|
مبادرة الجامعة وجنوب كردفان
|
من الضروري أن تنتهي العمليات العسكرية بسرعة في جنوب كردفان، وإنهاء حالة التمرد الذي قادته الحركة الشعبية ورتبت له، وسد فوهة الجحيم التي فتحت على مواطن الولاية الذي كان يأمل في السلام والأمن والاستقرار والطمأنينة والوئام الأهلي، ويطمع في التنمية والخدمات. لكن ما حدث شكَّل صدمة عنيفة لمواطني الولاية وجرَّهم لمستنقع الحرب والخراب الذي لا طائل منه ولا رجاء فيه، وتتحمل الحركة الشعبية ما يجري في الولاية، وبذرها بذور الشقاق والخلاف والفتنة التي لعن الله من أيقظها وأوقد نارها. اليوم نطالب بالإسراع في تثبيت الأمن والاستقرار، وبسط سلطان الدولة وهيبتها، وحسم التفلتات ومنع انزلاق الولاية في منزلق النزاع العنصري والعرقي الذي بدأت بعض الجهات الترويج له، ومن بينها قيادات في الحركة الشعبية مثل مالك عقار الذي وصف ما يدور بأنه صراع عنصري!! ما جرى في جنوب كردفان صراع صنعته السياسة، فعندما شعرت الحركة الشعبية بأنها فقدت كل شيء، لجأت إلى تفجير الأزمة، واستعارت لغة خطاب تحريضي قبائلي، حاولت من خلاله تعبئة الشعور بالغبن السياسي والاجتماعي لبعض القبائل والمجموعات السكانية، على مظنة أن المطمع السياسي يتحقق ويربح من خلال إثارة جائحة النعرات وطامة العرقيات. والخشية الآن من امتدادات هذا الصراع، فلا بد من التوصل إلى نهاية له سواء كانت بالحوار والحل السياسي، أو الإسراع في بسط سلطة الدولة وقبضتها على كل المناطق وقص أجنحة التمرد، ولعل تجربة دارفور تغني مواطن جنوب كردفان عن تكرارها، فالحرب التي أشعلتها حركات التمرد في دارفور، كسرت دورة الحياة الطبيعية، وذهبت بالأمن والسلام الاجتماعي، وأغرقت كل أهالي دارفور في وحل القبليات والتحيزات للعرق والعنصر والعشيرة، وهو خطر ماحق حلَّ بدارفور. وجنوب كردفان يجب أن تشهد تحركاً كبيراً وإرادة شعبية قوية من أجل السلام وتقديم المساعدات الإنسانية، وتسهيل عودة المواطنين لمناطقهم، وتعزيز فرص العيش في اطمئنان. وعلى هذا جاءت مبادرة جامعة الخرطوم في منبر الحوار والسياسات بمشاركة معهد أبحاث السلام ولفيف من ممثلي القوى السياسية والفعاليات الأهلية والشخصيات الوطنية، لمنع عودة الحرب لجنوب كردفان مرة أخرى ولجم أية محاولات لجعلها جنوباً آخر، ولطالما دعت بعض قيادات الحركة الشعبية من الشماليين وفي مقدمتهم الأمين العام لقطاع الشمال ياسر عرمان لما يسمى الجنوب الجديد، وهو ما حدث بالفعل. وحتى تفوت الفرصة لصناعة حرب في الولاية، لا بد من تضافر الجهود من أجل إنسان الولاية وسلامته والحفاظ على روحه وإبعاده عن شرور النزوح والخوف والجزع والهلع. وبالرغم من اختلاف التقدير والتقييم مع ما طرحته مبادرة جامعة الخرطوم، التي تتساوى فيها كل الأطراف، ولا تدين الطرف الذي فجَّر الأوضاع وغلَّب لغة السلاح، إلا أن المقصد مفهوم ومعقول ومقبول، لأن هدفه هو حل النزاع بالحوار والتجادل بالحسنى ومنع التراشق بزخات الرصاص. وتبقى هناك مسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام في أن تقود مبادرة إعلامية جادة وصادقة، لمنع وقوع جنوب كردفان في براثن الصراعات القبلية وتحويل مسار النزاع من كونه نزاعاً سياسياً داخل الدائرة الجهنمية لمجال الحرب الذي صنعته اتفاقية نيفاشا التي لم تجلب السلام بل توالدت منها الحرب في مناطق الشمال الذي كان مبرأً منها.. فتجربة دارفور بمراراتها وتداعياتها وما خلفته في الوجدان الوطني وما صنعته من التنافر النفسي بين أبنائها ومناطق السودان الأخرى، يجب ألا تستنسخ في جنوب كردفان. وكل الصحف ووسائل الإعلام مطلوب منها السعي لحصر القضية في سياقها الوحيد، بأن تمرداً قد حدث ضد الدولة، ولا بد للدولة من بسط هيبتها وعدم فتح الباب لنزاع طويل يكون حصاده المر استمرار العمليات العسكرية والتشرد والنزوح وتعثر التنمية والاستقرار. الصادق الرزيقى _____________
|
|
 
|
|
|
|