|
الملف السوري: (الخونة الجدد)...وشرك المراقبين الدوليين
|
سمير اصطفان:كاتب سوري
باتت الخطوة الجديدة التي تعول عليها النوايا المبيتة تجاه سوريا "التدخل الخارجي بحجة حقن الدماء"،وهي آخر الحلقات في مسلسل طويل لم يترك وسيلة لإيجاد منفذ إلى الداخل السوري إلا وفشل بعد شهور من الأزمة السورية التي راح ضحيتها مئات الشهداء مابين مدني وعسكري. و"التدخل" ليس جديداً بالمعنى الفعلي للكلمة، بل هو الهدف الرئيسي منذ أول يوم في الأحداث التي تشهدها سوريا ،ولكنها خرجت إلى العلن الآن بعد أن توترت أعصاب المتربصين من الانتظار وانهيار مساعيهم في كل مرة راهنوا فيها على شيء ما،سواء بفعل لعبهم على الوقت والدماء أو بواسطة أدواتهم الداخلية التي أدت المطلوب منها عبر "فضائياتهم" المثيرة للفتنة وتجيد التهويل وتزييف الحقائق.
وفي كل فصل من الفصول الكثيرة وطوال الوقت كان المسعى الرئيسي لدول الاستعمار المتجدد الحصول بأي طريقة على قرار دولي يكون ذريعة لإطلاق يدها في سوريا والعودة إليها، وبالتأكيد بعد فشل الحصول على قرار دولي عبر مجلس الأمن بفضل "الفيتو" الروسي والصيني، بات السيناريو الذي يتم استخدامه الآن قائم على "تصوير الوضع للعالم أن الشعب السوري بأكمله يستغيث طلباً للنجدة من الخارج ويريد منه التدخل" وأول خطوة بمكر هؤلاء لوضع سوريا على طريق الموت هي فكرة "المراقبين الدوليين" والتي يُلحقها المطبلون بالقول "كحد أدنى" أو "خطوة أولى"
. وبدون أي جهد فإن المراقب لطريقة التعاطي الإعلامي تجاه سوريا ومايتم التركيز عليه يدور حول شيء واحد فقط ،طلب الخارج سواء عبر اللافتات التي ترفع،أو من الذين منحوا أنفسهم حق الحديث بالنيابة عن الشعب السوري أو عبر المحللين الذين لبسوا بين يوم وليلة ثوب "الثوار" وصدقوا أنفسهم،فضلاً عن جيش من كورس الردح الذي لاتفضح نواياه الكلمات التي تتسول الاستعمار والمتاجرة بالدم السوري فقط ،بل حتى النظرات المليئة بالحقد. واليوم بعد أسابيع من الصوت الذي يتعالى تباعاً أتت جمعة الأمس والتي سماها منظرو الدمار وأعداء الوطن من الذين يطالبون باحتلاله ب"جمعة الحماية الدولية" لتكشف النقاب وتبدد كل شك حيال المخطط المرسوم لجلب الويلات والدمار إلى سوريا والذي هو على الشكل التالي:
1- تهويل الأمور في سوريا وتصوير الموضوع على أن كل الشعب السوري يطلب تدخلاً خارجياً لحمايته،وهذا يتم بفعل ماكينة إعلامية لاتهدأ على مدار الساعة تعتمد على الضجيج للإقناع،ويجب الاعتراف أنها نجحت إلى حد ما.
2- يتم السعي لإحراج روسيا والصين بأن إرسال مراقبين دوليين بناء على الأصوات المطالبة بذلك ليس قراراً دولياً بغية الالتفاف على مفاعيل "الفيتو"
. 3- في حال تم السماح لهؤلاء المراقبين بالدخول وسيكون خطأ فادحاً،لأن تقريرهم سوف يكون "أن الذبح يتم بالجملة"،ولنا بالدول التي أتاها مراقبين أو لجان تحقيق دولية عبرة في جارين هما العراق ولبنان وما حصل بهما.
4- عندها سوف تعلن دولة أو أكثر أن ضميرها يمنعها من البقاء مكتوفة الأيدي حيال كل هذه المذابح وما يتبعها من استغاثات رغم الفيتو وسوف تتحرك..ومن هنا تبدأ دوامة الموت. وهذا الضمير سوف يترجم تحركه بـ"احتلال..استعمار متجدد..تدمير سوريا..تقطيع أوصالها ..تحويلها إلى دويلات طائفية ..جوع ..دمار.. الخ".
*** يبدو أن عصر السرعة الذي نعيشه هو فعلاً زمن العجائب،وزمن التجرد من الحياء وهو زمن لم يمانع الكثيرون فيه أن يدفعهم حقدهم وأطماعهم لإسقاط كل أوراق التوت دفعة واحدة وهنا نتسائل:كيف لشخص يدعي الوطنية وينظّر بها ويتباكى على أبناء وطنه كما يدعي ،أن يطالب باحتلاله واستعماره من قبل القوى الأجنبية؟! وهذه بعض العينات: -أحد المعارضين في الخارج دعا إلى "أفغنة سوريا" ،ويواصل آخرون نفث السموم غير ممانعين ب"صوملة" البلد،قبل أن تطل مومياء لفظتها كافة الأطراف لتقول في أحد اللقاءات: "الضربة العسكرية وتدخل القوات الخارجية لايعتبر استعماراً" ..!وهو الذي لم يوفر حتى تلفزيون الاحتلال "الإسرائيلي" لينعق منه.
وقس على ذلك الكثير من الفحيح الذي يريد إقناع كل متلقٍ يمكن تسييره أن سم الأفعى الكامن في داخلها يوازي نعومتها من الخارج وفحيحها ماهو إلا صوت طبيعي . -البعض الآخر الذي يسعى ليبدو أنه أكثر لباقة من سواه فيقول"سوريا جزء من المجتمع الدولي وبالتالي هذا المجتمع لايمكن أن يقف مكتوف الأيدي حيال مايحصل فيها " وهذا الكلام صحيح،ولكن أين هذا المجتمع من عشرات القرارات التي أصدرتها أعلى هيئة فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن لصالح الجولان وبقيت مجرد أوراق منسية في أدراج المنظمة الدولية؟
أليست سوريا جزء من هذا المجتمع؟أم أن تعامل المجتمع الدولي بعدة مناظير هو العدالة؟ - أطل أحد الذين درجت عادته على مخاطبة العقول الضيقة مانحاً نفسه سلطة وحق الحديث باسم الشعب السوري ونيابة عنه في الموت والحياة،مستثيراً العصبيات بسماجة لاتخطئها عين،ليقول:"أيها الدول العربية والإسلامية أغيثوا أطفال سوريا الذين يأكلون أوراق الشجر وشبابها الذين يبحثون عن فتات الخبز في حاويات القمامة". أين هم هؤلاء الذين يتحدث عنهم هذا وأمثاله ؟
رغم كل مايمكن أن يوجد في المجتمع السوري من أوضاع فقر وبؤس وغيرها مثل كل المجتمعات. ولكن ألهذا الحد وصلت درجة الرياء والتجارة بالوطنيات بتخطي كل المحظورات وأصول الأدب والقيم التي يفترض تواجدها،ألهذه الدرجة امتلك البعض من قلة الحياء للمتاجرة بالأزمة السورية؟.
*** "السلمية!! وباتت أشبه بدعابة بقصد الضحك،حيث باتت الأدلة اليومية التي تتكشف تباعاً تبين حجم الملايين التي تدفع لبث الفوضى والدمار وهناك أمثلة بسيطة تبين ذلك: -اعتمدت بعض فضائيات الفتنة نماذج من البشر مابين مراسلين أو محللين كانت تتم استضافتهم وإضفاء هالة من الصدقية على كلامهم أياً كانوا،وتبين لاحقاً بعد أن بُثت تسجيلات لهم ،كيف كانوا يخططون لاستهداف المساجد بقذائف "آر بي جي" وكتابة عبارات مسيئة على جدرانها وتصويرها وبثها عبر تلك الفضائيات لإحراج الجيش،كما أفادت تلك التسجيلات كيف مثلوا وجود مقابر جماعية وتصويرها لبثها والكثير غير ذلك،وهنا قبل أن يكذّب أي منبر إعلامي تعامل مع هؤلاء يكفي عرض التسجيلات على خبير صوت ليتأكدوا من "زبانيتهم" وسوف يجدون أي أناس باتوا اليوم محاضرين في "الثورات" كما يدعون. -يقولون أنها سلمية لاسلاح فيها :فإن سلمنا جدلاً أن لاصحة للأسلحة التي يتم ضبطها،وشككنا بامشاهد التي يتم فيها القتل والاعترافات وغيرها، ماذا عن المنشقين الذين يطلون عبر المواقع الإلكترونية أو الشاشات إياها ليتبنوا عمليات قتل بحجة حماية المتظاهرين؟ أليس هذا في حده الأدنى دليل على وجود أطراف مسلحة تقتل وتقنص وتتربص وتعتدي؟!
هذا فضلاً عن الحبكات التي تساير كل تفاصيل الحياة اليومية،فكل من ينتقل إلى رحمة الله ويحصلون على اسمه يعتبرونه شهيداً،وكل من يخالفهم يتعرض لحملة شعواء طالت أبرز الرموز السورية بحملة شعواء لتشويه كل الرموز الذي تحظى باحترام وتقدير واسع بين مختلف أطياف المجتمع السوري. وبالعودة إلى الأصابع الخفية ،هذه الدول التي يستعينون بها ويتسولون تدخلها لاحتلال سوريا اليوم وإعادتها إلى القرون الوسطى باسم "الحرية"، أليست هي ذاتها الدول التي سفكت دماء شعوب كاملة منذ إبادة الهنود الحمر مروراً بمدينتي هيروشيما وناغازاكي وصولاً إلى العراق وأفغانستان ؟
وليقس أي منظر سواها الكثير من مذابح الأرمن والدول التي سبق واحتلتها فرنسا في المنطقة والقائمة تطول... أليس هذا المجتمع الدولي هو ذاته الذي يمثل أعمدة الأمم المتحدة والتي تعتبر عصاً بيد تلك القوى،أليس تقرير الأمم المتحدة الأخير حول مجزرة أسطول "الحرية 1" هو ذاته الذي برر ل"إسرائيل" حصار غزة وخنقها، وهو ذاته الذي وقف ساكتاً عن مجازر يومية ترتكب بحق الشعب الفلسطيني يومياً وبحق مقدساته من تهويد وتخريب؟ وماذا عن "قانا1" و"قانا2" و2006 وغيرها كثير في لبنان والقائمة تطول؟ أين هي العدالة التي يتكلمون بها والتي يتاجر بها هذا المجتمع الدولي ،حتى يتغنى بها هؤلاء الصغار ويطالبون بتفجير وطنهم بحجتها،هل بات العالم اليوم "مدينة أفلاطون الفاضلة" وسوريا وحدها تغرد خارج السرب؟ بالقطع لا هذا ولا ذلك ،إنها اليوم لعبة كبرى من ألعاب الأمم ترفع شعارات حق يراد بها باطل رؤوسها خلف البحار وأدواتها رخيصة تطل بثوب "المعارضة 5نجوم" لتتاجر بكل محظور في سبيل تحقيق ماتمنيه نفسها المريضة التي تجردت من كل وازع.
*** فقدت سوريا خلال أزمتها الأخيرة الكثير من خيرة أبنائها وشبابها وكوادرها وهو جرح نازف في الجسم السوري وبالتأكيد سيترك أثراً يصعب تضميده في المدى المنظور ،واليوم بات على كل حريص على مستقبل سوريا ويريد لها ولشعبها الخير أن يسير في الطريق الذي يحقن هذه الدماء الزكية ويمنع تعميق الجرح أكثر من خلال رفض كل تدخل خارجي تحت أي مسمى أو عذر ،أما السير في مخطط يعمق هذا النزف ويجعل وقوده ضحايا بعشرات الآلاف عن طريق إحضار الاحتلال الأجنبي فهي الخيانة الكبرى والجريمة التي ستخلف مآس لن تندمل يوماً ،ويخطئ من يشك في أن المؤامرة أوالتهافت على سوريا اليوم ليس في جوهره صراع على مستقبلها قبل حاضرها،وهو صراع لايستهدف سوريا فقط لقناعة محركي الأزمة وأصحاب الأيادي الخفية أن سوريا هي الزاوية الأساسية في هرم المنطقة واستقرارها. واليوم كل من يقدر دماء الشهداء التي نزفت يجب أن يجعلها منارة لتحصين وطن هو الأعرق في التاريخ وحمايته من المتربصين،ومنع اتخاذها أداة تتم المتاجرة بها لتحولها إلى حصان طروادة لقطار الموت المتنقل لجعل سوريا أحد محطاته..حمى الله سوريا وشعبها من كل شر وأبقاها آمنة من كيد المتربصين.
--------------------------------------------------------------------------------
|
|
 
|
|
|
|