|
سماح
|
والدي العزيز لك تحياتي و أسمى آيات تقديري و محبتي ... عذراً لتأخير إرسال خطابي هذا لك.. فقد إستغرق الحصول على سكن مناسب وقتاً طويلاً .. ثم غرقتُ في تفاصيل إجراءات التسجيل للجامعة .. و عشرات التفاصيل الأخرى التي لا أريد أن أزحم بها رأسك .. والدي الحبيب .. شوقي إليك لا يوصف. أرجو أن تقرأ رسالتي هذه بعناية و أن تتفهم دواعي لهجتي هنا .. فالقلب مثقل و لا بد من فضفضة... لم أكن متأكدة من أنك ستوافق على سفري وحدي بهذه السرعة و دون أي إعتراض .. بل أصابني الذهول لسرعة إستجابتك لرغبتي في السفر. فقد رفضتَ من قبل و بإلحاح سفر أخي غير الشقيق عندما توسل إليك هو وأخواله لتوافق على سفره للدراسة بالقاهرة .. القاهرة التي على مرمى حجر يا أبي .. كان إصرارك عنيفا على عدم سفره إليها .. و لكن حيرتي تبددتْ فيما بعد ...فلم أندهش بالطبع عندما وافقتَ على سفري وحيدة إلى هذه الأصقاع البعيدة .. جاءت موافقتك سريعاً و دون تردد ... إختزلتْ موافقتك كل التوسلات التي كنت أنتقي كلماتها أياماً طويلة .. نعم ... لم أندهش لموافقتك السريعة .. و لكن .. موافقتك على سفري .. تعرف أسبابها .. فأنت تزيح عن كاهلك كل خيط يبعد عنك الشبهة التي ربما تلازمك طوال حياتك إن تم الكشف عن المستور .. و أرجو أن تغفر لي ما سأقوله إن كان يدخل في نطاق العقوق أو التطاول يا أبي .. فأنا أعتز بك جداً .. و تتشابى قامتي لتعانق السماء لأنك أبي .. و سأظل أعيش مفتخرة بإنتسابي إليك .. فأنا ظفر في لحم أصبعك .. و قبل أن ألِج هذا الأمر .. أقول لك بأنك يا والدي قد إرتكبت ذلك الخطأ الفادح في حياتك .. و أعذرني يا أبي مرة أخرى .. فأنت سليل الحسب و النسب .. إبن الأسرة العريقة .. ورثتَ عن أبيك و أجدادك عزاً و جاهاُ .. و إسم أسرتك له وقْع الطبول. ثم زوجوك إحدى بنات أعرق الأسر التي توازيك نسبا و حسبا .. كنتما كفَرَسِىْ رهان .. أنجبتما البنين و البنات .. يحسدكما الكثيرون عليهم .. أتتْك الدنيا طواعية .. و وهبك الله كل شيء .. فكيف أتيت بي ؟ أقصد لم أتيت بي إلى هذه الدنيا ؟ كان يكفيك ما أنت فيه من نعيم دانٍ و عز وافر .. و زينة الحياة الدنيا. هذا سؤال تعرف أنت إجابته تماماً كمعرفتك راحة يدك .. أنا لي رأى آخر .. قد يغضبك .. و لكني لن أعيش به بقية عمري .. سيثقل كاهلي إن لم أبُحْ به إليك .. و أنا مصممة على أن لا أموت و هو في جوفي ينحرني ليل نهار و يذبحني من الوريد إلى الوريد. أنا يا أبي ثمرة طيشك و عدم مبالاتك .. فقد أتيت بي لهذه الدنيا بسبب نزوة من نزواتك .. و بسبب مزاجك العالي .. سامح الله أمي. أنا لا أحتقرها .. و لا ألومها .. فهي نسيج مختلف تماماً عنك.. دفعتها ظروفها أن تكون أحد أسباب توفير مزاجك العالي .. رحمها الله .. بهرْتها بجاهك .. أغدقت عليها مالك .. ملكتها بحلو لسانك .. فهل خدعتها يا أبي ؟ هل وعدتها بشيء ثم أخلفت وعدك ؟ يتعبني الآن أنني لا أعرف عنها شيئا .. أستحلفك بالله أن تحدثني عنها و أنا الآن بعيدة عنكم و أنت في مأمن من كل ما يكشف سرك العظيم. لا أعلم كيف تزوجتها سراً .. و لا أريد أن أعرف الآن .. و لكن الذي أعرفه يا أبي أنك تزوجتها ربما درءاً للفضيحة بعد أن تكورتْ بطنها معلنة بداية الخطيئة و الخطأ .. لتضمن بذلك سكوتها الأبدي .. و درءاً لإنتشار الفضيحة بين أهلك و أسرتك .. أليس كذلك ؟ و أخذْتني عندك .. و أنت تعلم مجريات الأحداث .. تعلمها يا أبي .. أنكرتَ أولا أبوتك لي .. و قلت للجميع أنني يتيمة تود كسب الأجر و المثوبة بتربيتي .. و أنا وقتها صغيرة لا أعلم لِم أنا بعيدة عن والدتي و بين أسرتك التي لم ترحب بي كثيراً .. ثم أفضيتَ إلى زوجتك بالسر الدفين في لحظة ندم ربما ، فتغيرتْ معاملتها لي. بل تغيرتْ كلياً .. رغم أني لم أعلم سر التغيُّر في معاملتها وقتها .. إلا أنني أعتقد بأن الله يحبني فقد ألهمني صبراً جميلاً .... أفرغتْ زوجتك كل حقدها على ضرتها في شخصي .. و لولا لطف الله بي .. لكنت مشردة لا أعرف أسرة أو أهلاً .. و لا أدري أين كان سينتهي بي المصير .. و تحت سمعك و بصرك جرتْ أمور ستظل محفورة في ذاكرتي أبد الدهر .. أمور أقل ما أصفها بها الآن أنها توصمك بالظلم الفادح .. الظلم المر . كأنك بسكوتك تجعلهم يعاقبونني على ما إقترفته يداك عن الظلم الذي كان يقع على.. عاقبتَ نفسك في شخصي .. لا أكرهك .. لسببين : لأنك والدي ... و لأنك يوماً ما كنت ترتبط مع والدتي رحمها الله برباط مقدس .. رباط لم تعطه كل حقوقه المشروعة. سامحك الله .. كانت هناك جذوة عميقة داخل روحي تقول أنك أكثر من مُحسن و كافل يتيم.. كنتُ أسهر لحين عودتك و أذهب لفراشي بعد دخولك غرفتك .. كنت أغضب في دواخلي حينما تتطاول زوجتك عليك .. و أطرق مكسورة عندما أراك منهزماً أمامها .. و لكن .. أرَّقتْني كثيراً و لسنوات طوال أمور شتى .. فأَن أنام دون عشاء عقابا لتقصيري بسبب الإرهاق أو التعب ، فهذا لم تعرفه لأنك كنت تأتي مخدراً و مخموراً و تُساق إلى مخدع زوجتك سَوْقاً .. أن أُعاقَب يومياً على أخطاء الآخرين .. فهذا كان يفوتك لغيابك طيلة ساعات النهار .. و لكن أيعطيك هذا العذر لكى لا تناديني و تمسح على رأسي و تسألني إن كنت أشكو شيئا ؟ ألم تستيقظ فيك يوماً عاطفة الأبوة ؟ أيعطيك هذا العذر حتى لا تفرق بين ما كنتُ ألبسه و ما كان تلبسه أخواتي ؟ أيعطيك هذا العذر حتى لا تراني أيام راحتك في المنزل و أنا منحنية أقوم بكل أعمال البيت بينما إخوتي حولك في صخب طفولي كنت أرمقه من طرف خفي و بداخلي سؤال يكاد يكتم أنفاسي ؟ سؤال كان دافعه شعور خفي بأنني جزء منك .. أذكر سنوات طفولتي فأصاب بغصة تكاد تفقدني صوابي .. ستبقى تلك الأيام كالشرخ يدخل منه صقيع عطش أيامي و جوع لياليها الطوال. أحمد الله أن أعطاني القوة و الصبر .. لا أود أن أؤنبك الآن .. فلا فائدة أجنيها بتأنيبك .. يكفيك صراعك الداخلي الذي عشته و تعيشه و ستعيشه. كان من الأفضل أن تتركني في حضن أمي .. أو حضن مَن على شاكلتها بعد موتها .. ما معنى أن أقتات الفتات في منزل أبي ؟ ما معنى أن ألبس أسمال إخوتي ؟ إخوتي ؟ يا للسخرية .. هم يعرفون فقط أنني يتيمة تعيش على إحسان الأسرة .. الذي أعرفه أن الأبوة لا تتجزأ ... لا تفرق بين لحم و لحم .. و ليس هناك لونين للدم الذي يجري في العروق. فكيف طاوعك قلبك على أن تجعلني أعيش دور المقطوعة من شجرة وسط إخوتي ..؟؟ بينما زوجتك التي تعرف الحقيقة تُشْهِر لك سلاح الفضيحة كلما حَنَ قلبك أو لُمْتَ نفسك على سوء معاملتها لي ؟ فكيف إستطعتَ أن تصبر كل هذه السنوات لتخبرني بالحقيقة؟ ليتك لم تخبرني .. ليتك تركتني أحبك فقط لأنك الذي أحسن إليّ بعد موت أمي. أتدري ما الذي أحسست به عندما أخبرتني بالحقيقة و أنت منتشي بفعل الخمر ليلتها ؟ إمتدتْ يدي لتصفعك .. نعم .. أصدقك القول .. إمتدت يدي لتصفعك .. و لكني أحسست أنها ملتصقة بي تماما لا حراك بها .. و أحمد الله على ذلك أيضاً.. فقد منع الله عني جريرة كبيرة. لم تتركني زوجتك أكمل النظر إلى تعابير وجهك و أنت تكمل إعترافك الهزيل المبتور .. فقد سحبتْك و كأنك طفل يجرجرونه إلى فراشه .. و صباح اليوم التالي .. خرجتَ لا تلوي على شيء .. لم تطق حتى النظر في وجهي و أنا أزاول عملي اليومي. يا لها من ليلة .. تلك الليلة .. لم يغمض لي جفن .. كانت الصدمة أكبر من عقلي و أنا في بداية مراهقتي أكابد ما أكابد .. فكرت في الهرب .. ثم أحجمتُ متعلقة بأهداب محبة قد تأتي بعد هذا .. و لكنني كنت واهمة .. أرقبك من فرجة الباب في غرفتي الكئيبة و أنت تترنح تدلف إلى غرفتك مسنوداً عليها .. رحمك الله يا أمي ... لا أعرف كيف وافقتْ زوجتك أصلاً على دخولي المدرسة .. و هذه محمدة أضعها في ميزان أعمالها الفارغ تماما.. و كرم منها رَسَمَ خُطى حياتي .. و ربما قصدتْ أن تشغلني عندما أكبر بشيء حتى لا أواجهها أو أطالب بأشياء تراها هي أنها ليس من حقي .... و لكنني وقتها كنت قد قررت أن أواصل حِفْظ سرك حتى لا تسقط من نظر أهل زوجتك و أهلك .. أرأيت كيف كانت معادلتي صعبة و شائكة .. تفوقي الدراسي منذ البداية كان سببه أن أرد لك الجميل كرجل يحسن إلى يتيمة. ثم إزداد تفوقي بعد أن عرفت الحقيقة التي أخفيتها حتى عن إخوتي أنت وزوجتك .. حاولت كثيراً أن أجلس جلسة مصارحة مع إخوتي .. و لكنني أضعف دائما أمام توسلاتك .. فكن مطمئناً .. لن أحدثهم .. حتى و أنا بعيدة عنهم الآن لن أفشي سرك حتى لا تتغير نظرتهم إليك .. و لكن .. أرجو أن تسمح لي بأن أقول لك .. بأن لا نية لي في العودة ..لا نية لي أبداً .. إن كان في العمر بقية ربما أراك مرة أخرى .. أرجو أن تزورني أنت .. و رغم كل شيء .. قبلاتي لك و لإخوتي.. و لزوجتك ... أسامحك أبي .. أسامحك ... من كل قلبي .. و سأدعو لك .. أطلب الرحمة لأمي .. و أغفر لي تطاولي .. سأكتب لك دائما .. إبنتك ...
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: ismeil abbas)
|
متعة نستظل بها من هجير التشاتم والتنابذ الذى يملأ جنبات هذا المنبر متعك الله بالصحة والعافية يا استاذ ابوجهينة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: ismeil abbas)
|
ضــــــوء ساطــــع في نفـــق المنبر المظلــــم ابـــداع (مجرتق بالحكــم والدروس البليغة ) تسلم الريس الوجهينة مع التحية والتقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: manal eltahir)
|
منال الطاهر
تحياتي
دي قصه حقيقيه !!!!!صاح؟
بعض من منحنيات الحياة بكل زخمها يمكن أن تكون نواة و أرضا خصبة لخروج قصة تطابق الواقع و الحقيقة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: وليد الطيب قسم السيد)
|
الأخ/ أبو جهينة
تحياتي
في الحقيقة لم نلتقي في الوجود المادي، وبالتأكيد قد قرأ كل من إسم الآخر بهذا المجال
الإسفيري هنا أو هناك، ولكن لم يحدث تواصل بيننا بالرغم من ذلك، فإني أكن لك كل إحترام
ونظرة خاصة، سببها نظرة كثير من البورداب لك بإعتبارك خال، وللموضوعية في كتابتكم، وبهذا
الإنطباع فقد دخلت هذه البوست ممنيا نفسي لإريحها من ( زهج ) المواضيع المستفزة للمشاعر،
منها، صفية، ليبيا، الجنوب، دارفور ...... الخ .... يا سبحان الله
دخلت البوست فصدقت توقعاتي ولم تخيب حسن ظني فيك، والموضوع تحفة راقية أخرجتني من تلك
الدوامة.... ولعل الموضوع من بنات أفكارك، أي أنه خيالي أو أتمنى أن يكون خيالي تبرئة
لساحاتنا من مثل هذه الخيانة، بالرغم من كون الأب الفاجر، زنا وشرب خمر، وخضوع للزوجة
الظالمة... بالرغم من ذلك فقد حرص على تربية وتعليم فلذة كبده وناتج خطأه وخطيئته، و
هي محمدة..... ولعل الرسالة كلها عبارة عن إنذار مبكر للجميع.
Quote: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: حاتم تاج السر المبارك)
|
الريس ابو جهينه طالعت العنوان كثيرا فذهب فهمي مذاهب شتي وكل السيناريوهات التي توقعتها ذهبت أدراج الرياح لكنك أخيرا... سبحت بنا في عوالم ليست بعيدة عن دنيانا وعن أصلنا...أليس أصلنا من طين
مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: حماد الطاهر عبدالله)
|
الأخ الأستاذ الطاهر حماد عبد الله
تحية كبيرة و سلام ماكن
Quote: في الحقيقة لم نلتقي في الوجود المادي، وبالتأكيد قد قرأ كل من إسم الآخر بهذا المجال
الإسفيري هنا أو هناك، ولكن لم يحدث تواصل بيننا بالرغم من ذلك، فإني أكن لك كل إحترام
ونظرة خاصة، سببها نظرة كثير من البورداب لك بإعتبارك خال، وللموضوعية في كتابتكم، |
هذه بحق شهادة أعتز بها ، و أشكرك على حسن الظن بي
Quote: وبهذا
الإنطباع فقد دخلت هذه البوست ممنيا نفسي لإريحها من ( زهج ) المواضيع المستفزة للمشاعر،
منها، صفية، ليبيا، الجنوب، دارفور ...... الخ .... يا سبحان الله
دخلت البوست فصدقت توقعاتي ولم تخيب حسن ظني فيك، |
أرجو أن أكون هكذا دائما عند حسن ظنكم ، و يشرفني ذلك
Quote: والموضوع تحفة راقية أخرجتني من تلك
الدوامة.... ولعل الموضوع من بنات أفكارك، أي أنه خيالي أو أتمنى أن يكون خيالي تبرئة
لساحاتنا من مثل هذه الخيانة، بالرغم من كون الأب الفاجر، زنا وشرب خمر، وخضوع للزوجة
الظالمة... بالرغم من ذلك فقد حرص على تربية وتعليم فلذة كبده وناتج خطأه وخطيئته، و
هي محمدة..... ولعل الرسالة كلها عبارة عن إنذار مبكر للجميع. |
Quote:
كما ذكرتُ للزميلة أعلاه ، فإن الحياة تعج بدروس و عبر يمكن منها إستخلاص قصص و روايات تلامس سقف الحقيقة .
أكرر شكري الجزيل لك على المداخلة الطيبة
دمتم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سماح (Re: ابو جهينة)
|
الأخ العزيز أبوجهينة تحية قلبية صادقة كلمات...جميلة و معبرة ...دام لنا هذا الاحساس الرائع..حقيقي غيرت شكل البورد الذي لا يخلو في اغلبية الاوقات من تراشق بالفاظ غير كريمة و كريهة... تقبل مروري و حقيقي اجمل ما قراته في المنبر من فترة دمت بكل خير و عافية يا عزيز
| |
|
|
|
|
|
|
|