد الحكومي المثارة في وسائل الإعلام وتلك التي أخذت طريقها إلى المحاكم والجهات المختصة ولم يبت فيها. وتظل عبارة "الجشع" تطارد كثير من المسؤولين رضوا أم أبوا هذا بالإضافة إلى المظالم العرقية والإجتماعية الأخرى التي تصطف جنباً إلى جنب مع المظالم الإقتصادية مشكلة بؤرة الفساد والظلم والذي هو بالتأكيد يخصم من رصيد العدالة والعدالة الإجتماعية ويضع البلاد تحت وطأة حرب إجتماعية غير معلنة رسمياً ولكنه تدق ناقوس الخطر لتراكمات قد تنفجر في اي لحظة وقد تنفجر بطريقة غير منظمة فتؤدي إلى مآلات لا يحمد عقباها من مزيد من النهب والتغول على حقوق الشعب وموارد البلاد الطبيعية وغيرها من الثروات والأموال وبعدها توضع البلاد تحت وطأة الفقر المدقع وتصعب إدارتها من قبل اي من القوى التي تنادي بالتغيير حيث أنها ستجد حينها بلداً منهوباً خاوية خزانته ومثقل بالديون والإتفاقيات التي لا تخدم لا المستقبل القريب ولا البعيد. لذلك وغيره نجد تصريحات مثل ذلك المرشح للرئاسة المصرية (توفيق عكاشة) بعدم إعترافه بالسودان كدولة مستقلة ومناداته بضمه لمصر، هذا الرجل لم يصرح بتصريحاته هذه هباءً وإنما هو موجه من جهات قد تكون عالمية وتعرف ما هو الوضع في السودان وما هي الإحتمالات الوارد حدوثها في المستقبل القريب ! السودان الآن يجلس على بركان سينفجر مولداً أزمة إقتصادية خطيرة إن لم يتم تدارك الموقف، والقوى السودانية كثير منها يتهافت على جزء من كيكة السلطة والمفاوضات في التصالح مع النظام لا تعير هذا الوضع الإقتصادي الخطير أهمية فهل سننتظر حتى ينفجر هذا البركان وإن حدث ذلك فلن يتعرقن السودان (اي يصير مثل العراق) بل سيتصومل أو سيولد مصطلح جديد ليعبر عن مدى سوء وفظاعة الوضع نأمل أن لا يصبح مصطلح (سودنة) مرادف للهلاك !
|
|

|
|
|
|