المطاليق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-23-2011, 11:58 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المطاليق

    تجدون هنا:
    الجزء الثاني من المطاليق(البندر والوادي)..

    ثلاثية البلاد الكبيرة:
    المطاليق
    (الجزء الأول)
    رواية
    في شأن الرُّحَلْ والشايب جقندي
    أحمد ضحية

    (1)
    تمددا على سطح الماء.. تمددا فوق بعضهما, تخفيهما "عشبة معونة النيل", عن أنظار الشايب جقندي, الذي كان يتابعهما من "قيف النهر" بقلق .. كانا عاريان إلا من عذابهما.. وحدتهما, وإحساسهما القاسي بالفقد.. رويدا, رويدا.. كانت عشبة مياه النيل تدنو, وبلطف تداعب ساقي"ست البنات" العاريين.. مويجة صغيرة تتجشأ زبدها في مكامن الألم والبوح والإلتياع.. كانت العشبة تحفر عميقا.. عميقا تحفر العشبة.. عابثة, شقية.. تحمل في رغوتها الإحساس البطيء.. العميق بالغرق.. إنزلقت شفتا ست البنات على شفتي عاشميق, تتحسس لزوجة الماء.. كانت رائحة عشبة معونة النيل النّدية, لحظتها تتسرب خياشيمهما, وتبعث فيهما إحساسا مالحا بالخدر..
    وعلى"القيف".. هناك.. ألقى "الشايب جقندي" برأسه إلى الخلف, يستعيد وقائع ما جرى, وصوت "ودالتويم" يدوي في فراغ ذاكرته المنهوبة:
    يقولون أنهم جربوا كل السبل, ولم يعد لديهم خيار سوى الإنفصال..
    ثم بلع أنفاسه اللاهثة وهو يضيف:
    ماذا نفعل؟

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-30-2011, 06:46 PM)
    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-30-2011, 06:48 PM)

                  

08-24-2011, 00:01 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    كانت أزقة "وادي الذهب" المعتمة, تقذف لحظتها من أحشائها, كل الروائح الحادة. العطنة. والهواء الممزوج برماد القلق والتوتر, ورائحة الرّوث الدبغة, وأنفاس النهر المضمخة في رائحة السمك و"عشبة معونة النيل" و"أمبانقيقة", وثرثرة الضفادع المختلطة بإيقاعات "الواز" الحزينة, يتخلل أغنيات أسيانة تأتي من بعيد, لا أحد يعلم مصدرها .. حينها كان السلطان يتربع على عرشه, لا ليناقش هموم الناس والوادي المهدد بالعصف.. الوادي الآخذ في التآكل والتشظي!.. كان متربعا لتقديم عروسته الجديدة لاعضاء مجلسه من "المطاليق" القدامى والجدد, الذين كانوا يصورون له عن الوادي, صورة ليست موجودة سوى في أذهانهم المختلّة..
    كانوا يخططون لمزيد من الإجراءات, التي تهدف للحفاظ على سلطة السلطان. فقد كانت سلطتهم رهينة بإستمراره, وهو نفسه كان يعلم,أن زوال أحدهما يعني زوال الآخر.. وهكذا أختاروا لحل مشكلة بقاءهم, وإستمرارهم في السلطة: القمع والإغراء.. فمضوا يغرّون بعض الأهالي للعمل معهم, بعد أن نجحوا في كسب كثيرون منهم, مثل: "ميجاوي الزّبال" و"بليمي الراعي" و "بنت ود أب عوا الحنّانة", وآخرون وآخريات كثر, من أهالي "وادي الذهب".. كما أخذ "أبوشوتال" زعيم المطاليق, يذلل للمطاليق كافة العوائق والعقبات, بتصريح مباشر من السلطان, فأصبحت سلطتهم وسلطانهم على الناس,أكبر من ذي قبل, وهكذا لم يكن ثمة ما يشغل بال السلطان سوى التفرغ التام لزوجاته العديدات..
    "المطاليق" الذين تكاثروا كالنبات الطفيلي, هم في الأصل تلك النّواة, التي قبل عشرات السنوات, أنشأها "بادي" الشقيق الأكبر للسلطان, وتعهدها بالرِّعاية. في ذلك الزمان البعيد, عندما كان يخطط للإستيلاء على السلطنة. لكن بمرور الوقت كان لإبنه "الدود أبو حجل" رأي مختلف. فهو على عكس والده "بادي", كان يرى في بقاء عمه السلطان فائدة أكثر, إذا ما أستطاع التحكم فيه, فلاحاجة له بأن يكون سلطانا "رسميا" طالما أنه سلطانا فعليا, فيجني "هو" الثمرات ويتحمل "عمه" التبعات!. وبالفعل تمكن من نيل ثقة عمه الذي كان معجبا بمواهبه, فأطلق يده في البلاد والعباد .
    و بعد عشرات السنوات ورِّث "أبوشوتال" عن أسلافه البائدين, هذه "النواة", التي أسسها جده الأكبر "بادي" وتعهدها من بعده إبنه "الدود أبوحجل" بالرعاية. إلى أن طورت على عهد "أبي شوتال" لتصبح قوة ضاربة وبموافقة السلطان. وفي الوقت ذاته الذي كان مجلس السلطان يحتفي بالعروس الجديدة, كان أبوشوتال يجتمع بكبار قادة المطاليق, بينما كانت سوميت والمشردون وقتها, يراجعون خططهم الخاصة بالخطابة في جموع الأهالي, الذين كان قد فاض بهم الكيل .
    لم يكن السلطان ولامطاليقه يأبهون لتعاليم الروح العظيمة, ولم تجد كل تلك المحاولات الدؤوبة, التي بذلها جقندي بمساعدة "ودالتويم" لإقناع السلطان بتغيير سياساته, وكف يد المطاليق عن الأهالي. لكن السلطان أبدا لم يُعِر "الشايب جقندي" أذنا صاغية, وهو لا يفتأ يكرر على مسامعه, تعاليم الروح العظيمة: "لقد أطلعتكم على حقوقكم وواجباتكم, فإذا أردتم ان تكونوا (عيالي) فعليكم ألا تستغلوا معرفتكم من أجل القتل والتدمير (...) محظور عليكم أن تستغلوا ما وهبتكم لأغراض شريرة, وإذا لم تتقيدوا بهذه القوانين, فسوف لن تكونوا (عيالي)..." وكان السلطان الذي أستولى أبوشوتال على عقله تماما, لا يخشى شيئا في التنكيل بجقندي, سوى خشيته قومه "الرُّحَلْ" لذلك إستجاب لنصح أبوشوتال, بتأجيل النّظر في أمر جقندي, إلى حين إستقرار أوضاع السلطنة, التي كانت حواضرها في "الصعيد" و"دار الريح" و"السافل الأقصى" و"دار صباح" قد بدأت تتململ وتضطرب..
    لذا في تلك الصبيحة التي تفجرت فيها الشمس من وراء جدر التاريخ, لتلقي بنفسها على الوادي البائس, الملتف على نفسه كشرنقّة مجهضة .. إرتخت الأعصاب التي تشد الدروب الضيقة, فأخذت تضيق, بينما هتافات المشردون تتعالى .. والناس يتضايرون داخلها ليفسحوا لجموعهم الهادرة, المدفوعة بآلاف الحسرات ..
    لقد فات الوقت على فعل أي شيء يجنبنا ما سيحدث, ولكن لنحاول حتى اللحظة الأخيرة, فقد تحدث المعجزة..
    ألقى جقندي بعبارته الجازمة بوجه ود التويم, والتي لا تخلو من أمل ضئيل, وهو يستعيد وقائع الحروبات المفتعلة, التي ظل"المطاليق" يشنونها على "دار الريح" وأقصى "السافل" و"الصعيد" و"دار صباح البعيدة", حيث أصبحت الشمس تشرق من هناك كل صباح منهكة.. زاوية وأكثر حزنا من حمامات "قطع الشك".. كان المطاليق يشنون هجماتهم بدعوى أنهم "أولاد بلد يقوموا ويقعدوا على كيفم .. فوق رقاب الناس مجرب سيفم", إذ أنهم أعادوا إحياء الأشعار القديمة البائسة, التي كتبها "بادي" قبل عشرات السنوات, وتم العثور عليها مدّونة في الكهف المقدس لجبل "كارناسي" المهيب, عندما إكتشفه مصادفة ذات صبيحة نديانة صياد مغرم بصيد"الجقور".. لم تسترع إهتمام "أبوشوتال" أيٌّ من الأحفورات, على جدران الكهف.. كل ما إسترعى إهتمامه
                  

08-24-2011, 00:03 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    فقط, كان هو بقايا القصائد الركيكة لجدّه الأكبر"بادي",التي كان قد قرر فيها عراقة أصلهم وفصلهم, دونا عن خلق أهالي الوادي الآخرين ..
    وهكذا بدأت بطون الوادي وأفخاذه وعشائره تتململ, فما كان يشغلهم ليس قضية الأصل والفصل بحد ذاتها, ولكن إستغلال مثل هذا الأمر كرأسمال معنوي, لجنِّي مكاسب مادية, على حساب العشائر والبطون والأفخاذ الأخرى...
    لنجتمع بعقلاء الوادي, فلربما نجد عندهم حلاً سريعا..
    لا حل سوى إزالة السلطان والمطاليق.. ثم أن العقلاء خائفون.. لقد روعهم المطاليق, خصوصا أن الشائعات تفيد, أن الفتيات اللائي يتم إختطافهن, جميعهن من بنات الذين يشك "أبوشوتال" ومطاليقه في أنهم من المعارضين!..
    ماذا نفعل إذن؟
    على أية حال "سوميت والمشردون" يقومون بعمل جيد, نأمل أن يحقق ما نتمناه من نتائج..
    قبل أن يتخذ جقندي قراره النهائي بالعمل على إسقاط السلطان, مضى يرافقه "ود التويم" ليقابله للمرّة الأخيرة. وجده متربعا على العرش, كنّمر, كان ثلاثتهم يعلمون أنه نمر من ورق.
    وكان المطاليق حوله يخدمون الضيوف, الذين لم يكونوا سوى أعضاء مجلس السلطان, وقادة المطاليق أنفسهم. تحدث جقندي إلى السلطان في كل شيء:الفقر والظلم.. تهريب ثروات الوادي من قبل بطانته .. العذراوات اللأئي يختفين في غموض تام.. المعتقلات والتعذيب.. الجفاف والتصّحر والقلاقل في حواضر دار الريح والصعيد وأقصى السافل ودار صباح البعيدة, التي أصبحت شمسها تشرق منهكة. مكتئبة. وكئيبة.. شاحبة, كرمل الوادي المعلّول..غزو تجار "القِبَلْ الأربعة" لأسواق الوادي بالبضائع, التي لا يحتاجها الأهالي, ولا تفيدهم في حياتهم اليومية.. الحرّية والعدل.. لم يترك جقندي "فرضا ناقصا", وكان المطاليق يقاطعونه يدحضون كل شيء, ويعتبرون أن ما قاله لا يخرج عن دعاية المعارضين, والخارجين المدفوعين بالحقد والغبائن والأوهام المقيتة, وكان السلطان يتوارى خلف إبتسامة صفراء,لزجة. غضب جقندي, وحاول أن تكتم كلماته ما يشعر به من غيظ:
    جلالتك المطاليق يغتصبون نساء دار الريح ؟
    كان جقندي يظن أن السلطان سيغضب :
    المطاليق دمنا ولحمنا,وناس دار الريح "فروخ" و"فرخات", وده شرف ليهن, فليه عايز تعملوا سُبّة ؟ "كسر" البكر عندهم ما عيب, بل أنهم يكرمون الضيوف بنسائهم!.. ودحين لما المطاليق يحسنوا ليهم نسلهم يقولو أغتصبونا!
    أسقط في يد جقندي الذي أدرك تماما أن لا أمل. دارت الدنيا.. كل الدنيا برأسه.. همّ بقول شيء ما, قطعه عليه دخول أحد المطاليق, الذي مضى يهمس في أذن أبي شوتال, الذي سارع بدوره للهمس في أذن السلطان, الذي أنفرجت أساريره وهو يتوجه بالحديث إلى جقندي:
    سنحتفي بك الليلة. لدينا حفل راقص على شرفك..
    أمعن فيه جقندي النظر طويلا دون أن ينطق بحرف, وكان ود التويم لحظتها يتصبب عرقا, فالرجل الذي يعتبره المطاليق رجلهم المقرب من جقندي, كان يحمل روحه على كفه, ويعيش توازنا دقيقا, ويخشى أن ينكشف أمره في أي لحظة.. لذا أفترقا عند بوابة الخروج وأتجها في طريقين متعاكسين..
    توجه جقندي بعد سلسلة من المناورات التضليلية, إلى جبل "كارناسي" عبر دروب المدينة الضيقة والمتشابكة.وهناك وجد "سوميت" و"عاشميق" و"ست البنات" مجتمعون ببقية المشردين.أرادوا أن يقفوا لتحيته, فمنعهم بإشارة من يده, وجلس منشغل البال في أحد الأركان يراقب نقاشاتهم,التي كانت تحتد وتهدأ وتهدا وتحتد..
    طريق بعيد جدا في نفق الماضي المظلم, تقطعه ذاكرته المنهوبة دون هوادة.. طريق محفوف بصرخات الألم والدماء والخراب والدمار.
    كانت سوميت بين فينة وأخرى تختلس إليه النظر, بينما هو يخطط بأصبعه على الأرض طرقا متقاطعة ومتوازية, تعكس أفكاره في هذه اللحظة المشبعة بالمخاوف والغموض. وكان المشردون حول سوميت لا يزالون في نقاشاتهم. إنتبه للنظرات المختلسة, التي كان عاشميق وست البنات يتبادلانها..
                  

08-24-2011, 00:07 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    كان الكهف هادئا, والشمس خارجة تتسحب بإتجاه دار الريح, وصوت عاشميق في أذن ست البنات يتناهى سرِّيا.. لكن هامسا.. ربما كانا يتناقلان الشعارات الجديدة, التي يجب أن ترسمهما مجموعتيهما, على جدر بندر الوادي.. بعد أن يغفل المطاليق قليلا!..
    أنهت سوميت إجتماعها بالمشردين, وهي توميء لجقندي برأسها أن يتقدم. زحف جقندي نحوهم. أطرق لبرهة ثم قال:"أننا هنا للتعبد والتكفير عن ذنوبنا , ولشكر الروح العظيمة على نعمها الكثيرة علينا (..) لقد بدأتم الآن في تغيير الوادي, ولهذا ستتعرضون لقمع مؤلم, وبإمكانكم تحمل هذا القمع, فتحمل الألم يتعلق بالدماغ وليس الجسد, لكن ذلك يعتمد على مدى إيمانكم بما تقومون به, وإستعدادكم للتضحية في سبيله(...) تذكروا أن الألم يجب أن يزرع فينا حب الخير للآخرين, فالروح العظيمة دعانا للتسامح والإبتسام في وجوه الناس, وإلقاء التحية عليهم, فقد يخفف ذلك عنهم الكثير مما يحملونه من أحزان.. يجب ألا نحقد على أحد, فقد غفر لنا الروح العظيمة الكثير من ذنوبنا, فلماذا لا نغفر لبعضنا البعض, القليل من الذنوب .." ومضى جقندي في خطبته المؤثرة يحدثهم عن الإيمان والتطهر وتحمل الألم والشعور بآلام الناس.. ثم أبتسم وهو ينهي خطابه وقد خطرت على ذاكرته لحظة مشابهة, عاشها جده الأكبر "الجنزير" التقيل قبيل الدمار الثاني بقليل.. وقتها كان الروح العظيمة, قد أنهى خلق كائنات دمار العالم, من ألوان الطيف السبعة التي كان قد مزجها في الحكمة والقوة, بماء الأخلاق والإيمان. وعجنها في طين الرّحمة قبل أن يعرضها لنار الصبر,و يغسلها بعد ذلك بأمطار الصدق والحزن والإخلاص ثم يطلقها على العالم, تحمل بين كتفيها عناصر لطبيعة الأربعة.. تساءل جقندي : ترى ماذا يعد الروح العظيمة الآن لدمار هذا العالم؟ .. دمار هذا الوادي الكئيب الغارق في البؤس والعذاب؟!.. أسر جقندي لنفسه, وهو يمعن النّظر في وجه سوميت البيضاوي النحيل, حاد الملامح :"أنها تشبه جدتها حجب النورتماما!"..
    كانت تقاطيع وجه سوميت, كالمرسومة بعناية فائقة.. كالمنحوتة بإزميل عاشميق..
    سوميت حفيدة حجب النور.. أول فتاة تقع عليها عينا جقندي ويحبها من أول نظرة في مراهقته الباكرة. كانت حجب النور إبنة هذا الوادي, أحبت أحد "الرُّحَلْ" فغادرت معه, وظلّت طوال ترحالهم, تحن إلى العودة والبقاء في موطنها.. هذا الحنين الذي أرضعته لإبنتها "كاكا", والتي عندما سنحت لها الفرصة هربت.. عادت إلى هنا.. إلى وادي الذهب, مسقط رأس والدتها حجب النور.. تزوجت كاكا وعاشت حياة هادئة مع زوجها وطفلتها أم كوراك التي أنجبت سوميت, التي حملت ملامح وقسمات حجب النور وكاكا الخالق الناطق..
    لم تكن حجب النور جدة سوميت, هي الوحيدة التي هربت من حياة "الرُّحَلْ" بتنقلهم المستمر, فكثيرات غيرها عبر تاريخ الوادي, ظللن إما يهربن ليتزوجن من "الرُّحَلْ", أو يهربن من "الرُّحَلْ" ليتزوجن من أهالي الوادي..
    عندما أخبر جقندي سوميت أول مرة أن لها ذات ملامح نساء قومه "كاكا" و والدتها "حجب النور", ضحكت سوميت كثيرا وأخبرته أنهن جداتها, فقد حكت لها أمها أم "كوراك" الكثير..
    فأخذ جقندي يروي لها تاريخ القرابة بين قومه "الرُّحَلْ" وأهل الوادي.. حكى لها عن كيف هربت جدتها حجب النور, في تلك الليلة البعيدة, عندما حطّ قومه "الرُّحَلْ" برحلهم على وادي الذهب, فاشترى والد حجب النور, سبعة بقرات من أحد "الرُّحَلْ" ونقده ثمنها كاملا, وفي منتصف الليل جاء ذلك الرجل. وقف قبالة الزريبة, وأطلق عدة أسماء بتنغيم محدد, فقفزت البقرات خارج السور, وتبعته إلى حيث لا يدري أحد. كان الرجل قد إختفى والرُّحَلْ قد إختفوا وحجب النور قد إختفت. لم يكن ثمّة أثر لها أو للبقرات أو للرُّحَلْ..
                  

08-24-2011, 00:12 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (2)
    لم تمض سوى أيام قليلة, حتى انجزت سوميت والمشردون مهمتهم بنجاح تام .. جن جنون المطاليق وأخذوا يجدون في البحث عن راسمي الشعارات .. لأول مرة يرون المطاليق مزعورين وهم يفتشون بيوت النااس عند الفجر .. كانت شعارات بسيطة ,ثائرة ومعبرة تمكنت من النفاذ إلى قلوب الأهالي الذين كانت دواخلهم تمور بالغضب ..
    يتذكر الشايب جقندي الآن وقائع كل ما جرى, وهو يرى سنوات عمره تتبدد كزبد الماء الذي يغطي جسدي ست البنات وعاشميق خلف عشبة معونة النيل, الطافية في دعة وحبور على سطح النّهر..
    كان الألم لا يزال يعتصره إعتصارا لا يحتمل, حتى أنه عندما يفكر في الكلمات, التي تعبر عن الألم, يجدها تتقاصر دون أن تقوى على وصف هذا العذاب المقيم, الذي يحاصره من الجهات الأربعة. للحد الذي يشعر بنفسه ضعيفا, إلى أقصى حد وبحاجة للمواساة و"الطبطبة".
    يود لو أن كل مواساة الدنيا تتجمع الآن لإختراق آلامه, لتخفف عنه شعوره القاتل بالوحدة والبؤس, الذي يحاصره ويهد كيانه, الذي أصبح كالقلاع القديمة..
    لكنه يخشى فكرة اللجوء لأي شخص كي يواسيه, أو يخفف عنه, فمجرد نظرة عابرة في هذه اللحظة, التي تتملكه بحزنها المقيم من عاشميق أو ست البنات, تكفي لتحظيم أسطورته تماما.. أسطورة"الرُّحَلْ" وتعاليم الروح العظيمة و .. و كان إحساسا مزمنا ما يتنامى داخله: أن من قتل سوميت ليس المطاليق بل هو!!..
    عدّل من وضع رأسه على "قيف النّهر" وذاكرته تبتعد أكثر, ترحل إلى ذلك اليوم المطير..
    كان المطر قد بدأ يهطل في الخارج. "ضُبانة" خضراء كبيرة "رّكت"على ساقه", التي أنحسر عنها جلبابه الفضفاض. إقشعّر جسمه وهو يشعر بخطاها بين الشعيرات المتفرقة, تشعل ذلك النداء القديم..
    النداء ذاته الذي دفع به إلى المجيء إلى وادي الذهب والبقاء فيه.. يسمعه في حفيف خطى الذبابة على ساقه النحيل.. في زفيف الريح "القبلي والخماسين والهبباي والبرق العبادي".. في هتاف الحنين الخفي في أفق حياته الغائمة, التي لا يفتأ يغوِّيها الرِّهاب.. رِّهاب الأيام, ربما.. رِّهاب العمر, ربما ..رِّهاب وجه كاكا التي لطالما حاول نسيانها.. تجاهل وجودها في مكان ما من هذا العالم.. لكنه الرِّهاب اللعوب يدفعه دفعا إليها.. يمضي يتبع وجهها المتلفع بالرِّهاب.. تتلاشى فيه ,وتتوغل بعيدا, بعيدا ..
    أحب كاكا بجنون, وعندما أراد مصارحتها, كانت قد غادرت المضارب إلى مكان لا تعلمه سوى أمها حجب النور, وظلت لسنوات طوال تطارده بطيفها, تتحكم في أحلامه, وكثيرا ما أنتزعته من طقوس الروح العظيمة, ليكتشف نفسه بشكل مباغت يصلي لها وحدها..حاضرا بين يديها هي, يتآكله القلق والتوق.. وهكذا إستجاب.. قرر البقاء في وادي الذهب..
    و في تلك الصبيحة النعسانة مضى منحدرا إلى الوادي.. عندما خرجت سوميت من بين سيقان الدخن, كانت كاكا ذاتها الخالق الناطق, تخرج من بين القناديل مخلفة وراءها الرِّهاب, الذي بدأ يتراجع بعيدا, بعيدا.. من بين شقوق الأرض برزت فجأة. وقفت قبالته.. إبتسما بوجه بعضهما.. تماسك, وسألها عن ود التويم..
    لحظتها كانت عصافير الوادي تغني غناء اللهفة والأشواق, فأخذ يرتعش وفي رأسه يدوي ألف خاطر.. هل كان كل ذلك وهما أم حقيقة؟.. هل عرف بالفعل يوما مراهقة بدوية جميلة بلون الكاكاو تدعى كاكا.. وهل أحبها حقا.. وهل غادرت مضارب الرُّحَلْ بليل, وأختفت كالفقاعة مخلفة وراءها طيفها الغامض, في قلب الرِّهاب؟!!..
    طيفها الذي يطارده الرُّحَلْ ف
                  

08-24-2011, 00:14 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    طيفها الذي يطارده الرُّحَلْ في كل مكان.. إذن لماذا لم يصارح سوميت بهذا الحب من قبل؟.. هذا الحب الذي وئد قبل أن ينمو ويكبر, عندما قررت جدتها كاكا الهرب!.. لماذا لم يصارحها قبل أن تمضي في اللانهاية تلحق بجداتها؟!..
    كان جقندي مهزوما ومنسحقا إلى أقصى حد, وعينا ست البنات وعاشميق المترعتان بالشك والأحزان, وكل مخاوف الوادي وآلامه الضّارية والضاربة في تاريخه عريق الهواجس والظنون, تفيض بأمواج هادرة تقمع داخله أي رغبة لطلب المواساة, التي أيضا كانا بحاجة ماسة إليها, ربما أكثر منه.. إذ كانا وقتها يتحسسان جرحيهما, دون أن يريا هذه الطعنة التي أصابته في القلب تماما.. هذا الجرح الغائر المميت الذي يحمله ككفن يتغطى به ويندفن..
    في تلك السنوات البعيدة كان خارجا من خيمة جدته المدببة. كان أطفال الرُّحَلْ شبه العُراة بأجسامهم الناحلة, وملامحهم الغبشاء, يلعبون بين الخيام لعبة السهم والرّمية, يحاولون إصابة أهداف متحركة ,ربما تكون رجلاً أو إمرأة عابرين من الرحل.. طفل, بقرة, بعيرأو أي شيء.. في تلك اللحظة رأى كاكا وهي تتهادى في مشيتها:عينان شقيتان موغلتان في الأسى تضجان بالفقد.. أي فقد كانت تعانيه؟ أنه الحنين.. فقد الوادي.. الحنين إلى الوادي الوادع, الذي رسمته حجب النور في خيالها, بكل ملامحه وقسماته وحياته.. بطيوره ووديانه ونهره وجبل كارناسي المهيب..
    أشعلت فيها تلك الصّور المختزنة في ذاكرة حجب النور, حنينا لا يوصف, ورغبة سرِّية عميقة للحياة هناك, حيث طيور الغارنوق وأشجار القمبيل وغناء الوازا النّدي..
    وهكذا أصبح يتعمد رؤيتها كل يوم "من بعيد لبعيد".. يتأمل بشرتها الكاكاوية.. جسمها الناحل.. شفتيها الغليظتين وملامحها الحادة التي تبدو (غالبا) كالمنقطعة عن الدنيا: لا مبالية. لا تحفل بالألم. لا تتأثر بهموم الرُّحَلْ.. تتألق في نور النِّداء الخفي لعينيها الواسعتين, وهما ترِّفان في الظلام, الذي يكلكل قوافل الرُّحَلْ منذ مئات السنوات.. تتثبتان كجوهرتين, فيتزاحم القمر والشمس والنجوم, وترتخي قبة السماء لتلامس قمم القمبيل, وجبل كارناسي وماء النّهر.. تصبح الأرض أقرب من حبل الوريد!..
    وهناك خلف قمة كارناسي, خلف السراب المتبدد, تزرع الألق والحنين الجارف.. فيتبعها جقندي خفية في كل مكان: وهي تضجع على الرمل تعبث فيه بأناملها.. وهي في الخيمة مع أمها, حيث فتح "شقا" صغيرا يسمح لعينيه يمراقبتها خلسة, آمنا دون رقيب.. دون مواجهة مباشرة.. دون .. ومع ذلك كانت ملامح وجهها تنطوي على شيء من الحزن الغامض, الذي لا حدود له!..
    لم يقترب منها أبدا أو يحاول تسرِّيب عواطفه المكبوتة.. المرّة الوحيدة التي ضبطته يسترق النظر إليها, تمعنت وجهه طويلا دون أن ترمش.. كانت كاكا لا ترمش!.. زرعت داخله قلقا رهيبا.. كل لوعة الترحال وأساه.. كل قلق الرُّحَلْ وأحزانهم لحظتها كانت ترمش في قلبه, الذي كان يخفق بشدة وينتفض..
    ترى هل أحب حفيدتها سوميت حقا؟ أم أحب فكرة كونها حفيدتها.. فكرة الحب القديم.. بقدر ما كانت عينا كاكا مترعتان بذلك الأسى الغامض, كانت عينا حفيدتها سوميت حانية, شقية كعالم المشردين الذى أدمنته, وهكذا في لحظة منهكة بسنوات الترحال والعذاب قرر البقاء. رحل القوم. تركوه خلفهم يواجه قدرا غامضا. يواجه وحده مأساته ومأساة الوادي الوجودية الكبرى, في غنتظار نهايات وشيكة!..
    ما أن توقف المطر حتى خرج ثلاثتهم من الكهف, توجهوا إلى المقابر. كانوا يشعرون بأنها نظرة الوداع الأخيرة.. تراءى جبل كارناسي لحظتها بعيدا, وقمته غارقة في الغسق الحزين الوسنان.. غيمة عابرة حطت قبالة قبر سوميت بكت فلطمت أوراق القمبيل بكفها أرض الوادي, الذي بدا مهتزا وغارقا في المأساة ..
    قبلها بساعات كان الظلام قد خيم على الوادي المسكون بالقلق والتوتر, ثم غيم كل شيء كعين"قطع الشك" وهي تغالب دموعها, وجاء صوت الوازا من بعيد كئيبا, مهلهلا كنشيج الوادي الغارق في الكآبة والعتمة والأحزان..
    الآن فقط أصبحت رؤية وسماع كل شيء أكثر وضوحا, من أي وقت مضى.. زحف جقندي داخل خيمته. تأمل جسد سوميت المتمدد على تراب الخيمة. كانت نصف عارية والدماء تغطي كل شبر فيها, ومع ذلك كانت بإبتسامتها الملائكية تبدو كنائمة وليست ميتة.. كانت تبدو كالغارقة في نوم عميق, تحلم أحلاما يانعة لطالما طمحت لتحقيقها..
    أشعل جقندي حبات القضيم السبعة, الراقدة في قاع كدوسه الأبنوسي الطويل, وترك فمه مفتوحا يتسرب منه الدُّخان حاملا صلواته المجيدة, وسوميت تتراءى له من بين التموجات الدائرية, وغير المنتظمة للدُّخان كأنها تفتح
                  

08-24-2011, 00:16 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    عينيها بين آن وآخر, تنظر إليه في محبة, وربما تضحك ضحكتها المميزة, تلك التي كهمس ممزوج في أنغام "أم كيكي" المحبة الودودة في حزنها النقي..
    كانت تتراءى له تحاول شد ثوبها الممزق, لتغطي جسمها نصف العاري دون جدوى, فدائما ثمّة نصف عارٍ, مكشوف.. تخلل باصابعه النحيلة شعرها الأجعد , وهمس وهو ينفث الدخان:
    رحلت إذن؟
    رحلت؟
    ألقت ست البنات الزاحفة عند مدخل الخيمة بسؤالها الدهش الموجوع, وهي تكرر بشكل آلي:
    إغتصبها المجرمون. عذبوها. وفي القلب تماما غرسوا شوتالاتهم.. كانت جائعة وعطشى ومنهكة إلى حد فظيع.. لم يعطوها حتى جرعة ماء!..
    ثم ألتفتت إلى جقندي بصورة مباغتة:
    أولم يكن في مقدورك إنقاذها؟
    فرد بألم مرير:
    هوهل استطعت إنقاذ الوادي لأنقذها ؟
    على الرغم من أنه لم يشعر يوما بأنه تقدم في السن, إلا أنه لحظتها شعر بنفسه كم هو طاعن, ومنهك ومنتهك إلى اقصى حد. الآن فقط يشعر بأن كل شيء وشيك النهاية.. كان كئيبا ومتعبا.. محاصرا بالكوابيس ومشاعر الغضب والقلق والتوتر. وكان كل شيء للمرة الأولى في حياته يتجمع دفعة واحدة ليحاصره, ويجعل كل حواسه متحفزة.. مرهفة فيرى بعيدا خلف الأفق, ويسمع حتى طرقعة "طرقة" القمبيل على الأرض الرطبة, فيهمهم في دخيلته "دائما هناك مكان.. ودائما هناك دمار لهذا المكان"..
    في تلك الصبيحة بعد أن تركته سوميت ومضت, شعر بخوف مفاجيء. حاول اللحاق بها, لكنها كانت قد إختفت.. مضى يحاول العثور عليها. إجتاز دروب وشوارع البندر المكتظة بالأهالي الثائرين, الذين كانوا يصطدمون ببعضهم البعض في الزحام, دون إعتذار.. دون إبتسامة, مدفوعين بغضب هادر..
    كان يتفرس في كل الملامح.. ولم تكن سوميت هناك.. كان المطاليق قد إعتقلوها حتى قبل أن تصل, لتختلط بالجموع الثائرة..
    لم يفهم طوال ما مضى من وقت, حقيقة ما تعنيه له سوميت بالضبط إلا الآن فقط, يكتشفها تسكن داخله كشيء من السرمدية والأبدية, كالسِّر الطفولي الذي لا يعرفه أحد.. كان ينظر إلى جثمانها الممدد الهاديء, كملاك حزين على أرض الخيمة المتلفعة بدخان القضيم,والمتلهفة لطقوس الإنتقال الأخيرة..
    غابت ست البنات وعاشميق في صلاة طويلة أمام مقبرة سوميت المتمددة بهدوء تحت شجرة القمبيل العجوز.. التي نثر جقندي تحتها حبات القضيم ووعشبات "السناسنا" و"المحريب"..
    إنكفأت ست البنات على القبر بعينيها اللتان وسمتهما المأساة بحزن مقيم, وحاولت في إستماتة تجنب عينا جقندي الداكنتان الحزينتان, وهي تغالب نفسها للتملص من مشاهد تلك الليلة المظلمة, التي أبطل فيها المطاليق مفعول كل شيء يمكن أن يهدد بقائهم. كانتا وحدهما هي وسوميت فقط.. حاولت أن تصمد لكن لم تستطع أن تتمالك نفسها.. فأعترفت بكل شيء.. قبلها كانت تجهش بالبكاء على أحضان سوميت المجروحة.. بدا جفنها المتسع في إنكفاءته كأنه يحتوي القبر, متغلغلا في طبقات الأرض كلها, وفي الفضاء الحزين الواسع الذي لا حدود له.. حيث تتناهى من كل مكان فيه أصوات كرابيج المطاليق, وهي تلهب ظهر سوميت التي سال دمها سخيا يوشح أرض الكهف الصلدة..
    إنكفأ جقندي على قبر سوميت, وأخذ ينتحب بشدة كطفل صغير فقد أمه.. لقد ماتت أمام عينيه دون أن يتمكن من فعل شيء.. لحظتها كان طيف سوميت يخرج من القبر ينتصب أمامه وديعا, مبتسما و محاطا بهالة من الضوء الشفاف. أخذت تمسح دموعه بحنو دون أن تنطق بكلمة, ثم أختفت فجأة كما إنبثقت من القبر فجأة, فالتفت بسرعة إلى ست البنات وعاشميق:
    هل رأيتماها؟
                  

08-24-2011, 00:18 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    تبادلا النظرات بينهما ولم ينطق أحدهما بحرف, فسأل بصوت حاول أن يجعله هادئا, خاليا من التوتر:
    كيف كانت نهايتها؟
    أطرقت ست البنات برأسها وعيناها تسافران بعيدا, مع تلك السحابة الصغيرة, التي ظهرت بمحاذاة الشمس, فبدأت القبور كلها تزهر زهورا ملوّنة, مغمورة في ضوء شفيف يغسل كل شيء حولهم..
    ستمر على الوادي آلاف الغيمات الأخرى, التي تنبع من مصدر الزوبعة داخلهم, دون أن تغمر أرواحهم بالسلام.. دون أن تطوف إبتسامة سوميت الغامضة, التي تفتش في أعماق الوادي عن البلدة المدفونة بالحكايا والأحجيات التي داخلهم..
    إنتفض عاشميق إنتفاضة مبهمة, كأنه يتحسس النار التي تتقد داخل جقندي, وتسآل في نفسه:"ترى لو لم يظهر جقندي في أفق حياتهم هل كانت سوميت ستعيش؟.. وترى لو كانت سوميت عائشة هل سيحدث ذلك فرقا في الوادي أو في حياتهم؟.. وهل كان من الممكن أن تجنب حياتها الوادي نهايته الوشيكة, التي لطالما تحدث عنها جقندي محذرا؟"..
    كانوا جميعهم مشوشين لهول الصدمة.. وكان عاشميق وست البنات.. كلاهما يدرك أن فقدههما لسوميت يتم ليس بعده يتم.. يتم لهو أشد وأقسى من ذلك الضياع الذي كانا يحسانه, عند فقدهما لأبويهما في غارات السلطان على دار الريح..
    حدق عاشميق في عيني ست البنات كأنه يعزي نفسه:
    رحلت لكنها تركتك لي.
    فأبتسمت ست البنات في حزن:
    وتركتك لي أيضا.
    للمرّة الأولى يشعران بأنهما وحيدان في هذا الكون الواسع, ليس لهما سوى بعضهما البعض.
    قبل أن يغادرا المقبرة إنتحت به ست البنات بعيدا عن جقندي, وأخبرته رغبتها في مغادرة الوادي.
    وأنا؟
    يجب أن تغادر معي.
    إلى أين؟
    بلاد الروح العظيمة واسعة.
    لكننا هكذا نبيع دماء سوميت.. دماء إخوتنا المشردين ودماء الأهالي الذين قضوا!! .
    أخشى أن نلحق بهم إن لم نغادر. لن يتغير شيء في هذا الوادي الملعون.
    وهكذا عند السحرغادرا الوادي, وهما يمسكان بيدي بعضهما.. مشيا عبر طريق متعرج, يفضي إلى عوالم غامضة مجهولة, سيقبلان عليها بكل ما يحملانه من مخاوف وهواجس وظنون.
    وقبيل مغادرتهما حدود الوادي,عرجا نحو النّهر يلقيان عليه نظرة الوداع الأخيرة. بدا لهما النّهر رقراقا ومستأنسا لا يزال على شاطئه ما رسمه الأهالي بأقدامهم الحافية من حكاياغير مكتملة, لبشر يحاولون أن يجدوا موطيء قدم في حياة الوادي الموحش. يحاولون مقاومة الموت على طريقتهم, بالنسيان ودفن القصص والحكايا في الرمال, التي تناثرت عليها قطع المحار السوداء والقراقير الصغيرة, التي يرمي بها الموج أثناء تدفق المد في طريقه إلى المجاري المتفرعة, التي تربط الجروف ببعضها البعض..
    تفتت التراب الهش تحت قدميهما. كانا يمشيان على حافة القيف المنسرح إلى جرف النهر, حيث تنعكس الشمس على صفحة الماء, كشعلة المعرفة, وهي تذوي في أتونها الأزلي..
    على صفحة الماء الذي بدا كمرآة محفوفة الحواف, كانا يريان وجهيهما مظللين غامضين.. فيتدفق البريق الخابئ الحبيس في عينيهما في توتر قلق.. إستنشقا الهواء المكحل برماد فجر زاو.. وتجردا من ثيابهما.. تقدما يضعان قدميهما على الماء, وهما يمسكان بيدي بعضهما, ثم ألقيا بنفسيهما في المياه ببطء, وعاشميق يتملى في عينيها, اللتان كانتا لا تزالان تتقدان بنيران ما جرى لسوميت, على مرأى ومسمع منها.. كانتا لا تزالان مجروحتان نازفتان بغضب مكتوم وأسى لا حدود له. كان حزنه
                  

08-24-2011, 00:20 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    على سوميت أيضا كبيرا, يتراءى له طيفها الآن فتسيطر عليه مشاعر متضاربة, أشد من أن توصف بمجرد كلمة واحدة :"الحزن!".. مشاعر تفجر كل المخزون الأزلي لأسى الوادي ولوعته وعذابه.. كان كل ما يمور بداخله من مشاعر متضاربة متفجرة, ينعكس على عيني ست البنات, فتبدو قلقة متعبة وجسمها المتتليء يبدو ضئيلاوحزينا في الماء.. ووجهها أغبشا رغم القطرات التي بللته علاه شحوب لا نهائي.. كانت كمأساة متدفقة يسعى الماء للإمتزاج بها, وغسلها فتتدفق, مع الموج على رمل الشاطيء بقوة, وتمضي إلى مجاري الجروف لتغمرها..
    فيما مضى(قبل الإعتقال), نعم سيبدأ عاشميق منذ الآن يؤرخ بالإعتقال لمرحلتين في حياته وست البنات.. فيما مضى كانا دائما يقضيان أوقاتا ممتعة. رائعة ورائقة, خلسة بعيدا عن عيون سوميت والمشردين والشايب جقندي.. كانا يتدفقان فيها على بعضهما دون هوادة.. يمنحان بعضهما ما حرموه من حنان ومحبة,وينسيان في غمرّة أحاسيسهما الفياضة, كل ماضي الحرمان. الذي ظلا يقتاتان منذ الطفولة على ذكرياته..
    لم يعودان يعيشان في الماضي. كانت أحزانهما قد أخذت تتراجع شيئا فشيئا بفعل طاقة الحب الفياضة.. الآن كل ما حاولا نسيانه من عذاب تنبشه مشاعر الحزن من أعماق الذاكرة, كلعنة تضع مشاعرهما وأفكارهما تجاه كل شيء, على مفترق الطريق..
    كانت ست البنات من ركنها المنزوي في كهف جبل كارناسي.. الركن الذي لطالما عشقت من زاويته مراقبة عاشميق, أثناء إنهماكه بحرص شديد على إزالة النتؤات البارزة على جدران الكهف. كان يريد لصفحة الجدار أن تكون ملساء. خالية من النتؤات أو الثقوب أو الشقوق, التي كان عندما يكتشقها يملؤها بالطين الصلصال.. كان يفعل ذلك بمحبة شديدة, كأنه ينحت جسد محبوبته ست البنات, التي كان يشعر بها في ركنها المنزوي, تتابع بعينيها كل ضرباته على الإزميل الصغير, وكانت هي تتخيل ضربات إزميله كالطير الكاسر, الذي ينقض على الطيور المرتاعة أسفل "جنقل السلطان". لطالما حلمت ست البنات بمغادرة وحشة التشرد وكآبته إلى بيت يجمعهما وحدهما: هي وعاشميق. يعيشان فيه حياتهما الطبيعية, دون إحساس بالحرمان أو الغبن أو الخوف أو الجوع.. تلك الظهيرة الغائظة, كانت هي المرّة الأولى التي يختلي فيها بست البنات.. كان قد ذهب إلى الكهف مبكرا لينهي ما بدأه من تدوينات أُحفورية على الجدار. في تلك اللحظة جاءت ست البنات تحمل صُرّة من القضيم, عندما وقعت عيناها على عينيه.. إرتبكت وتعثرت قدميها بقدمه في الفضاء الواسع للكهف..
    كان الكهف فجأة قد بدا ضيقا كحضن.. لكن حميما ودافئا وحنون.. سحبت قدمها بسرعة ووجهها يعلوه شبح إبتسامة خجول, ثم استدارت لتفلت خارجة.. في اليوم التالي جاءا في التوقيت نفسه, دون إتفاق مسبق.
    كانا وحيدين. خائفين. حالمين, وثعبان أبو الدّفان الذي بداخلهما يزحف على قلبيهما, كالزاحف على الرمضاء, لكن ببطء شديد.. يعاني لهفة الزحف الأزلية, على جسد مزغب عار.. وهكذا بدا لهما الوادي لأول مرة: جميلا ومكانا يصلح للحياة.. فقد عثر كلاهما على ما يريد في هذا المنفى, الذي صار وطنا حميما..
    لم يشعرا بالارض تحتهما, ولا بالمياه التي كانت دافئة كالدمع.. دفء غريب.. كما لو أنهما ليسا هما.. خفيفين كنباتات المعونة الطافية في دعة وحبور.. إستلقيا على سطح الماء كالمعونة.. كأنهما يستلقيان على أرض الكهف الصلبة. الجافة, وغابا في إغفاءة هادئة, غير آبهين للمويجات الصّغيرة, التي تداعب جسديهما في شقاوة ولطف.. إختبأا خلف عشبة المعونة.. كانت الوحدة التي ظلت تحاصرهما منذ مقتل سوميت, قد بدأت تغرق, والمياه تغسل أحزانهما بحنو, دون أن يلحظا عينا جقندي, التي كانت تراقبهما من بعيد..
    كانت أعصاب جقندي المشدودة في موضعه على قيف الشاطيء, لحظتها قد بدأت تخفف من إنقباضاتها.. إنتظمت أنفاسه وبدأت أطرافه تسترخى, وكل جسمه يرتخي, في أفق الشاطيء الذي بدت تلوح على مداه, أشباح الحوريات, فتبدو أشجار القمبيل على الضفة الأخرى, كالرُّحَلْ وهم داخل خيامهم المدببة, يقيمون طقوسهم الروحانية الغامضة.. لحظتها كان حنينه إلى قومه يشتد.. بالأحرى حنينه إلى الرحيل والتنقل, الذي أصبح هدفا بحد ذاته, دون رسالة يحملونها هنا أو هناك
                  

08-24-2011, 00:22 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    لوّح لهما جقندي بيديه, قبل أن يتواريا خلف عشبة معونة النيل, عاريان إلا من حبهما لبعضهما.. إنتظرهما جقندي طويلا بقلق, ورعشة مباغتة تهز كيانه هزا.. هو الذي منذ قتل المطاليق سوميت فارق النوم عينيه..
    كان مجهدا وحزينا, وكانت شمس الصباح قد بدأت تلسع فيه الوجه والقفا.. وأصوات الأسلاف المتداخلة داخله, تتراجع شيئا فشيئا, فتتركه يعاني وحدة وغربة هذا الوادي شديد البؤس واللوعة..توغلت عشبة معونة النيل قد بعيدا.. طافية وحدها على سطح الماء, ولم يكن عاشميق وست البنات هناك.. حيث أختبأا خلفها!..
                  

08-24-2011, 01:21 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (3)
    توجه "الشايب جقندي" نحو الخيمة الصغيرة, التي لا يتجاوز قطرها ثلاث أمتار, وإرتفاعها متر ونصف.. زحف على الأرض عند مدخلها الضيق, عاريا إلا من مئزره القصير. إتخذ موقع جلوسه على تراب الخيمة, بينما كان آخرون من "الرُّحلْ", قد أنهوا لحظتها صنع الدائرة الترابية الكبيرة, أمام مدخل الخيمة, ووضعوا عليها رأس الجاموس و"الكدوس" والسهم الطويل, الذي ربطت أطرافه "بصرتين" من "القُضِيْمْ".
    وبعيدا قليلا من الخيمة الصغيرة المدببة, وضع أحد "الرُّحَلْ" على النار"المشعللة", أحجارا صغيرة ملساء, ومن ثم بدأ أفراد "الرُّحَلْ" يزحفون إلى داخل الخيمة, عراة إلا من مئازرهم القصيرة, ليتخذوا مواقعهم في شكل دائري, بحيث لم يبق فراغ, سوى دائرة صغيرة في الوسط, الذي وضعوا فيه أربعة إحجاراً صغيرة بإتجاه"القِبَلْ الأربعة", ثم أخذوا يتمتمون بصلوات طويلة. بعدها أخذوا يشمون ثمار "القُضِيْمْ", قبل أن يعبئوا بها "الكدوس", الذي أخذوا يتبادلون تدخينه, ويرسلون مع تموجات دخانه, صلواتهم إلى "الروح العظيمة" , وهم يهزّون "نشاشيبهم" وسهامهم بخشوع, ومن ثم أخذ الأربعة الذين بإتجاهات"القِبَلْ الأربعة", يتحدثون في وقت واحد عن العدل والخير والإحساس بآلام الآخرين, وعندما أنهوا أحاديثهم, رفع "الشايب جقندي " عقيرته بغناء حزين, تجاوبت معه طبول "الرُّحَلْ", التي بدأت ضرباتها القوية, حالما سمعت صوت غناء جقندي الحزين, تتبعها "الوازا", لتزيد من أحزان السهل الفسيح المنسرح, خارج وادي الذهب, و الذي حط عليه"الرُّحَلْ" رحالهم.. ومن ثم تبع الجميع "الشايب جقندي" زاحفين إلى خارج الخيمة, ليتوسطوا حلقة الغناء والرقص, التي تكونت أثناء أداءهم طقوسهم المقدسة.
    شعب الرُّحَلْ" الذي أقام دائما في مساكن مدببة. مؤقتة. بعيدا عن عيون الناس, في الأماكن غير المطروقة. ظلت حياته على الدوام, تكتنفها الكثير من الأسرار والقصص المبهرة, التي تناقلها المغنون والرواة, عبر الأجيال, من أقاصي الدنيا ودوانيها, وحيث تنشغل الحكايات في جنوحها بحثا عن أصل و"فصل" "الرُّحَلْ", ترتد راجعة مرة أخرى, إلى نقطة بدايتها.. في الغموض الذي يلفها, عندما قرر "الرُّحَلْ" نهائيا إثر الدمار الثالث, أن يتحولوا من شعب مقيم إلى شعب مرتحل.. كل بلاد الدنيا بلاده!..
    كانت نساء الرُّحَلْ الجميلات "بالشلوخ" التي رسمت على وجناتهم و "شلاليفهم" السفلى "المدقوقة", يكاد لا يحس بوجودهن أحد, فقد كن يتشابهن, حتى لكأنهن إمرأة واحدة, مستنسخة.. بعباءاتهن التي تغطي أجسامهن الفارعة, بحيث لا يبين منهن سوى عيونهن الواسعة, كعيون المها. وربما ذاك هو ما دفع أمهات قطع (الشك وسوميت و الدود أبو حجل وأبو شوتال) وآخريات كثر, يهربن من مضارب "الرُّحَلْ" عبر مختلف الأجيال, جانحات لحياة البندر والإستقرار, يحلمن بحب متجدد في مكان ثابت, مألوف وأليف.
    وعلى عكسهن تماما كان الرجال "الرُّحَلْ" بوجوههم الموشومة وثيابهم المزركشة, عديدة الألوان , التي زينت بقطع المرايا والخرز و"الترتر" وقصاصات الجلد الصقيل الصغيرة, الملأى بالأوشام والنقوش, التي تشكل الخرتيت والعنقاء والتنين. فتزيد أشكالهم غموضا ورهبة .
    شعب "الرُّحَلْ" على الرغم من كونه ليس شعبا من المحاربين, إلا أنهم كانوا يجيدون إستخدام"النشاب", الذي يصيدون به الحيوانات في مهارة فائقة, حتى لو كانت متحركة, ودون أن ينظروا إليها, وربما أن ذلك يعود إلى براعتهم المدهشة في تقدير المسافات, التي تضاهي براعتهم في قراءة الطالع وسبر أغوار النفس.
    منذ الدمار الثالث و"الرُّحَلْ" لا يمكثون في مكان واحد , فعندما قرر"الروح العظيمة" قبل مئات السنوات إغراق وطن الرُّحَلْ, بسبب طغيانهم وإستبدادهم وتجبرهم, وإستخدامهم ل"شعلة المعرفة" التي منحهم إياها في أعمال الشر والقتل والخراب والدمار. أختفى من الوجود عالمهم الذي لطالما ألفوه, وأبدعوا فيه كل ما هو ضروري لحياتهم, بل كانوا وقتها قد تمكنوا من الوصول إلى النجوم القريبة, بعد أن عرفوا المغناطيس والمعادن, وجنح بهم الخيال فأخترعوا وسائل التعذيب وأدوات الدمار,كانوا قد بدأو يقتربون كثيرا من أسرار الروح العظيمة, وهكذا لم يتركوا له أي خيار سوى إهلاكهم, وإغراقهم بمياه البحر الملون, التي فاضت إلى أن إلتحمت بمياه النهر, وشكلّت مع الأمطار الغزيرة, فيضانا غطت مياهه كل شيء.
    .
                  

08-24-2011, 01:23 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    قبلها كان بعض العقلاء والصالحين, قد هربوا على متن الدروع الطائرة, وأجنحة العنقاء, والقوارب.. وعندما أنحسر الماء ووطأت أقدامهم اليابسة, أخذوا يتنقلون من مكان لآخر, دون أن يقيموا فيه.
    وكانوا في حلهم وترحالهم, يقيمون مع نساء البلدان التي يمرون بها علاقات غامضة, لكنها تتمخض على أية حال, عن أطفال شديدي الذكاء والجمال, ف"حبوبات" سوميت وقطع الشك والدود أبوحجل وأبو شوتال وغيرهن, كن ثمرة مثل هذه العلاقات الغامضة, التي زرعت فيهن حنينا غامضا لمواطنهن, التي هجرنها منذ تركن ديارهن وتبعن الرُّحَلْ, فأرضعن هذا الحنين أطفالهن, الذين تمكنوا من الهروب بعد ذلك, ليبدأوا حياة جديدة في وادي الذهب, الذي كان يشعر الرُّحَلْ بإنتماء غامض له.. هذا الشعور الذي وقف خلف قرار الشايب جقندي للبقاء.
    منذ خطى الرُّحَلْ على اليابسة , كانت قد إستقرت في نفوسهم قناعة أن يستمروا في التنقل عبر واحات الصحراء والوديان, لينقلوا أخبار الكارثة التي حلت بشعبهم, إلى الأجيال المختلفة في كل مكان, وهكذا مضوا يقطعون الفيافي والغفار, دون أن يقيموا هنا أو هناك, إلا قليلا ريثما يواصلون الرحيل مرة أخرى.
    الآن حيث يقيمون في السهول, التي عند أطراف حاضرة الوادي, يشعرون.. جميعهم يشعرون بنزر الكارثة الوشيكة التي ستعصف به, والتي يعتقدون أنها مقدمة للدمار الرابع. بحيث لا يتبقى للبشر.. كل البشر سوى ثلاث مراحل أخرى, لينتهى العالم بعدها تماما, وتطوى صفحته إلى الأبد, فلا ناجون يعمرون الأرض بعدها.
    على تراب الخيمة وضع جقندي سبعة دمي صغيرة, تمثل الأسلاف الذين قضوا في دمار العوالم الثلاث, والأحفاد الذين لم يأتوا بعد في العوالم الثلاثة المقبلة.. كانوا أحياء في هذه الدمي الصغيرة الملوّنة.. غاب جقندي في صلاة عميقة .
    إنشقت الدمي عن طيوف ساكنيها, الذين تحلقوا في دائرة حول الخيمة, توسطتهم قطع الشك ترقص عارية, وعينيها اللتين كبحيرتين واسعتين, إستحالتا لبحرين من الغضب والنار!.. رقصت على أنغام الوازا والطبول التي تناهت من الخارج كأنها تأتي من البعيد.. من أعماق الأسرار الخفية والغامضة للرُّحَلْ.. رقصت كحوريات وادي الغزلان, والطيوف السبعة تغوص عميقا.. عميقا في فضاء الخيمة الدائري, تحلق في الفضاء المتمدد, إذ أخذت الخيمة لحظتها تتسع وتطول. ثم تبددت قطع الشك في الفراغ, وعادت الخيمة إلى حجمها الصغير وسكن كل شيء, فلم يعد جقندي يسمع سوى زفيف ريح الخماسين في الخارج, ممزوجة في أنفاسها اللاهثة, التي خلفتها وراءها ..
    تنحنحت الطيوف السبعة, تنتزع جقندي من إسغراقته العميقة. أخبرهم جقندي برغبته في المكوث بوادي الذهب.. إبتسموا وهم يديرون رؤوسهم نحو بعضهم البعض, وهزوا رؤوسهم وتلاشوا في فراغ الخيمة الصّغيرة يتبعون طيف قطع الشك الذي تبدد.
    وعلى "هدب الدَّغَشْ" عندما شد "الرُّحَلْ" رحالهم, ودعهم جقندي ومضى متوجها إلى بندر الوادي, عبر "حواشات" الذّرة والدُّخن, حيث رأى "البِنَيَّة" الجميلة سوميت فخفق قلبه بشدة وأنتفض.
    بعد أن هيأ جقندي في كهف جبل كارناسي سكنا له, مضى يلتقي السلطان. فشلت مفاوضات جقندي مع السلطان الذي رفض كل ما أسداه جقندي من نصح. ولم تمض سوى أيام قليلة, حتى بدأت علاقته تتوطد بسوميت التي جمعت المشردون ليبنوا له دارا, في أطراف "دبة أم قنيطير", التي تتوسط "فجيجة ودالتويم". فبعد أن فشلت مفاوضات جقندي مع السلطان, وفشل السلطان في إغراء جقندي بالإقامة في أي دار من الدور السلطانية, تمكن ود التويم من إقناع جقندي بإقامة دار له في "الفجيجة" التي يملكها, بل وأهداه هذه "الفجيجة" التي تتجاوز مساحتها الألف عود. وفي الحقيقة أن ود التويم لم يتمكن من إقناع جقندي, فهذا ما كان جقندي يريده بالضبط!..
    أنهى المشردون تشييد دار جقندي, الذي حرص تساعده سوميت وعمسيب وعاشميق, أن ينصب بنفسه في الطرف الشرقي منها.. قبالة "وادي الغزلان", خيمة مدببة كخيام قومه الرُّحَلْ.
    (4)
    موجة شقية تنتشر على قيف الشاطيء, ترش وجهه بالرزاز, تهدد وسنه الأسيان . ينكفيء بوجهه بعيدا حيث تلوح سوميت غارقة في خدر ست البنات وعاشميق. وقطع الشك قبالتهما تلوح بيديها وهي تتماهى في زبد الموج المتبدد خلف عشبة معونة النيل, وترحل.
    إختفت قطع الشك.. إختفت وما عادت تظهر إلا في الليالي شديدة الحلكة, تعترض السابلة وتخيفهم, وتستدرج المطاليق, برقصها الساحر على أنغام مزامير خفية, لا يدري أحد مصدرها. يشعرون بالخدر لدى سماعها, ويصبحون كالمنومين مغناطيسيا, فلا يفيقون إلا بعد أن يشعروا بآلام حادة في أنوفهم المدماة!
                  

08-24-2011, 01:26 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    ولدت "قطع الشك" لأبوين مجهولين!لا أحد يعرف عن نسبهما وحسبهما أي شيء. فقد وجدهم الناس هكذا.. فجأة.. يسكنون بينهم في منتهى الزقاق المفضي إلى الساحة, التي تتوسط بندر وادي الذهب. كانا مألوفان بشكل غامض, ويبدوان كجزء من الذاكرة المنهوبة للوادي!.
    حين ولدت "قطع الشك" في البدء لم يشعر بوجودها أحد.. وعندما شعروا بوجودها, كانت سطوة عيناها الواسعتان, قد ملأت "قِبَل" الأرض الأربعة. فقد كانت دائما مغطاة بعباءة لا تكشف منها شيئا سوى عينيها الدعجاوين. وكان الآخرون يشعرون بوجودها بمجرد سماعهم وقع خطواتها الهامسة, ونكهة "المحريب" التي تسبق الرّنات المميزة لحجولها, التي تعلن عن مرور طاغ لسحر لا يقاوم!.
    كانت "قطع الشك" بقوامها اللدن, تتثنى في مشيتها الهادئة كالهفيف, وأنفاسها المبثوثة في نكهة المحريب, تكاد تحرق كل من تمر بقربه, مخلفة وراءها "هبود" الدنف والإثارة القاتلين!.. كانت أشبه بلعنة خالصة, لا تحتك بها إلا وتملؤك رهبة تدك أعتى القلاع المشيدة من أحجار جبل كارناسي المقدس.
    في ذلك المساء البعيد.. قبل عشرات السنوات , سد عليها "المطلوق الدود أبوحجل" الزقاق الضيق, مستعينا بمطاليق الصحراء.. حاول أخذها عنوة. تمنعت. قاومته.. تمكنوا منها. قيدوها. وأخذ الدود يعريها وهي تبكي, والمطاليق قد تسمروا أمام سطوة جسمها العاري.. كانوا كالذين صعقهم تيار "البرق العبادي", وصواعقه الرهيبة في "سنة نجع الناس لديار سافل" .
    تملصت قطع الشك من زراعي الدود, وأخذت تركض عارية, وعيناها اللتان كبحيرتان واسعتان, إستحالتا لبحيرتين من الغضب والنار.. لحظتها كان الدود قد لحق بها. إرتميا على الأرض يتصارعان, تحاول الإفلات, ويحاول السيطرة. كانت روحها وقتها تحلق بعيدا نحو السماوات البعيدة, لتعود مرة أخرى بعد عشرات السنوات, لتولد في البنية الجميلة "سوميت", التي ستغادر في لحظة كارثية, وتترك "الشايب جقندي" متمددا على الأرض القردود, أوقيف شاطيء الوادي الحزين.. تركته لوحدته المجيدة, بعد أن أخبرها عن مداولاته مع ود التويم حول كل شيء في وادي الذهب, الذي كان "المطاليق" يوشكون على فصل حاضرة صعيده.
    تركت"سوميت" "جقندي" في عزلته البديعة, يتمدد على الأرض "القردود" المخددة "بالشقوق", دون أن تدري لحظتها أنها تمضي إلى قدرها المحتوم! فوقتها كان "المطاليق" يقودهم"أبوشوتال" قد إحتلوا دارها. قيدوا والدتها أم كوراك إلى "شِعَب التُكُلْ", وربطوا والدها في "الراكوبة" الملحقة.. بينما الشايب جقندي, لا يزال متمددا على الأرض الطينية الجافة.
    أغمض جقندي عينيه, يستعيد أنفاسه اللاهثة. لم يكن قد نام لعدة أيام, وعلى الرغم من التعب الذي سكن مفاصله, كان عقله يتقد كأتون أزلي, وخواطره تلتهب. تنفث شررها أفكارا وامضة, حول عالم وادي الذهب المأساوي الرهيب, ولا تلبث أن تنطفيء "كالهباب"!.
    فمنذ عقود طويلة لم تعد سماء وادي الذهب, ذاتها تلك السماء الصافية, التي تلمع فيها النجوم البراقة.. هناك في الأفق الرحيب, حيث تتقاطع حزمات الضوء الهاديء, تشعل مواجد المحبين, وتعين سُرّاة الليل على رؤية الصّوى وعلامات الطريق, في ترحالهم الأبدي, لإشعال نار المعرفة المقدسة, في كل المدن النائية البعيدة, التي يمرون بها.
    إذن كان الشايب جقندي يحاول بأفكاره, إختراق عوالم من الماضي السحيق, الذي تراكمت عليه أغبرة الزمن, لقرون من فوضى الرمضاء و"القبلي" و"عجاج الهبباي" ورياح الخماسين العاتية. فمنذ قرر البقاء قليلا بوادي الذهب.. في حاضرة أجداده العتيقة, أخذت مخاوفه تمضي إلى نهاياتها الدائرية, مسحوبة بالنداءات العميقة, غائرة الجرح. هذه النداءات التي تباغته كموجة هادرة, تحاول أن تسحبه إلى لجتها. وإزاء إصراره العنيد, لا تلبث أن تتبدد, كزبد على رمل الساحل الأبدي للوادي المأساوي.. الموحش. الذي تزيده تأملاته وحشة ورهبة.
    نهض الشايب جقندي وجلس على ركبتيه. مدّ كلتا يديه, أسفل جدار الكوخ الحجرِّي. سحب حجرا"مخلخلا", بان خلفه صندوق أبنوسي قديم, تزينت جنباته بنقوش ملوّنة.. رسوم للعنقاء والخرتيت والتنين. وهو يسحب الصندوق الأبنوسي , الذي ورثه عن أسلافه, الذين توارثوه بدورهم لعشرات السنوات, إلى أن وصل إليه, خرج أبو الدفان من قاع الفتحة, التي كان يخبيء فيها الصندوق, وزحف تجاهه. فبصق فيه جقندي "فيبس" أبو الدفان في الحال, وجاء صوت "الجنزير التقيل" متناهيا من بعيد في صرختين متقطعتين:
    جقند..ييي .. جقند .. ييي...
    مع صيحة الجنزير الأولى كان جقندي قد عبر دار صباح, وفي الصيحة الثانية كان يقف بين يدي الجنزير, الذي تبسم بوجهه في حنو وهو يمسح على رأسه, ثم تبدد في الفراغ, والسماء خلفه "تهرج" وتقول: كع كرع كع ككع ... ..
                  

08-24-2011, 01:29 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    فتح جقندي الصندوق الأبنوسي الصغير بحرص. أخرج الأيقونات الملونة, ذات النقوش والرسوم البديعة. إنتقى إحداها.. كانت نقشا لخريطة توضح موضع المعبد العتيق, في جبل "كارناسي" الذي شيده الشايب"الجنزير التقيل"والمشردون من دموعهم و أحزانهم على "قطع الشك" الجميلة. كانت رسوم الخريطة ونقوشها الدقيقة, التي على الأيقونة, تنطوي على شيء غريب يصعب تحديده!.. شيء غامض يلِّح عليه "كنقحي" الجرح !...
    أحس ببرد مفاجيء, وشعر بقشعريرة تجتاح كيانه كله. أعاد الأيقونة إلى الصندوق, وأعادالصندوق إلى مكانه الخفي, أسفل الجدار,وحمل معه جثة أبو الدفان الهامد, وخرج لا يلوي على شيء!...
    إبتعد. توغل بعيدا في أطراف حاضرة وادي الذهب. وصل إلى جرف صخري, فجلس القرفصاء على أرضه"القردود", ومضى في تأمل عميق, لم تنتزعه منه سوى موجة البرد, التي دهمته مرة أخرى على نحو مفاجيء.
    كوّم حجارة صغيرة أمامه, وضع بينها بعض"عيدان الأندراب" و"القش" وأعشاب "النّال", وأوقدها بقدح حجرين من أحجار جبل "كارناسي" المقدس, المتناثرة في كل مكان, لتدفئه من رعشات المخاوف وقشعريرات الهواجس والظنون, التي إنتابته, وهيجت فيه الأشجان القديمة. وشيئا فشيئا مع الدفء الذي سربته النار, أخذ نوع من الخدر الغامض يتسلل عظامه.. يهدءه قليلا ويغيبه في "غيبوبة" مضطرِّبة.
    في غيبوبته كان يسمع الوديان والنهر و"الحفاير" و"الترع" و"الرهود" يصرخون.. الشجر وعشبة "معونة النيل".. السماء.. وكل شيء حتى صخور جبل كارناسي.. كانوا يصرخون.. هذه الصرخات التي ستظل داوية في الوادي لمئات السنوات القادمة!..
    طوال مراحل إزدهاره وإنهياره المتكرر, كان وادي الذهب يعج"بالمطاليق", الذين يستعين بهم السلطان ومجلسه لإلجام العوام وغير العوام عن الإعتراض أوالكلام !.. فالمطاليق أتباع "الدود أبوحجل" الذين تسببوا في الخراب والدمار الأول, أحفادهم هم من تسبب في الدمار الثاني, وأحفاد هؤلاء تسببوا في الخراب والدمار الثالث, و.. وهكذا.. المطاليق الذين يقودهم "أبوشوتال"و يعاصرهم الآن الشايب "جقندي", سيتسببون في دمار الوادي مرة أخرى, وربما نهائيا وإلى الأبد هذه المرة. فالأمر نفسه الذي كان يحدث في المرات الثلاث الماضية, يحدث الآن: إحتكار السلطان ومطاليقه للسلطة المطلقة, بحيث لا يستطيع أحد أن يقول أن"إبنة السلطان عزباء أو تلت التلاتة كم؟!" وإلا تم قتله في الحال وقطعه المطاليق إلى أوصال!..
    على حين غرّة بدأ المطر يهطل بغزارة, في السهول الطينية الواسعة. إنطفأت النار الصغيرة, التي أوقدها جقندي, الذي كان يشعر لحظتها بدفء أكبر, فوقف "على حيلّه" يتأمل العالم.. عالم وادي الذهب.. لكن بشعور ومذاق مختلف.. ليس كما أعتاد في الماضي: تأمل كل شيء في إنتشاء ولذة كبيرين!.
    تأمل السماء وهي تغسل وجهه, وشرب من ماء المطر. إلتقط سبع قطع من الحجارة الصغيرة, ذات الإحتراق المنطفيء.. دسها في "مخلاته القوقو", ومضى بإتجاه الساحة الكبيرة, التي تتوسط حاضرة وادي الذهب. نادى في الناس.. كل الناس, الذين جاءوا مهرولين.. إلتفوا حوله.. خطب فيهم ..
    كانت كل الوقائع والأحداث, التي مرّت على وادي الذهب, منذ أنشأه "الروح العظيمة" تتدفق من فمه, كالمطر الذي يغسله الآن, ويغرِّق أهالي الوادي في الأسئلة, التي لا أول ولا آخر لها..
    كان واضحا أن زمنا آخر سيبدأ بعد توقف المطر...
    الآن وكل شيء ينصرم, تتزاحم الصور والأخيلة والوقائع والأحداث على رأسه المنهك, الذي هيمنت على فضاء ذاكرته "سوميت" الجميلة, التي ترقد هناك في قبرها الصخري, المحلّى بالنقوش وأيقونات الحياة الأخرى, التي حفر عليها الأطفال المشردون, رسومات تمثل: التنين, العنقاء والخرتيت.. فوق إسمها, الذي منحوه لونا مبهرا.
    تراءت له "سوميت" مقيدة في العتمة. تتململ. تحاول الإفلات, وقد علقت من معصميها, إلى سقف الكهف الضيق. فلم يعد يتبق من حضورها الطاغ الآن, سوى هذه المقبرة المقدسة, التي ستحفظ أرماثها لآلاف السنوات القادمة..
    تراءت له سوميت في ذلك اليوم البعيد, وهي تمضي مع عاشميق وست البنات لجمع المشردين, وتوزيع الشعارات التي تنقش على الجدران عليهم.. كان ثلاثتهم يتراقصون ويتمايلون كالسكارى, عندما إنبرى عاشميق:
    أنت من ينقل لجقندي أخبار كل شيء, فيتحدث كأنه كاشف لم يخبره أحد!..
    لحظتها غضبت سوميت وغضبتست البنات لغضبها.. وعندما أنهوا مهمتهم ومضوا للقاء جقندي, ما أن رآهم عند مدخل داره حتى هتف في سوميت:
                  

08-24-2011, 01:32 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    ترقصي وتغني وست البنات وعاشميق يبرجو فوقك والمطاليق يتجسسوا على مفاتنك وعاشميق يقولك "كأنه كاشف".. جقندي ما بيخبر شيء؟!..
    فاسقط في أيديهم جميعا وأنقطع عنهم كل شك ..
    أنهى الشايب جقندي خطبته الطويلة ومضى. وعند الفجر تماما غادر وعشيرته, التي كانت قوافلها قد وصلت من مالحة للتو.. غادروا بندر الوادي, يتبعهم المشردون وبعض الأهالي الذين سيصبحون منذ الآن"رُّحَلْ".. غادروا إلى حضن كارناسي, حيث المعبد العتيق. وقتها كان وادي الذهب خلفهم يحترق, وندى الفجر فيه يتحول إلى كتلة من البلور الملتهب.. كان الحريق يأتي على الناس, والأشياء والشجر والحجر والمطر!.. كان يأتي على كل شيء!..
    (5)
    في تلك الأمسية حالكة السواد, التي غاب فيها القمر, خلف سحب السماء البعيدة, حيث شفق المغيب يبدو كالضوء المنعدم, في إنعكاسه على صفحة مياه الرهود والوديان, بحيث يستحيل كل شيء على سطح الماء, إلى محض ظلال شبحية متمايلة, كأنها تعاكس بعضها بعضا في مكان مهجور لا أنيس ولا جليس فيه. فقط أطلال لا يسكنها أحد..
    في تلك الأمسية التي غاب عنها القمر نهائيا, وإلى غير رجعة, وحجب الظلام كل شيء, كمن "الدود أبو حجل" والمطاليق ل"قطع الشك" الجميلة, التي كانت قد غادرت للتو, بعد أن ألقت نظرة أخيرة على حمائمها, كأنها تودعها الوداع الأخير.
    شعور خفي, ذاك الذي جعل نظرتها تنطوي على كل ذلك الغموض, الذي أخترق نعاس الحمائم, الغارقة في وسن "المِغِيْرِّب".
    مضت "قطع الشك" بخطى حذرة في الزقاق الضيق, الذي يفضي إلى الساحة الكبيرة, لبندر وادي الذهب, ورغم خطواتها الحذرة ومخاوفها العميقة, لم تلحظ خطى المطاليق الخفيفة, التي كانت تتبعها بحذر الفهود.
    سمعت فجأة "طقطقة" مكتومة "لعود" يتكسر تحت وطء أقدام ثقيلة, فالتفتت وإذا ب"الدود أبوحجل" ومطاليقه يحاصرونها. بدوا لها ككائنات غريبة, تلوح في عتمّة السواد الحالك, الذي يغلف المكان, فأرتعش كيانها كله, وتسمرت قدميها على الأرض "القردود المشققة", التي كانت لا تزال تنفث "بوخ" ظهيرة الصيف "القيطوني" الحارقة..
    حاولت"قطع الشك" أن تستدير لتفر راجعة, لكن كانت الحلقة التي كوّنها "الدود أبوحجل" ومطاليقه, تضيق أكثر فأكثر.. غنّاها الدود مواجده وتوجداته. حاولت أن تتماسك.. صدته.. وكانت الحلقة تزداد ضيقا, وظلمة الليل توغل في السواد الحالك, الذي لم يكن ثمة أي نور, بقادر على تبديده أو الإنعكاس فيه, سوى نورعينيها الواسعتين كبحيرتين لا غرار لهما..
    في هذه الظلمة الحالكة رأى الدود أهداب "قطع الشك" المرتعشة, وجفونها التي أخذت تنبض, كقلب متعب لطفل صغير. لحظتها كان على بعد خطوة واحدة منها.. مدّ والمطاليق أياديهم المرتعشة.. عرّوها تماما.. و..
    وفي مثل هذا الوقت قبل عشرات السنوات, كان "الشايب جنزير تقيل" يختبيء خلف إحدى أشجار القمبيل, التي سكنت حركته خلفها تماما. كان كالمسمّر على الأرض, وكانت رئته تضيق, وهو يحاول ببطء وصمت, "شفط" الهواء المشبع برماد حرائق مرتقبة.. تسلل "جنزير تقيل" ببصره الأغصان المتشابكة حوله. رآهم يقتربون منها. كان يفكر أن عليه فعل شيء قبل فوات الآوان. وكانت لحظتها أصوات المطاليق العنيفة, والدود الذي كان يحاول بذل أقصى جهد ليجعل صوته هامسا.. كانت كل هذه الأصوات المتداخلة, تثير في أوصاله قشعريرة كصعق البرق العبادي.
    تقدم الدود أبوحجل يحاول أغواء "قطع الشك", بصوته الذي كان كفحيح "أبو الدرق".. وبعينين مفتوحتين على آخرهما كان "الشايب الجنزير التقيل" يراقب الموقف بفرائص ترتعد في أعشاب "النّال", التي تسلل بعضها جلابيته, وأخذ يداعب ساقيه العاريتين مباشرة.
    جلس جنزير تقيل القرفصاء, وكل جسمه المرتعد يتحول إلى عيون مشدوهة. لحظتها كان"الدود أبو حجل" ينكفيء على قطع الشك كشبح.. كان كما لو أنه يمتطي صهوة حمار "مكِّادِّي". وكان صوت قطع الشك يأتي خافتا. مهدودا ومنهدا في العتمة. آسيا وباردا, وحزينا.. كان بكل مأساويته يتسرب مفاصل الجنزير التقيل مباشرة, فينكتم فيه كل شيء.
                  

08-24-2011, 01:35 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    رأى الشايب الجنزير التقيل وسمع كل شيء, فاختل كيانه ولم يعد يشعر بشيء, سوى هذا المشهد الماثل أمامه, والذي سيظل مطبوعا في ذاكرته ووجدانه, ومحفورا بالنقوش والرسوم, على جدران المعبد المقدس لجبل كارناسي العظيم, الذي سيوثق فيه وقائع ماجرى.
    بعد وقت ليس قصير, تماسك الجنزير التقيل, وأخذ يتسحب خلسة "كالكديس". لم يكن يعلم إلى أين ستقوده قدماه. كان فقط يتبع الضوء السرمدي داخله, الذي كان يقوده عبر دهاليز ماضي غابر, يتداخل في حاضر مرير, يقتفي أثره ليرمي به إلى حياة جديدة قادمة, بعيدا عن هذا المكان الملعون, الذي لا محالة سينفجر ويتبدد كفقاعات شرار الأندراب.
    و.. وفي ثمرة الفؤاد تماما كان "المطلوق أبو حجل" قد طعن قطع الشك.. غرس "شوتاله" الطويل دون رحمة. ومن الدّم الذي سال من أقصى أعماق قطع الشك, تشكلت حمائمها وحلّقت فوق رؤوسهم. تشكل كائنا عجيبا مرعبا كثيف السواد.. تراجع أبو حجل والمطاليق في رعب, والكائن المرعب يتشكل أكثر فأكثر, يغذي فيهم المخاوف والمشاعر المضطربة. وكانت قطع الشك قد إختفت, مخلفة أثرها على الأرض القردود: قبة من الحجر الكارناسي الأسود وحمائما كارناسية متحجرة, تجسد الحزن والأسى واللوعة, ومرارات الوادي الضّال..
    في اللحظة التي غرّس فيها الدود "شوتاله", في ثمرة فؤاد قطع الشك, وقع طائر العنقاء من قلب شجرة القمبيل.. إشتعلت فيه النار وأحترق, ومن رماده خرجت دودة بيضاء كاللّبن, تحولت إلى شرّنقة, خرجت منها عنقاء جديدة, حلّقت في الفضاء الرحيب, تشق بجناحيها بحر الهواء نحو السماوات البعيدة, حيث يقيم "الروح العظيمة" في هدوء بديع, لا يعكِّر صفوه شيء سوى ضلالات وادي الذهب.
    وبعد مئات السنوات تعود لتقيم هناك, بعيدا في وادي الذهب للمرة الثانية, حيث تنفتح بوابات السماء, وتسكب الشمس ضوءها المقدس, لتنبت شجيرة القضيم دائمة الحمُرّة, ويستحيل وادي الذهب إلى مكان جميل دافئ, لا تسكنه أمراض الشيخوخة والخوف والقمع والأحزان.. لا يسكنه الخراب والقتل والموت والدمار.. لا تسكنه أعمال المطاليق الذين"لا تالي ولا والي " لهم.. لحظتها فقط تستيقظ "العنقاء قطع الشك" كل صباح, لتردد أغنية جميلة عذبة عن الجمال المقدس.
                  

08-24-2011, 02:56 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (6)
    عندما خطب الشايب جقندي في الأهالي يحكي وقائع ما حدث, كان البعض يشعر بخوف وفزع شديدين, والبعض تنتابه روح السخرية والدعابة والأعمال السيئة. وقتها كانت أوراق الشجر الإبرية الرقيقة الشائكة, عبر الهواء الضبابي, تسقط على الأرض القردود المخددة بالشقوق, بعد أن توقفت "نقناقة" المطر الذي كان ما أن يتوقف قليلا حتى يعاود الهطول. ومع ذلك كان كل شيء يبدو ساكنا سكون الموت, كالذي تنعدم فيه الحركة, ولكنه في الحقيقة كان يغلي كأتون مكتوم!..
    لحظتها كانت "سوميت" تستعيد أحاديث الشايب جقندي, الذي منذ حل بوادي الذهب, فتقت أحاديثه رؤاها ورؤيتها, وبدا لها كل شيءواضحا لا لبس فيه. عندما أعتقلها المطاليق وقادوها إلى معتقلاتهم, في تلك الكهوف التي إرتبطت بسلسلة معقدة من السراديب الواطئة, التي لا يمكن السير داخلها إلا إنحناء أو إنكفاء. كان الجو شديد البرودة في نهاية السرداب, الذي أفضى بهم إلى عدد من الكهوف الضيقة, التي يسجن فيها المطاليق معتقليهم من المعارضين..
    كانت الكهوف تواجه بعضها البعض, لا يفصل بينها سوى السرداب كممر..وكانت ذاكرتها تستعيد كل شيء في سيرة الوادي, الذي أصبح يلفه الصمت والوحشة والخواء.
    كان المطاليق يقودهم "أبوشوتال" قد أحرقوا دارها, وقتلوا والديها بشكل وحشي. كانت الدماء تغلي في عروقها وعينيها لا تتوقفان عن الجريان, بدمع شديد الحزن والمرارة.. تخيلت والدتها التي شنقوها على "الشِعْبّة التي تتوسط التُكُلْ", وتراءى لها والدها وهو يسقط, تحت طعنات أبوشوتال مضرجا في دمه جثة هامدة.
    هيمنت على ذاكرتها كل الوقائع والتفاصيل الدقيقة لنزعهما الأخير, وهما يمدّان أياديهما إليها, وهي تمضي بخطى متعثرة, مقيدة بحبال السعف. يدفعها المطاليق خارج الدار, التي بدأت تتحول إلى كتلة من اللهب تنشر ضوءها في بندر وادي الذّهب, من أقصاه إلى أدناه..
    لم تكن الوحيدة التي تم إعتقالها. كان أهالي كثر: رجالا ونساء وصبيان وصبايا, ومشردين ومشردات. كانوا جميعا مقيدين بحبال السعف, في الساحة التي تتوسط البندر, قبل أن يتم ترحيلهم إلى معتقلات الكهوف.
    أخذت سوميت تزحف بصعوبة, على أرض الكهف الضيق. تتحسس في العتمّة الأجساد الملقاة على الأرض الرطبة, الجافة, القاسية. حاولت أن تنام في إحدى الزوايا, وهي تشعر أنه لم يتبق لديها عِرق ينبض بالحياة. شعرت في الظلام بيد واهنة, مرتعشة تتحسس ظهرها, وجسد ما يتعثر بجسد آخر. وصوت مكتوم لخطى تبتعد في الخارج.
    في السرداب الضيق.. كانت تتلمس مكان تلك اليد الراعشة, التي تحسست ظهرها. يد المخلوق المعدم مثلها, الذي لا تعرف أهو رجل أم إمرأة, أو أيا كان أين سيؤول به المآل. طوّت يديها على حضنها, والخطى المكتوّمة في السرداب تقترب, ثم لا تلبث أن تبتعد, فيسود الصمت المظلم كل شيء.
    تناهى إلى سمعها صوت ست البنات المألوف الخافت, كما لو أنه تعرض فجأة لخطر محدق:
    أنهم يقتلون الرجال؟
    قالت ست البنات وأردفت متساءلة :
    ولماذا يبقون علينا؟!
    سيغتصبوننا ..
    ويقتلوننا بعد ذلك؟!
    لا, سيسترقوننا, فنحن ما ملكت إيمانهم !..
    جواري!سبايا!.. في وطننا ؟ وادي الذهب؟!!!..
    لم تكن ست البنات ترى سوى الظلام الغارق في "دواية القرع", التي يغمس فيها الشايب جقندي قلمه البوص, ليكتب خواطره على الجلد أو لوح الخشب.. عن الوادي والناس والحرائق المزمنة..
    فأخذت تجهش ببكاء حار, وكل أحلامها مع عاشميق حبيب قلبها تتبدد فجأة. شعرت بيد سوميت تربت على رأسها, وتحاول أن تصل بأصابعها إلى جفنيها, لتمسح عنهما الدمع المر, ثم جذبتها إليها. طوقتها بذراعيها وهي تضع رأسها على صدرها. وجسمها.. كل جسمها.. في حضنها المرتعش كريشة "غارنوق" تتلاعب بها "رياح الخماسين" العاتية.. كلتاهما كانتا تغوصان في الظلام والعتمّة, وتحاولان
                  

08-24-2011, 02:59 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    الخروج لمواساة بعضهما, في الأحزان التي غلفت الوادي, وأخذت وألتهمت كل شيء يحبانه.. كلتاهما كانتا تحاولان لكن, لاعزاء في هذا الكهف الغارق في الظلمات والبرودة المطلقة..
    في هذه اللحظة اليائسة تراءى جقندي لسوميت, وهو يتكيء برأسه على صدرها لتمشطه له في جدائل كبيرة, بينما "طيرة" عابرة تطل من الكوة المقابلة.. "سكسكت" الطيرة, "فسكسك" لها جقندي.. سألته في دهشة :
    شن قالت؟
    جابت رسالة من أهلي الرُّحَلْ ..
    إرتفع حاجباها الغزيران .. أردف جقندي:
    "الما بجي من جبلك ما بيعرف رطانتك"..
    في هذه اللحظة اليائسة تتمنى سوميت أن تغمض عينيها ولا تفتحهما, إلا وتجد نفسها قد إنتقلت من هذا المكان الضيق. المتمزق, البائس, إلى أحضان جقندي العامرة بالحب. أولم يقل أنه كاشف؟!..
    قطعت عليها ست البنات خواطرها وهي تتنهد:
    هل سيعذبوننا؟..
    أسمعي سيحاولون الإيقاع بالآخرين والآخريات عبرك, فلا تنسي أنهم مجرد مطاليق ..
    وتأوهت وهي تدس أصابعها في جدائل ست البنات المتجعدة.. غزيرة الظلمة...
    (7)
    المرة الثانية التي يتعرض فيها الوادي, وللأسباب نفسها للخراب والدمار, عندما نقل السلطان مقر عاصمته المحصنة بالجبال, إلى ما بين النهرين, اللذان ينفتح النهر الغربي منهما, على حدود دار الريح اليابسة.. ثم عاد ونقلها إلى سهول النخيل, المفتوحة على السافل. وقتها هجمت مفرزة من جيش السافل على الحدود, كانت تطارد مجموعة من المطاليق, يقودهم الدود أبوحجل. لحقوا بها وقضوا عليها, وتمكن الدود من الهرب بأعجوبة.. بعدها أعد السافل عدته وهجم على وادي الذهب. خربوا حاضرته وعسكروا في كل مكان, إلى أن جمعت الحواضر المحتمية بالجبال جيوشها وطردت الغزاة, وأستردت سلطة سلطانها, فإنتقلت بذلك العاصمة إلى موقعها القديم: بين الجبال الحصينة, التي يشرف عليها جبل كارناسي المقدس بمهابة وشموخ..
    دائما غزاة وادي الذهب يأتون من السافل. ودائما تعلن نهاية غزوهم عن بداية الأسئلة المكرورة المحيرّة, التي لم يستطع أحد الإجابة عنها, والمتمثلة في نسب وحسب وأصل وفصل سكان الوادي, إلى أن إكتشف أحد الصيادين, في إحدى الصبيحات الهادئة, وأثناء حفره عند جذع جبل كارناسي يتبع أثر أحد "جقور" البرِّية كان يطارده بإصرار. عندما إصطدم "شوتاله" بجسم صقيل, فأخذ يفج عنه الصخور الترابية, إلى أن لاح له مايشبه الباب المقوس. فمضى مسرعا إلى قلب البندر, ونادى الأهالي الذين تبعوه.. وأخذوا يزيحون التراب طيلة نهارين ونصف, إلى أن تكشف لهم عن بناء سباعي الشكل, تعتليه قُبَة مزّينة بأيقونات بديعة النقوش والألوان.
    وقفوا مزهولين ! كان معبدا كاملا لأسلافهم, زُين بالأيقونات الملوّنة, التي حفظت الأرض القردود وهواء الجبال والسهول الجاف بهائها, فبدا المعبد برسوماته البديعة, كأنه شيد للتو واللحظة.
    كانت النقوش والرسوم التي على جدران المعبد, تحكي قصصا كثيرة, عن المطلوق الدود أبو حجل والجميلة قطع الشك, وكيف جرّد ورثة العرش المطاليق حملات لغزو الجوار, وكيف قضى عليهم الغزاة الباحثون عن الذهب والعبيد, الذين تحالفوا مع الغزاة البيض, الذين بدورهم كانوا يزعمون أنهم وحدهم الذين خصهم "الروح العظيمة", بشعلة المعرفة المقدسة دونا عن كل الناس!!..
    كان الوادي قد إرتج في تلك الليلة كالحة السواد, على وقع حوافر الجيوش الغازية, وهي تدك خصوصا المباني السلطانية, حيث مقر قيادة السلطان وداره. إنتشر الغزاة على صهوات جيادهم في كل مكان, داخل البندر.
    عاثوا دمارا شاملا في الممتلكات والمزارع , ولم تسلم منهم حتى المواشي والزواحف والبرمائيات. بعدها إنطلقت الشائعات حول هروب السلطان, وكامل أفراد أسرته وبعض أعضاء مجلسه, ولم يعثر أحد للمطلوق الدود أوحجل على أثر, وإنطلقت شائعات تفيد بأنه أختفى في مجاهيل صحراء "دار الريح" القاحلة...
    لم تكن أضرار الأهالي بأقل من الأضرار التي أصابت السلطان والأسرة المالكة. كان المناخ العام مضطربا, والأهالي يحاولون تضميد جراحاتهم بصمت, متجنبين أي نوع من الأحاديث التي قد تثير حفيظة الغزاة..
    وكان الغزاة الذين نهبوا ثروات الوادي, ونقلوها إلى بلدانهم البعيدة. قد أسروا الشيوخ والعمد والعقلاء, وعاملوا الأسرى بقسوة شديدة. إذ إغتصبوا النساء في حملات إنتقامية, وقطعوا أوصال أعضاء مجلس السلطان بعد شطرهم شطرين, من قمة الرأس حتى ما بين الفخذين, ولم يتم إسترداد وادي الذهب
                  

08-24-2011, 03:02 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    مرة أخرى إلا بعد وقت طويل, بعد أن نجح سلطان الوادي المهزوم, في عقد إتفاق مع غزاة السافل وحلفائهم البيض, قضى بأن يقدم وادي الذهب في كل عام مائة زكيبة من الذهب, ومثلها من العاج وريش النعام و800 عبد و6 أفيال, ومثلها زرافات. وعشرة نمور ومائتين ثور وبقرة, مناصفة. ودينارين لكل فرد.. من منفاه وافق السلطان.. وهكذا إنسحب الغزاة..
    أطلق بعض الأهالي الخبثاء على يوم عقد الإتفاق إسم "الإستقلال", وتبجح بعض أعضاء مجلس السلطان بفخر, أنهم هم من عقد الإتفاق ورفعوا راية وادي الذهب لترفرف"عالية خفاقة"!..
    في ذلك اليوم.. يوم فرض الجزية المشؤوم تبادل الأهالي التحايا والأمنيات, وشربوا كثيرا من "البقو" و"عرقي البلح البكري". كانوا فرحين ومزهووين بما حدث لهم من خزي وعار, بإنتصار مهزوم, أنساهم قتلاهم ونساءهم المغتصبات وويلات الدمار الكبير, الذي شهده الوادي. الذي كان قد تغير كثيرا إلى حد رهيب ومفزع..
    إذن إنسحب الغزاة, بعد أن خلفوا وراءهم قيود "الجزية" السنوية, التي قادت إلى الإنقسامات والحروبات الداخلية, بين عشائر و"خشوم بيوت" وادي الذهب, التي أخذت تسرق و تسترق بعضها البعض, لتفي بمستحقات جزية الغزاة السنوية, وهكذا إستشرت الخصومات, وعم الفساد والفقر والجهل والمرض, فكان كل ذلك بمثابة بداية النهاية في الإنهيار الثاني..
    كانت النقوش التي على جبل "كارناسي" المقدس تحكي أيضا عن شعلة المعرفة المقدسة, التي أعطاها "الروح العظيمة" للشايب "الجنزير التقيل", ليحميها ويوقدها. لتضيء كل أنحاء الوادي, دون أن يطفئها أبدا.. هذه الشعلة التي سرقها المطلوق الدود أوحجل, ليحرم الأهالي الإبداع, فمنذ أضاءت شعلة المعرفة الوادي, تمكن الأهالي من إكتشاف الحديد وتعدينه, وإختراع أدوات الصيد والزراعة والنجارة. كما عرفوا الوقت والألوان, وتفتقت مواهبهم في نقش الحجر, والرّسم على الجدران, رسومات بديعة تعبر عن حياتهم الروحية والإجتماعية..
    كان الجنزير التقيل يرى أن المعرفة لا ينبغي حصرها فيه"كحام لها" وفي السلطان وعشيرته وأعضاء مجلسه"كطبقة حاكمة", بل يجب أن تشمل الأهالي وتتمدد لتصل كل العالم. وكان المطلوق "الدود أبوحجل" كأحد أفراد العائلة المالكة, يرى العكس تماما. وبقدر ما كتب الشايب الجنزير التقيل القصائد الطوال, التي تمجد الأهالي وإبداعاتهم, وتدين عزلة العشيرّة المالكة عنهم وترفعهم عليهم وإحتقارهم لهم, بقدر ما رد المطلوق أبو حجل بقصائد ركيكة بذيئة أنطوت على نزوعه العنصري وفجاجته الفظيعة, لاحقا وبعد عشرات السنوات سيعتمد أبوشوتال على هذه القصائد للتأكيد على عراقته!.. كانت قصائد "ثقيلة الدم" وبائسة تفتقر لسلاسة ورصانة قصائد الجنزير التقيل.. تدخل "الروح العظيمة" مخترقا أحلامهما مرارا وتكرارا.. حاول إثناء الدود عن أفكاره الشريرة المدمرة, محذرا الجنزير التقيل من غدر الدود ونواياه المبيتة لسرقة الشعلة وإحتكارها..
    وعندما تمكن الدود بالفعل من سرقة الشعلة المقدسة, وأضاءها في بيته المظلم, الذي تحاصر رائحة العطن كل أركانه, تفجر كل شيء وأحترق البيت, وتمكن الدود من الفرار بأعجوبة, حيث ظل يقيم في كهف أشدّ ظُلمّة من ليالي الخوف الطويلة, لا يبعد كثيرا عن جبل كارناسي المقدس, الذي لم يكن أحد يعلم أن به كهف أو أن هذا الكهف هو "الوكر" السِّرِّي الآمن للشايب الجنزير التقيل وأعوانه من المشردين..
    شيئا فشيئا بدأ مطاليق الدود يتجمعون ويخططون مع بعضهم البعض للإنقلاب على العرش, بعد أن دبت الفتنة في مجلس السلطان وعصفت به فانقسم مطاليقه, بعد أن لفظتهم خشوم بيوتهم.. وشيئا فشيئا بدأوا ينسحبون من مجلس السلطان ومقرات خدمة المملكة, ليلتفون حول الدود كقائد مطلق لنزواتهم وجرائمهم وجرائرهم, يتبعهم مطاليق الوادي الذين جاءوا من قِبَلْ الوادي الأربعة..
    في تلك الظهيرة الغائظة, التي أعلن فيها المطاليق, ولائهم التام للدود أبوحجل, خرج الشايب الجنزير التقيل من داره. لم يسلك الطريق المؤدي إلى الساحة, التي تتوسط بندر الوادي, بل مضى بإتجاه درب معوّج, رصف بالحجارة الصغيرة, وتراصت على جانبيه أشجار القمبيل, وعلى مبعدة منه كانت تبدأ سلسلة بيوت أعضاء مجلس السلطان الحجرية العالية. المحاطة بالأسوار, حتى لتبدو كقلعة واحدة ممتدة وكبيرة.
    ثمة أبقار على الجانب الآخر ترعى "العنكوليب" و"العدار" بهدوء ودعة, خَلّيَة البال من الغموض والحذر, الذي يلف الوادي.. ووراء الأفق كان جبل كارناسي يلوح شامخا, كطود يقاوم تلاعب موجات الزّمان.
    تسرب الجنزير التقيل شعور مبهم, فهزّ رأسه وواصل مسيره. كان راعش النظرات.. واجف القلب وساهم العقل. إلى أن وصل إلى جبل كارناسي, وعبر إلى حيث الكهف القُبابي الملتصق بجذوع الجبل, حيث يعمل المشردون الذين يعتني بهم وقطع الشك,على نحت معبد في الصخر.
                  

08-24-2011, 03:04 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    كان المشردون وقتها قد أنهوا نحت المعبد, فبدا جبل كارناسي من الخارج, كأنه جبلان, ينفصلان عند الجزع ويلتقيان عند قُبة الكهف, الذي قاموا بتوسعته من الداخل على نحو سباعي.. لم يكن قد تبقى سوى نحت مدخله المتقوِّس الصغِّير, ليبدأ الجنزير التقيل بعدها, في رسوماته ونقوشه, يعاونه الأطفال المشردون. تفحص الجنزير جدران المعبد, وتحسسها بيديه.
    كان المشردون ملتفون حوله, يتأملونه في دهشة, فللمرّة الأولى ينتبهون أنه أصبح أكثر ضآلة, وظهره أصبح أكثر تقوسا وإنحناء. كان الجنزير قد تقدم في السن فجأة, على نحو باغتهم جميعا. لأول مرة يلحظون الشيب الكثيف الذي غزا شعره بلا هوادة .
    كان الطريق المفضي إلى المعبد, محاط بالكثير من شوك "الضريسة والحسكنيت" والجروف الصّخرية, التي إشتملت على كهوف صغيرة وجحور, نسج العنكبوت على مداخلها خيوطه, وأقامت فيها "القمارِّي" أعشاشها..
    خلف هذه الجروف تمدد السهل الواسع الخصب, الذي شكلّت فيه أشجار القمبيل, دغلا يلقي بظلاله على مدخل المعبد من بعيد. كان الجنزير ينتبه لكل ذلك للمرة الأولى. كأنه يرى لأول مرّة هذه الطبيعة الغريبة, حول جبل كارناسي, بما تضفيه على الجبل من رهبة وغموض. كان الجو حول جبل كارناسي إذن غامضا غموض الأحاسيس, التي ظلت تهيمن عليه منذِّرَّة بقرب النهاية الوشيكة للوادي الحزين.
    كان الجنزير منذ الرحيل المأساوي لقطع الشك, وسرقة الدود لشعلة المعرفة المقدسة, قد فقد الأمل تماما حول الماضي والحاضر.. فقد ظل يحلم كل ليلة منذ عشرات السنوات, وظل الحاضرعلى الدوام يكذِّب أحلامه الوديعة, فالطيبين والصالحين في وادي الذهب, ظلوا يغادرون هكذا فجأة, دون تهيئة أو مقدمات.. دون مواعيد. فقط يختفون على نحو مباغت, دون سابق إنذار. أخذت عيناه تترقرقان بدموع هي مزيج من المرارة والحموضة اللاسعة..
    مسح الجنزير على جدار المعبد برفق, ووضع "منقاشه" لينقش أولى الحكايا عن المطاليق, الذين كانوا يسممون الحفاير والآبار والترع, ويسرقون الأبقار ويجامعون بعضهم البعض, وينشرون المؤامرات والدسائس, ويبثون الشائعات ويختطفون فتيات الوادي العذراوات ليتعاقبون على إغتصابهن, بعد أن يغتصبهن الدود أبوحجل أولاً..

    (8)
    عند قوز الدُّخن في تلك الأمسية الهادئة, إلتقت الجميلة سوميت, الشايب جقندي للمرّة الأولى. كان قد قدم للتو في قوافل قومه "المرَّاحِيْلْ" الذين لم يلبثوا سوى يوما أو بعض يوم, تركوه بعدها خلفهم ومضوا في رحلتهم الأبدية.
    شعرت "سوميت" بقوة خفيَّة تدفعها دفعا إليه, حاولت مقاومتها للحظات ففشلت, وأخذت تدنو منه في بطء شديد, أخذت تسير تجاهه كالتي يأخذها "حمار النوم", بينما كان هو يتفحصها بعينين هادئتين, خابيتين كعينا صقر عجوز. بدت له في ملامحها المرتخية, دافئة القلب, بشعرها الأجعد القصير, الذي مشطته في جدائل كبيرة إلى الخلف, وجلابيتها القصيرة كجلابيب الأطفال, حتى ليكاد يرى طرف "كنفوسها".
    كانت سوميت ذات عينان بنيتان, شاحبتان, أما بطة ساقها أو الجزء ما بين الكعب وتجويف الركبة من الخلف, فقد بدا أبنوسيا صقيلا ولامعا وقويا وجميلا جدا.
    الشايب جقندي خلال عمره المديد, لم يشعر يوما بقلبه يخفق لإمرأة قط, سوى "البِنَيَة" كاكا الجميلة, منذ طفولته الباكرة كان دائما يشعر بنفسه مختلفا عن الآخرين, ومع ذلك ترك الأمور تجري على عواهنها. تعرف على كثيرات خلال ترحاله المستمر: ريفيات, بائعات في أسواق "أم دورور" أو طرق القوافل والدواب, حضريات عاملات في دواوين السلاطين. نساء متزوجات أو لم يسبق لهن الزواج. فتيات جدد ربما يلتقيهن مصادفة, وربما تقصدن لقاءه. لكنه لم يسعى أبدا للتعرف عليهن, إلى أن القى رحاله بوادي الذهب, وتعرف على "سوميت", التي في سن أحفاده لو كان متزوجا. كانت تجيئه في العصارّى تدهم عزلته. تجلس بمواجهته, لتسمع تعاليم "الروح العظيمة" وحكايا الأسلاف الغابرين.. فلا تشعر بالزّمن, عندما يعلن مساء الوادي الموحش مقدمه الكئيب.
    كانا يتحدثان حول مواضيع مختلفة, وهما يدخنان "الكدوس" و"يسفان التمباك" وربما يشربان قليلا من "البقو. لم تكن سوميت من ذلك النوع من الفتيات المغرمات بالأحاديث الأنثوية الناعمة, كانت في داخلها تتفجر بطاقة عظيمة, تطمح لتغيير الوادي والناس والأشياء. تحاول هدم كل شيء لتبنيه من جديد.. كانت دائما منشغلة بأحوال الوادي, تلهمها رسالة الشايب جقندي, وتغذي فيها إرادة التغيير. وكان أن تفتق ذهنها عن الإعتناء بالمشردين, وتوظيف طاقاتهم لما يخدمهم ويخدم الأهالي البسطاء, تماما كما فعل الجنزير وقطع الشك قبل عشرات السنوات
                  

08-24-2011, 03:06 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    السنوات.. إلتف الاهالي حول سوميت والمشردين, الذين كانوا قد شيدوا بمساعدة سوميت وجقندي دارا كبيرة من صخور جبل كارناسي. وأخذوا الآن يمضون في الصباحات الباكرة لمساعدة الأهالي في "نفير" الحصاد, ليأتوا بعدها.. يجلسون في "خلوة" جقندي, يتلقون علوم الأولين والآخرين. وكانت أفكار سوميت وجقندي تجاههم تكبر, وكانت أفكارهم هم ذاتهم تكبر, إلى أن عبرت عن نفسها في تلك الشعارات الثورية الأنيقة, التي نحتوها على الجدر الخارجية لبيوت أهالي البندر, تعارض السلطان ومطاليقه.
    كانوا يحلمون بوادي آخر غير هذا الوادي الغارق في مأساته الوجودية المحيرّة.. وادي وادع كالذي أبدعه "الروح العظيمة" في البدء. فوادي الذهب بالنسبة لهم كان هو المكان الأليف, الذي إختاره الخالق "لعِيَاِلِهِ" بسهوله الممتدة التي يتوسطها جبل كارناسي بمهابة وشموخ, حيث القمارِّي تشنف مسام الفضاء الرحيب, وحيث تنتقل الأغنيات وأصداؤها إلى السماء البعيدة, موطن "الروح العظيمة" .
    الجبال المتفرِّقة تحيط وادي الذهب كأسورة على جانبي النهر, الذي يشق الوادي إلى نصفين. هذا النٍّهر الذي يتغذَّى من الأمطار الغزِّيرة, التي تحملها وديان "قلول" و"خيران ساورا" إلى سهول "قبانيت" وغابات مارتجلو الواسعة, إلى أقصى دار الرِّيح والسافل ودار صباح, متخللة أشجار الحرَّاز والأراك, وكذلك النخيل والدوم والتبلدي والدليب والسِّدِرْ والهِجْلِيْجْ والعرديب, والأشجار الأخرى غير المثمرة, التي راجت بسببها تجارة الأخشاب والأثاثات والأدوية ومستحضرات التجميل, إذ ليس الأشجار وحدها ك"القرض" ما يميز وادي الذهب, بل أعشاب السناسنا والمحرِّيب واليانسون, وجذور السِّعْدَّة الجرفية. والأعشاب والجذّور الأخرى النادرة, التي تنتشر في كل مكان: "قَيْفْ" النّهر, ضفاف الوديان والخيران والحفائر والتُرّع, والسهول ماوراء النّهر في صعوده.
    إختار "الروح العظيمة" هذا المكان ل"عِيَاِلِهِ" بعناية فائقة, أراد لهم هذه الغّابَة الكثيفة من الشجر, الذي تختبيء خلفه حتى الجبال الشاهقة, أن تكون ملاذا وحضنا دافئا, تلجأ إليه حتى الطيور الهاربة من جور الطبيعة, وغضب الطقس.. تلجأ إليه من مشارق الأرض ومغاربها, بألوانها وأشكالها وأحجامها المختلفة, لتوحد أنغامها في نغم واحد يخلخل فضاء "الوازا" العريض, ويقض مضجع "الربابات والدلاليك وأم كيكي"..
    نغم واحد, متوحد ووحيد, تطرب له كواسر الغابات والجبال, والزواحف والقرود والغزلان و"جِدَادْ" الخلا, فيتحول كل ما هو كاسر وقاتل, إلى أليف ووديع, مسحورا بهذه الموسيقى المحملّة بروح السماوات البعيدة.
    هكذا كان المشردون يتصورون وادي الذهب, الذي تضخمت مياه نهره, بفعل الأمطار الغزيرة في "أقصى الصعيد ودار صباح" حيث المنابع الإلهية الغامضة, التي تتدفق من أعالي الهضاب, إلى الوديان العميقة, وحيث الشلالات الهادرة, التي تتوحد مياهها في مجرى النّهر, الذي يتفرع ليتوحد. ويتوحد ليتفرع, فيسمع المزارعين والرعاة "جَلبغة" الماء الذي يحمل "عُشبة معونة النيل" ونباتات المستنقعات الضحلة, في إحتكاكها بالزّبد والرّغوة كنغمٍ مهيب.
    ففي وادي الذهب تنتهي الحياة.. لتبدأ مرة أخرى من جديد.. في طمِّي النّهر وفيضاناته, التي تطفيء حرائق كل لعنات التاريخ القديمة والجديدة, حيث تنطبع صورة الطبيعة على جدار الذاكرة, سرمدية كالأزل..
    ربما يختفي وادي الذهب حينا من الدهر, ولكن النّهر الذي يشقه نصفين دائما يبقى خالدا, إلى أبد الآبدين, ليلهم الأقوام الجدد الذين يتعاقبون على وراثة الوادي, الحكايات الأزلية, التي تتضمن تفاصيل ما كان وما سيكون, فوادي الذهب كالعنقاء يخرج من الموت ليحيا من جديد, أشد فتوة وصبا.. يتجدد في رماد الحرائق التي دائما يشعلها المطاليق عبر التاريخ.
    فالأهالي الذين قضى عليهم التنين والخرتيت والعنقاء في الدمار الثاني قبل عشرات السنوات, إثر سرقة الدود أبوحجل لشعلة المعرفة, وإغتصاب وقتل البِنَيَة الجميلة قطع الشك. تهيمن على أحفاد الناجين منهم عقيدة قوية, تتمثل في أن "هذا المكان خلق للتجدد الدائم الذي لا ينتهي, فهو ليس وعاء لوحدة أهالي الوادي فحسب, بل هو نواة لوحدة الجنس البشري مرة أخرى, كما أراد "الروح العظيمة" في البدء" وهو ما ظل التاريخ يثبته عبر حيله وطرقه الغامضة, فبعد عشرات السنوات من كل خراب, يعود أحفاد الناجون مرة أخرى لتعمير الوادي, بكل ما أكتسبوه من خبرات ومعارف في ترحالهم الأبدي, تعينهم ذاكرة الأسلاف المتناقلة عبر الأجيال, للبداية من جديد.
    على وادي الذهب تعاقب أقوام وأقوام, بدءً بسكان أطلانتيس الذين أدمنو عشق العلوم, فالأغاريق الذين تتيموا بالتجارة.. وإنتهاء بالألبان والمصريين والمستعربين من سكان الشرق السعيد, الذين تفتقت مواهبهم عن تجارة الرقيق. دائما يتوافد الناس من كل مكان إلى وادي الذهب, حينا كتجار وحينا كمبشرين بالديانات والعقائد والمعتقدات, وحينا آخر كغزاة ومحتلين أو مطاليق من سدّنة السلطان.
    ولطالما عشق أهالي الوادي موسيقى "الوازا" و"الربابة" و"أم كيكي" و"الدلوكة", في مناسباتهم المختلفة, سواء التي ترتبط بالحصاد أو الأفراح الإجتماعية والمناسبات السعيدة, أوحتى في أحزانهم المنسية وطقوسهم الروحية التي "يجدعون فيها النّار".
    في وادي الذهب تصدح الموسيقى في كل الأوقات والأماكن, تؤجج حلقات الرقص الجماعي, في كرنفالات غائرة في قلب طفولة الإنسان وجراحاته الأزلية. فالموسيقى التي في الدروب والطرقات والشوارع, تمتزج في خرير الجداول وحفيف النّال والنباتات الشائكة المزهرة وغير المزهرة, التي تلونها بمذاق خاص, يتوحد مع موسيقى الطيور, التي يطرب لها حتى الحجر والشجر, والأرض القردود المخددة بالشقوق.
                  

08-24-2011, 03:09 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    أهالي الوادي ورثوا عن أسلافهم زراعة "أم بحتي", في المغمورات والمنخفضات في "جرتتي وتمبسكو", فهم يزرعون قريبا من مساكنهم"جبراكات" وبعيدا عنها "حواشات". لكن الحبوب والبذور والموالح و"القُوّارْ" والمحاصيل النّادرة الأخرى, في عالم تهدده المجاعات, فتحت شهية الشركات المصرية والصينية والماليزية وغيرها. أصبحت كاللعنة على الوادي بسبب التقاطر عليه من كل فجاج الأرض, وتحميله فوق طاقته, كوادي رغم ثراءه منهار تنمويا ! فالأهالي بحكم ريفيتهم لا يستطيعون حصاد محاصيلهم الغنية كلها, لذا يتركون معظمها طعاما للطيور والمواشي, التي هي حيوانات مقدسة "خصوصا الأبقار", التي لا يستثمرونها لإرتباطها بمواقعهم في المجتمع. وأوضاعهم الإعتبارية في تراتبية السلطنة!.
    ومثلما أعطى وادي الذهب سكانه الخيرات, التي على سطحه. لم يبخل عليهم بما في باطنه من إحتياطيات جوفية, بدء بالماء وإنتهاء بالمعادن والغازات, التي لم يستفيدوا من أي منها, فهم لا يعدنون سوى الذهب بوسائلهم البدائية.

    (9)
    منذ تناهى إلى مسامع الشايب "الجنزير التقيل", أغنيات المطلوق الدود أبوحجل, وقصائده الطوال, التي جسدت تلك اللحظات الدامية, المخيفة لمقتل قطع الشك.. مضى ينذر الأهالي من الخراب والدمار القادم, عقابا لهم لأنهم صموا آذانهم عن الخطايا والفساد وصمتوا, وقتها كان "الروح العظيمة" قد أنهى خلق التنين والخرتيت والعنقاء..

    وفي المحاولات الدؤوبة للجنزير التقيل, في إيجاد تفسير لسلوك الدود أبو حجل والمطاليق, ظلت أفكاره تلف وتدور حول فكرة محددة, تتمثل في أن السلطان وبطانته, يفتقرون لذلك التوازن الدقيق, في كيمياء أجسامهم وإحساساهم بالآخرين والطبيعة حولهم, ما يجعلهم ليسوا ثقلاء لا دم لهم فحسب, بل ومضادين لفكرة المجتمع الموحد.. حول فكرة وادي الذهب كوطن يسع الجميع.
    ومع ذلك كان قلقا بشأنهم, إذ كانوا بنظره مخلوقات ضعيفة, بائسة ويائسة من رحمة "الروح العظيمة"وسعة صدره, التي بإمكانها أن تحتمل كل شيء. وفي الواقع كانت هذه الفكرة لا تهيمن عليه فقط, بل تزيد من حجم الشكوك داخله, في قدرة هؤلاء البؤساء اليائسين, الذين لا أمل لهم على الصمود, إذا ما تمت تعريتهم و مواجهتهم بأمراضهم غير الطبيعية المستفحلة, التي لا يمكن لأي محاليل أو أعشاب أو "محايات أو بخرات أو حجبات" من تخفيف أدوائها أو أعراضها, بحيث ليس من ثمة حل, سوى التخلص منهم نهائيا, وإلى الأبد ليرقدوا في نيران الحياة الآخرة دون سلام أو سكينة, تؤرقهم اللعنات الأبدية.
    لكنه يخشى في هذه الحالة, تحولهم إلى ذكريات؟! فالذكريات طبيعتها الصمود بوجه عوامل تعرية أو تبديد الذاكرة, ومقاومة النسيان, بالتالي ربما يلهمون آخرين لديهم القابلية لنفس الأدواء البائدة, التي قد تؤدي إلى سلسلة من التغييرات تعتري مواقفهم ممن يعارضونهم, ومن فكرة وحدة وادي الذهب كموطن للجميع.. خصوصا الأهالي الذين رغم بساطة غالبيتهم, بإمكانهم أن يروا بوضوح: كم الألم والعذاب والشقاء, الذي يغلف الوادي, بسبب سياسات السلطان ومطاليقه. وبسبب أرواحهم العليلة البائسة, التي يمكن لأي كان إكتشافها بنظرة عابرة, مهما تضاءلت قدراته أو كان في عجلة من أمره, والتي لا يمكن شفائها!..
    أنهم يمارسون ويعانون شقاءهم الأبدي.. كوابيسهم الوجودية, لأنهم يفتقرون للأمل, ويعوزهم بالتالي الإحساس بالتفاؤل والحرية.. بالتالي إرادة الحياة الطبيعية, بعد أن تمكن منهم الإنحراف والفساد والجنون المزمن, الذي حوّل أي شيء جميل يمكن أن يولد داخلهم, إلى "هبود" أو "سكن" أو "هباب", كهباب شرار "الأندراب"..
    والآن عندما يختلي الشايب جقندي بنفسه, بعد عشرات السنوات, ليستعيد تأملات جده الأكبر الشايب الجنزير التقيل, ويتأمل سيرته وسيرة ما مضى, لا يملك سوى أن يقول أن: التاريخ يعيد نفسه بطرق وحيل ملتوية! فمثلما أغتصب المطاليق قطع الشك وقتلوها, ها هم أحفادهم الآن يغتصبون سوميت ويقتلونها!
    (10)
    فبعد أن خطب الشايب جقندي في الأهالي, يحرضهم ويعبئهم ويحذرهم, وقام المشردون بتهريبه وتأمينه بعيدا عن عيون المطاليق, تمكنوا بعدها في صبيحة اليوم التالي, الذي سلم فيه المطاليق جثمان سوميت للأهالي, من حشد الأهالي الذين تجمهروا بشكل مفاجيء وغير مسبوق, أمام قلعة السلطان, التي كانت موصدة الأبواب, ومحاطة من كل الجهات بالمتاريس, التي صنعت من أشجار الطلح والكِتِرْ والهشاب والسِّدِّرْ الشوكية.
    كانت أصوات الأهالي المسلحين بالحجارة و "السفاريك", تتعالى مستنكرة ما حدث, وهم يحاولون إختراق المتاريس, التي إنتشر المطاليق خلفها "بشوتالاتهم" وحرابهم و"نشاباتهم" وسيوفهم المعقوفة. في البدء تراجعوا أمام حجارة وسفاريك الأهالي التي أخذت تهطل من كل مكان. ثم بدأو بعد ذلك يطلقون الحراب والسهام, فأخذ الأهالي يتراجعون, بعد أن وقعت إصابات قاتلة عديدة في صفوفهم.
    في اليوم التالي كانت حالة الهرج والمرج, التي سادت بندر الوادي, قد إنقشعت وتبددت تماما, كأن شيئا لم يكن. وكان المطاليق وقتها قد إنتشروا في الشوارع والدروب, يداهمون بيوت الأهالي العزل, حتى لم يعد ثمة كهف أو سرداب في بندر الوادي, لم يمتليء عن آخره بالمعتقلين الواقعين تحت تأثير التعذيب. الذين لأيام عديدة ظلت صرخاتهم تخترق الكهوف والسراديب المعتمة, لتملأ بأنينها الملتاع فضاء الوادي, الذي توشح بالوحشة والكآبة. لقد كان الشايب الجنزير التقيل ومن بعده جقندي محقان تماما في إعتقاداتهما حول المطاليق, ذوي الرؤوس المتعفنة التي تمتليء بصديد الكراهية والأحقاد والضغائن.
    وليس من المصادفة أن يكون من بعض الأهالي العاديين مطاليق, يعذبون ربما جيرانهم في "الحلة" أو يقتلونهم.. ليس من المصادفة أن يجند المطاليق بعض الخونة من أوساط الأهالي, الذين بالإمكان أن تجدهم في أي مكان "لشدة عاديتهم", فدائما ما يبدو عليهم أن "لا ناقة ولا جمل لهم فيما يجري", بينما هم الناقة والجمل ذات نفسيهما!..
                  

08-24-2011, 03:13 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    إختراق المطاليق للأهالي بتجنيد بعض الناس العاديين والبسطاء, ساهم في نشر أفكارهم العنصرية الهدّامة التي يعتقد فيها السلطان وبطانته, هذه الأفكار المستمدة من قصائد الدود التي عُثر عليها في معبد كهف كارناسي المقدس.. أخذت هذه الأفكار البغيضة تنتشر في الوادي إنتشار النار في الهشيم, إلى الحد الذي قررت فيه حاضرة الصعيد ودار الريح ودار صباح , وحواضر أخرى,الإنفصال تماما عن وادي الذهب, وبناء سلطناتهم المستقلة؟!
    فالبسطاء الذين جندهم المطاليق, كانوا أشد خطرا من المطاليق أنفسهم, فالمطاليق معروفون ولكن هؤلاء يعملون لحساب المطاليق خفية؟!. يقومون بما يطلبه منهم المطاليق. يرشدون عن أماكن تواجد المشردين, الذين كانت تقودهم سوميت, والتي كانت تعمل في سرية تامة, وياتون بأخبار الشايب جقندي وكل من يلتقيه من الأهالي. بل كانوا يزورون المعتقلات ملثمين ليصنفون مدى خطورة هذا أو ذاك. أو يشاركون في التعذيب والإغتصاب والقتل إذا لزم الأمر. يفعلون كل ذلك دون أن يفهموا حقيقة نفوسهم المتهرئة, التي تفتقر للضمير, ودون أن يفهموا حقيقة ما يجري حولهم في الوادي, فقد تركوا لأكاذيب السلطان وبطانته من المطاليق, أن "تعشعش" في رؤوسهم المتعفنة ووجداناتهم الخربة, دون أن يتريثوا ليدركوا حقيقة كون أن كل ما لُقنوه, لا علاقة له بالعِرق أو القداسة أو رسائل السماء, فما لقنوه لا يتعدى كونه محض أكاذيب وهراءات وأوهام!..
    لذلك عندما يختلي الشايب جقندي بنفسه, أول ما يطفر إلى سطح ذاكرته هو تلك الليلة البعيدة, شديدة الحلكة, من ليال صيف غابر, فيشعر بقشعريرة تسري في جسده كله, فينتفض كفرخ طائر بللته مياه المطر, وتنتابه حالة من الهذيان والإرتعاش, فيهتز كالمقرور الذي يقف على أهداب"صرعة" تعصف بأوصاله الناحلة, التي هدّتها سنوات الترحال والتجوال, فيتصبب جسمه بعرق غزير يروي الأرض القردود, التي أنهكتها ظهيرات الصيف "القيطوني" الحارقة, بحرّها السموم.
    أنه الصيف إذن ما يشعل في النفس الذكريات البعيدة, ففي أمسيات الصيف المتقلبة, عادة ما يختلي جقندي آخر أحفاد الجنزير التقيل, الناجين من الدّمار الأول بنفسه, فتستعيد ذاكرته وقائع وأحداث منصرمة, بحساسية المشردون الذين نقشوا على جدران معبد جبل كارناسي, أياقينهم المضادة للنسيان والتلف..
    ظل جقندي طوال عمره يحلم بوادي آخر للذهب. وادي أجمل, يعشق ناسه الحياة.. وادي بإستطاعته نسيان الحروب والإنقسامات والتشظي وحكاية الدود أبوحجل وقطع الشك. وتكرار قصة الناجين من الحروبات, التي تدمر المكان والناس والأشياء والذاكرة, وكل العواطف النبيلة .
    ظلت ذاكرة جقندي المتقدّة نفسها تقاوم النسيان بعد مقتل سوميت.. نسيان الأحقاد والضغائن والصلف والغرور, الذي لطالما جابه به المطاليق الأهالي البسطاء, الذين لا حيلة ولا حول ولا قوة لهم!هذه الصفات التي لطالما توقعوا عبر تاريخ أسلافهم المديد, منذ أطلقوا على يوم الهزيمة إسم"الإستقلال" إندثارها .. فلم تندثر بل تولدت عنها صفات أخرى أشد مقتا وسوءاً..
    والآن , وبعد كل هذه السنوات.. تم إغتيال بذرة الحلم, وروح والتفاؤل والأمل نهائيا, بل تم تقطيع أوصالها والتمثيل بجسدها, حتى لا تقوم لها قائمة مرة أخرى, فإستحال وادي الذهب إلى مكان لا يصلح للعيش البشري.. مكان مشبع بالخوف والقمع والدم والدموع.. مكان ثرواته المتنوعة محض ريع للسلطان وبطانته.. للمطاليق.. الذين يديرونه على هواهم.
    كم يلزمهم من الوقت ليعرفوا كيف يحبون بعضهم البعض ويعشقون الحياة. كم يلزمهم من وقت ليكفوا عن إيذاء بعضهم وإيذاء الأهالي. أنهم يغتالون"هُوِّيتهم".. ذكرياتهم.. ذّاكرة أسلافهم...
    (11)
    مسح الشايب جقندي من على وجهه حبات العرق المتفصد. كان الماضي كل الماضي يتقدم لينغرس في ملامح وجهه, فتنكفيء عيناه المتعبتان على طيوف التاريخ, لتغسله من خطاياه الرهيبة.. تفتحه على قلوب الأهالي الطيبين: راعشا كنبض الحب, ودافئا كطقس "جدع النار".. مؤرقا كالحنين.. وغزيرا كمطر "العِيْنّة" في تلك الليلة البعيدة, التي إحترق فيها وادي الذهب, وتحول لكتلة من اللهب الكلي ,الذي يتغذى من دماء قطع الشك. كانت ألسنة اللهب ترفرف عالية, وأشجار القمبيل والقنا و"قش النَّال" يتحول إلى "هَبود" دامي..
    نعم, غزيرا كمطر"العينة" في تلك الليلة التي في رحم الغيب, التي لا محالة ستأتي لتغسل عار المطاليق وهم يدسون مزيدا من السم للأطفال المشردين:
    "لكنهم لم يموتوا!"..
    أسر الشايب جقندي لنفسه..
                  

08-24-2011, 03:15 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    كان الأطفال المشردون قد فقدوا عائلاتهم في حروب العشيرة الملكية, ضد بطون وأفخاذ وعشائر الوادي, ففقدو دفء الأسرة والماوى, وأفترشوا الطرقات الكئيبة, الخارجة لتوها من الحروبات والإنقسامات الداخلية, لتتهيأ لحروبات وإنقسامات جديدة. كانوا يعانون الجوع والحرمان, وبكل الإنهاك الذي إعتراهم, دفعهم يقين خفي,غامض لإعتقاد كاذب بأنهم يوما ما سيحصلون على طعام شهي, عندما جاءهم المطاليق في غمرة هذا اليقين المضلل, ودعوهم لوليمة فاخرة, في تلك الأمسية المتفردة بظلمتها المبكرة, وبعد أن غادروا الوليمة بوقت ليس قصير, بدأوا يتساقطون موتى واحدا تلو الآخر, على الممرات الطينية الضيقة, التي تشق وادي الذهب طولا وعرضا!.
    همهم الشايب جقندي وهو يسر لنفسه:
    "يظنون أنها الوسيلة المثلى للتخلص منهم!, في الحقيقة التخلص من سؤتهم هم, لكنهم لم يقتلوهم.. لم يموتوا فقد كسروا حاجز الصمت.. قتلهم "كسر ضهر السلطان ومطاليقه كسرا لا ينجبر"..
    وبالفعل كان الوادي وقتها يتململ.. بكل غموض جراحاته, نازفا في خوفه وهلعه, مرتاعا من فكرة"التفتيش" في دواخل سكانه المنهوبين, الذين لطالما صموا آذانهم وأغلقوا عليهم أبواب بيوتهم, بعد أن أغلقوا عيونهم وأفواههم, وفتحوا كل الغرف المغلقة لكوابيس المطاليق!..
    قبلها كان جقندي مشبعا بالخيبة, وهو يحمل رسالة "الجنزير التقيل", التي لا يريد أحد سماعها.. كان يحملها كتهمة أو لعنة أزلية.. حملها وحده وقرر المغادرة إلى السهل الفسيح, في أطراف الوادي. لم يكن ثمة خيار أمامه سوى الرحيل, فمنذ تعرض الأهالي لكل ذاك القمع والتقتيل, الذي سبق وتلى مقتل "سوميت" أغلقت كل الأبواب بوجهه!..
    مضى دون أن يأبه للأهالي الذين جعلهم الخوف من بطش المطاليق, يتراجعون عن فتح أبوابهم المغلقة كي تضيء النار المقدسة بيوتهم.. كانوا يخشون "شعلة المعرفة", وربما يتصورون"محقين" أنها قد تحرقهم وتحرق بيوتهم, كما فعلت ببيت الدود أبو حجل قبل عشرات السنوات..
    كان الدود أبو حجل الجد الأكبر لأبو شوتال, المغرم بتقطيع الأوصال, عندما يخلد للنوم يظل يفكر في"قطع الشك" وما بين فخذيه ينتفخ, حتى ليكاد يتفجر مع تصاعد النبضات المتسارعة, في كل عروق جسمه, لكنه كان يجهل تماما ما عليه القيام به. بعد ذلك يغوص في نوم عميق, فتدهم قطع الشك أحلامه: يرى نفسه يحاول رؤيتها.. تخرج إليه متلفعة بشفق المغيب, تتبعثر الكلمات في فمه. تدهشه هالة الضوء التي تكلل رأسها, تنعكس على وجهه, تبدد قتامة المكان والعباءة السوداء, فيلوح جسدها خلف ستار رقيق شفاف يرى خلاله كل شيء, حتى الأرض الموحشة المقفرة, خلف دارها المتدثرة في صمت وعزلة الوادي, فلا يجد شيئا ليقوله لها, فينسحب, وعندما يفيق يجد نفسه مبتلا بللا غزيرا. منذها قرر سرقة شعلة المعرفة. ليهرب فيما بعد إلى السهول الواسعة.
    هذه السهول التي يهرب إليها جقندي الآن, مختليا بنفسه عندما تتناهشه الهموم.. حيث لا تصل إلى مسامعه في السهل الممتد الأصوات العالية للأطفال, وهم يلعبون "الشليل" على ضوء القمر, أو يركضون خلف "المرافعين" عندما تغطي سحابة هاربة, كتلك السحب التي أغتصبت قطع الشك في ظلمتها, بعيدا عن البدر المنير وحفيف سبيط النخل, أو أنين السواقي التي كانت لا تزال تجهش بالبكاء الحار, الذي يثير أشجان الأرض, ويشعل فيها اللهفة بكل ظمأ الجفاف والقحط الأزليين للحنان الدفاق. أرض "الروح العظيمة" الواسعة, التي خلقها لِعِيَاِلِهِ الرُّحَلْ, الذين خلفوا الشايب جقندي وراءهم لعدة مواسم تلبية لرغبته في إيصال رسالة "الجنزير التقيل", إلى هذا العالم الكئيب والحزين حد الفوضى والجنون.
    الخالق الآن غاضب جدا على عِيَالِهِ, غضبا أشد من غضبه في ذلك الوقت السحيق, إثر إغتصاب الدود لقطع الشك. كان غاضبا من النزاعات حول أرض الذهب, وإنقسام الناس دون سبب. وكان جقندي لكل ذلك حزينا جدا.. كان مرتاعا ومروعا, يشعر بأن ثمة كارثة تلوح في أفق الوادي الحزين, فقرر الرحيل لا يمنعه شيء, سوى إنتظار عودة قومه المراحيل, الذين كانوا وقتها يعبرون شوك القتاد, لا يأبهون لزفيف رياح الخماسين.. أو عجاج القبلي, ولا يتجنبون في مسيرهم مسارات الرعي, و"هبوب العِيْنَة" البعيدة, وهي تبشرهم بخرائف مثمرة, ومطر يغسل غباش الأرض.. والريح .. ريح "الهبباي" الرطبة التي تلسع الوجه والقفا .. لم يكن ثمة شيء بإمكانه إيقافهم.. يثنيهم أو يعوق مسيرهم: لا البرق "العبادي" ولا أعاصير الشيطان.. مضوا في رحلتهم الأبدية, من أقصى السافل إلى أقصى الصعيد, ومن أقصى الصعيد إلى أقصى دار الريح. وهاهم الآن في طريقهم إلى دارصباح, يغذّون المسير بإتجاه النّهر, الذي لطالما عبروا إلى منبعه, وهم يحيوّن أسراب الأوز والعصافير البريئة !..
    هكذا يعاودون ترحالهم الأبدي, من أقصى دار صباح إلى أقصى دار الريح , حيث لا نهر يعومون فيه سوى تلك الوديان, التي يغتسلون من "مشيشها وجمامها", كما تغتسل غزالات وادي الذهب والصبايا العذراوات..
    يظلون يتغنون ب"القش والسعية" وخرير "السباليق" في المدن القديمة المنسية, ببيوتها الواطئة التي يمرون بها في طريقهم. فلا يخلو غنائهم العذب الأسيان, من حزن مقيم على ضياع الوادي, الذي تجيء بأخباره المراسيل, التي تؤكد أنه يوشك على نهايته الفظيعة والمريعة !.
                  

08-24-2011, 03:17 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    وقتها كانت مسارات الرعي, والطرقات والدروب المؤدية إلى وادي الذهب, ملفوفة في الضباب الذي غلّف حتى الأبواب والشبابيك والأشجار, التي أمام البيوت. ووسم "وجويج" الطير و"قوقاي الحمام والقماري" بالألم, إذ تتسربه أغنية الدود وقطع الشك, في مناحة ملؤها الحزن والأسى واللوعة.. يتخللها طيف الجنزير التقيل, في كل شطر بكل عنفوان الجرح الأزلي, وهو يُودع حشرجاته الأخيرة روح ريح الخماسين الضّارِية, التي تسكن الوادي. في محاولاتها الدؤوبة للإنعتاق والإفلات, إلى طريق يفضي إلى بلاد أخرى لا تعرف الخوف, ولا تشوبها شوائب الماضي الحزين, وفي محاولة أخيرة لبعثرة أسرار ظلال الحاضر, الذي تراكم عليه غبار الجشع والجبن والأحقاد, لتذروه في الفراغ اللانهائي. مسقط رأسه الأول, حيث الرّحم اليابس كغيمة عقيمة, لا تمطر سوى "العجاج والكتاحة" وعصار الشيطان والبروق الكاذبة!..
    لماذا هكذا هو وادي الذهب ؟! كلما رغبت ريح الخماسين في تحريره, زاد تجبرا وجحودا ونكرانا.. كأنه لم يكن يوما تلك الفكرة الوادعة, التي كانت في خاطر "الروح العظيمة" يوما!..
    إذن إختلى جقندي بنفسه دون أن يأبه لتقلبات أمسيات الصيف, وهو يستعيد ذكرى خراب قديم: عندما رأى المطلوق الدود أبو حجل, الجميلة قطع الشك للمرة الأولى, عندما كانت تملأ "قِربتها" من الغدير..
    لم يخطر على بال الدود قبلها أن"الروح العظيمة" من الممكن أن تخلق من هو أجمل منه, هو الذي لطالما أدمن تمعن صورة وجهه المنعكسة على سطح الماء, يتأمل جمال صورته ويتغنى بها, في القصائد التي يحملها العابرون إلى "مالحة" حيث وادي الملح في أقاصي دار الريح, لتعود عابرة حدود دنقلا العجوز وتمضي عبر حدود السافل, وتعود لتصعد مع النهر, تتخلل جبل "موية", متجهة إلى حيث الهضاب العالية, حيث أودع الخالق الجبال والكهوف أسرار الحياة..
    لكن طيف عينا قطع الشك الفاتنتان, يقمع الآن إفتتانه بنفسه. يلوح على سطح النهر مموجا وجهه, الذي يتبدد في الدوامات الصغيرة لعينيها. فيغضب الدود. يحاول إقتلاع عيني قطع الشك من صفحة الماء, الذي ما أن تتبدد دواماته المتموجة, حتى تعاود مرة أخرى تبديد صورته, فيشتد غضبه أكثر فأكثر .
    وقطع الشك مولودة الحمام, التي تأكل لبن الطير من مناقير الحمام, كانت لا تمضي في الظهيرات الغائظة إلى أي مكان, إلا والحمام يتقدمها ويحفها بأجنحته, من حر الصيف "القيطوني والعجاج وشكشاكة" المطر, ولا يفارقها إلا عندما تتسحب الشمس, خلف الأفق الغربي البعيد, لتلفظ آخر أنفاسها وتتهشم في مقبرة الأتون الأزلي.
    عندما كمن لها الدود في المرة الأولى,عند إحدى منعرجات الوادي, ذات ظهيرة غائظة, سارع الحمام لإخفائها عن عيون الدود المنحرفة.. لم يكن الدود يرى سوى الحمام.. حاول إختراق أسرابه.. حملها الحمام على أجنجته وطار بها بعيدا.. بعيدا طار بها الحمام.. إلى قلب بندر الوادي المحاصر بالجبال والسهول, وقتها كانت قطع الشك "بِنَيّة" صغيرة لم تكتمل أنوثتها بعد, فظل الدود أبوحجل يخطط ويدبر, والأيام والشهور تمضي ببطء, كأن كل شيء في الوادي قد توقف, دون أن تلوح له بارقة أمل للإنفراد بقطع الشك, إلى أن كانت تلك الليلة المظلمة ,عندما خرجت قطع الشك دون أن يتبعها الحمام الغارق في الوسن.
    عندما تستعيد سوميت الآن حكاية جدتها حجب النور, التي هربت في ذلك الزمان لبعيد مع أحد الرُّحَلْ, عندما كان الوادي وقتها خارجا للتو من الجفاف والتصحر, الذي أهلك الزرع والضرع, ولم ينج فيه من الأهالي سوى القليلون,ممن تشبثوا في إستماتة بالحياة.. عندما تستعيد ذلك تترى على ذاكرتها صورة "حبوبتها" كاكا ووالدتها أم كوراك.. فتهيمن على خواطرها تلك العشيات, التي كانت وأطفال الوادي يلتفون فيها حولهما لسماع الأحجيات..
    كانت كاكا تتكيء في عنقريبها في قلب "الحوش", بينما أم كوراك تجلس متحكرة على "البنبر" وحولهما الأطفال يفترشون البرش على الأرض, بعد أن تكون أم كوراك قد أوقدت النار بين "اللدايات", وهي تتشبث بعباءتها السوداء, التي لا تظهر منها سوى عينيها الواسعتين.. وتبدأ "حبوبتها" كاكا تحكي عن الرُّحل الذين تحن إليهم وعن الوادي العذاب وعن والدتها حجب النور, ثم تبكي كأنها تتذكر حبيبا بعيدا. لم تكن تحاول إخفاء دموعها أو تحاول مسحها بأصابعها المعروقة أبدا..
    كانت سوميت فتاة مرحة وحيوية, قضت كل حياتها في الوادي. تعلمت من حياته القاسية الصبر, وأكتسبت مناعة ضد شقاوة الصبيان.. كانت كاكا تضفر لها شعرها الأجعد في جدائل كبيرة تشبكها إلى الخلف. لم تكن تخشى طيلة حياتها سوى شيئا واحدا: أن يختطفها المطاليق خفية, فلا يعرف مكانها أحد, فقد كانت فتيات كثيرات في مثل سنها قد إختفين بطريقة غامضة, دون أن يعثر عليهن على أثر, فمن قائل أن المطاليق هم من إختطفوهن, ومن قائل أنهن هربن يتبعن رجل من المطاليق أحببنه, كما كانت جداتهن تفعلن.
    كانت سوميت تختلف عن جدتها حجب النور إختلافها عن قريناتها فيما يخص شأن القلب, إذ لم تحلم أبدا مثلهن بفارس يأتي على ظهر فرس أبيض, أو بعير من سلالة النوق العصافير, ليختطفها ويتنقل بها في مضارب الرُّحَلْ, من مكان إلى مكان. ولم يخطر على بالها أبدا أن تحط رحالها مع حبيب يقذف إليها برسن بعيره, لتربطه في شباكها العالي وتتدلى إلى ظهر البعير, الذي يخب بهما الصحارى والوديان, إلى أن يصلا إلى شاطيء البحر الكبير, فيركبا مركب أو "طوف" أحد الصيادين ويبحران عميقا, حيث جزيرة نائية. يعيشان فيها وحدهما لا يؤانسهما سوى كائنات البر والماء والطير..
                  

08-24-2011, 03:19 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    لم تكن تحلم مثل هذه الأحلام أبدا. ولذلك لم يكن لديها تصورا محددا لفارس حياتها, الذي لم تفكر فيه على الإطلاق.. فقد كان كل تفكيرها منشغل بهذا البؤس, الذي ينضح في وجوه أهالي الوادي..
    كان المشردون الذين أصبح جقندي وسوميت وست البنات وعاشميق يرعونهم, لا يقيمون في مكان واحد, فعاشميق الذي كان قد تجاوز سن المراهقة,وبإعتباره أكبر المشردون سنا, كان يقيم وحده, في طلل لبقايا دار قديمة, قرب "كِتراية أم مواكح", التي توسطت "قوز المطيرق", بإتجاه الطرف الغربي لبندر الوادي. بينما ست البنات المراهقة الصغيرة أقامت مع سوميت, وأقام أقرانها وقريناتها من الأطفال المشردين والمشردات, في مكانان: "حفاير المطاليق وأرض المطمورة" المتجاورتان, قريبا من المدخل الجنوبي لبندر الوادي, حيث تنهض شجرة "التومات العجوز".
    في ذلك المساء البعيد وبعد أن أنهى المشردون بناء دارهم الكبيرة, التي سيعيشون فيها لأول مرة جميعا كأسرة واحدة, أشعل إكتمال بناءها خواطر عمسيب الدافئة, التي إنطلق عنانها لا يلوي على شيء, وهو يرسم صورة زاهية لحياته المقبلة مع ست البنات, التي تدنف بها عشقا.. فأخذ يتخيل ذلك اليوم الذي, سيحصد فيه حواشته الكبيرة –التي لم يمتلكها بعد- والتي تتجاوز مساحتها الألف عود.. ويتزوج من ست البنات نوارة مشردات بندر الوادي.. التي يراها الآن تجلس على "البرش يكجر" لها إخوتها المشردون "الفركة", بعد أن يزوجه جقندي إياها, ويسيرهما المشردون إلى النيل, ليغتسلان إتقاء لشر قطع الشك, التي تسكن قاعه, ليدخلان بعد "السيرة" إلى دارهما.. وقبل أن يخطيان بقدميهما اليمنتين باب دارهما, يلطخ المشردون بابها وجدرانها بأكفهم التي غمسوها في دم الذبائح..
    دارهما وحدهما التي سيملآنها بالأطفال.. أطفال يأخذونهم إلى النهر في السبوع, بعدها يعرجان على جقندي لينالوا بركته, قال لست البنات ذات مرة:
    سأشتري لك أرضا كبيرة , أكبر من "سهلة أم بطيخ ووادي الكليوة أم قجة".. نزرعها معا, وسأبني لك فيها دارا كبيرة.. أكبر من "جنقل" السلطان, ياوي إليها أطفالنا الذين سندفن كل "سررهم" في قلب الدار حتى لا يفارقوننا أبدا..وبالطبع لن نختن البنات.. سنتركهن غلف, فهذا أفضل لهن.. وعندما أجيء متعبا من الزرع, أجدك قد أنهيت طحن الذرة في "المرحاكة", وما أن تريني حتى تبدأين في "الشكوية" اليومية المعتادة: "حطب النار كمل,وجع الضهر.. العواسة ..."
    وكانت ست البنات تضحك بخجل طفولي..
    كان عاشميق على الرغم من أنه للوهلة الأولى يبدو "كمطرطش", إلا أنه كان ذكيا واسع الأحلام والخيال.. ومع ذلك لم يكن يخطر على باله أبدا ما تخبئه لهما الأيام..
    ومثلما كانت قطع الشك هي إبنة الحمام, كان الدود هو إبن دماء العذراوات, فقد كان والده "بادي" الشقيق الأكبر للسلطان مطلوقا غريب الأطوار, إذ كان يتغذى على دماء العذراوات, ويحوِّل ما تبقى من دمائهن إلى سبائك ذهب.
    بينما كان متوجها إلى داره عند أطراف حاضرة الوادي, في إحدى الأمسيات, عائدا من إحدى سفراته إلى دار الريح, رأى "البنية" الجميلة "ست الدار" وهي تحمل حزمة حطب.. كانت في البدء تمشي بتكاسل تغذيه رغبتها في الإستمتاع بنسائم ذلك الصيف الحميم, الذي أشعل في خواطرها منذ مقدمه, أغنيات الحب الهامسة بلمسات تتخيلها, تتشكل أمامها كطيف.. تحاول الإمساك بها فتتبدد في فراغ الوادي.. كانت "البنية" ست الدار في أوج مراهقتها, التي يقلقها حتى مجرد خرير الجدول, أو حفيف الأشجار, أو ذلك اللحن الموحد الذي تعزفه طيور الوادي, فيجعل كل التكورات البارزة في جسمها تنتفض بشدة.. حاولت الإسراع في الخطى وسماء الوادي تتلبد بالغيوم على حين غرة.
    كانت السماء على وشك الإمطار. سقطت منها حزمة الحطب. إنحنت لترفعها, لكن كانت يد "بادي" أسرع. هكذا إنتصب أمامها فجأة على نحو مباغت, دون أن تشعر بخطواته, التي كانت تتبعها, وكانا قريبين من داره المحاطة بالأسوارالعالية. فدعاها للإحتماء,على أن يأخذها إلى دارها بعد أن يتوقف المطر عن الهطول. تمنعت في البدء, ثم وافقت بعد تردد ليس قصير, مدفوعة بأحاسيس غامضة. وعندما توقف المطر أرادت أن تغادر, فرفض. منعها من الخروج وحبسها بين جدران داره الحصينة. أدركت أنها تورطت. كان شعورها مزيج من الخوف والهلع والحزن, حاول تهدئة خواطرها لأيام وأسابيع, إلى أن تمكن منها اليأس فلاذت بالصمت, وأصبحت فقط تنفذ رغباته دون إحتجاج.. دون إستنكار.. دون كلام.. بصمت تام. إلى أن شعرت بأعراض الحمل, الأمر الذي أسعده كثيرا وشجعها على التخطيط للهرب.
                  

08-24-2011, 03:21 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    عندما أصاب الوادي القحط والجفاف, لجأ الاهالي إلى السلطان, الذي حولهم بدوره إلى بادي شقيقه الأكبرورئيس مجلسه السلطاني, الذي كان وقتها قد تقدم للزواج من بنت وراق جدة ودالتويم التي كان والدها التويم الأكبر ذا حظوة عند السلطان, فرفضت بنت وراق الزواج من بادي لما كان يحيط بحياته من غموض وشائعات, فوجدها فرصة مواتية للحصول على بنت وراق أو قتلها فأخبر الأهالي أن هذا الأمر لن يفتي فيه سوى "معراقيي" دار الريح, وبالفعل جلب بعض مطاليقه هناك, و الذين كانوا قد تنكروا بهيئة المعراقيين, فأخبروا السلطان والأهالي أن المطر لن يهطل والنهر لن يفيض, مالم يعطى النهر قربانا: أجمل فتيات الوادي اللائي يتوجب أن تكون من علية القوم.. وكانت هذه المواصفات تنطبق على البِنَيَة بنت وراق صديقة العصافير والحراز..
    بعد تردد وافق الجميع على هذه الفتوى. وقتها كان بادي قد تمكن من لقاء بنت وراق فجدد عرضه لها بالقبول به زوجا كي يتمكن من إنقاذها, لكنها فضلت أن تقدم قربانا للنّهر على الزواج منه. وفي اليوم الذي سيروها فيه إلى النّهر ليبتلعها في أعماقه السحيقة.. أمطرت السماء مطرا مالحا كالدمع, وفاض النيل بطمي أحمر قان كالدم وخرجت حورياته يبكين في حزن شديد, ويبست أشجار الحراز المخضرّة يباسا شديدا.. وكانت دموع بنت وراق التي زرفتها على الشاطيء قبل أن يبتلعها الموج في أحضانه, قد أنبتت زهورا بيضاء أكثر بياضا من الحليب. وكان بادي مكسور الخاطر حزينا وغاضبا. إمتلأت دواخله بالحقد والشرور, فأخذ يختطف عذراوات الوادي في خفية من أهلهن ويحبسهن في قصره الذي لا يستطيع أحد الإقتراب منه..
    عرف بادي كثيرا من النساء والفتيات في حياته, لكن لم تمنحه أيا منهن الولد, الذي يمكن أن يعينه في مؤامراته ضد أخيه السلطان, الذي إنفرد بسلطة أبيهما وحده دون شريك. كان بادي من النوع الذي لا يقبل هامش أو فتات السلطة, التي يجود بها أخيه عليه. كان يريد السلطة كلها..
    وهكذا تبدلت ست الدار قليلا, فهي من ستمنحه أخيرا الولد الذي يحلم به. هجرت الصمت وأخذت تحاول نيل ثقته. بدت له كأنها قبلت بحالها وأستكانت, وكأن ما يجري لها هو قدر مكتوب يجب القبول به. وكان هو قد إنشغل بحملها, الذي كرس له كل وقته, متناسيا مشاغله الأخرى, إلى أن دهمه ذات فجر شاحب متلفع بغسق صحراء دار الريح المغموسة في عجاج القبلي الساخن, "مرسال" من مطاليقه, الذين كان قد أهملهم في غمرّة إنشغاله بحمل ست الدار.
    أسر له المرسال بكثير من التطورات وسط المطاليق, الذين كان يعتني بهم منتظرا اللحظة المناسبة للإنقضاض على الوادي, والإستيلاء على السلطة. وهكذا ترك "المرسال" للإعتناء بها في غيابه و قرر المضي إلى دار الريح, حيث مطاليقه الذين لأول مرة يغيب عنهم كل هذه المدة.
    أعطى بادي لست الدار مفاتيح الغرف جميعها, وأبقى مفاتيح بوابات الدار الحصينة معه, وأوصاها أنها حرّة في أن تفعل ما تشاء, عدا شيء واحد هو الدخول إلى غرفته المغلقة.
    وقتها كانت ست الدار في آخريات أيام حملها بالدود أبو حجل. وهكذا في غياب بادي ولد الدود أبو حجل, الذي لم يحصل مثل أقرانه المواليد على "مضغة البلح" من فم "شياب" الوادي الصالحين لينشأ حسن الأخلاق, وليأخذه أبويه إلى النهر في "السبوع", كما ولم ترسم له ست الدار علامة "الأيقونة" على جبينه ب"الكحل" لتحميه من الشرور, وكما لم تجد هي نفسها من يأخذها إلى النّهر في "أربعين النفاس" للتطهر ملوحة بجريد النخل.
    حدثتها نفسها ذات يوم أن تفتح تلك الغرفة, التي حظرها عليها بادي, لترى ما بداخلها, وفي خفية من المرسال ذات فجر مزق عذريته صياح الديكة المعتاد, فتحت الغرفة.. و..
    وتسمرت قدماها على عتبة الباب لهول ما رأت.. كانت جثث لفتيات علقن من أياديهن إلى سقف الغرفة, والدماء التي سالت منهن, حملتها مجاري رفيعة, إلى أوعية كبيرة إرتبطت بدورها بشبكة من المواسير الرفيعة, التي تؤدي إلى إناء في فرن صغير, شيد ملتصقا بجدار الغرفة, تناثرت على سطحه سبائك الذهب!...
    صرخت ست الدار صرخة مروعة, إنتزعت المرسال من أعماق كوابيسه المرعبة..
                  

08-24-2011, 03:23 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    في ذلك الفجر كان قلب بادي قد إنقبض على نحو مباغت, فترك المطاليق ومضى يغذ المسير نحو الوادي, وعندما وصل أخبره المرسال بكل شيء. فدخل على ست الدار غرفتها. أخذ الدود من حضنها وأعطاه للمرسال, الذي كان يقف بخنوع عند عتبة الغرفة, منتظرا أوامر سيده. أخرج بادي شوتاله من جفيره وهوّى على ثمرة فؤاد ست الدار بطعنة واحدة. فعل كل ذلك في هدوء وبدم بارد, كأنه لا يفعل شيئا.صاحت فيه ست الدار في نزعها الأخير:
    "تكتلني" يا عبد السافل .. أكال الضبابة.. يوم كتال السافل ما إتغتيت بشملة أمك, وإتدسيت تحت السدرات, وهربت لي دار الريح ..)..
    "صرصر" بادي سنونه وطالت أنفه وأذنيه وأخذ"يقنِت".. فأردفت بصوت واهن متحشرج:
    (سويتها فيني يا أبوسيقان ..يا قراش سنونك.. يا أبو ركبين.. )..
    فعاجلها بطعنة أخرى في القلب تماما, فصمتت إلى الأبد.. وبعد أن هدأ قليلا, مسح دمها على جلبابها, وأعاد الشوتال إلى الجفير. ثم أخذ الدود بين زراعيه وأخذ يقبله بلهفة.
    هذه النشأة المأساوية, ربما هي ما جعلت الدود بهذه القسوة, التي لا مثيل لها. إذ كان لا يرى سوى نفسه, ولا يرغب في أن يكون هناك على وجه الأرض, من يفوقه جمالا, حتى لو كان أنثى. خصوصا أنه لم يكن يتوقع أن يتعرض للرفض من أي كان, سواء كان ذكر أو أنثى. لذا أزعجته سيرة قطع الشك التي سار بصيتها الركبان, فوصلت أركان القبل الأربعة.
    فقد كان الجميع مفتونون بجمالها الذي لم يروه. جمالها الملائكي الساحر الذي تشي به عيناها الدعجاوان. فقد كان جسمها دائما مكسوا بعباءة فضفاضة, لا تظهر منه سوى تلكما العينين الساحرتين.الواسعتين كبحيرتين صافيتين.هاتان العينان ألهمتا الشعراء, وأطلقتا في أخيلتهم ملايين الطيوف الساحرة, التي تغني أعذب الكلمات وأصدقها في الحب والجمال.. وبالقدر نفسه أشعلتا في الدود نيرانا لا أول لها ولا آخر, كنيران التنين الذي أرسله"الروح العظيمة"فيما بعد لدمار عالم الوادي, موغل البؤس والوحشة والعذاب.
    لم يستطع الدود مقاومة رغبته العارمة, في رؤية صاحبة هاتين العينين, فكمن لها للمرة الثانية في ذلك المساء الذي ألقى بظلاله مبكرا. هجم عليها ومطاليقه.
    لحظتها كان الأهالي قد تقاطروا على الجنزير التقيل, ليتوسل لهم "الروح العظيمة" كي ينزل المطر. فالجفاف كان يهدد حياتهم وحياة أبقارهم,ويستعيد إلى ذاكرتهم "سنة النيل الَّلَّمّ الناس من نجعة أم لحم", عندما أنفض الأهالي من حوله ودخل داره, أخذته سنة من النوم, إنتقلت خلالها روحه إلى السماء البعيدة, حيث وجد المطر محتجزا خلف سد جليدي ضخم, وفجأة ظهرت أمامه قطع الشك تتبعها حماماتها, التي تقدمت نحو السد الجليدي, تنقره برفق إلى أن أحدثت فيه ثقبا, أخذ شيئا فشيئا يتسع إلى أن إنهار السد تماما. وتدفقت المياه. لحظتها أفاق الجنزير من غفوته على وقع حبات المطر, التي تتساقط في الخارج, فنهض وخرج إلى قلب الساحة التي تتوسط الوادي, فوجد الأهالي يرقصون "الكمبلا" تحت المطر, وعلى رؤوسهم قرون الثيران الذبيحة. كان إحساسا خفيا يهيمن عليه ويقلقه. شعور غامض بأنها بداية النهاية للوادي كان يتحكم فيه.
    ومنذ حلقت روح قطع الشك إلى السماوات البعيدة, أصبح الدود كالمجذوب. هائما في البرِّية يتغنى بجمالها الفريد, وظلت روح قطع الشك الهائمة تعترض طريقه, وطريق المطاليق والسابلة, لتزيد جنونهم وجنون العالم جنون, إلى أن إنتشر غمام كثيف في إحدى الليالي المظلمة, التي تشبعت "بعجاج الهبباي" وهدر الرعد وأخذ البرق العبادي يحاول في إستماتة, تبديد الظلمة الكثيفة بين آن وآخر.
    ليلتها نزل مطر كثيف "حزم البيوت" وهدمها, وبعد أن توقف "فجّ" طيف قطع الشك السماء ونزل. كانت قطع الشك حبلى, فولدت طفلا جميلا. وضعته على مهد من جريد النخل, وأخبرت الجميع أنه يحمل رسالة يريد أن يبلغها لهم, فالتفوا حوله تتآكلهم الدهشة البالغة.
    كانت رسالة إبن قطع الشك, هي الرسالة نفسها التي لطالما حدثهم عنها الجنزير التقيل, الذي ما أن صمت الطفل, حتى لملم أطراف جلبابه ومضى بإتجاه داره. أخذ عياله وأقاربه ومضى إلى جبل كارناسي, مخلفا وادي الذهب وراءه. وقتها كان الأهالي المتحلقين حول قطع الشك, قد غابوا في سجدة طويلة, لم يرفعوا عنها إلا بعد وقت طويل.
                  

08-24-2011, 03:26 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (12)
    الأهالي الذين لم تفارق الدهشة وجوههم منذها, لم يذبحو الثيران البيضاء ليقدموها قرابينا للفقراء والمشردين, كما أوصاهم طفل قطع الشك. لم يضعوا قرون الثيران على رؤوسهم ليغنوا ويرقصوا(الكمبلا) كما أعتادوا في المناسبات الخارقة, ليبلغ صوت غنائهم وضربات أقدامهم على الأرض,عنان السماء البعيدة, ولم يغرسوا قرون الثيران على أبواب بيوتهم لطرد الأرواح الشريرة, فقد كان المطاليق قد إنتشروا بينهم مكذبين كل شيء, ملوحين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
    كان شعور الأهالي إذن مزيج من الدهشة, التي زرعها الطفل في عيونهم, والخوف والرعب الذي زرعه المطاليق في قلوبهم. وعلى الرغم من أن المطاليق أمروهم بإخلاء المكان, لم يفعلو فقد كانت أقدامهم وأقدام المطاليق, قدتسمرت على الأرض لساعات طويلة, كان المطر خلالها يتوقف ليهطل مرة أخرى.
    توقف المطر تماما وظهر البدر منيرا لوهلة بكامل بهاءه وجماله.. ناشرا ضوءه على الوادي شديد الحزن واللوعة, ثم لم يلبث أن غاب في ثقب أسود لاح في قبة السماء, وأخذ يدنو منه في سرعة خاطفة. أخذ القمر يتضاءل شيئا فشيئا, إلى أن أطبق عليه الثقب وغاب تماما..
    وقتها كان الدود قد تمكن من إنتزاع قدميه, فأخذ يركض هائما تجاه البرِّية يتبعه المطاليق. كان قد إنجذب تماما. فأخذ يركض بسرعة خرافية, فلم يتمكن أحد من المطاليق من اللحاق به.. ركض وركض حتى توغل في مجاهيل دار الريح, ولم يتوقف إلا بعد أن نال منه الأعياء والتعب, والإحساس الشديد بالجوع والعطش. لمح شجيرة قضيم فأراد أن يقطف من ثمارها البيضاء ما يتقوت به. أخذ يلتهم ثمار القضيم البيضاء كاللبن, إلتهام من لم يذق طعاما لسنوات طويلة. وكان يتمتم بين الفينة والأخرى, بكلام غير مفهوم حول قطع الشك, كأنه يخاطب طيفا لها يختفي ويبين. طيفا لا يراه أحد سواه.. إلى أن غاب في غيبوبة طويلة قرب شجيرة القضيم, في اللحظة ذاتها كانت العنقاء تحلق فوقه..
    كانت العنقاء كأن السماء إنشقت عنها ورمت بها تجاهه لتنهشه نهشا.. إنقضت عليه.. سالت دماءه تحت شجرة القضيم, تروي عروقها الظمأى, فأخذت ثمار القضيم تتحول شيئا فشيئا إلى اللون الأحمر..
    وهناك في اللحظة ذاتها, حيث الأهالي الملتفين حول قطع الشك وطفلها, اللذان بدأا يرتفعان ويسبحان في بحر الهواء, إلى أن إختفيا تماما عن أنظار الأهالي, ليطلان على جبل كارناسي,الذي فرغت فيه العنقاء لتوها, من تعليق جثة الدود عاريا, وأخذت تنهش كبده, الذي كانت ما أن تفرغ من إلتهامه, حتى يخلق له "الروح العظيمة" كبد آخر.. حتى يدوم عذابه مع معاودتها النهش.. وهو يصرخ صرخات أليمة, فزعة ترتج لها أركان الوادي, بل إخترقت حتى جدران جبل كارناسي, الذي إختبأ فيه لحظتها الجنزير التقيل وأهله مع الأطفال المشردين وبعض الأهالي.
    بعدها كانت مخلوقات "الروح العظيمة": التنين والخرتيت في طريقهما إلى الوادي, يلحقان بالعنقاء التي كانت ما أن تنهي نهش أحد أكباد الدود المتجددة, حتى تمضي لتنهش الأهالي.. الذين كانوا يحاولون الهرب من طعنات الخرتيت.. كان الأهالي بين قتيل ومحتضرعندما نفث التنين من أحشاءه الفسفور, ثم تبعه بغاز الميثان, فاشتعلت النيران في كل أنحاء وادي الذهب.
    وقتها كان الأهالي الناجين والمشردين, متقرفصين حول الجنزير في معبد كهف جبل كارناسي المقدس, والخوف يلتهمهم إلتهاما. كانوا يدركون أن العالم, الذي لطالما ألفوه يحترق في هذه اللحظة بالذات.
    أحمد ضحية
    سالسبري – ميريلاند
    أغسطس 2011
                  

08-24-2011, 03:30 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    للكاتب:
    مارتجلو ذاكرة الحراز - رواية
    لانجور: مناخات التحفز(جزئين: كولاج - مذكرات الحب والحرب) رواية
    لاوطن في الحنين(جزئين: المخطوطة السرية - تجاعيد ذاكرة البنجوس) رواية
    أشجان البلدة القديمة: رواية
    ثلاثية ملكة العزلة(رائحة الشعراء – أرض النبوءات - شهرزاد غفوته المؤجلة) رواية
    ثلاثية البلاد الكبيرة(المطاليق – الرُّحَلْ - الوادي) رواية
    أسرار: رواية
    نافذة للحنين .. نافذة للشجن: قصص قصيرة.
    في شرخ المشروح: قصص قصيرة.
    السرد والرؤى(1)(قراءات في السرد السوداني)- نقد
    السرد والرؤى(2)(قراءات في السرد العربي)- نقد
                  

08-24-2011, 08:24 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)ثلاثية البلاد الكبيرة:
    الوادي والبندر..
    (الجزء الثاني)
    رواية
    في شأن الوادي والحب والأسلاف
    أحمد ضحية

    I
    على قيف الشاطيء الوحيد, المتوحد في عزلته المجيدة, كان "جقندي" لا يزال مستلق يتقلب ذات اليمين وذات الشمال, كأنه يقضي ما تبقى من حياته بتقليب نفسه على جمر الذكرى الحارق. وعندما يلامس طشاش ماء النّهر جسمه النحيل, يرتجف لبرهة تكفي لإستعادة حياته مع "سوميت" والمشردين وجلساتهم في الكهف السِّرِّي لجبل "كارناسي" المهيب, فتتخلل خياشيمه المجهدة رائحة "سوميت" الدافئة, وهي تجلس على ركبتيها في قلب الكهف تشعل نارا صغيرة.
    الآن فقط ينتبه لرائحتها ودفئها. علمها الكثير من الأشياء. حدثها عن "العوالم السبعة".. الدمار الأول.. و"كارناسي" الشاب العاشق اليانع الجميل, الذي قتله "الخازوق" بسم أبو الدرق القاتل, فأنتقلت روحه لتسكن الجبل وتحمل إسمه.. عرفت منه حدود النهر, ومن أين ينبع, ولماذا القبلي بهذه القسوّة والجبروت.. يلسع وجوه الناس وأقفيتهم, بذرات التراب الساخنة, وكم هي سموم نيران الغيرة, التي نهشت وجدان "الخازوق".. وكان وجهها يستحيل إلى شديد السمرة, كالأرض القردود, فينتبه للمرّة الأولى أيضا لتلك الوردة الحمراء المرشوقة بأناقة, في جديلتها الكبيرة. تحدثا عن الأزهار والورود السامة, التي يستخرج منهاصيادي دار الريح السُّم..
    "يعالجونه بطريقة معينة, ويغمسون فيه رأس الكوكاب أو النشاب أو الحربة.."...

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 10-03-2011, 06:47 PM)

                  

08-24-2011, 08:59 PM

salah ismail
<asalah ismail
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 1258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    ....

    استاذنا الحبيب احمد ضحية..
    قمة الابداع...
    عمل رائع بحق...
    من البدايه الي النهايه
    استمتعت بقراءة الروايه هذا الصباح (one go)

    الروايه تخطت مرحلة التقييم علي مستوي الاسقاطات والتداعي
    اتمني ان تصدر في كتاب لوحدها...ينكم ان يؤرخ لازمان العلو والانحطاط بوادي الذهب
    محور الشخصيات واختيار الاسماء مدهش ...
    من المؤكد ان هذه ليست الديباجة الاخيرة للروايه
    لقد حان ميلاد العمالقة... من هنا من ميريلاند امريكا..
    ويا مرحبا..
                  

08-25-2011, 03:12 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: salah ismail)

    Quote: استاذنا الحبيب احمد ضحية..
    قمة الابداع...
    عمل رائع بحق...
    من البدايه الي النهايه
    استمتعت بقراءة الروايه هذا الصباح (one go)

    الروايه تخطت مرحلة التقييم علي مستوي الاسقاطات والتداعي
    اتمني ان تصدر في كتاب لوحدها...ينكم ان يؤرخ لازمان العلو والانحطاط بوادي الذهب
    محور الشخصيات واختيار الاسماء مدهش ...
    من المؤكد ان هذه ليست الديباجة الاخيرة للروايه
    لقد حان ميلاد العمالقة... من هنا من ميريلاند امريكا..
    ويا مرحبا..

    الشاعر الجميل
    دكتور صلاح
    تحيات طيبات وسلام جميل
    ورمضان كريم وعيد مبارك .. كيفك وكيف الأولاد.. أرجو ان تكونو جميعا بخير
    شكرا جزيلا كتر خيرك كتير على التقريظ
    الذي آمل أن أستحقه فعلا.
    تحياتنا لأحمد صالح وأهل نيويورك وجيرسي الرائعين
                  

08-24-2011, 11:28 PM

Afraa Sanad
<aAfraa Sanad
تاريخ التسجيل: 05-18-2009
مجموع المشاركات: 1751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    أحمد ضحية يعني الواحد يسافر شهر يلقاك بقيت كاتب؟؟؟ تحياتي لمنال
                  

08-25-2011, 03:17 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: Afraa Sanad)

    Quote: أحمد ضحية يعني الواحد يسافر شهر يلقاك بقيت كاتب؟؟؟ تحياتي لمنال

    عفراء سند
    الله يجازي محنك
    كيفك وكيف الأولاد مع قطر. الثوار وصلوا باب الدوحة ولا لسه؟
    رمضان كريم وكل سنة وإنت طيبة.وترجعوا(لأرض الوطن) سالمين وغانمين وتامين ولامين.
    الواحد لقى أنو الدنيا رمضان وكده .. ومافي حاجة يعملها قال أحسن ليهو يبقى كاتب. أصلو الأيام دي في موضة بتاعة روائيين مالية الواطة. ياالنبي نوح.
                  

08-25-2011, 04:50 PM

salah ismail
<asalah ismail
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 1258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (فوق)
                  

08-26-2011, 06:41 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: salah ismail)

    Quote: (فوق)

    شكرا جزيلا دكتور صلاح.
                  

08-26-2011, 02:00 PM

محاسن أحمد محمد
<aمحاسن أحمد محمد
تاريخ التسجيل: 10-26-2008
مجموع المشاركات: 1151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    عمل متمكن قدره فائقه غلى التسلسل والسرد
    لك التخيه وشكرا للابداع وفى نتظار الكثير
                  

08-27-2011, 03:22 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: محاسن أحمد محمد)

    Quote: عمل متمكن قدره فائقه غلى التسلسل والسرد
    لك التخيه وشكرا للابداع وفى نتظار الكثير

    الأخت محاسن
    تحية طيبة ورمضان كريم وكل سنة وإنت طيبة.
    شكرا ليك كتير.
    وأرجو أن أكون عند حسن الظن.
    إحترامي
                  

08-27-2011, 10:02 PM

محمد هارون حميدان
<aمحمد هارون حميدان
تاريخ التسجيل: 05-14-2004
مجموع المشاركات: 401

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: احمد ضحية)

    حضور ومتابعة !
                  

08-27-2011, 10:43 PM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: محمد هارون حميدان)

    دي حاجة عجيبة يا ابني والله
    كتابة متسلسلة ومتماسكة
    مدشودة الجوانب و لها موسيقاها
    وجرسها المرتب .
    يا احمد ما شاء الله يا صاحبى .
                  

08-29-2011, 06:31 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: سفيان بشير نابرى)

    Quote: دي حاجة عجيبة يا ابني والله
    كتابة متسلسلة ومتماسكة
    مدشودة الجوانب و لها موسيقاها
    وجرسها المرتب .
    يا احمد ما شاء الله يا صاحبى .



    شكرا سفيان.
                  

08-29-2011, 05:18 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: محمد هارون حميدان)

    Quote: حضور ومتابعة !

    شكرا محمد هارون
    على الحضور والمتابعة
    وعيد سعيد
                  

08-29-2011, 08:42 PM

Adil Hamza
<aAdil Hamza
تاريخ التسجيل: 09-09-2008
مجموع المشاركات: 1361

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: احمد ضحية)

    مطاليق فعلاً

    سلام يا أحمد و كل عام و أنتم بخير
    عمل جميل و مرتب لا يستطيع عمله الا فنان مثلك

    عادل
                  

08-30-2011, 03:18 AM

وائل أحمد خلف الله
<aوائل أحمد خلف الله
تاريخ التسجيل: 08-10-2003
مجموع المشاركات: 106

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: Adil Hamza)

    ضحية غادر عزلتك وانشر فقد مللنا الغثاء
    عفراء سند كيفك والاولاد
    هى بقت على ضحية
    هنالك روائيون كثر لا يكلفون انفسهم سوى كتابة الركاكة وغلاف بدائى بالفوتوشوب وبعدها يزيلون اسمائهم بروائى ثم ما يلبثوا ان يمارسوا النقد والنقد المضاد على رواياتهم ويزيلونها باسماء من وحى خيالهم
    اكتب يا ضحية
    حينها سوف لن يجد الكثيرون مساحات للفراغ
                  

08-31-2011, 07:42 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: وائل أحمد خلف الله)

    Quote: ضحية غادر عزلتك وانشر فقد مللنا الغثاء
    عفراء سند كيفك والاولاد
    هى بقت على ضحية
    هنالك روائيون كثر لا يكلفون انفسهم سوى كتابة الركاكة وغلاف بدائى بالفوتوشوب وبعدها يزيلون اسمائهم بروائى ثم ما يلبثوا ان يمارسوا النقد والنقد المضاد على رواياتهم ويزيلونها باسماء من وحى خيالهم
    اكتب يا ضحية
    حينها سوف لن يجد الكثيرون مساحات للفراغ

    وائل خلف الله إزيك
    وجيفارا ورائد والمدام بخير
    شكرا ليك كتير
    لحدي ما نتلاقى
    محبتي

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-31-2011, 07:45 PM)

                  

08-30-2011, 08:37 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل (Re: Adil Hamza)

    Quote: مطاليق فعلاً

    سلام يا أحمد و كل عام و أنتم بخير
    عمل جميل و مرتب لا يستطيع عمله الا فنان مثلك

    عادل

    أستاذنا عادل حمزة
    عيد سعيد
    والله يكفينا شر المطاليق
    شكرا جزيلا
                  

09-07-2011, 06:34 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: كان المطر قد بدأ يهطل في الخارج. "ضُبانة" خضراء كبيرة "رّكت"على ساقه", التي أنحسر عنها جلبابه الفضفاض. إقشعّر جسمه وهو يشعر بخطاها بين الشعيرات المتفرقة, تشعل ذلك النداء القديم..
    النداء ذاته الذي دفع به إلى المجيء إلى وادي الذهب والبقاء فيه.. يسمعه في حفيف خطى الذبابة على ساقه النحيل.. في زفيف الريح "القبلي والخماسين والهبباي والبرق العبادي".. في هتاف الحنين الخفي في أفق حياته الغائمة, التي لا يفتأ يغوِّيها الرِّهاب.. رِّهاب الأيام, ربما.. رِّهاب العمر, ربما ..رِّهاب وجه كاكا التي لطالما حاول نسيانها.. تجاهل وجودها في مكان ما من هذا العالم.. لكنه الرِّهاب اللعوب يدفعه دفعا إليها.. يمضي يتبع وجهها المتلفع بالرِّهاب.. تتلاشى فيه ,وتتوغل بعيدا, بعيدا ..
    أحب كاكا بجنون, وعندما أراد مصارحتها, كانت قد غادرت المضارب إلى مكان لا تعلمه سوى أمها حجب النور, وظلت لسنوات طوال تطارده بطيفها, تتحكم في أحلامه, وكثيرا ما أنتزعته من طقوس الروح العظيمة, ليكتشف نفسه بشكل مباغت يصلي لها وحدها..حاضرا بين يديها هي, يتآكله القلق والتوق.. وهكذا إستجاب.. قرر البقاء في وادي الذهب..
    و في تلك الصبيحة النعسانة مضى منحدرا إلى الوادي.. عندما خرجت سوميت من بين سيقان الدخن, كانت كاكا ذاتها الخالق الناطق, تخرج من بين القناديل مخلفة وراءها الرِّهاب, الذي بدأ يتراجع بعيدا, بعيدا.. من بين شقوق الأرض برزت فجأة. وقفت قبالته.. إبتسما بوجه بعضهما.. تماسك, وسألها عن ود التويم..
    لحظتها كانت عصافير الوادي تغني غناء اللهفة والأشواق, فأخذ يرتعش وفي رأسه يدوي ألف خاطر.. هل كان كل ذلك وهما أم حقيقة؟.. هل عرف بالفعل يوما مراهقة بدوية جميلة بلون الكاكاو تدعى كاكا.. وهل أحبها حقا.. وهل غادرت مضارب الرُّحَلْ بليل, وأختفت كالفقاعة مخلفة وراءها طيفها الغامض, في قلب الرِّهاب؟!!..
                  

09-18-2011, 02:22 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: كان الكهف هادئا, والشمس خارجة تتسحب بإتجاه دار الريح, وصوت عاشميق في أذن ست البنات يتناهى سرِّيا.. لكن هامسا.. ربما كانا يتناقلان الشعارات الجديدة, التي يجب أن ترسمهما مجموعتيهما, على جدر بندر الوادي.. بعد أن يغفل المطاليق قليلا!..
    أنهت سوميت إجتماعها بالمشردين, وهي توميء لجقندي برأسها أن يتقدم. زحف جقندي نحوهم. أطرق لبرهة ثم قال:"أننا هنا للتعبد والتكفير عن ذنوبنا , ولشكر الروح العظيمة على نعمها الكثيرة علينا (..) لقد بدأتم الآن في تغيير الوادي, ولهذا ستتعرضون لقمع مؤلم, وبإمكانكم تحمل هذا القمع, فتحمل الألم يتعلق بالدماغ وليس الجسد, لكن ذلك يعتمد على مدى إيمانكم بما تقومون به, وإستعدادكم للتضحية في سبيله(...) تذكروا أن الألم يجب أن يزرع فينا حب الخير للآخرين, فالروح العظيمة دعانا للتسامح والإبتسام في وجوه الناس, وإلقاء التحية عليهم, فقد يخفف ذلك عنهم الكثير مما يحملونه من أحزان.. يجب ألا نحقد على أحد, فقد غفر لنا الروح العظيمة الكثير من ذنوبنا, فلماذا لا نغفر لبعضنا البعض, القليل من الذنوب .." ومضى جقندي في خطبته المؤثرة يحدثهم عن الإيمان والتطهر وتحمل الألم والشعور بآلام الناس.. ثم أبتسم وهو ينهي خطابه وقد خطرت على ذاكرته لحظة مشابهة, عاشها جده الأكبر "الجنزير" التقيل قبيل الدمار الثاني بقليل.. وقتها كان الروح العظيمة, قد أنهى خلق كائنات دمار العالم, من ألوان الطيف السبعة التي كان قد مزجها في الحكمة والقوة, بماء الأخلاق والإيمان. وعجنها في طين الرّحمة قبل أن يعرضها لنار الصبر,و يغسلها بعد ذلك بأمطار الصدق والحزن والإخلاص ثم يطلقها على العالم, تحمل بين كتفيها عناصر لطبيعة الأربعة.. تساءل جقندي : ترى ماذا يعد الروح العظيمة الآن لدمار هذا العالم؟ .. دمار هذا الوادي الكئيب الغارق في البؤس والعذاب؟!.. أسر جقندي لنفسه, وهو يمعن النّظر في وجه سوميت البيضاوي النحيل, حاد الملامح :"أنها تشبه جدتها حجب النورتماما!"..
    كانت تقاطيع وجه سوميت, كالمرسومة بعناية فائقة.. كالمنحوتة بإزميل عاشميق..
    سوميت حفيدة حجب النور.. أول فتاة تقع عليها عينا جقندي ويحبها من أول نظرة في مراهقته الباكرة. كانت حجب النور إبنة هذا الوادي, أحبت أحد "الرُّحَلْ" فغادرت معه, وظلّت طوال ترحالهم, تحن إلى العودة والبقاء في موطنها.. هذا الحنين الذي أرضعته لإبنتها "كاكا", والتي عندما سنحت لها الفرصة هربت.. عادت إلى هنا.. إلى وادي الذهب, مسقط رأس والدتها حجب النور.. تزوجت كاكا وعاشت حياة هادئة مع زوجها وطفلتها أم كوراك التي أنجبت سوميت, التي حملت ملامح وقسمات حجب النور وكاكا الخالق الناطق..
    لم تكن حجب النور جدة سوميت, هي الوحيدة التي هربت من حياة "الرُّحَلْ" بتنقلهم المستمر, فكثيرات غيرها عبر تاريخ الوادي, ظللن إما يهربن ليتزوجن من "الرُّحَلْ", أو يهربن من "الرُّحَلْ" ليتزوجن من أهالي الوادي..
    عندما أخبر جقندي سوميت أول مرة أن لها ذات ملامح نساء قومه "كاكا" و والدتها "حجب النور", ضحكت سوميت كثيرا وأخبرته أنهن جداتها, فقد حكت لها أمها أم "كوراك" الكثير..
    فأخذ جقندي يروي لها تاريخ القرابة بين قومه "الرُّحَلْ" وأهل الوادي.. حكى لها عن كيف هربت جدتها حجب النور, في تلك الليلة البعيدة, عندما حطّ قومه "الرُّحَلْ" برحلهم على وادي الذهب, فاشترى والد حجب النور, سبعة بقرات من أحد "الرُّحَلْ" ونقده ثمنها كاملا, وفي منتصف الليل جاء ذلك الرجل. وقف قبالة الزريبة, وأطلق عدة أسماء بتنغيم محدد, فقفزت البقرات خارج السور, وتبعته إلى حيث لا يدري أحد. كان الرجل قد إختفى والرُّحَلْ قد إختفوا وحجب النور قد إختفت. لم يكن ثمّة أثر لها أو للبقرات أو للرُّحَلْ..
                  

09-17-2011, 03:30 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: كان هو بقايا القصائد الركيكة لجدّه الأكبر"بادي",التي كان قد قرر فيها عراقة أصلهم وفصلهم, دونا عن خلق أهالي الوادي الآخرين ..
    وهكذا بدأت بطون الوادي وأفخاذه وعشائره تتململ, فما كان يشغلهم ليس قضية الأصل والفصل بحد ذاتها, ولكن إستغلال مثل هذا الأمر كرأسمال معنوي, لجنِّي مكاسب مادية, على حساب العشائر والبطون والأفخاذ الأخرى...
    لنجتمع بعقلاء الوادي, فلربما نجد عندهم حلاً سريعا..
    لا حل سوى إزالة السلطان والمطاليق.. ثم أن العقلاء خائفون.. لقد روعهم المطاليق, خصوصا أن الشائعات تفيد, أن الفتيات اللائي يتم إختطافهن, جميعهن من بنات الذين يشك "أبوشوتال" ومطاليقه في أنهم من المعارضين!..
    ماذا نفعل إذن؟
    على أية حال "سوميت والمشردون" يقومون بعمل جيد, نأمل أن يحقق ما نتمناه من نتائج..
    قبل أن يتخذ جقندي قراره النهائي بالعمل على إسقاط السلطان, مضى يرافقه "ود التويم" ليقابله للمرّة الأخيرة. وجده متربعا على العرش, كنّمر, كان ثلاثتهم يعلمون أنه نمر من ورق.
    وكان المطاليق حوله يخدمون الضيوف, الذين لم يكونوا سوى أعضاء مجلس السلطان, وقادة المطاليق أنفسهم. تحدث جقندي إلى السلطان في كل شيء:الفقر والظلم.. تهريب ثروات الوادي من قبل بطانته .. العذراوات اللأئي يختفين في غموض تام.. المعتقلات والتعذيب.. الجفاف والتصّحر والقلاقل في حواضر دار الريح والصعيد وأقصى السافل ودار صباح البعيدة, التي أصبحت شمسها تشرق منهكة. مكتئبة. وكئيبة.. شاحبة, كرمل الوادي المعلّول..غزو تجار "القِبَلْ الأربعة" لأسواق الوادي بالبضائع, التي لا يحتاجها الأهالي, ولا تفيدهم في حياتهم اليومية.. الحرّية والعدل.. لم يترك جقندي "فرضا ناقصا", وكان المطاليق يقاطعونه يدحضون كل شيء, ويعتبرون أن ما قاله لا يخرج عن دعاية المعارضين, والخارجين المدفوعين بالحقد والغبائن والأوهام المقيتة, وكان السلطان يتوارى خلف إبتسامة صفراء,لزجة. غضب جقندي, وحاول أن تكتم كلماته ما يشعر به من غيظ:
    جلالتك المطاليق يغتصبون نساء دار الريح ؟
    كان جقندي يظن أن السلطان سيغضب :
    المطاليق دمنا ولحمنا,وناس دار الريح "فروخ" و"فرخات", وده شرف ليهن, فليه عايز تعملوا سُبّة ؟ "كسر" البكر عندهم ما عيب, بل أنهم يكرمون الضيوف بنسائهم!.. ودحين لما المطاليق يحسنوا ليهم نسلهم يقولو أغتصبونا!
    أسقط في يد جقندي الذي أدرك تماما أن لا أمل. دارت الدنيا.. كل الدنيا برأسه.. همّ بقول شيء ما, قطعه عليه دخول أحد المطاليق, الذي مضى يهمس في أذن أبي شوتال, الذي سارع بدوره للهمس في أذن السلطان, الذي أنفرجت أساريره وهو يتوجه بالحديث إلى جقندي:
    سنحتفي بك الليلة. لدينا حفل راقص على شرفك..
    أمعن فيه جقندي النظر طويلا دون أن ينطق بحرف, وكان ود التويم لحظتها يتصبب عرقا, فالرجل الذي يعتبره المطاليق رجلهم المقرب من جقندي, كان يحمل روحه على كفه, ويعيش توازنا دقيقا, ويخشى أن ينكشف أمره في أي لحظة.. لذا أفترقا عند بوابة الخروج وأتجها في طريقين متعاكسين..
    توجه جقندي بعد سلسلة من المناورات التضليلية, إلى جبل "كارناسي" عبر دروب المدينة الضيقة والمتشابكة.وهناك وجد "سوميت" و"عاشميق" و"ست البنات" مجتمعون ببقية المشردين.أرادوا أن يقفوا لتحيته, فمنعهم بإشارة من يده, وجلس منشغل البال في أحد الأركان يراقب نقاشاتهم,التي كانت تحتد وتهدأ وتهدا وتحتد..
    طريق بعيد جدا في نفق الماضي المظلم, تقطعه ذاكرته المنهوبة دون هوادة.. طريق محفوف بصرخات الألم والدماء والخراب والدمار.
    كانت سوميت بين فينة وأخرى تختلس إليه النظر, بينما هو يخطط بأصبعه على الأرض طرقا متقاطعة ومتوازية, تعكس أفكاره في هذه اللحظة المشبعة بالمخاوف والغموض. وكان المشردون حول سوميت لا يزالون في نقاشاتهم. إنتبه للنظرات المختلسة, التي كان عاشميق وست البنات يتبادلانها..
                  

09-06-2011, 06:12 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: المطاليق" الذين تكاثروا كالنبات الطفيلي, هم في الأصل تلك النّواة, التي قبل عشرات السنوات, أنشأها "بادي" الشقيق الأكبر للسلطان, وتعهدها بالرِّعاية. في ذلك الزمان البعيد, عندما كان يخطط للإستيلاء على السلطنة. لكن بمرور الوقت كان لإبنه "الدود أبو حجل" رأي مختلف. فهو على عكس والده "بادي", كان يرى في بقاء عمه السلطان فائدة أكثر, إذا ما أستطاع التحكم فيه, فلاحاجة له بأن يكون سلطانا "رسميا" طالما أنه سلطانا فعليا, فيجني "هو" الثمرات ويتحمل "عمه" التبعات!. وبالفعل تمكن من نيل ثقة عمه الذي كان معجبا بمواهبه, فأطلق يده في البلاد والعباد .
                  

09-01-2011, 05:51 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    )(,(
                  

09-01-2011, 09:00 PM

salah ismail
<asalah ismail
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 1258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    كان الأطفال المشردون قد فقدوا عائلاتهم في حروب العشيرة الملكية, ضد بطون وأفخاذ وعشائر الوادي, ففقدو دفء الأسرة والماوى, وأفترشوا الطرقات الكئيبة, الخارجة لتوها من الحروبات والإنقسامات الداخلية, لتتهيأ لحروبات وإنقسامات جديدة. كانوا يعانون الجوع والحرمان, وبكل الإنهاك الذي إعتراهم, دفعهم يقين خفي,غامض لإعتقاد كاذب بأنهم يوما ما سيحصلون على طعام شهي, عندما جاءهم المطاليق في غمرة هذا اليقين المضلل, ودعوهم لوليمة فاخرة, في تلك الأمسية المتفردة بظلمتها المبكرة, وبعد أن غادروا الوليمة بوقت ليس قصير, بدأوا يتساقطون موتى واحدا تلو الآخر, على الممرات الطينية الضيقة, التي تشق وادي الذهب طولا وعرضا!.=================================================
    هذه فقرة صغيرة من هذه الرواية
    تحمل في طياتها من التاريخ ما يعجز قرن كامل من التدوين في حمله
    ربما تفعل السينما مافعله احمد ضحية يوما ما...كيف يمكننا ا ن نصور ذلك اليقين الخفي الغامض للاعتقاد الكاذب
    ....هو نفس اليقين المضلل الذي تنام شعوب وتصحو علي امل في حياة تستحق الحياة...
    ذلك الاعتقاد...الكاذب
    ذلك الاعتقاد...
    ذلك الاعتقاد...
    كيف يضل اله عن شعب تحولت عباداته له الي انين والام وسام من النظر في الافق البعيد
                  

09-02-2011, 07:36 AM

حاتم محمد
<aحاتم محمد
تاريخ التسجيل: 11-29-2010
مجموع المشاركات: 127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: salah ismail)

    الاستاذ أحمد ضحية
    السلام عليكم

    حقيقة قرأت المطاليق
    فلامست أشياء في داخلي , كنت لا أستطيع التعبير عنها
    فنحن كشعب سوداني معقد : ( عتقتنا أمهاتنا على غريزة كتم المشاعر والتعبير , بينما فطمنا ساداتنا على القهر وتقصير اطراف الألسن , أما مجتمعنا فعلمنا ارتداء ثقافات الغير طيلة أيام العام )
    أحيانا
    تعبأ النفوس بالمشاعر
    ويضج العقل بالتفكير
    وفي هذه الحالة
    غالبا ما نضل الطريق الأمثل لتعبير
    لكن - لحكمة ما - وجد في هذه الأرض من تكفل بترجمة مشاعر العامة وأحساسيسهم
    وفي الواقع
    يترجم المبدعين مثلك
    ( الغبن الي ترهل على تاريخنا قدرا من الزمان الكئيب )

    وشكراً لك والتحية

    بالمناسبة
    حاولت أن ارسل لك
    أول عمل روائي لي من خلال أميلك
    فلم أجده في سيرتك الزاتية داخل موقع سودانيز أون لاين
    لكن تجد في هذا الرابط العمل كاملاً
    أو
    داخل موقع سودانيز أون لاين تحت عنوان ( رواية الهزيمة )
    http://www.4shared.com/document/P3unG498/__online.html
    أتمنى أن ترسل لي نقدك لهذه الرواية
    خاصة في الأسلوب والسرد
    وأنا واثق تماماً أنك ستوقد لي شمعة تعينني على الأستمرار

    ولك من أفضل التحايا
    والتمنيات بالاستمرار

    حاتم محمد
                  

09-03-2011, 02:17 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: حاتم محمد)

    Quote: حاولت أن ارسل لك
    أول عمل روائي لي من خلال أميلك
    فلم أجده في سيرتك الزاتية داخل موقع سودانيز أون لاين
    لكن تجد في هذا الرابط العمل كاملاً
    أو
    داخل موقع سودانيز أون لاين تحت عنوان ( رواية الهزيمة )
    http://www.4shared.com/document/P3unG498/__online.html
    أتمنى أن ترسل لي نقدك لهذه الرواية
    خاصة في الأسلوب والسرد

    الأخ حاتم
    تحية طيبة وعيد سعيد وشكرا على التقريظ, الذي آمل أن أستحقه.
    إيميلي هو:
    [email protected]
    سأقرأ روايتك وبيننا الإيميلات
    خالص التقدير

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-03-2011, 02:20 AM)

                  

09-04-2011, 02:16 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: salah ismail)

    Quote: كيف يضل اله عن شعب تحولت عباداته له الي انين والام وسام من النظر في الافق البعيد

    شكرا دكتور صلاح
    لقد أحييت البوست.
    بيناتنا التليفونات.
                  

09-05-2011, 06:07 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)
                  

09-15-2011, 02:21 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

09-16-2011, 02:53 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: تمددا على سطح الماء.. تمددا فوق بعضهما, تخفيهما "عشبة معونة النيل", عن أنظار الشايب جقندي, الذي كان يتابعهما من "قيف النهر" بقلق .. كانا عاريان إلا من عذابهما.. وحدتهما, وإحساسهما القاسي بالفقد.. رويدا, رويدا.. كانت عشبة مياه النيل تدنو, وبلطف تداعب ساقي"ست البنات" العاريين.. مويجة صغيرة تتجشأ زبدها في مكامن الألم والبوح والإلتياع.. كانت العشبة تحفر عميقا.. عميقا تحفر العشبة.. عابثة, شقية.. تحمل في رغوتها الإحساس البطيء.. العميق بالغرق.. إنزلقت شفتا ست البنات على شفتي عاشميق, تتحسس لزوجة الماء.. كانت رائحة عشبة معونة النيل النّدية, لحظتها تتسرب خياشيمهما, وتبعث فيهما إحساسا مالحا بالخدر..
    وعلى"القيف".. هناك.. ألقى "الشايب جقندي" برأسه إلى الخلف, يستعيد وقائع ما جرى, وصوت "ودالتويم" يدوي في فراغ ذاكرته المنهوبة:
    يقولون أنهم جربوا كل السبل, ولم يعد لديهم خيار سوى الإنفصال
                  

09-16-2011, 04:41 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    Quote: كانت أزقة "وادي الذهب" المعتمة, تقذف لحظتها من أحشائها, كل الروائح الحادة. العطنة. والهواء الممزوج برماد القلق والتوتر, ورائحة الرّوث الدبغة, وأنفاس النهر المضمخة في رائحة السمك و"عشبة معونة النيل" و"أمبانقيقة", وثرثرة الضفادع المختلطة بإيقاعات "الواز" الحزينة, يتخلل أغنيات أسيانة تأتي من بعيد, لا أحد يعلم مصدرها .. حينها كان السلطان يتربع على عرشه, لا ليناقش هموم الناس والوادي المهدد بالعصف.. الوادي الآخذ في التآكل والتشظي!.. كان متربعا لتقديم عروسته الجديدة لاعضاء مجلسه من "المطاليق" القدامى والجدد, الذين كانوا يصورون له عن الوادي, صورة ليست موجودة سوى في أذهانهم المختلّة..
    كانوا يخططون لمزيد من الإجراءات, التي تهدف للحفاظ على سلطة السلطان. فقد كانت سلطتهم رهينة بإستمراره, وهو نفسه كان يعلم,أن زوال أحدهما يعني زوال الآخر.. وهكذا أختاروا لحل مشكلة بقاءهم, وإستمرارهم في السلطة: القمع والإغراء.. فمضوا يغرّون بعض الأهالي للعمل معهم, بعد أن نجحوا في كسب كثيرون منهم, مثل: "ميجاوي الزّبال" و"بليمي الراعي" و "بنت ود أب عوا الحنّانة", وآخرون وآخريات كثر, من أهالي "وادي الذهب".. كما أخذ "أبوشوتال" زعيم المطاليق, يذلل للمطاليق كافة العوائق والعقبات, بتصريح مباشر من السلطان, فأصبحت سلطتهم وسلطانهم على الناس,أكبر من ذي قبل, وهكذا لم يكن ثمة ما يشغل بال السلطان سوى التفرغ التام لزوجاته العديدات..
    "المطاليق" الذين تكاثروا كالنبات الطفيلي, هم في الأصل تلك النّواة, التي قبل عشرات السنوات, أنشأها "بادي" الشقيق الأكبر للسلطان, وتعهدها بالرِّعاية. في ذلك الزمان البعيد, عندما كان يخطط للإستيلاء على السلطنة. لكن بمرور الوقت كان لإبنه "الدود أبو حجل" رأي مختلف. فهو على عكس والده "بادي", كان يرى في بقاء عمه السلطان فائدة أكثر, إذا ما أستطاع التحكم فيه, فلاحاجة له بأن يكون سلطانا "رسميا" طالما أنه سلطانا فعليا, فيجني "هو" الثمرات ويتحمل "عمه" التبعات!. وبالفعل تمكن من نيل ثقة عمه الذي كان معجبا بمواهبه, فأطلق يده في البلاد والعباد .
    و بعد عشرات السنوات ورِّث "أبوشوتال" عن أسلافه البائدين, هذه "النواة", التي أسسها جده الأكبر "بادي" وتعهدها من بعده إبنه "الدود أبوحجل" بالرعاية. إلى أن طورت على عهد "أبي شوتال" لتصبح قوة ضاربة وبموافقة السلطان. وفي الوقت ذاته الذي كان مجلس السلطان يحتفي بالعروس الجديدة, كان أبوشوتال يجتمع بكبار قادة المطاليق, بينما كانت سوميت والمشردون وقتها, يراجعون خططهم الخاصة بالخطابة في جموع الأهالي, الذين كان قد فاض بهم الكيل .
    لم يكن السلطان ولامطاليقه يأبهون لتعاليم الروح العظيمة, ولم تجد كل تلك المحاولات الدؤوبة, التي بذلها جقندي بمساعدة "ودالتويم" لإقناع السلطان بتغيير سياساته, وكف يد المطاليق عن الأهالي. لكن السلطان أبدا لم يُعِر "الشايب جقندي" أذنا صاغية, وهو لا يفتأ يكرر على مسامعه, تعاليم الروح العظيمة: "لقد أطلعتكم على حقوقكم وواجباتكم, فإذا أردتم ان تكونوا (عيالي) فعليكم ألا تستغلوا معرفتكم من أجل القتل والتدمير (...) محظور عليكم أن تستغلوا ما وهبتكم لأغراض شريرة, وإذا لم تتقيدوا بهذه القوانين, فسوف لن تكونوا (عيالي)..." وكان السلطان الذي أستولى أبوشوتال على عقله تماما, لا يخشى شيئا في التنكيل بجقندي, سوى خشيته قومه "الرُّحَلْ" لذلك إستجاب لنصح أبوشوتال, بتأجيل النّظر في أمر جقندي, إلى حين إستقرار أوضاع السلطنة, التي كانت حواضرها في "الصعيد" و"دار الريح" و"السافل الأقصى" و"دار صباح" قد بدأت تتململ وتضطرب..
    لذا في تلك الصبيحة التي تفجرت فيها الشمس من وراء جدر التاريخ, لتلقي بنفسها على الوادي البائس, الملتف على نفسه كشرنقّة مجهضة .. إرتخت الأعصاب التي تشد الدروب الضيقة, فأخذت تضيق, بينما هتافات المشردون تتعالى .. والناس يتضايرون داخلها ليفسحوا لجموعهم الهادرة, المدفوعة بآلاف الحسرات ..
    لقد فات الوقت على فعل أي شيء يجنبنا ما سيحدث, ولكن لنحاول حتى اللحظة الأخيرة, فقد تحدث المعجزة..
    ألقى جقندي بعبارته الجازمة بوجه ود التويم, والتي لا تخلو من أمل ضئيل, وهو يستعيد وقائع الحروبات المفتعلة, التي ظل"المطاليق" يشنونها على "دار الريح" وأقصى "السافل" و"الصعيد" و"دار صباح البعيدة", حيث أصبحت الشمس تشرق من هناك كل صباح منهكة.. زاوية وأكثر حزنا من حمامات "قطع الشك".. كان المطاليق يشنون هجماتهم بدعوى أنهم "أولاد بلد يقوموا ويقعدوا على كيفم .. فوق رقاب الناس مجرب سيفم", إذ أنهم أعادوا إحياء الأشعار القديمة البائسة, التي كتبها "بادي" قبل عشرات السنوات, وتم العثور عليها مدّونة في الكهف المقدس لجبل "كارناسي" المهيب, عندما إكتشفه مصادفة ذات صبيحة نديانة صياد مغرم بصيد"الجقور".. لم تسترع إهتمام "أبوشوتال" أيٌّ من الأحفورات, على جدران الكهف.. كل ما إسترعى إهتمامه
                  

09-24-2011, 06:10 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    ><
                  

09-30-2011, 05:45 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)
                  

10-05-2011, 06:17 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    )*(
                  

10-05-2011, 11:14 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

10-05-2011, 11:42 PM

Adil Hamza
<aAdil Hamza
تاريخ التسجيل: 09-09-2008
مجموع المشاركات: 1361

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    سلام يا أحمد
    اللينكات الاثنين بتاعة الجزء التانى من المطاليق لا تعمل
    يبدو انها تأرشفت
    ممكن تستعين ببكرى يرجعا ليك

    عادل
                  

10-06-2011, 04:59 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: Adil Hamza)

    تحياتي أستاذ عادل
    اللينكات لا تعمل ليس بسبب الأرشفة فقط ولكن لسبب يعلمه بكري أبوبكر ولا أعلمه.على أي حال كل من يرغب في قراءة الجزء الثاني سيجده في سودان فور أوول.
    خالص تقديري
                  

10-06-2011, 08:34 AM

محمَّد زين الشفيع أحمد
<aمحمَّد زين الشفيع أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1792

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    شكرًا لكَ أيُّها الأُستاذ الْعزيز / أحمد ضحيّة .

    للهِ دَرُّكَ يا رجل ، فإنّه سردٌ جميلٌ وماتع ، يحكي حالنا ومَراراتِـنا تمامًا دونَ مُوَاراة ..
    كما أرجو أن تُعيدَ النّظرَ في تدقيقِها ، لأنّه يبدو جليًّا أنّ هناك كثيرًا من الْهَمَزاتِ ،وبعضِ الْجوانبِ النّحويّة قد فرّتْ من قبضةِ أناملِكَ دون قصدٍ منك .

    تقبّلِ التّحايا ووافرَ التّقدير ..
    أخوك / محمّد زين .
    ________________________
                  

10-06-2011, 08:37 AM

محمَّد زين الشفيع أحمد
<aمحمَّد زين الشفيع أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1792

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: محمَّد زين الشفيع أحمد)





    الصّديق العزيز والْحبيب / م.وائل أحمد خلف الله .

    أرجو أن تُغادرَ انصرافَك عنّا يا صديقي ، وينك وفينك يا راجل ؟ ، أما زلت بالرّياض ؟ أم تُهتَ بين الْمدن، واللهِ لقد أضعتُ هاتفك ، وأظنّ أنّ آخر مرّةٍ الْتقيتُك فيها عبر الهاتف كان في الْعام 2005 م ، هذا طبعًا إن لم تَخُنّي الذّاكرة الْخربـة ، وقد سألت عنك مرارًا صاحبنا الْعريس ( النَّفض الْكيس ) المعتز أبسبيبة ..
    أرجو أن تكون بخير ..
    أخوك / محمّد زين .
    __________________________
                  

10-07-2011, 04:41 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: محمَّد زين الشفيع أحمد)

    Quote:
    الصّديق العزيز والْحبيب / م.وائل أحمد خلف الله .

    أرجو أن تُغادرَ انصرافَك عنّا يا صديقي ، وينك وفينك يا راجل ؟ ، أما زلت بالرّياض ؟ أم تُهتَ بين الْمدن، واللهِ لقد أضعتُ هاتفك ، وأظنّ أنّ آخر مرّةٍ الْتقيتُك فيها عبر الهاتف كان في الْعام 2005 م ، هذا طبعًا إن لم تَخُنّي الذّاكرة الْخربـة ، وقد سألت عنك مرارًا صاحبنا الْعريس ( النَّفض الْكيس ) المعتز أبسبيبة ..
    أرجو أن تكون بخير ..
    أخوك / محمّد زين .
    __________________________

    الأستاذ محمد زين
    بما أن وائل
    لم يرد حتى الآن
    ساتبرع بعرض
    لدي رقمين لوائل
    أحدهما رقم داخلي في أميركا(أسألو براك عملو كيف)
    والآخر رقم في السعودية
    فأيهما تريد؟
                  

10-06-2011, 03:28 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: محمَّد زين الشفيع أحمد)

    Quote: شكرًا لكَ أيُّها الأُستاذ الْعزيز / أحمد ضحيّة .

    للهِ دَرُّكَ يا رجل ، فإنّه سردٌ جميلٌ وماتع ، يحكي حالنا ومَراراتِـنا تمامًا دونَ مُوَاراة ..
    كما أرجو أن تُعيدَ النّظرَ في تدقيقِها ، لأنّه يبدو جليًّا أنّ هناك كثيرًا من الْهَمَزاتِ ،وبعضِ الْجوانبِ النّحويّة قد فرّتْ من قبضةِ أناملِكَ دون قصدٍ منك .

    تقبّلِ التّحايا ووافرَ التّقدير ..
    أخوك / محمّد زين .

    الأستاذمحمد زين
    تحية طيبة
    شكرا لغهتمامك بالنص.. وفعلا هو بحاجة للمراجعةوالتصحيح.
    خالص تقديري وودي
                  

10-08-2011, 04:27 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

10-08-2011, 02:06 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

10-08-2011, 05:01 PM

محمَّد زين الشفيع أحمد
<aمحمَّد زين الشفيع أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1792

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    الصّديق الْعزيز / أحمد ضحيّة ..
    أرجو أن تكون بخير .
    بلا شكّ أرجو أن تدفع لي برقم ( الرّياض ) وذلك لوجودي فيها ، كما أنّ أخانا وائل لديه معزّة خاصّة في قلوبنا منذ أيام الجامعة – الله يطراها بالخير .
    ويا صديقي أحمد ضحيّة ، في الحقيقة أنا بعرفك من زمان ياخي ، وأوّل ما تعرّفتُ إليك لمّا وجدتُني جارًا إليك في موقع أصدقاء القصّة السّوريّة ، وأكان ما أخاف من الكضب أظن مرّة اتّصلت عليك في جوّالك ، وذلك حين حُصولي على رقم هاتفك من هناك ، فلك التّحيّة أينما حللتَ ، وإن سمحتَ لي فسأحاولُ جاهدًا تدقيق روايتك التي أنزلتها هنا وإنزالها لك من جديد على ذات المكان بإذن الله ، فنحنُ إخوة ، كلٌّ منّا يُكمل الآخر..
    لك التّحايا والتّقدير والاحترام ..
                  

10-13-2011, 00:55 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

10-24-2011, 12:13 PM

عمر دفع الله
<aعمر دفع الله
تاريخ التسجيل: 05-20-2005
مجموع المشاركات: 6353

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de