|
الشوش يعترف: الشمال كان يستعمر الجنوب
|
حروف التراجع
الراي العام 19 يونيو 2011
ليس للقرارات والمواقف التي تتخذ في العالم الثالث والعربي منه خاصة أي هيبة أو قدسية لأنها دائماً ما ترتبط بحروف التراجع مثل (إلا إذا ) و(لكن) وهذه المحبطات تأتي دائماً كماء بارد يدلق على قرار ملتهب فيطفئ أواره، وإذ النار كانت وهماً والحماس خدعة تخفي تردداً وضعفاً. فلقد اطلعت بعد غياب أسبوعين على بعض الصحف السودانية في ساعة واحدة أحضرها قادم من السودان . رأيت فيها لسعادتي شيئاً يشبه الحزم في مواجهة كثير من القضايا وإستعداداً لمواجهة الحقائق مهما كانت كريهة الملامح وتصميماً في وجه الجهود المعادية.
تجاوز الرؤية الحاكمة لكثير من تصرفات الحركة الشعبية قد بدأ يثير القلق والإحباط وكثيراً من الدهشة، وبخاصة في مناطق التماس ومساعدة الحركة الصريحة في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الإستقرار وتغذية الفتنة وما يصرح به قادتها من إستفزازات تخرج عن المألوف كما تخرج عن الأدب، الأمر الذي يدل على إصرار الحركة على أن تلعب دور مخلب القط دون خوف من رادع كما لو كان العمل العدائي ضد الشمال هو المبرر الوحيد للإنفصال وقيام الدولة الجديدة، ولهذا كان إستفزاز الشمال إلى أقصى درجات الإحتمال عملاً يفوق بكثير مما توليه الحركة لبناء دولة الجنوب الحديثة التي تحتاج لقدرات لا تتيسر لها وإلى جهد لا تملكه لتمنع عنها ما يحيط بها من كوارث تزحف نحوها لا قبل لها بها. وكان من نتيجة هذا الإستقزاز من جانب واحد أن أصبحت كل الصراعات بين الطرفين في أرض الشمال لا في الجنوب.
والحركة الشعبية لا تكتفي بإشعال الحرب في جنوب كردفان وفي أبيي، والإستفزازات التي لا تطاق على لسان عقار في النيل الأزرق ولا في مساعدة حركات التمرد في دارفور وتوفير السلاح والعون لها، بل تبذل جهداً مع القوى الحزبية الشمالية البائسة في إثارة القلاقل حتى في قلب العاصمة القومية نفسها مع تكرار تصريحات قادتها مع عدلائهم في دارفور بنقل المعركة إلى الشماليين في عقر دارهم حتى دخول القصر وشراب البارد فيه. ولو كان ذلك عن قدرة، لكانت الكراهية والرغبة في الإنتقام وتقديم الثمن لقوى أجنبية تذللاً وولاء لفهمنا ولو كرهنا. لكن الحركة الشعبية تفعل ذلك عن غير قدرة وفي وقت تتعرض فيه الدولة الوليدة إلى مشاكل لا حصر لها، ولولا تنازل الشمال التاريخي طلباً لسلام لم يحصل عليه لما استطاعت أن تحرر شبراً من مدن الجنوب التي ظلت تحت إدارة القوات الشمالية طوال سنين الحرب، وقد خرجت وفق إتفاق سلام شامل إتفق عليه الطرفان وكان من نتيجة هذا الإتفاق هذا التحرش وهذه الإسفزازات مستقويةً بقوى تنبح كالكلاب كلما رفع الشمال سيفاً للدفاع عن نفسه وأرضه. ونبتلع الإساءة ونسكت عن الإستفزاز والناس في حيرة من أمرهم لا يعرفون لماذا نسكت ولماذا نقبل الإساءة ويخرجون من دهشتهم إلى تفسيرات متعددة مبثعها الشائعة والشك. والصحف التي جاء بها القادم من السودان تحمل الكثير مما يثلج الصدر: لم يعد الناس قادرين على تحمل أي تراجع مهما كانت أسبابه. ولكن الذي يظهر من جدية وحسم وحزم لا يزال يشوبه شيء من حتى ... تلك الحروف اللعينة التي تحس فيها بعض التردد وبعض الإرتعاش. ما قيل عن تنازل في أبيي في أديس أبابا الذي أثار الكثير من اللغط والشماته من بعض المعارضين الذين لم يعد يهمهم من أمر السودان شيئاً حسمه الرئيس وحسمه قادة الحكم :«لا إنسحاب من أبيي إلا بعد التوصل لترتيبات مرضية ومتفق عليها (و) لا قوات أجنبية على الحدود تلعب دور الطابور الخامس، ولتكن هذه القوات على أرض الجنوب إن أرادت الدولة الحديثة ذلك». و(عبد العزيز الحلو رجل متمرد على أهله ومتعطش للدماء وما يتلفظ به من شروط وتهديدات من كهوف الجبال هي مجرد هذيان مسعور فقد قدرته على النهش والعض)، بقي الأهم وهو توجيه التهمة له وإعلان محاكمته وإدانته هارباً وفق قوانين تستحدث إذا لم تكن موجودة في قائمة عقوبات السودان. وعدم السماح بأي وجود للحركة الشعبية في الشمال بعد التاسع من يوليو تدخل أيضاً في سياسة الحسم التي بدأت تطل بوجهها لولا ما صاحبها من حروف التراجع التي تحمي ذلك النشاط المعادي من التلاشي إذا غير اسمه فقط. وماذا يجدي تغيير الاسم مع بقاء السلوك والأهداف؟ إن العمل تحت راية الحركة الشعبية تحت أي مسمى وبالتضامن معها لا يجب حظره فقط، بل إعتباره عملاً عدائياً وخارقاً للموجبات الوطنية والإنتماء للسودان تجرِّمه القوانين الصارمة. وحتى لا ينطلق النباح فلتكن هذه القوانين منقولة حرفياً من قوانين عقوبات أكبر الدول الديمقراطية التي تناهض الخيانة الوطنية والإستعانة بالعدو والتعاون معه وإثارة الفتنة والقبلية التي تهدد وحدة البلاد وإستقرارها. ومزيد من الحسم وقليل جداً من حروف التلكؤ والتراجع.
|
|

|
|
|
|