أبناء الحصاحيصا في جدة ينظمون نفره كبرى لتأهيل إستاد الحصاحيصا(توجد صور)

(عدل بواسطة سيف الدين عوض on 02-28-2011, 12:32 PM)

Quote: الحصاحيصا: تحقيق وتصوير: صفية الصديق : انهيار مشروع الجزيرة سبب رئيسي في الفاقد التربوي وعمالة الأطفال أبناء المزارعين ضحايا انهيار المشروع وأغلبهم يعمل في المهن الهامشية مراقب: مشروع الجزيرة كان يوفر حاضنة اقتصادية واجتماعية وثقافية لأبناء المزارعين والبترول لم يستطع توفير ذات الظروف! صاحب محل لتأجير الدرداقات: الأطفال يأتون من قرى الحصاحيصا وفي الإجازات تزداد أعدادهم مدينة الحصاحيصا، وهي محلية تتبع لولاية الجزيرة، كانت مركزا للإدارة طوال عقود خلت كمركز ومحافظة من بعد.. اقتصاد مُتهالِك قوامه عمالة الأطفال.. فإن أردت عزيزي القارئ أن ترى الأثر الفِعلي الحقيقي لانهيار مشروع الجزيرة، فما عليك سِوى أن تذهب لهذه المدينة وتتجول في أسواقها لترى، معالم الضنك- الفقر- العوز على أصوله، يتجلى هذا المسار، في الكم الهائل من الأطفال الذين يعملون في أنحاء السوق في مهن هامشية، كمصادر دخل رئيسية لأسرهم، فلا تستغربوا إن قلتُ لكم إنه بين كل شخص كبير، وآخر كبير، تجد خمسة أطفال أو يزيدون، يبيعون أشياء مُختلِفة.. نظرة عامة.. أغلبهم من القُرى المُحاذية لمدينة الحصاحيصا.. تجدهم ينتشرون في السوق وهم يرتدون ملابس رثة ومُتسِخة، أجسامهم نحيلة. لأول وهلة تعتقد أنهم أطفال مُشردون لا مُعيل لهم؛ لكنك حتما ستستغرب عندما تعرف أنهم أطفال لديهم أُسر مُستقِرة في منازلها أو شِبه مُستقِرة تقطن (الكنابي) المتاخمة للمزارع، وهي مدن من الصفيح والكرتون، والمُحزن أنهم يعولون هذه الأُسر ويمثلون مصدرا أساسيا لدخلها بعد انهيار المشروع، (مشروع الجزيرة)، فأغلبهم أبناء (مُزارعية) تركوا المدارس لا لفقدان الرغبة في التعليم، ولكن لغلاء التعليم وشُح مصادر الدخل، فأسرهم كانت تعتمد على الزراعة بشكل مُباشر، وكانت هي الأُخرى تؤمن لهم دخلا يكفيهم للتعليم والصحة ومُجابهة كل تكاليف الحياة.. أعمارهم تتراوح بين (6-17) سنة، منهم من درس شهورا معدودات في الخلوة حتى يخرج نفسه من دائرة أنه أُمي، ودخل بعدها عالم السوق، ومنهم من دخل المدرسة، وأغلبهم تركها قبل أن يكمل مرحلة الأساس، إما للتكلفة العالية للتعليم أو لفقدان الرغبة نتيجة لغياب الوجبة والمُشجع المادي، أو لحاجة الأسرة للطفل في الذهاب للعمل أكثر من المدرسة. وكلها أسباب تصُب في التدهور الاقتصادي لمواطن ولاية الجزيرة، وتأثيراته الاجتماعية، إذ هناك أطفال يافعون يواجهون مُستقبلا مُظلِما، مثلما يعيشون واقعا حالِك السواد، يسرحون في الأسواق ويلهثون حتى يؤمنوا لأسرهم (كيس الملاح ومكوناته من لحم وبصل وزيت ورطل السكر) لا أكثر، يعودون إلى منازلهم في المساء (يتشعبطون) في أعلى عربة المواصلات (البوكس المعروش كما يسمونه أو البرينسة في مسمى آخر)، لأن عملهم لا يؤمن لهم تعريفة المواصلات المعروفة (الحافلات والهايس)، مع مصروفات المنزل اليومية يأكلون الكفاف والضيق حتى لا يتغولوا على مصروفات آبائهم وأمهاتهم الذين ينتظرونهم في المنزل، تحملوا المسؤولية في سن أكثر من مبكرة برغبتهم أو ضدها في كثير من الأحيان، فهم مُسيرون لا مُخيرون، بحكم ظروف أسرهم، فالأب كان مُزارعاً أو خفيراً أو عاملاً بمختلف المُسميات في الحقل الزراعي، والأم إما ربة منزل أو مُزارعة هي الأخرى.. أطفال لا يعرفون اللعِب ولا يتذوقون لكرة القدم طعماً إلا بعض منهم ممن يتركون عملهم في الثالثة عصراً يركضون لقراهم (عشان يحصلوا التمرين).. مسؤولية كبيرة.. علي الطاهر، صبي لم يكمل عامه السادس عشر، لم يجلس على مقاعد الدراسة قط حتى يتركها، درس ما تيسر من القرآن في خلوة قريته بود شنتور، له أربعة من الأخوان ذكوراً وإناثاً، يصغرونه سِناً، يعمل حمّالاً على عربة الـ(درداقة)، حتى يُساعد أباهُ الذي كان يعمل خفيراً في (حواشة)، وترك العمل بعد التعثر الذي ضرب مزارعي الولاية (تحت ما يُسمى بالخصخصة ومحاولة مُضايقة المُزارعين للتخلي عن مزارعهم)، يأتي علي، كل يوم مُبكراً بعد أن يستأجر (الدرداقة) من مالكها نظير جنيه لليوم، ويضحى يتجول بها في كل أنحاء السوق، يقوم بنقل أمتعة المواطنين من وإلى السوق مُقابل أُجرة زهيدة تتراوح بين (50 قرشا -1 جنيه)، وعند السادسة مساء يقوم الطاهر بإرجاع الدرداقة لمالِكها بعد أن يدفع قيمة استئجارها، بعدها يذهب إلى السوق ويشتري ما تيسر من خُضار وسُكر ليعود به للمنزل، ويعطي والديه ما تبقى له من (غلّة) إن (فِضلت). حال علي، مثله مثل حال أيمن عبد الكريم، الذي يسكُن بكوبري (كمبو 16 مارقوت- الكنابي عبارة عن مساكن تتكون من القش والطين ويتم تشييدها محاذية للمزارع، لأن سكانها يعملون حُراساً للحواشات)، يبلغ من العمر ثمانية أعوام، ترك الدراسة منذ العام الأول بسبب الطرد المُتواصِل لعدم سداد الرسوم، ولأن والده أصبح بلا عمل، ولم يجد عملاً بديلاً مما أضطره ليعتمد بشكل مُباشِر على أيمن في مصروفات المنزل، خاصة وأن له إخوة صغاراً يدرسون وحتى لا يصبحوا كلهم فاقد تربوي، يقول أيمن إنه ترك الدراسة حتى يستطيع أخوته مواصلة تعليمهم ومساعدة والده، وعلى رغم أن حياة السوق صعبة ولا ترحم لكنه يفضِل العمل على أن يسرق، ويتحمل عناء ورهق (جرّ الدرداقة) حتى لا يجوع أخوته.. أعمال شاقة.. كُلما تلتفت حولك يمنة ويسرة، خلفك وأمامك في أزِقة سوق الحصاحيصا، تجد الأطفال ينتشرون حولك ومن لا يعرف حالة الفقر التي ضربت الجزيرة يظن أن هذا سوقاً خاصاً بالأطفال. ففي السوق وقرب الجزارة ومكان بيع الحبوب، تجد الأطفال يحومون لبيع أكياس الخُضار، وبعضهم يبيع الليمون، وعندما تدير ظهرك قُرب سوق الفواكه تجد الأطفال يحملون أطباقاً يبيعون عليها الجوافة والنعناع والحلويات، وبعضهم يقف أمام طاوِلات لبيع الخُبز، يعملون بجهد في أعمال شاقة تفوقهم عمراً وقوةً، يأكلون من بائعات الطعام المتجولات، ويعتمدون على سندوتشات الطعمية بشكل مباشر، يجرون الدرداقة المُحمّلة بالأمتعة، ومنهم من يبيع بها الخُضار وقصب السُكر، يتعامل معهم الناس كأنهم كِبار، لا أحد ينتبه إلى أن عمالة الأطفال جُرم مُحرّم بالقوانين المحلية والأعراف الدولية! وحتى إن انتبهوا فلا بديل لعمالتهم هذه في ظل الظروف الحالية.. يمر إبراهيم بلة (يسكُن قنِب الحلاوين) وهو يجر الدرداقة ويكاد نفسه أن ينقطع من حِملها، فهو غض الأطراف، وما زال جسمه لا يقوى على جرّ الدرداقة، إلا أنه وحسب تعبيره (الظروف بتجبُر)، فإبراهيم، لم يكمِل عامه الخامس عشر بعد، والده مُزارع ومُنفصِل عن والدته، وظروفه سيئة لا يقدر على إعالتهم، مما أضطر إبراهيم، لترك الدراسة لمساعدة والدته في مصروف المنزل ومصاريف دراسة أخوته، وعزاؤه أن المواطنين يعاملونه بشكل جيد لأنه يُبادِلهُم ذات التعامُل، يُقدِر ظروفهم رغم ظروفه الصعبة، ومن لا يملِك الأُجرة يوصله إلى مكانه الذي يقصده بِلا مُقابِل، لأنه، وحسب حديث إبراهيم، وبساطته (عارفين ظروف الناس)، ولأن أغلب قرى الجزيرة يعتمد سكانها في اقتصادهم بشكل مُباشِر على الزراعة، لذا فإن أبناء المزارعين كانوا هم ضحية انهيار المشروع، فأغلب العمالة منهم. حال صلاح عبد الرحمن، هو حال كل أطفال الجزيرة الذين انخرطوا في العمل ذي الدخل الزهيد لمقابلة مصروفات المنزل، عمره (12) عاماً أيضاً يستأجر درداقة ويقول إنه عمل شاق ولكنه مجبور عليه، وفي أحيان كثيرة لا تأتيه مشاوير مما يضطره لاستلاف تعريفة المواصلات من صاحب الدرداقة.. سوق رائجة.. هُنا وهناك ينتشرون في السوق يؤدون عملهم بقناعة وفي مرح لا يكترثون للظروف، يتمتعون بدرجة من الوعي في تعاملهم تفوق سنهم، يعملون في شتى المجالات، أغلبهم عامل (ورنيش وخياطة أحذية وبيع الأكياس- الصابون- المعجون)، يقومون بأغلب الأعمال التي يقوم بها الكبار، وثلاثة أرباعهم يعملون بالدرداقات، مما جعل لسوق (الدرداقات) صيتاً رائجاً في الحصاحيصا لتصاعد نسبة الأطفال العاملين بها، فكل من لديه رأس مال أدخله لشراء (درداقات) ويقوم بتأجيرها للأطفال نظير جنيه للواحدة، يتسلمها الطفل متى ما حضر من منزله في الصباح ويردها لصاحبها بعد السادسة مساء ويدفع قيمة الإيجار. (الأخبار) التقت خالد عبد الباقي، الذي يستأجر دكاناً في وسط السوق، قرب موقف طابت وقرى غرب الحصاحيصا، والذي بعد أن لفظته الغربة أتى، بما تبقى له من مال وقام بشراء عدد كبير من الدرداقات مثل كثير من الذين (انسدت) في وجههم أبواب الرزق بعد انهيار عماد اقتصاد الولاية (مشروع الجزيرة)، يقوم بتأجير الدرداقات للأطفال بعد أن يُقيِد اسم الطفل ومكان إقامته ومكان عمله بالسوق، يقول خالد: (الشغالين هنا كلهم أطفال من القرى المجاورة للحصاحيصا، وفي العطلة يأتي أطفال الخلاوي للعمل حتى يؤمنوا مصاريفهم).. أخيراً.. أخيراً، وبقراءة لواقع حال قاطني الجزيرة، وحسب المراقبين، فإن انهيار المشروع أثر بشكل مباشر على اقتصاد المنطقة، مما ضاعف نسبة الفقر وسط مواطنيها، وكذلك نسبة الأمية والفاقد التربوي، كيف لا وقد كان مشروع الجزيرة مؤسسة متكاملة بها مدرسة لمحو الأمية بكل أنواعها (اقتصادية- اجتماعية- ثقافية- سياسية- أمية قراءة وكتابة)، وفوق كل ذلك كان يؤمن لهم وللدولة من قبلهم وضعاً اقتصادياً لا يؤمنه البترول وغيره من المستجدات الاقتصادية في عهد حكومة الإنقاذ، ولما كان مواطن الجزيرة من أكثر مواطني السوداني وعياً بحقوقه ومكتسباته و(مُرتاح) اقتصادياً، إذ كان المشروع بؤرة للوعي، فقد تخوف منه من يخافون من الوعي، وعملوا على تدميره، مما زاد نسبة الفقر وسط المزارعين وضعف ارتباطهم بالأرض على رغم أنه تاريخ متوارث من الأجداد، يقول محدثي من الحصاحيصا في تفسيره لظاهرة عمالة الأطفال مع اضطرام النيران في الواقع الاقتصادي، ويضيف بأنهم أصبحوا يحافظون عليها- أي الأرض- كشكل تاريخي، وهذا الأمر دفع أعدادا كبيرة من المزارعين للهجرة الداخلية أو خارج الوطن، وترك أبناءهم الدراسة ومن ثم العمل في المِهن الهامشية..