|
بيع خط لندن..
|
وأخيراً بعد خراب سوبا، كوَّنت وزارة النقل بقرار صادر عن وزير الدولة لجنة للتحقيق في ملابسات فقدان الخطوط الجوية السودانية حق وزمن الهبوط في مطار هيثرو في لندن، وهو من أشهر خطوط الطيران التي عملت عليها سودانير منذ تأسيسها ونالت بها ميزة تفضيلية في العاصمة البريطانية وكانت من أوائل الشركات التي حظيت بوجود وتسهيلات وتعاملات خاصة في المملكة المتحدة من عقود طويلة. وللحقيقة فإن سوادنير لم تكن بالنسبة للسودان مجرد ناقل وطني، بل كانت طائراتُها سفارات متنقلة و«سودان» يطير في الأجواء العالمية، ومكاتبها لا تقل في دَورها وأهميتها من دَور السفارات بالخارج، وكان لخط لندن بالنسبة للسودان والسودانيين وقعٌ خاص، حيث كانت سودانير تعبُر الأجواء الأوروبية وتحلُّ شامخة زاهية بألوانها في المطارات الأوروبية حتى تصل هيثرو، عنواناً لبلدها ورمزاً له، وكم من ذكريات وحادثات ومواقف وتواريخ وملامح في هذا الخط المهم. في مطار هيثرو كما تقول مرويات التاريخ القريب وفي قلب العاصمة البريطانية لندن، حازت الخطوط الجوية السودانية، على أصول ومكاتب ومخازن ومعاملة خاصة، ففي المطار لها مواقع في المواقف بالمطار ومناطق المناولة والخدمة الأرضية وغيرها من الخدمات والميزات التي لن تحصل عليها بسهولة بين منافسة حادّة وكبيرة بين كبريات شركات الطيران في العالم، وظلت محل فخر لكل أهل السودان ومصدر اعتزاز. عندما بدأ التدهور في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وجاءت سياسة التحرير الاقتصادي في سنوات الإنقاذ الأولى، ونفذت سياسة بيع مؤسسات القطاع العام حام شبح التخلص من سوادنير، وتم ذلك بالفعل بدخول شركة عارف الكويتية التي بيعت لها نسبة كبيرة من سودانير التي تمت خصخصتها، وبدأت الشركة العريقة تفقد كل شيء من بريقها الطاغي وسمعتها لأصولها على الأرض وطائراتها على الجو، وأخيراً حتى حقوقها غير المرئية وأزمنة هبوطها في المطارات العالمية، ومن هنا جاء بيع خط لندن. بيع الخط يعني أن شركة طيران تبيع لشركة أخرى حقها وزمن هبوطها في المطارات وهو الزمن المخصَّص لها في الأجواء وعلى مدرجات المطارات ومواقفها والخدمات التي تحصل عليها. زمن سودانير في المطارات من الخرطوم حتى مطار هيثرو في لندن، بيع بطريقة غير معلومة حتى لوزارة النقل التي كوَّنت لجنة للنظر في ملابسات بيع هذا الخط، خاصة أن شركة عارف أنكرت بيعها له، فالسؤال الملح «إذا أنكرت عارف ذلك فمن هو الذي باع حقًا من حقوق الشعب السوداني وشطب اسم ناقلِهِ الوطني من الأجواء ومن مطار دولي حيوي مثل مطار هيثرو؟» هذه القضية لا تحتمل المجاملة، لا بد من كشف كل الملابسات التي اكتنفت هذه القضية، فالسودان وناقله الوطني لا يستطيع استرداد حقه بسهولة، ولا يمكن الحصول على حق وأزمنة هبوط جديدة باليسر والسهولة، فالقضية معقَّدة الآن بما لا يمكن حلُّها إلا بتدابير شائكة ربما تكلِّفنا الكثير. المعروف أن هذا الحق وزمن الهبوط تستخدمه شركة بريطانية تسمى بي إم آي ( BMI) وهي كانت شركة طيران محلية في المملكة المتحدة، ولم تكن تحلم في يوم من الأيام بالخروج والتحليق خارج الأجواء البريطانية أو الأوروبية وحمل ركاب من السودان والعاصمة اللبنانية بيروت إلى لندن ومنها مرة أخرى طوال أيام الأسبوع. في لجنة التحقيق التي كوَّنتها وزارة النقل، لابد من تحديد الجهة التي باعت هذا الخط وأفقدتنا حقوقاً وامتيازاً تاريخياً لا يقدَّر بثمن، فبكم بِيع الخط ولمن ومن الذي كان له حق التصرف فيه ولماذا وكيف.. الشعب يريد أن يعرف!! الرزيقى ________
|
|
 
|
|
|
|