قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-17-2011, 07:22 PM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ...

    أولاً : النص ( ك ل ب ة فاطمة )

    أي أعجوبة بعد هذه، كنت أهرب من مدرستي منذ الحصة الخامسة، وأتسلق شجرة نيم ضخمة بالسوق قبالة طابونة طيفور، ولم أكد ألتقط أنفاسي من مشقة تسلقها، حتى كان جاري، في الغصن المقابل حضرة الناظر!! وهو حتماً لم يتسلق الشجرة من أجلي، فقد كان يكفيه أن يصيح آمنا من ظل الشجرة المتسخ ببقايا نبق مبلول باللعاب، ومسروق، ومنغرس في التراب، ويسقط من عل، كما لو أن شجرة النيم تثمر نبقاً مأكولاً " أنزل يا ولد يا حمار .. أنت طالب ولا غراب" !!.
    يبدو السوق، قبل الحدث الكبير، وخاصة إذا كنت متسلقاً شجرة النيم الكبيرة، مثلي ومثل الناظر، عبارة عن شارع وسيع، ضيقته البضاعة المفروشة على جانبية، أكوام من النبق، ذكرته في البدء لحاجة في نفس "مدثر"، وأكوام الطماطم والعيش والقلل، فيبدو الشارع وكأنه جدول متعرج صغير، هادئاً، الهدوء الذي يسبق صراخ الشحاذين والباعة وضجر الازدحام ومساومات الأسعار والتعارف، وخلو جيوب وامتلاء أخرى، وسرقة ثالثة ورابعة ويبدو شكله العام إنه قد توثب لحرب البيع والشراء الأزلية.
    أما المدرسة، قبل الحدث السعيد، فتبدو من أي طائرة تمر، وهي نادراً ما تمر، حوشاً مستطيلاً، فصولاً متراصة، وميداناً جنوبي للطابور الصباحي، وشرقي للكرة الطائرة، ومزرعة صغيرة شمال الفصول، وتبدو المدرسة، من على ظهر حمار، عبارة عن سور متآكل، تحفه أشجار تمر الهندي والموسكيت، وباب سري لأمثالي المتأخرين في الحضور، والمبكرين في الإنصراف، كما تبدو المدرسة من داخل الفصول، عبارة عن أعداد هائلة من الطلاب، لايربط بينها الشكل أو الملبس أو الذكاء، بل شئ واحد أقوى من الرابطة الأيونية بين العناصر الكيماوية، وهو الخوف الجماعي العظيم من حضرة الناظر، ويلفها الصمت، وكأنها ثكنة عسكرية، ولو لمست هواء الفصل، بل الفصول، بل ساحة المدرسة، لوجدته حاراً مشبعاً بالخوف المنبعث من زفير مئات الرئات المذعورة، مناخ خانق، لا تترعرع فيه اتعس الجراثيم الطفيلية، التي قيض لها أن تعيش في أمعاء الفيلة .
    أما السوق بعد الحدث السعيد، يبدو وكأن قنبلة ألقيت فيه، أو ريح صرصر من لحم ودم وكرش ونظارات داست على الأخضر واليابس، فالرواكيب قد أنهارت، والطماطم عفصت، أما المدرسة بعد هذا الحدث، فكأنها كرنفال فرح، فالطلاب يركضون بين الأشجار، ومشاغباتهم يتردد صداها بين الفصول، حتى أذن الناظر.
    إن ما أقدمت عليه ك ل ب ة فاطمة يفوق الوصف والتصور، كسرت حاجزا كبير بيني، بل بيننا وبين الهرم الأكبر، حضرة الناظر، مدير مدرسة العسيلات بنين المتوسطة، حاجز أسمك وأعتى من سور الصين العظيم،، ما كان سيهدم ويتحطم مثل سد مأرب غير مأسوف عليه لو لا بلدوزر ك ل ب ة فاطمة، أنيابها الحادة الشريرة، من يتصور إن الناظر، بسمته، ووقاره، والخوف العميق منه، والمترسب في أعمق أعماق قلوبنا وعقولنا وعيوننا، قد ولى بلا رجعة، تلاشى مثل حلاوة قطن، أن ما قدمته لنا ك ل ب ة فاطمة يستوجب الشكر مدى الحياة، ومن الآن ولاحقاً لن يصيب صلبها شر من قبلنا، لا حجر ولا عصى، بل سنؤثرها على أنفسنا باللحمة والطعمية، وسنمسح بحنان بالغ على رأسها الصغير الشجاع، بل لو كان الأمر بأيدينا لنصبنا لها تمثالاً، مثل جاليلو ونيوتن وفراداي، الذين قدموا أجل التضحيات من أجل الحركة الطلابية.
    وسأقص لكم المشهد، كما هو، لعن الله شاهد الزور، وسأنقل الواقعه كماهي، صورة طبق الأصل، ولو كان نباحها في لساني، وملامحها على وجهي، وسرعتها داخل سيقاني، لواصلت سك الناظر حتى آتي به من الجهة المقابلة إلى نفس المكان، ألم يقل لنا بأن الأرض كروية، البيان بالعمل، بالجري أمام ك ل ب ة هزيلة، تخيلته، وقد خرج جارياً من حدود السودان، وبعد بريهات خرجت ال ك ل ب ة وراءه، ودخل صحاري تشاد، ومالي، وكأنه يجري في حوض من الصمغ، رجلاه أثقل من حجر الطاحونة، وسبح الاطلسي، عارياً فماتت الأسماك من سخونة جلده وعرقه، ورأته الروم والفرس، فضحك عليه بالسرياني والبرتقالي،، وتسلق مرعوباً جبال الانديز، فذابت من أنفاسه ثلوج القمة، كما تذوب كتلة الشحم في الطوة، فسالت حارة فائرة في حقول البن، فملأ الفقراء البراميل والكبابي من فيضانات القهوة الحارة، ولعن أصحاب مزارع البن ثقب الأوزون، وحتى يكون كلامه عن كروية الأرض لاحقا كلام يقين، فما أكثر الأكاذيب التي ملأ بها رؤوسنا وفضحتها سكة ال ك ل ب ة، الناظر يجري بكل قوته من ك ل ب ة فاطمة، منظر قد يبدو شبه عادي، ولكن حين تتصور شكل الناظر، فسيبدو الحدث لك، مثل فيل يولي الأدبار مرعوبا، محاولا إخفاء جسمه الضخم خلف مؤخرة نملة، فالجسم المرعوب لا يعرف المنطق، وبأن الجبل أكبر من الإبرة، وبأن النبق والطماطم تؤكل، و لا تعفص بحذاء الناظر المعفر بروث البهائم والمرحاض، وبأنه من المسلمات، إن ال ك ل ب أسرع من صبيان بني آدم، ولكن لكل قانون استثناء، ولكل قاعدة شواذ، وإلا فما الداعي لأن يحتمي الناظر ببطيخة، بل شعرت بحيرة البطيخة وهي تسأل نفسها، كعادة كل المخلوقات المحزونة، وقد سال دمها الأحمر الحلو من خربشة مخالب ال ك ل ب ة " لم خلقت، ليحتمي بها الناظر، أم لتستمتع بحياتها، أم لتؤكل كتحلية ؟" ليتكم كنتم معنا في الطابور الصباحي، لتقارنوا بين الصورتين، صورته أسداً يتبختر في عرينه، وصورته وهو يبحث في السوق عن بيضة دجاجة لينحشر فيها، ويزاحم السواسيو في رحمها الكروي الأبيض الضيق، وأقسم صادقاً، بحكم قشعريرة جسمي حين يقترب الناظر مني، بأن هذا السوسيو المحزون، لو قدر له أن يعيش بعد هذه المزاحمة، فلن ينبت له ريش ولو عاش عمر نوح، خطواته الموزونة في الطابور، ونظراته من خلف النظارة، يتطاير منها الشرر، حين ينظر إليك، تحس بتيار من أرواح قطط تتلوى وتلفظ أنفاسها في جسدك، وبأنك محصور في ركن ضيق محدقاً في مرزبة مسننة ستهشم رأسك، وكأنه مخلوق من طين خاص، يخلق منه المديرون والرؤساء والعساكر والمجرمين، طين لا يعرف النكتة والحنان ومسح رؤوس الايتام، طين لا يعرف الخوف، كانت حياته محسوبة، عبارة عن معادلة رياضية، إي تغير في طرف يخل بالطرف الأخر، خطواته ونظراته، صورة صارمة وبغيضة، يقشعر لها جلد وعيون وشنط وخطوات وكراسات الطلاب.
    بعد الحدث السعيد، والأمور نسبية كما يقول مستر انشتاين، فالفصل جنة لمن يأتي من مكتب الناظر، وجهنم لمن يأتي من بيته، بعد نهاية الدوام، أو قبيل نهاية الدوام، فأنا، وتوخيا للحق، أهرب من الحصة الخامسة بالباب السري، فتحة مخبأة بشجر الموسكيت، إلى السوق، لسرقة النبق، وأتسلق شجرة النيم الضخمة حتى يمر الناظر، لأنه يخرج من الحصة الخامسة، مثلي، لشراء حاجيات البيت، فخرج الناظر كعادته لشراء حاجيات البيت، وفي السوق رأته ك ل ب ة فاطمة، كما ترى كل الخلق، ولكنه أثار فيها جوى، بحجم لحمه المكتنز النظيف المعطر، يا ترى هل أدركت ال ك ل ب ة بحاسة الشم الحادة بأن الناظر هو سبب رشقها اليومي من قبلنا، ننفس المكبوت، وهذه الحجارة أصلاً موجهة نحو قفا الناظر، ولكن لخوفنا العاجز، اتجهت لصلب ك ل ب ة فاطمة، عينه على الفيل، ويطعن في ظله، فأرادت ال ك ل ب ة أن تجتث سبب شقائها من الجذور، فالناظر أولى بالعداء، هكذا تقول الحكمة، وعلم النفس، مجرد أن وصل حضرة الناظر إلي السوق هجمت عليه ال ك ل ب ة، أطلقت ال ك ل بة نبحة عالية، وكأنها تنبه أهل السوق للكف عن البيع والشراء ومتابعة المسرحية التي جاءوا من أجلها، فلكل حيوان الحق في تضخيم اهتماماته، فأقشعر نظر الناظر، حين تيقن بأنه المقصود بهذا التهديد، وفي البداية كان يوزع نظراته بين الناس وبين ال ك ل ب ة، كيف يجري ؟ والشارع يضج بالبشر، إنه لا يصلح إلا للبطء ، مزدحم بالخلق، وحتى تقطع الشارع عرضياً فقط، فإنك سوف تسمع ثلاث آذان للصلاة، وتتعرض لعشرة محاولات سرقة، أغلبها ليد دخلت جيبك عن طريق الخطأ نتيجة الزحمة، أو أدخل شخص رجله في شرابك إن كنت أفندياً، لذا وضع الناس قروشهم في مكان غريب، كما وضع الله ف رج المرأة بين الرجلين، وربطوها بالسراويل، فالأجساد هنا تتلاحم، تلاحم العرايا في غرف النوم في عز الشتاء، في هذا الحشر جرى الناظر بصورة تحافظ على وقاره، وعلى قدسية الرأي العام، وكلما اقتربت ا ل ك ل ب ة من رجليه، نسى جزءاً من الوجود المحيط، من الباعة والنساء والشماسة وأهل الحي، كانت الضحكات الساخرة تصل اذنيه، وتجرحه، ولكن كشرت ال ك ل ب ة عن عداوة غير متوقعه، فأوصله الخوف حد الصفر، بين أن يضع للرأي العام بالاً، وبين انقاذ نفسه، وبأي طريقه وبأي أسلوب، خاطئ أم صواب، ردئ أم جيد، مضحك أم مثالي، أما أهل السوق، فالجائع نسى جوعه، والحرامي أجل شغله، والصعلوك همدت رغبته، فقد تأجل البيع والشراء، حتى يتفرجوا عليه، حتى ينسوا همومهم وغموهم للحظة صغيرة، توقفت حركة السوق الواقف والمنحني والجالس، وكأنهم في صوره فوتوغرافية بلا حراك، فقد استجد موضوع، حين يختل نظام الحياة الصارم الممل، تطرب النفوس، ما أحلى المفارقة، وخاصة إن كان بطلها ناظراً وقوراً وك ل ب ة عجفاء، أما الناظر فقد اختفى الوجود من عينيه، انه لا يعرف أيسكه ك ل ب أم ك ل ب ة، خرج عن الزمان والمكان، سوى هذا ال ك ل ب المكشر عنه أنيابه، أتجري من ك ل ب ة ع ج ف اء يا مدير المدرسة، جري الفطرة، وليس جري التكلف، جري مياه الأمطار، وليس جري صنابير المياه، كنا نحس أن جسمه لا يعرف الخوف، هكذا خٌلق، جسم لا تعتريه سوى الصرامة والاحترام والخطوات الموزونة، في البدء كان يجري وهو خائف على صورته أن تهتز، فالميدان هو السوق، حيث النجار والخضرجي وبائعات الشاي، وقد كسر في ركضه كبابي الشائ وداس على كيمان الطماطم والعجور، خسائر فادحه لتجار بسطاء، أحس بأن ال ك ل ب هدم كل ما بناه، وبأن حياة جديدة رسمها ا ل ك ل ب، صحيح عنتر كتلو أعمى، وحين اقتربت منه ال ك ل ب ة، فنى عن الجميع، لم يعد سوى ك ل ب ة فاغرة فاه، وناب حاد يود أن يغوص في فخذه الثمين، جسم عجوز مهدد بالعض والتمزيق، وروح مهدده، شعر بروحه، وبكيانه، بل بكل ذره فيه، نسى المدرسة وأولاده وهم الرزق، كل المخاوف والحياة استحالت إلى ك ل ب ة تهدد وجوده على ظهر البسيطة، ######ة كالظل، سوف يلاحقك طوال حياتك ياحضرة الناظر المحترم، حتى لو نجوت منه، هل ستنجو مما فعله بك أمام الخلق، كم عذبه هي الذاكرة، رائحة الأحداث تمتد عبر الزمن، وكأنها نهر لا مصب له، الألسن تخبر الأذان، والأذان تخبر الألسن، دواليك، جيل بعد جيل، هل تذكر هتلر وهبنقة، إنها غريزة الخلود، الحكايات تلد الحكايات، ستكون وصمة عار لأحفادك وأحفادهم، لقد غزت فضيحتك أيام المجهول البعيدة، شمس لا تكف عن الشروق، ولأول مره في حياته يرى أن الموت شئ بسيط ومباغت، كحقيقة مجسدة، وليس وهما يؤرق النفس، أنهمر العرق من كل عضلات ومسامات الجلد الخائفة المسرعة، وللحق توحد مع الخوف، لم يعد سوى خوف يملأ كيانه، وكأنه قالب خوف، تمنى أن يخرج بسرعته عن الزمان والمكان، أو أن يصحو فجأة، وكأن الحياة كابوس، حلم مزعج، كذبه، مرت برأسه شرائط حياته كلها كالبرق، بل ملايين الحيوات، لا خلاص من ال ك ل ب ة سوى السرعة، حبل النجاة هي أن يسرع بكل قوته، ماهي السرعة؟ أهي حبل النجاة، أهي الابتعاد عن العدو فقط، إهي العجز عن المواجهة، أهي الاعتراف بكينونة الخوف الفطري، لقد تعجبت من سرعته، أين كانت هذه السرعة، كامنة في هذا الجسد المترهل العجوز، قنبلة من الجري كانت مخبأة خلف وقاره الكاذب، ولهذا خلق الله الأقدام في خلوة الرحم، طويلة ورفيعة ورشيقة، كي تركض، كي تقفز، سرعة كامنة في الأرجل، فانفجرت مدوية بسبب نباح ال ك ل ب ة المسعور، طاقة إلهيه لحفظ الذات، وهل تسعفه سرعته المحدودة، ليت له سيقان الريح أو الضوء أو الخيال، بدأ يسرع الخطو، وكأنه حشد له كل ما قدر له في حياته من طاقة الجري، كانت سرعته أكبر من رجليه، وكأنه يطير، إنه الخوف الحقيقي، الخوف الذي يهدد حقيقة حياتك، وتجد نفسك بغتة، وبلا توقع، في مواجهة الموت.. الموت.. الموت، هذه الكلمة القديمة الحديثة، تقابلك كتجربة شخصية ماثلة، فيك، وليس في غيرك، كلمة بكر، لم يجربها جسمك بعد، إنها أكبر من الألم والخوف والانفعالات، إنها ذروة لا تبلغ وتعرف إلا بالتجربة، الموت يفتك بحياتك الكبيرة بيسر وببساطه، كم أكذوبة انت أيتها الحياة، جذوة واهنة تطفأ بأوهن نسيم، أهكذا يطرق الموت الباب، في أي لحظة غير متوقعة يريدها هو، وكأنه يكره ظاهرة الاستعداد، حتى بالنسبة له، لاشكل له ولا رائحة، ولاوجود، عدو غريب، مسكون بالمباغتة، أهكذا تسدل ستارة حياته الحافلة بالتربية والعلم، يموت وسط السوق، محروق الحشي، معفراً، مسكوكاً، خائفاً، معضوضاً في مؤخرته، وال######ة الهزيلة تشد من أزرها، وأي ضير ان ينتقل اللحم من جسم الناظر المكتنز إلى جلد ال ك ل ب ة الضامرة، "العدالة قيمة عليا" شعار خلف مكتب الناظر، أحس الناظر بأشياء بكيانه كانت منسية، نائمة، أشياء مجردة بدأت تتجسد وتحس، قلبه الميت بين ضلوعه هب مذعوراً من كمية الدم المتدفقة نحوه والمليئة بالأكسجين، وكأنه يتنفس بفتحاته التسع، كانت رجله مهددة بالعض، أحس بكعب رجله، كما يحس بعينه، وبعضلاته وبفخذة وبساقيه وببطنه وشعره وسرته، وبأن الألم، هذا الكائن الغريب يدخل عليه من هذه الأبواب، أحس بأن الجسم هو الروح، حقاً هو الروح، روح خفيف يخاف ويفرح ويموت، وهل تموت سوى الروح ؟ لقد كسر في ركضه الجنوني الكاريكاتوري أواني الشاي لسعاد، ولم يقف ليعتذر لها، لا قانون ولا أخلاق مع الخوف، أستحال إلى كتلة هوجاء، فوضى من اللحم، مسكون بشيطان الخوف العظيم، بالأنانية الكبرى، احتمى بالشحاذين، وبالشجر وبالأطفال، لم يكن ينظر سوى لنفسه، تعرى، تنكر لكل الخطب الرنانة التي ملأ بها أذاننا في الطابور، التضحية.. الإيثار، نكران الذات، إي نكران -للذات وأنت تحتمي بحليمة الهرمة العمياء من ال ك ل ب ة المسعورة، وإي حكمة وأن تدوس بأرجلك المرعوبة على رأس مال سعاد الأرملة، لم أعد أصدق ما يقوله في الطابور والفصول، حتى كروية الأرض والجاذبية الأرضية، وقصيدة السماء الضحوك للشابي، فالأرض مكعبة، والجاذبية في رائحة العجور والنبق ووجه آمنة فقط، صارت موضع شك وارتياب عندي كل الاشياء التي ملأ بها رؤوسنا المكلومة، قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق، إنني معجب بالناظر في هذا الوقت، تمنيت تقبيله، إنه حر، يكاد يكون حراً من كل القيود، أنه معذور، لو بكى، لو تعرى، لو كسر، لا تثريب عليه، كالعنب يحمل بداخله الخمر ولا يوبخ، تحول المشهد إلى ######ة وناظر، ######ة مسعورة وأرنب خائف مذعور، ######ة لم تترب على احترام الكبار، وتوقير حضرة الناظر، وأداء الواجب واحترام الرأي العام، وجدت ضالتها فيك، أغراه سمتك ووقارك، ك ل ب ة جائعة منسية، ليس في السوق قطعة عظم، لا كوش ولافضلات، إناس فقراء، موخراتهم مقفولة منذ عام، فما يدخل الفم لايكفي حاجة الجسم من الطاقة والصبر ومكابدة الحياة، فوجد في فخذ الناظر لحماً طرياً، مرت بالناظر أطياف الوداع، ملايين الصور، لأحياء وأموات، لأناس قابلهم في عشرة لا تتجاوز جزء الثانية، تذكر حتى رائحتهم، ملابسهم، هل جن، اختلط الحابل بالنابل، الذاكرة بالخيال، أيودع بيته وحياته للابد؟ هذيان المحتضر، أرتعش قلبه، نسى جميع الآراء والمعتقدات التي شب عليها، وألقى نظره بكر للوجود، كان يجري بأقصى سرعة، حتى بدت أرجلهما، أرجل ال ك ل ب والناظر، مثل مروحة في نمرة واحد، لا ترى سوى كره من الحديد، بل لو أعادو الجري بالتصوير البطئ لبدت مثل مروحة في نمرة واحد، وهو في ركضه رمى شنطته وكراسات الإملاء للفصل الرابع، فصلي، حتى يكون خفيفا، ولحقت بها الساعة والجزمة والبنطلون، يا ترى حين كان يتجول سابقاً، هل تصور بأنه سيقفز فوق كوم البطيخ المرتفع، وبأنه سيرشق ك ل ب ة فاطمة بخبز طيفور الحار، وبأنه سوف يلف حول سبيل السوق أربعة عشرة مرة لاهثاً، وقد أطلقنا على السبيل "كعبة الناظر" فمن غيره يطوف حول السبيل 14 مرة لاهثاً وكأنه كعبة يرجو مساعدتها.
    وانتهى الحدث السعيد، مصائب قوم عند قوم فوائد، بعد أن تسلق الناظر شجرة النيم، ليجلس معي في غصن صغير، نزاحم طيور الله في وكناتها، ونستمتع برؤية حركة السوق الدائبة، سينما حية، بلا تذكرة أو صفوف، أبطالها حاجة حليمة، وعثمان الاطرش، ومقهورين آخرين، يمثلون الواقع الحزين، بلا مخرج أو سينارست، تمثيل حقيقي، في اللحم والدم، الشحاذ هو شحاذ، وليس ممثلاُ ثرياً، يتقاضي الملايين، كي يمثل دور شحاذ معدم، منكسر القلب، وأنى له ذلك، فالنائحة الثكلى، ليست كالمستأجرة، فقد كنت اختفي في السابق بين غصون الشجرة حتى يشتري الناظر حاجياته، قلت في السابق لأني بعد الحدث لم أكن محتاجاً لهذا الاختباء، نظر إلى بخجل وإنكسار، وكأنه يترجاني بكل جسمه أن لا أبوح لأحد، فنزلنا لشرب الشاي، معاً، اختل الميزان، أنا الناظر والمدير الآن، وهو الطالب المهمل الكسول، الخائف، يترجاني أن لا أبوح لزملائي، ويربت على كتفي وكأنني نده، صنوه، وكاتم سره، أضحك في سري، حين أتذكره وهو ينطط .. جر جر.. ويتشعلق، ويقع، ويتفوه بكلمات لم أكن أتوقع بأنها مدفونه في ذاكرته إطلاقاً، ظهرت على حقيقتك يا ود سكينة، يا بابكر حسن، وهذا هو اسمه العاري، الحافي، الحقيقي، لقد ولى زمان الجبروت، وتم ميلادك في عصر جديد، سيؤرخ في أخلاد الطلاب .. "ماقبل النبحة .. وما بعد النبحة".. ق ن أم ب ن.
    انتشر الخبر وكأنه كان يجري في السماء فوق رؤوس البيوت، وجاءه الناس معزين، ومطالبين بالتعويض للأضرار التي لحقت بهم، تحطيم كبابي وكوانين، وقلل ودهس للطماطم والعجور وقدر الفول. فقد رويت الحادثة 375 مرة، وهي عدد الطلاب والمدرسين زائداً ثلاثة، والثلاثة الزائدة هي أستاذ طلب مني أن أقصها ثلاثة مرات وهو يكاد يقع على قفاه من الضحك.
    وفي الفصل، نظر لي وكأنه يستجديني بالصمت، ولكنه حين نظر في عيون الطلاب شعر بوخزها، كانت العيون الماكرة تحمل ضحكة أكبر من صورته القديمة البالية، وحين أخرج الطلاب الكراريس التي ألقاها الناظر وهو يخفف عبأه خوفا من ال ك ل ب، استيقن بأني رسمت له صورة كاركاتورية، لن تسطيع بشاورة، ولو كانت بحجم يغطي البلاد من برد الشتاء، أو تغطي البحر من ضوء القمر، قادرة على مسحها من أذهان الطلاب، فدوت ضحكة، لازال ببغاء الصدى يرددها في الأفاق، ولأول مرة يكتب "مدثر" معادلة فيزيائية "سرعة الضوء = سرعة الناظر – سرعة ك ل ب ة فاطمة" كتبها على جدار الفصل المواجه للطابور، يمين "العلم نور" و"الفتة فطور" التي اضيفت بخط بدائي.
    وكما قلت، تبدو المدرسة بعد الحدث العظيم، الأطفال يلعبون في ساحة المدرسة، كرة القدم ترتطم بشدة باب مكتب الناظر، وكرة التنس بصلعته، لترتد لنا، لنواصل مهرجان الفرح، وكأن شيئاً لم يكن، وهو مستغرق في ذاته، في انعتاقه، في التحولات التاريخية في جسده وغدده وذهنه وحريته، ونظرته لنفسه، للهروب من هوان الذل، أعرف نفسك، وإلا ال ك ل ب ة قادرة على هذا التعريف، بفعل ال ك ل ب ة ال ع ج ف اء جنود الله التي لا ترونها، وحين يذكر نشوى الأمن التي اعترت وتخللت كل جسمه، كله، بٌعيد ذلك الحدث، وكأن جسمه كتله من بلور زجاجي، اخترقته بصورة كاملة أشعة قوية من الأمن، من الحياة، من الميلاد الجديد، وفي دخيلته، حين يتخيل تلك الحالة، فإنه كان يتمنى أن تسكه ال ك ل ب ة مدى الدهر، فقد سقطت من ظهره ملايين، مليارات الأقنعة والهموم والمظاهر الكاذبة التي كان يتصنعها لمجاراة رأي عام صارم ومتحجر.
    لقد خرج من سجنه بسبب ال ك ل ب ة العجفاء، جنود الله التي لا نراها، لقد غسلته من كل فهم أو عرف قديم صُبغ به، إنه ينظر للحياة نظرة طفل حديث في السبعين من عمره، أما أنا فقد صرت بطل الحكي في بالمدرسة، أدركت بأن الناظر مجرد إنسان، يخاف ويحب وينام، مثلي، إن لن لم يكن أقل مني، انطلقت موهبتي كالنافورة في أصقاع المدرسة.
    وللحق لا نفع لي، سوى أن أحكي، وأن أحكي من رأسي، وليس من كراسي، فأنا فقير ويتيم، ولا يمكنني شراء كتاب، ولا حتى سرقته، ففي قريتي لا توجد مكتبة، بل للحق فأنا أمي رغم السنوات الخمس العجاف بالمدرسة، كتابي هو خيالي، هو قلبي الذي يرغب في ملايين الأشياء، منها الممكن ومنها المستحيل، ثم يحرم منها جميعاً، فلذا فهو يتخيلها، يتخيل شكل الحلاوة، ثم يتخيل طعمها، ثم أمضغها، بتروي حتى لا تنزلق من بين لساني وحلقي، بل يتخيل كل الأشياء كما تروق له، يتخيلها بعمق، كما لو هي موجودة أصلاً، بل يجعلها هي الموجود الحقيقي، والواقع هو الخيال هو السراب، مثل مريض الهذيان، هذيان الحكايات التي تجعلني سيد نفسي، أسمع الأنوار، أرى وقع اللحون، لأنني أحلم بعالم غريب، الحجارة فيه تضحك، كما لو أنها تراود ملاكاً جميلاً، والسماء عبارة عن قلب أم كبير، يلف بحنانه أنفاسي الخائفة، أحكي بعمق، حتى ينصت الناس لي، لأنيني، لأحزاني المخفية تحت جلدي الضئيل، أكرموا محدثكم بالإنصات إليه، حتى يرى وجهه في مرآة عيونكم أحسن ما يكون، لذا كنت أهرب من المدرسة، فأنا الطيش، في سنة أولى وثانية وثالثة، لقد ترك ال ح م ار دوره في الأمثال، فصار يضرب بي المثل في الغباء، لذا كنت أهرب يومياً للسوق، ومن فروع شجرة النيم كنت أرى الناس تحتي، صغاراً مثل النمل، فيهمد خوفي منهم، بل أحبهم، وأتهكم عليهم، واتابع حركاتهم، وتعابير وجوههم الغريبة في عملية البيع والشراء، كم هو غريب وجه بني آدم في مساومات البيع، إيخاف فناء ماله، وكنت اتابع رحلة حبات الطماطم الحمراء من خلال معدتي الخاوية، وهي تلمع مثل صدر آمنة الصغير في أكوام كبيرة وهي مفروشة على شوالات الذرة المبلولة ، ثم وهي توضع في أكياس مصنع ربك محتلة مكان الاسمنت ، ثم هي تكتوي بنار الطبيخ، وأخيراُ وهي في فم آمنة وقد سال لعابها، هذا العسل الذي تمنيت أن أمصه مثل عود قصب السكر، والذي يبدو في استحالته، مثل أن أكون أول الفصل، وقد أحرزت في الرياضيات مائة من مائة، أو أن تصير أمي من صديقات زوجة الناظر وسعاد زوجة حاج علي حتى ألعب بكرة القدم الوحيدة بدارهم، وأشاهد سوبرمان في التلفزيون الأبيض والأسود، ولم تعرف المدرسة موهبتي، إلا بعد أن قصصت حادث ال ك ل ب ة 375 مرة، بعدد طلاب المدرسة والمعلمين، وفي كل مره أضيف وانقص، دون أن يتشوه المتن، حتى لا تلتفت العيون إلى غيري بسبب الملل، لأنني ألمس أحلامي وأشم أمنياتي وأصنع من الحبة قبة، كما قالت أمي، لأني أشعر بضآلة الحبة، وبفقرها وبتوقها لأن تكون قبة، ولم لا..كنت أبحلق في كريات بعر ال ح م ي ر بتأني، كما تحدق النساء في لمعة الذهب في الفترينة، ذائباً في تكورها، معاناتها وهي تجتاز أمعاء الحمار الغليظة، هوانها وهي تلفظ سقط متاع، وكأنها ليست أهلا لكي تكون نهقة أو رفسة أو شعر ناعم على ظهر أو ذيل ال ح م ار، ألا يعتبر هذا اكتفاء ذاتي؟!!.
    عبد الغني كرم الله ،،،

    (عدل بواسطة عروة علي موسى on 10-17-2011, 07:27 PM)

                  

10-17-2011, 07:41 PM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)

    القراءة ...
    تمثل قصة ك ل ب ة فاطمة لعبد الغني كرم الله دعوة من القاص الراوي للتعرف على مقدرته السردية التي أكتسبها منذ الصغر من خلال ما يلحظ ( فقد رويت الحادثة 375 مرة ، وهي عدد الطلاب والمدرسين) ، فيمعن في ما لا نلقي له بالاً كما في تحسره على رحلة ( البعرة ) عبر أمعاء الحمار حتى تستقر بالأرض كما أشار في آخر قصته حيث جعل اهتمامه بها موازياً لاهتمام ذوات الخدور حينما ينظرن للذهب المعروض بلهفة ، ولا يخفي القاص سخريته هنا في هذا المشهد عندما يصف لنا مكونات تلك البعرة فهي مجرد فيض من ذات الحمار لافتاً انتباهنا إلى أن الحمار ـ في هذا الذي تزدريه ـ لا يكلفك شيئاً بل يكون مطبقاً لمبدأ عجز الإنسان عنه ألا هو ( الاكتفاء الذاتي ) فترانا نمد اليد للغير متسولين ونحن يشق ديارنا نيلٌ أعطاه القاص قدسيته في حديث له سابق عندما كان يرسمه على ضوء فانوس، وهو منحني على الأرض ، فعندما رآه خاله دفع الله ، في عتمة الليل ، وهو يرسم خريطة نهر النيل قال : الجنا دا راكع ليهو ساعتين في شنو؟!
    بدأتُ قراءة القصة من نهايتها للتأكيد على أن القاص / الراوي قدّم نفسه من خلال هذا السرد كقاص متمكن اختزلت ذاكرته تفاصيل السوق وخارطته وحركته وشخوصه وتعابير وجوههم ، وذكريات المدرسة .
    عبد الغني كرم الله قاص من نوع فريد يغرقك في بحر من التفاصيل الدقيقة ، وله مقدرة على التحليق بك عالياً والعودة بك إلى سكونك سالماً غانماً من فيض عذوبة سرده وذاكرته المتقدة ، ومقدرته على الوصف وصفاً يجعلك تفرق ما بين كل ما يصف والآخر دون أن تحس بتقارب أو ملل لتشابه الأوصاف للشخوص والمكان وحتى الزمان ، وك ل ب ة فاطمة وحال الناس المعدمين فتراه يقول : ( ك ل ب ة جائعة منسية ، ليس في السوق قطعة عظم، لا كوش ول افضلات، إناس فقراء، موخراتهم مقفولة منذ عام، فما يدخل الفم لا يكفي حاجة الجسم من الطاقة والصبر ومكابدة الحياة ) .
    ( ك ل ب ة فاطمة ) ليست مجرد ك ل ب ة عادية كالكلاب التي نعرف لأن ما قامت به من دور محوري أعطانا دلالة رمزية للتفريق ما بين المظهر الخارجي للإنسان وممارسة السلوك الإنساني الذي يجب أن يكون متسقاً مع سمتك الذي عرفك به الناس ، وليس أشنع من أن يقال لفلان ك ل بًاً أو ابنه !!
    فرمزية ال ك ل ب دائما يكون الغرض منها التركيز على موضوع بعينه لإشباعه نقداً لأنها أداة صراعية لتحقيق غاية النفس البشرية وطموحها اللامحدود والكامن في الدواخل .
    وحضرة الناظر مثال لهؤلاء ، فهم في مجتمعنا كُثر : ساسة وأناس عاديون ، ولكنهم لا ينطبق داخلهم ( المنفلت ) مع خارجهم الذي ربما اغراك أو أرهبك .. فالقصة في مجملها وبعدها اللامريء تفصح عن مواقف استبطانية لوعي سياسي واجتماعي وثقافي لا بد من حدوثه وإلا اختل نظام المجمتع وأصبحت ( ك ل ب ة فاطمة ) هي المنقذ ، والكاشفة لعورة السوء المغطى بالوهم المعاش !
    وهذا الاختلال هو ما دفع القاص / الراوي للتصدي لمناقشته ونقده عبر هذه القصة التي تراها بعين مجردة محض سرد وتسلية ، ولكنها في مكنونها الداخلي رسالة ومعالجة ونقد لهذا الزيف والافتقار للتوازن ما بين الدواخل والحالة الظاهرية .
    نعم برع عبد الغني في اختيار بطلة قصته ( ك ل ب ة فاطمة ) بعناية ودقة فائقة أرفق معها من يساندها ويدعم خطها في كشف تفاصيل المستور ألا هو الضيق والتبرم الذي كان بداخل صدور التلاميذ من صرامة الناظر وجبروته ، فتجد أن القاص / الراوي قد جعل من هذه ال ك ل ب ة بطلاً حقيقاً لقدرتها على فعل ما عجز عنه بنو البشر وكأن ( ك ل ب ة فاطمة ) صارت الامتداد الطبيعي للإنسان بنضاله وانسلاخه من مكنوناته وقدرته على المشاركة في هم المجتمع .، وهذه دلالة أخرى على أننا ربما نلحظ سوء سلوك بعض الناس الذين يبدو ظاهرهم لا يشير إلى ذلك ولكننا نغض الطرف خوفاً من جبروتهم أو طمعاً في قربهم .
    وان شئت توضيحاً دقيقاً لهذه الحالة من التناقض التي يعمر بها المجمتع اقرأ ما كتبه القاص / الراوي في القصة ( فقد رويت الحادثة 375 مرة ، وهي عدد الطلاب والمدرسين زائداً ثلاثة ، والثلاثة الزائدة هي أستاذ طلب مني أن أقصها ثلاثة مرات وهو يكاد يقع على قفاه من الضحك ) فهل تحرر ( صاحب الثلاثة ) الآن وأطلق العنان لمكنون الضحك والسخرية الذي كان محبوساً خوفاً وطمعاً ؟!
    فعبارة ( ك ل ب ة فاطمة ) عبارة تجد سندها الشعبي والريفي ، فقلما توجد منطقة في السودان لا يوجد بها ك ل ب أو ك ل ب ة أرتباطا باسم سيدهما ، فهي بالتالي لها صلة بالواقع المعاش آي القصة عموماً لما تحمله من كبت في الصدور وعناء من ذلك ، وشخوص لها السطوة والجبروت ... وهنا يمكن القول إن هذا العرض يمثل أداة لتشكيل النص القصصي مع تسليمنا بأن عنوان القصة ذو بعد رمزي يكاد يقوم عليه الهيكل العام للنص. وعلى الرغم من دقة الوصف ل ك ل ب ة فاطمة وهوانها على الناس الذين دأبو على ضربها على ( قفاها ) إلا أنها في الوقت المناسب تحولت إلى بطل قام بما عجز عنه العقلاء ! وانطوى ذلك على ثورة وهيجان وتذمر ورفض لعنجهة الناظر ، وإلاّ لماذا اختارت ك ل ب ة فاطمة الناظر ـ المتليء الجسم ـ وحده دون خلق الله حيث أن السوق مليء بالضعفاء والعجزة الذين كانوا أسهل على ك ل ب ة فاطمة افتراسهم ؟! وعليه فإن الأمر لم يكن يراد به إشباع رغبة ـ تعدي ـ ل ك ل ب ة فاطمة وإنما رسالة قوية أراد القاص / الراوي عبر هذه المفترى عليها تعليمنا إياه ! وهذا في حد ذاته يعطينا شكلاً حركياً ومكانياً هلامياً لا يخضع للمقياس أو العدد ولا يخلق حس الموضوعية والمحدود ـ رغم وضوح مكان الحدث ( السوق ) فقد سخّر عبد الغني جل ما اختزل من طاقاته الفنية والتركيبية لبناء النص ولعل هذا أدى إلى نجاح القصة لأن القاص / الراوي أعطانا الوصف الصحيح للقصة وعمّق يقيننا بأن القصة ليست محض إنشاء يعكس فيه الكاتب جملة من المشاعر والعواطف والأفكار لا على التعيين وكيفما اتفق بل يختط لها ويطرح فيها المفاتيح الأساسية للنص ويشيع فيها مناخاً مُحرراً لحركة الفعل القصصي الذي يجب أن يتمادى في حريته داخل كيان النص .
    لقد برزت ( ك ل ب ة فاطمة ) كرمز وكمقترب استهلالي على جملة محاور أساسية يمثلها تنوع الحدث في القصة وتداخلها البنائي إذ ينقسم أساسا إلى محورين رئيسين محور : ( ك ل ب ة فاطمة وهوانها على الناس) في مواجهة دلالية الإقصاء والتجاهل وما يعكسه من تغاير سلوكي ويمثل هذا المحور أول محاولة من القاص / الراوي في الإغراء لمتابعة الفعل القصصي بالاندفاع والمتابعة ليدلف بك القاص إلى الانطلاق من خلال منعطف مركزي يسهم في تشكيل أول محطة من محطات ارتكاز التجربة الحيوية داخل تجربة النص وهذه المحطة التي تشكلها (ك ل ب ة فاطمة ) بكل ما تمتلكه من ارث إنساني وطاقة مذهلة على الإيحاء ليظهر أمامنا النص من خلال جملة من الوحدات الموضوعية التي قد توحي بالمناقضة وعدم التوافق إذ إن البعد الذي يشكل ( بيئة مجتمع ال ك لا ب ) والتي تنقسم في وصفها إلى قسمين : القسم الأول المتمثل بالسطوة والقوه والتحكم ، والقسم الثاني المتمثل بالانسحاق والتردد والحرمان ( كحالة ك ل ب ة فاطمة ) ولا يخفى علينا كيف استطاع القاص أن يجعل القسمين ملتحمين التحاماً جدلياً عندما يتداخلان ( الهوان على الناس ، والتصدي لقضية من قضياهم ) في إرادة شخصية واحدة هي بطلة القصة ( ك ل ب ة فاطمة ).
    أما محور الداخل فانه يؤسس لبعد فسيح من السرد البهيج من خلال مفردات القاص الحادة والمباشرة التي تطمح إلى خلق الإثارة في الفعل القصصي وتحديد أهدافه وإشاعة روح المغامرة ، فالعلاقة الرابطة هنا بين ك ل ب ة فاطمة والبيئة القصصية (كدلالة على مركبات اجتماعية ونزاعات متراكمة ) قد هندسها القاص بشكل يفضي إلى الخلاص لذلك الهم ـ المتمثل في جبروت الناظر ـ الذي تحفل به كل مفردة من مفردات النص وهو يصارع مكوناته الاجتماعية ، فيوحي بعجز المجتمع عن فعل ذلك ليعبر القاص / الراوي عن الخلاص الإنساني من خلال ك ل ب ة فاطمة .
    لا يفوتني أن اذكِّر بتكنيك القاص / الراوي بإثارة الخبر بالاقتضاب وتسجيل المشهد بشكلٍ متوامض ثم إهماله تماماً والبعد عنه ، فنجد أن القاص قد أستثارنا وعقد العقدة في بداية القصة عندما جعل الراوي والناظر موجودين في أعلى الشجرة ـ وهذا أمر غريب يناقض شكل العلاقة التي كانت بين القاص / الراوي كتلميذ وبين الناظر مما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة لمعرفة سبب وجود الناظر بين أغصان الشجرة جنباً إلى جنب مع القاص / الراوي في مكان اعتاد القاص / الراوي التواجد فيه ؟ ولكن ما نلبث أن نجد أن القاص / الراوي قد عاد بنا مجدداً إلى هذا المشهد ولكن ـ هذه المرة ـ بتركيز شديد بتغطية كل جوانبه ليستدعي ذلك المشهد للحضور مرة أخرى من مقدرته على توظيف السرد ومن دهشة تلقيك الأولى لذات الحدث فتمسك بزمامه لتعرف ماذا حدث ، وكيف ، ولماذا ؟ وهذا ما فعله الطيب صالح في عرس الزين ، وفكتور هيجو في البؤساء .
    عروة علي موسى ،،،
                  

10-18-2011, 07:25 AM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)

    كل الكلمات المظللة هي كلمة ( ك ل ب ة )
    وما أدري السبب في عدم قبولها مع العلم بأن النص وجدت به كلمة حمار واجتازت ( التضييق ) !
    حاولت تفريق الكلمة المعنية في النص إلى حروف ولكن لكثرة ورودها سقط البعض منها سهواً
    ولكن التي ظهرت في العنوان قصدت تركها هكذا حتى يتم تظليلها.. لإثارة التساؤل حول هذا الاجراء ومدى فعاليته وما الغرض من وجوده ؟!
    وتقبلوا تحياتي
    عروة ،،،
                  

10-18-2011, 07:26 PM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)

    *
                  

11-14-2011, 04:59 PM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)

    *
                  

12-05-2011, 05:41 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة ع) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)

    الحبيب المبدعروة على موسى..


    تحيات نواضر....


    بالصدفة، ولا صدفة، وفي مطار الخرطوم، ونحن في استقبال اختنا الفاضلة، السيدة نزهية محمد الحسن، وهي امرأة حملت الكتاب في طرق الخرطوم، تبشر بيسوع مخبأ في كل فرد، تظهره الأخلاق الفطرية،
    التي تنبع من توق الروح، لقبس قديم، تحن له، وتشتاق، في تلكم الأمسية، قال لي مبدع شاب، محمود احمد محمد الحسن، بأنه قرأ نقدكم العميق هذا، ولفت نظري له، وفتح الموبايل، كعادة العصر، وقرأت جزء منه، فالكون صار في راحة اليد، كله، أو بعض منه..

    وللحق قرأت الدراسة بتروي، وكأني أعيد قراءة ######ة فاطمة من جديد، وشعرت بعمق الإحاطة لعالمها، بل فتحت نفسي على اشياء كنت أجهلها بها، لأن الكتابة في حالات كثيرة، تكون دفق اللاشعور، ويكون الكاتب نفسه بعيدا عن تحليلها وسبرها، مثل الأحلام والرؤى، تعاش في النوم، واليقظة، وتحتاج لتفسير وتأويل، كشأن الحياة كلها..

    وسأعود، كي افصل طقوس كتابة هذه القصة بالذات، وفكرة الخوف، والسيرة، والسريرة، في بني آدم، التي دفعتني، بلا شعور، لتسطير طقوسها, وروايتها، لكم، وللتلاميذ، ولي...

    ومتعة، أن اتقمص الناظر، وتكون انياب ال######ة قريبة من عرقوب رجلي، حقيقا، لا مجاز، فالكتابة حال، مثل جذبة المتصوف، وإلا كان الكذب رفيقنا، ...

    وللحق سعدت، بإنارتك، لي، عوالمها، وهكذا شأن النقد المسئول، المتأني، والمحب..

    عميق محبتي، ولي عودة..

    الخرطوم
    حي الأزهري
    مساء الاثنين..

    ...
                  

12-17-2011, 06:50 PM

عروة علي موسى

تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة ع) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: وللحق قرأت الدراسة بتروي، وكأني أعيد قراءة ك ل ب ة فاطمة من جديد، وشعرت بعمق الإحاطة لعالمها، بل فتحت نفسي على اشياء كنت أجهلها بها، لأن الكتابة في حالات كثيرة، تكون دفق اللاشعور، ويكون الكاتب نفسه بعيدا عن تحليلها وسبرها، مثل الأحلام والرؤى، تعاش في النوم، واليقظة، وتحتاج لتفسير وتأويل، كشأن الحياة كلها..


    العزيز عبد الغني كرم الله
    سلام ومحبة

    ك ل ب ة فاطمة كقصة مثلت لدي عمق فني وإيحائي وتوظيف وترميز، أسميته ( الداخل ( المتوجس ) ووهم الظاهر ( المتسلط ) روشتة ( قصة ك ل ب ة فاطمة ( ثم أنها تكشف نفسها عن أطياف عدة : كل طيف منها موجه لفئة من القراء دون خلق فواصل ، فالقارئ الذي يبحث عن إمضاء الوقت التسلية له ذلك كحال النظر إلى الناظر وهو يجري وسط السوق ، وكذا الحال القارئ الذي يبحث ما بين السطور له كفل منها فيجد الفرصة لالتقاط الإيحاءات الجانبية ( نفسية واجتماعية وسياسية ) والترميز باستخدام ال ك ل ب كأداة صراعية ، وهذا الفهم الأخير سيتوفر للقارئ الباحث بين السطور الذي سيجمع بين إمضاء الوقت والتسلية وبين المكنون في تفاصيل السرد الخفي الذي يكون القاص قد حاول معالجته من خلال ذلك التوظيف ( نقداً ) والنص ( ك ل ب ة فاطمة ) لا يعدم مسوّغات ذلك كلها ، فلكل طيف من طيوف السرد دلالة تربط اللاحق منها بسابقه حتى اكتملت بنية النص ، فسهلت مهمة قراءاتي له ، فكانت هذه القراءة محاولة لسبر أغوار ما خطط له القاص ، والهدف هو تقريب البون بين من يقرأ محض تسلية وبين من يقرأ بعمق ...
    عروة ،،،
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de