|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(1) ليست الدنيا كما نُحب ونهوى . إن المجتمعات كنوز لا تنفتح إلا بالصبر على المعرفة ، وتتبُع خطواتها التي تأتي متخفية كأنها تسرق أسباب وجودها من حياة الناس ، أحزانهم وأفراحهم . نعرف المجتمع عندنا منذ هجرة الإسلام منذ قرون إلى أرض السودان ، وتغلغل في حيوات بعض الشعوب السودانية . مدت العقيدة المهاجرة حبل الصبر ، وأحنت صرامتها لرياح المجتمعات كي تستأنس وتعيش بينهم . تآخت لحين مع الأعراف ، فكان الرقص والغناء عادة يومية تخفف من غلواء الحياة ومشقتها . تنظرها العقيدة بمنظار التسامُح إذ أنها الوافدة فلا سبيل لها غير التَّواد .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(4) نعرف أن حياة المجتمعات ليست كلها مضاءة لنعرفها . ففيها أقبية وكهوف عصية على المعرفة . كان الجنس الثالث واحداً من تلك المعضلات التي يستحق أصحابها الحياة . فكانت لهم بيئتهم في الطرف الآخر من الدنيا ، ولكنهم لا يغيبون عن المشهد المجتمعي ، بل يشاركون الحياة وفق رؤاهم . ينعمون بحياة أخرى غير التي نعتاد . وللمجتمع وجه من أوجه القبول ، قبل أن تنهزم حياتهم بعد الهجمة الأصولية التي هدمت التسامح مع سبق الإصرار الترصد .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(7) رفع "إبراهيم "والد " حميدان " و جدّ المختون " نصر الدين " صوته بالحديث وسط جمهرة من أصحابه ، وكانت له معرفة بأسرار العقائد وغرائب الأحاديث : ( روى البخاري ومسلم (عن أبى هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - (اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة، واختتن بالقدوم ) ضحك حاج أحمد : - بالقدوم يا حاج إبراهيم ؟ !.. لا إله إلا الله محمد رسول الله !!
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(9)
العصر وعند هبوط الشمس مستديرة ، كبيرة الحجم ، برتقالية اللون . رتل من الشباب والنسوة والأطفال في سيرة ود الطهور ( نصر الدين ود حميدان ) . الأرض مبسوطة برخاوتها ، طين لبن وقشرة حمراء من " الرقيطة " تكسو سطح الطريق . أم الحسن تُمسك الدف على كتفها الأيمن ، والعمة " ميمونة " تضرب عليه بإيقاع فخم رخيم ، تهتز له الأجساد . " ود الهادي " في الأمام يغني ويضرب على الشتم . الدف الغليظ الضخم يحاور الطفلة " الشتم " . " ود الطهور " مرفوع على الكتف وقد تزين بقميص مصنوع من " الكرب " الأبيض بنسيج يشف هما تحته . على تاج جبهة الطفل عصابة حمراء في وسطها " هلال ذهبي " يلمع . الحناء تكسو اليدين والأقدام .صدره مزينٌ بالمسابح والعقود من كل لون وطيف . الحرائر الحمراء مربوطة تزين اليدين . يحمل " السوط " يهزه وسط الزغاريد .
يرتفع صوت " ود الهادي " بالغناء :
الليل ليل العديل والزين الليلة العديلة ويا عديلة الله طلَعَتْلُو الشمس مَا وَدَّرُو نِهَارو فوق كُرسي النباتا اخُوي لَوا حكََارو الجود والكرم مَا حرفتو مُو كارو الليل ليل العديل والزين . مما تبّ قام حَاشَاهو ما اتزَيّنْ وغير حقّ " العَدل " أنا اخويا مَا اديّنْ الليل ليل العديل والزين
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(10) لفيف من النسوة يرتلنّ المقاطع الغنائية . الإيقاع صورة خضراء مبهرجة . أبناء وبنات الطريق يتقاطرون من كل حدب وصوب . روافد تصب في النهر . يرزم الصبية بأرجلهم ويحمحم الرجال . العصي تنطلق نشوانة في عنان السماء في إيقاع " السيرة " . الغبار يصعد من بين الأرجل يخفف من زرقة السماء . " ود الهادي " بجلبابه المصنوع من " السيتان " الرمادي الأملس اللامع . و" طاقية " حمراء تغطي الرأس . على كتفه شال أبيض مُزركش . على رقبته عقود ملونة قرمزية وحمراء وخضراء داكنة . مع الإيقاع يتقدم بصدره ، متحركاً وراقصاً من الخصر والصدر المكتنز والرقبة في رقص الحمام . صدره عالٍ ومؤخرته الضخمة وجسده الممتلئ يتراقص ذات اليمين وذات اليسار ، والعقود تلتف من حول عنقه في جلال مهيب . فنٌ لفح أفراح الزمان ، وغطس في بركة محبة ، لا يدري الجميع كيف تأتت لهم. لم تقدر أغنية الحقيبة القوية الساعد ولا ما تسمى بالأغنية الحديثة أن تزيح هذا الطقس الغنائي الراقص من مخيلة الأفراح .
أنا يا ناس الله لي الليلة البرش حضروهو الفراش ختوهو والعريس جابوه للحِنة قعدوهو أنا يا ناس الله لي الليلة
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(11) العديل والزين الليلة العديلة ويا عديلة الله طلَعَتْلُو الشمس مَا وَدَّرُو نِهَارو الليل ليل العديل والزين . فوق كُرسي النباتا اخوي لَوا حِكَارو الجود والكرم مَا حرفتو مُو كارو الليل ليل العديل والزين . مما تبّ قام حَاشَاهو ما اتزَيّنْ وغير حقّ " العَدل " أنا اخويا مَا اديّنْ الليل ليل العديل والزين .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
أستاذنا الشقليني
متعك الله بالعفية كما متعتنا بهذه السياحة العذبة
رويدا صارت للحياة وجهان التقيا دون أن يتآلفا . وجه متزمِتْ ، ووجه مسترخٍ . وحين تسلقت العقيدة إلى مرتفعات السلطة ،انزوى الوجه الآخر وتستر ، فقد صارت للعقيدة سلطة من جاه الملوك . أخافت العُرف فتدثر في الظلمة . لا ينكشف إلا في مناسبات الأفراح من أعياد الحصاد أو الختان أو حفلات الزواج أو ميلاد الأطفال أو ذكرى الولد النبوي الذي تزين بزينة أفراح الشعب وغمرته بأهازيجها . وكذلك حفلات " الظأر " الذي هو الوسيلة الشعبية للعلاج النفسي . لم تستطع الحياة أن تخفي هذا الصراع الدائم بين غلواء العقيدة وبين فلكلور الشعب . فتلونت العقيدة عند مقدمها بعادات الشعوب السودانية ، فعرفنا الخمّارات الشعبية ودور المرح تبتعد عن المساكن في القرى وأشباه المدائن . يذهب اليها الذين يرغبون الراحة والاستجمام من تعب الدنيا والفكاك من قبضة التقاليد التي جاءت العقيدة بصرامتها ولبست لبوس الأخلاق والاستقامة ، تنظر بكثير من التوجس من أفراح الشعب ومتعته المنفلتة .
هذه الجزئية جديرة بالتأمل و القراءة المتأنية
لي عودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(12)
تسمع فرقعة السياط ، سلطان العصي حين تتبارز في لعبة " الصقرية " المشهورة في أم درمان . الزغاريد تشق عنان السماء ، والفرح والحبور يأخذ بوجدان الجميع . يتوقف الجمع حيناً لالتقاط " الشبال " من النسوة . تجد من ثياب النسوة " أبو قجيجة " و " خط الاستوا " ومن تحته قمصان" القرمصيص " اللامعة تلمحها متدلية من تحت الأثواب . وثياب "زرقاء وخضراء وحمراء ملونة " للنسوة اللائي طعنَّ في السن . وأخريات فرائحيات الملبس هنَّ في زهر الشباب . مباخر " الصندل " تتوزع بين الجمع . وتلفحك ريح طيبة تُجبرك أن تدلف إلى الطقس الفلكلوري لتكون واحداً .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(13) من بعد الغروب توسط " ود الهادي " باحة البيت الفسيحة . جلسنّ ثلاثة من النسوة وقد طعنّ في السن . خضروات ، يلبسن " ثياباً زرقاء داكنة . جلسنَّ في مقاعد خشبية منسوجة بالحبال . وأمام اثنين منهما " طست " مملوء بالماء وعليه عدد خمس من ثمرة " القرع " وقد تم تفريغها وأصبحت نصف كرة كانت تستخدم كإناء شراب . لكنهم اليوم مقلوبة على ماء الطست والنسوة يضربنَّ عليه فتنطلق الأصوات كفقاقيع صوتية كتومة ، يسمونها " عزف الدِنقِر" . هنالك دُفين يضرب عليهما اثنين من النسوة . إبراهيم واقفٌ في منتصف الحلبة يحمل " الشتمّ " يضبط الإيقاع والكورال الغنائي . التف الحضور في حلقات . وأفسحوا مكاناً لرقص الحمام . النسوة ذوات الشعور المعقودة بنسيج دقيق يتدلى من تحت الكتوف ، وعند الرقص يتدلى إلى الأرداف ، في هيبة عظيمة لا تضاهيها إلا الزغاريد المنطلقة في الفضاء .
يا يُمه دوب ليهنْ كَدي يا يُمه دوب ليهنْ معَوجَات طواقيهِنْ يا يُمه دوب ليهِنْ سَجم ام البلاقيهِنْ يا يمه دوب ليهنْ كَضاب البِكَازيهنْ يا يمه دوب ليهنْ أخوان ريه ناديهُنْ أنا ليّا زول فيهُن
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(14)
رجال في الخمسينات من أعمارهم . برزوا للساحة راقصين ، والعصي تضارب بعضها ، وعيون أخرى حمراء تتلصص وبعض الشفاه تتلمظ ، وهي تنظر الجنس الثالث في تكوينه الجلي في شخص " ود الهادي " ، وقد تبدى بهرجه ، وصوته ذو النغم الطروب الذي يعلو حينا وينخفض تارة أخرى ، يجيد مواضع النزوات والغنج من كلمات الغناء . فترى أنت وجه آخر من الوجوه السرية التي لولا مناسبة " الختان " لما عرفت أين كانت هي مختبئة .
تايه ثابتة وما بِتنخَرِبْ كلهن فُرّاس نَاس حَرِبْ ليك بَعيد الحظ يَنجَلِبْ والفهيم من وصفِك غِلِب
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(15)
ويبدأ أغنية أخرى ، ويعتقد كثيرون أنها من أغنيات المرحلة متقدمة من عصر الفونج وربما من عهد الملك " بادى أبودقن " الذي حكم سنار (1645-1680 ) حليل موسى يا حليل موسى المُهر أب رَبِتْ ما عاد بشِدُّو والعَتل أب زَينْ ما عاد بِهدو حليل موسى من نهار وِلدوه على كوكَب الدرق رمضوه صدق موسى أسألوا الضاقو حليل موسى يالمرار عِنُّوه بتلقاه في الملم حَنداسْ بتلقاه للجلاليب راسْ بتلقاه في الوكر خَلاس وكيف يجري ود عزاز الناس ترا الليلة ما بشوف فاقة والحربة فوقنا برّاقة إن متنا الكفين طاقة وإن عشنا للرجال عاقة
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(17) وعرّج " ود الهادي " لأغنيات مدخل القرن الماضي عندما كانت " كبوشية " نجمة الأغنية الشعبية من بعد الطمبرة . ومن قصائد " حسن سالم " من كبوشية بدأ الأغنية :
عشبة البانة الماحت أغصانا في جوفي وَاجة نيرانا الخواص والعوام يخشو في شانا خيالها حيّانا من فروع المسك فاح جانا زهرة الورد المروي بستانا العشوق روحه تعبانا
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
(18)
وبعد استراحة قصيرة ، عرّج " ود الهادي " على أغنيات الحقيبة الأولى ومن شعر المساح تغنى :
الشاغلين فؤادي وتايهين فايقين أفتي البيّ ذارف دمع المايقين تَال القبلة شايف لي برقاً لمَعْ والصيد في الخمايل يا ناس اجتمع قوموا يا أحبة نسترقّ السمع ما بطيق القعدة والمايق دَمعْ ديل أحبابي يا مولاي لي قدروا انسلبت لحومي واعضاي خدروا لاموني العوازل بى حالي ازدروا هم سايقين في دلالم تايهين ما دروا سامرت الكواكب لما الفجر لاح منادي الفجر نادى وقال يا اهل الصلاح وأنا الليل قايمو لى خيال لي لاح
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( ود الهادي ) يغني في ختان ( نصر الدين ود حميدان ) (Re: عبدالله الشقليني)
|
كان لود الهادى ذاك قبولا لا نظير له بل كان من هم وعاظا وأهل علم دين يأتون به ليحى سيراتهم وكان التعامل معه بقدر ما يقدم من فن يتفاعل معه الناس ولا ينظرون إليه إلا فنانا مجردا فكان المجتمع فطرى يتعامل مع الظواهر كما هى دون التعدى على إنسانية الإنسان بسلوك لا يضر غيره لا بل كان المجتمع أكثر وعيا وأكثر تماسكا وأكثر حفاظا على موروثه رحم الله إبن الهادى رحمة واسعه وغفر له ما تقدم وما تأخر.
| |
|
|
|
|
|
|
|