الفرعون الأخير بلا مومياء! مأمون فندي

Quote: الفرعون الأخير بلا مومياء! مأمون فندي الثلاثـاء 19 ربيـع الاول 1432 هـ 22 فبراير 2011 العدد 11774 جريدة الشرق الاوسط الصفحة: الــــــرأي ليس في العنوان شماتة، ولا يجب أن تكون كذلك. ولكن على هامش الثورة في مصر كانت لي لقاءات كاشفة رغم أنها لم تكن في متن الحدث، ومنها أننا كنا نجلس في لقاء جمعني مع توماس فريدمان، والدكتور أحمد زويل، والصحافي المصري المشاغب دائما إبراهيم عيسى، وكان فريدمان مهتما كثيرا بشخصية إبراهيم عيسى وآرائه في المشهد. على ما أذكر كان هذا قبل تنحي مبارك بيوم، لأن صحافيا كتوماس فريدمان ربما لا يهمه أن يسمع آراء الناس بعد نجاح الثورة، فهو جاء إلى القاهرة - رغم أنه كان في إجازة من عمله في الـ«نيويورك تايمز» - ليكتب عن الثورة وربما لينجز كتابا آخر من وزن الـ«بوليتزر برايز». فتوم حاز على جائزة الـ«بوليتزر»، وهي أعظم جائزة صحافية في أميركا، ثلاث مرات وليس مرة واحدة. قال إبراهيم عيسى إن مبارك سيكون الفرعون الأخير لمصر، ولكنه الفرعون الوحيد الذي سيذهب من دون أن تكون له مومياء. والمومياء هي محاولة لتخليد الميت بتحنيطه ولف جسده بالكتان في انتظار البعث، وكانت تدفن أشياء الميت مع المومياء حتى يجدها إلى جواره يوم البعث حسب المعتقدات الفرعونية القديمة. وسأل فريدمان: «توت عنخ آمون له مومياء وكل فراعنة مصر لهم مومياء، فلماذا لا يكون لمبارك مومياء؟» فأجاب عيسى بالعربية في انتظار الترجمة: «ليس توت عنخ آمون فقط، ولكن عبد الناصر والسادات لهما مومياء أيضا، فهدف المومياء هو التخليد، وقد خلد المصريون ذكرى عبد الناصر رغم الهزيمة لأنهم رأوا فيه زعيما عربيا، وخلدوا السادات من أجل نصر أكتوبر (تشرين الأول)، ولكن على ماذا سيخلدون مبارك؟». وبالفعل لم تكن هناك أشياء عظمى تذكر لمبارك غير عبارات عن الاستقرار وإعادة مصر إلى الحظيرة العربية، إلى آخر الكلام الذي يشبه أحاديث جلسات البزنس لا عبارات التاريخ. دخل فريدمان في هذا الحوار الساخن، ولكنه لا يعرف تعقيدات اللغة ودلالات الموروث التاريخي والثقافي المصري، وهنا تدخل الدكتور أحمد زويل بحماس في محاولة لترجمة كلام إبراهيم عيسى المعقد. وظني أن لغة عيسى الإنجليزية ليست بالدرجة التي يستطيع بها نقل أفكاره كاملة، فشرح الدكتور زويل لتوماس فريدمان ما أراد إبراهيم عيسى أن يقوله، ولما وجد فريدمان فيما يقوله عيسى ما قد يصلح اقتباسا لعموده في الـ«نيويورك تايمز»، وتوم معروف بذكائه في اقتباس الملاحظات الثاقبة، دخل مع عيسى في حوار طويل عن تاريخ مبارك وما يمكن أن يكون له من أمور يتذكره المصريون بها، ولأن الحديث شائق، استمر الدكتور زويل في الترجمة، وبعد ما يقرب من ربع ساعة من الحديث، توقفنا للحظات لشرب القهوة، ثم رفع زويل رأسه ونظر إلى فريدمان وإبراهيم عيسى، بدل المرة مرتين، ثم قال: «مش معقول اللي بيحصل ده، أنا حاصل على نوبل في الكيمياء، والآن أشتغل مترجما لاثنين من الصحافيين!»، ونظر فريدمان إلى زويل قائلا في مزاح أميركي الصبغة: «أنا حاصل على ثلاث جوائز من الـ(بوليتزر)، ولا أقبل أن يكون من يترجم لي قد حصل على أقل من جائزة نوبل!».. كانت ملاحظات ذكية ومضحكة، أضحكتنا رغم التوتر الذي كان يملأ مصر وقتها ويملأنا عندما كانت عيون الجميع وعقولهم معلقة برحيل الفرعون الأخير، كانت لحظة حرجة اشتبك فيها مبارك مع مصر، ولم يكن أمام مصر سوى خيارين، «إما أن يترك مبارك مصر، وإما أن تترك مصر مبارك»، هكذا أنهيت الحديث.