|
|
 غني أفقرته السياسة ؟؟
|
غني أفقرته السياسة
أستميحكم عذراً أن أقتبس هذا العنوان والمقدمة من أحد التقارير لقناة الجزيرة عن السياسي المخضرم الصادق المهدي ومن ثم التعليق على هذا التقرير:
Quote: " كثيرون يرون أن الرجل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب الزعامة السياسية والدينية، فقد ورث عن أسرته المهدية حزبا سياسيا -هو حزب الأمة- تولى زعامته وتولى رئاسة الوزراء مرتين باسمه. كما ورث طائفة تسمى "الأنصار" جعلت منه أيضا زعيما دينيا للحركة المهدية، نسبة إلى جده الأكبر محمد أحمد المهدي القائد السوداني الذي فجر الدعوة والثورة المهدية في السودان.
يؤمن إيمانا راسخا بما يعرف "بالرؤيا الصادقة"، ومعناها أن يرى الإنسان شيئا في المنام فيحدث في الواقع كما رآه أو قريبا منه، ويقول إن له نحو عشرين رؤيا صادقة ذكر منها أنه رأى في المنام في سجنه وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
غير أن الصادق المهدي يقول إنه لم ير من ملعقة الذهب هذه شيئا، ويكرر دائما أنه الزعيم السياسي الوحيد في بلاده الذي لم تزده السياسة شيئا، بل أفقرته، حيث أكد في البرنامج المذكور أنه لم يتسلم راتبا من مال الدولة طيلة سنوات توليه رئاسة الوزراء، في المرة الأولى من 1966 إلى 1967، وفي الثانية من 1986 إلى 1989.
ويضيف أنه لم يسكن قط في بيت حكومي، وأنه الوحيد من المسؤولين الذي كان كلما رجع من رحلة إلى الخارج يعيد إلى خزينة الدولة الميزانية التي خصصتها لسفره"
|
أكتفي بهذا القدر من الإقتباس لأخلص إلى أن رجل بهذه القامة وهذه الخبرة العريقة في المعترك السياسي والهم الوطني ونظافة اليد واللسان أقول أن الصادق المهدي قد تعرض لتشويه متعمد ومحاولات حاقدة لقتل تلك الشخصية بدءاً من العمل على إفشال حكمه الديموقراطي الذي لم يتجاوز في مجمله الخمسة أعوام في كلا فترتي الديمقراطية المجهضة اللتين تخللتاهما العديد من الظروف المعقدة والتيارات المناوئة التي عملت ليل نهار على إجهاض تلك التجارب الرائدة بشتي الوسائل الشرعية والغير شرعية ومن منا لا يتذكر تلك الفترة والصراعات المحتدمة تحت قبة البرلمان والدور البارز الذي لعبه السيد على عثمان محمد طه زعيم المعارضة وهي أكثر فترة في حياته عرف فيها بكثرة الكلام،
لقد تعرض الصادق المهدي لأنواع من التشويه في شخصه وحزبه فكان التركيز المتعمد على أن الصادق المهدي كثير الكلام وهو يقول ما لايفعل وأنه بتاع تنظير بعيداً عن الواقع وأنه يحب السلطة ويحب الحكم، والناظر لتلك الصفات بعين البصيرة يرى أنها مدح أشبه بالذم ولعمري أن الصفة الأخيرة وهي أكثر الصفات إثارة للضحك والسخرية أولاً بالله عليكم من أكثر حباً للحكم من الإنقاذيين ولكن صحيح كما قيل "الفيك بدر بو والعيب أقدل بو" .
أنا أعتقد أن هنالك سبب وجيه لإستهداف الصادق المهدي وحزبه بخلاف الغيرة السياسية ، ذلك أن الإنقاذ حينما أستولت على الحكم عن طريق الإعتداء على الشرعية كانت تعلم أن الذي خططوا لهذا الإنقلاب ليس لهم أصل في البناء السياسي للدولة السودانية ولا تاريخ وطني ولا إرث معنوي من ذلك كله لذلك كان لابد لهم من إزالة هذه الإصالة ومسح هذا التاريخ والمجاهدات للأجداد والشرفاء وحتى لا نتوق إلى هذا الماضي العريق والمجد التليد " والماعندو قديم ما عندو جديد" عملوا على غسل أدمغتنا بأن تلك الأحزاب التقليدية صاحبة الإرث التاريخي "إنما هي أحزاب طائفية ورجعية ومتخلفة وبأنهم أرادوا أن يقدموا نموذجاً جديداً للحكم الرشيد وأنهم أصحاب رسالة ومشروع حضاري في مواجهة تلك الرجعية والتخلف. وفي حقيقة الأمر قدموا أنفسهم بطريقة دلت على أنهم منبتون ولا يشبهون أصالة هذا الشعب ولا قيمه وأخلاقه مما حدا بالأديب الراحل الطيب صالح أن يتساءل عنهم " من أين أتى هؤلاء" . وما علموا أن الزعامات التاريخية والشخصيات الوطنية في كل أنحاء العالم تحظى بتقدير وإحترام على مدى تقادم الأجيال وهي قابلة للتطور ومواكبة روح العصر و هنالك من الدول ما جعلت لأحفادها نصيباً من الحكم كما في بعض الدول العربية ومناصب تشريفية كما في بعض الدول الغربية إعترافاً وتقديراً بتلك الإسهامات للأباء المؤسسين. وأنا هنا لا أكرس لهذا النوع من الحكم ولا أحبذه ولكني أستدل فقط على قيمة وأهمية إحترام تاريخنا وعدم خيانته والتنكر له . والصادق المهدي في هذا المقام وعلى الرغم من واقع هذا الإرث التاريخي المشرف المتمثل في ثورة الأمام محمد أحمد المهدي لم يجعله مطية للوصول لكرسي الحكم بل أعلى من قيمة الديمقراطية كحق مشروع ومتاح للجميع دون تمييز أو إقصاء.
وحينما أدركت الإنقاذ فداحة خطأئها بتهميش شخصية وطنية هامة كالصادق المهدي وحربها لها والتضييق علي ممارسته للسياسية داخل الوطن والتضييق عليه حتى في رزقه وإستخدام العصا والجذرة مع المنتسبين له مما إنعكس سلباً على فعالية الحزب وحرية حركته لإستعادة مركزه ومناطق نفوذه وولائه ، وحينما ضاق بها الحال وعاثت في الأرض فساداً وفشلت فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد على الوجهة التي وعدت بها الشعب لجأت إليه مرغمة ليخصلها من حصاد عمائلها من خلال نفس هذا الإرث التاريخي والسياسي الذي كانت تسخر منه وتنعته بالتخلف والرجعية وليعيد لها صوابها وبوصلتها الشعبية لينقذ براقش مما جنت به على نفسها ولكن الصادق المهدي في كياسة وحكمة وبعيداً عن روح الإنتقام والأخذ بالثأر إستجاب لنداء الوطنية المتأصل في داخله ليس حباً في إنقاذ الإنقاذ وجماعة المؤتمر الوطني كما فهم البعض ولكن حباً في تراب هذا الوطن لأنه يدرك أن هؤلاء ليس لهم أخلاق وأنهم لن يذهبوا بأخوي وأخوك وهم على إستعداد أن يريقوا دماء كثيرة في كل السودان بملشياتهم المسلحة وبقدرتهم العجيبة وحيلهم الماكرة على تحويل الصراع إلى حرب مقدسة سيستجيب لها بكل تأكيد الكثير من أصحاب الهوس الديني والفهم المغلوط للدين والجهاد كما فعلوا من قبل. ومع ذلك إختار طريقاً آخر للمواجهة غير المواجهة المسلحة التي يخشى عواقب تأثيرها على كافة أرجاء الوطن يمكن أن نطلق عليها المواجهة الناعمة التي أثبتت فعاليتها مع العديد من الأنظمة المستبدة في العالم العربي وهي سلاح لا يستهان به.
خلاصة القول أنا أدعو إلى إعادة قراءة هذه الشخصية بواقعية وحيادية بعيداً عن تنميط الإنقاذ له فهو شخص جدير بالمحبة والإحترام إتفقنا معه أو إختلفنا.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
أيمن مبارك أبو الحسن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست