|
هويتنا، ومأزق العروبة.
|
1- ما ان يتعرف عليك سوداني داخل أو خارج السودان، وبعد أن يحملق في وجهك مليا للوهلة الأولي، فان أول سؤال سيسألك له بعد اسمك هو: إلي أي القبائل تنتمي؟ فكلما كانت قبيلتك قريبة من الدائرة الجغرافية التي تنتمي إليه قبيلته ازداد فبطة وسرورا، ويبدو ان الهوية قد انحصرت من القومية السودانية الجامعة إلي القبلية الضيقة، وهذا بدوره يقودنا إلي توكيد أن مسالة الهوية هي مسالة ذهنية، كما خلصت احد المدارس الفكرية الفرنسية التي تهتم بالانثربولجيا عطفا علي ما أورده تركي الحمد في مؤلفه (الثقافة العربية في عصر العولمة).
منذ البداية يجب الإشارة إلي أن هذه المقالة ليس القصد من وراءها النكاية في العنصر العربي أو الإفريقي، او المكاواة والمكايدة، وليس القصد منها صياغة قديمة جديدة، بل القصد من كل ما سنقوله هنا وفي المقالات القادمات، هو النظر بطريقة مغايرة في مفردة الاسود او الزنجي في الوعي العربي الحديث انطلاقا من ما طفح به التراث العربي وظلال وتداعيات تلك النظرة علي الواقع الان لجهة العنصر السوداني (اصحاب البشرة السوداء) عن هويتنا ولغتنا العربية هكذا وعلي السليقة، ونقد عام للوعي العربي في تراثه العربي ونظرته لأصحاب البشرة السوداء من أمثالنا، مع إيماننا الكامل بان اللغة العربية هي لغة القران الكريم ولغة والأنبياء، وان إسهامات الثقافة العربية من قبل عالميا كانت حاضرة، قبل ان تتقطّع العرب إلي قبائل وملل ونحل وكل قوم بما لديهم فرحون، ولكن في نهاية المطاف اللغة العربية هي ثقافة وليست حمرنات وحماقات قبلية اثنيه تتكئ علي اللون، كي نتحمرن بها علي خصومنا السياسيين والأعراق الاخري، وهي حمرنة وحمقنة ذهبت بجنوب السودان، ويستر الرب من آن يذهب جنوب كردفان والنيل الازرق تحت شعارات عربنة الثقافة السودانية، وشطب الخصوصيات الثقافية الاخري الموجودة والتي أسست للسودان القديم والوسيط والحديث قبل ان يأتي الإسلام والعرب.
إذن عزيزي القارئ محنة الهوية هي احد الأسئلة المؤرقة التي أمست من الكوابيس التي تؤرق الفرد والجماعة والشعوب بشكل عام، ونحن في السودان ليس استثناء وازدادت هذه التوجسات بعد انفصال الجنوب عن الشمال واحدث جنوب كردفان والنيل الأزرق، وبرزت أسئلة كثيرة، بخصوص ضبط مصطلح الهوية، ومضامينه وتعريفاته، ومحدداته، وموجودات خطاب الهوية، والتنوع الثقافي بالبلد، الخ.
و محنة الهوية ليس روماتيزم المّ بمفاصلنا وحدنا، بل كثير من البلدان العربية تعاني من إشكالات الهوية، وان كانت الناس سابقا تناقش خطاب الهوية قبل تسونامي العولمة المخترقة للخصوصيات، فان تناول ذات الخطاب بعد العولمة، يحتاج لحراك فوري ومستعجل، باعتبار ان العولمة تلامس شريحة الشباب بشكل مباشر، فحيث ما يكون تعدد اثني وعرقي وثقافي، يأتي مأزق الهوية سلبا او إيجابا، فالامازييغ مثلا المنتشرين بين الجزائر والمغرب، قد شكّلوا تنوع ثقافي في تلك البلدان، تنوع ضرب بجذوره أعماق الحضارة المغاربية، والطوارق الممتدين في حزام المغرب وجزء من تونس والجزائر والنيجر وموريتانيا وليبيا ومالي أيضا، كانت لهم بصمتهم الواضحة في تشكيل جداريه التنوع العرقي والثقافي والاثني في كل تلك البلدان، بينما اسقط في إعصار الهوية شعوب الأكراد المقسمون بين إيران وتركيا والعراق ولبنان وسوريا، وأيضا قبائل (البدون) التي تسكن الحدود العراقية الكويتية، ونتمنى أن لا نسمع قريبا عن البدون السودانيين!!!
ويبقي الفارق بيننا وبين تلك البلدان العربية المغاربية، إنهم وظفوا منولوج التعددية في خلق إبداع وبصمة كبيرة ايجابية، أسهمت في صياغة و(لحد ما) في شكل مقبول لهويتهم التي حافظت علي بلدانهم من حمّيات وثنائيات (النحن) و(هم)، (الانا) و(الاخر) والتشرذم، وذلك عندما تصالحت الثقافة الامازيغية والعربية والفرنسية في حيز جغرافي واحد، فخلقوا مشهدا يحاكي قوس قزح، وعندما حلّق مغني ألراب الشاب خالد بأغنياته وخاصة أغنية (عيشه) في أرجاء العالم كله، غمر الجزائريين فرحا عارما، ولم يجأر امازيقي ليقول أن الشاب خالد امازيقي او لم يقل هو عن نفسه أنا امازيغي جزائري، بل قال انه جزائري وكفي، وهكذا، عبّرت تلك المجتمعات لحد ما عن هويتها علي المستوي الثقافي والاجتماعي بشكل ممتاز، باستثناء السياسي، وعدا المغرب أيضا حيث الصحراويين الذين يطالبون بدولة الصحراء الخاصة بهم.
أما نحن، بلد المليون مصيبة، فمازال الكثيرين ولاسيما بعد الانفصال يظنون (ظن السؤء) بان ما تبقي من سودان، أضحي عربي خالصا كامل الدسم من ناحية جينية، وهنا تستحضرني نكتة ذلك السوداني، الذي يعمل في احد البلدان العربية حيث كان يزبد ويرغي ويدوووعل، بان السودان عربي خالص، وأنهم صمام الأمة العربية، فما كان من اللبناني صديقه في العمل، ألا أن فطس من الضحك وهو يقول لهذا السوداني (أن كنتم انتم عرب فانحن شوو؟ ملائكة يعني).
فمنذ عهد طيب الذكر (تور شين) إبان المهدية، ونحن ما زلنا نتصارع بين تيارين متناحرين، العروبيين والافريقيانيين، تيار يتلصّق بنسبه بابن العباس، وأبو جهل، و أبو لهب، ويري ان ذلك يكفل له ويعطيه كل الحق بإزاحة التيار الإفريقي الأخر، وتيار إفريقي يري أنهم أول من وطئت أقدامهم ارض السودان فلابد وتبعا لذلك تغير الواقع المأزوم من داخل الخرطوم لعودة الافريقيانية، من أفرقة البلد أو علي الأقل الاعتراف بثقافاتهم المحلية، ثم تأسست لاحقا علي هذه الثنائية مدارس فكرية تؤطر بشكل او بأخر لهذه المفاهيم مثل مدرسة الغابة والصحراء، حيث الغابة تعني الزنوجة والصحراء تعني العروبة ومشتقاتها.
...يتبع...
|
|
 
|
|
|
|