|
اتكاءة محارب...الفريق الركن ابراهيم الرشيد
|
اتكاءة محارب
الفريق الركن ابراهيم الرشيد
- يسأل أحد قادة الحركة الشعبية وأمينها العام السيد باقان أموم يسأل في تهكم وهو يرد على زعماء الشمال وكُتاب الشمال ومثقفيه الذين يقولون لقد فرطنا وأضعنا وطن الجدود، يسألهم باقان قائلاً من هم جدودكم الذين تسبون لهم وطنكم، هل هم الأتراك أم هم الإنجليز؟ وقد أصاب بقوله الحقيقة إذ لم يكن هنالك وطن بحدوده الحالية قبل الحكم التركي اسمه السودان. قرأت لأحد الكُتاب وسمعته يقول في التلفزيون وهو يعبِّر عن الحزن الذي أصابه وهو يرى السودان الوطن الذي تشكل منذ آلاف السنين يتمزق اليوم بانفصال جزء منه، حزنت لهذا الكاتب الذي يتحدث عن وطن يقول إن عمره آلاف السنين فهل هو يعلم ما لا يعلمه الناس؟ وهل باقان أموم يعرف عن ذلك الوطن ما لا يعلمه هو؟ أم أنه يلوي عنق الحقيقة ليبرر الحزن الذي أصابه؟ ألا يعلم هذا الكاتب أن السودان بشكله الحالي لم يكن معروفًا قبل دخول الأتراك السودان وكان كل جنوبه مجهولاً إلا في حدوده الشمالية قبل عام 1821م؟. -ألا يعلم أن القبائل الجنوبية النيلية «الدينكا، والنوير، والشلك ، والأنجواك» والقبائل النيلية الحامية من المنداري، واللاتوكا، والتبوسا والددينقا وقبائل شرق الإستوائية لم تدخل جنوب السودان إلا في القرن الخامس عشر؟ أي وطن يتحدث عنه عمره آلاف السنين؟ - ألا يعلم أن حضارة كوش التي تريد الحركة احتواءها لم تتعدَّ مقرن النيلين جنوباً؟ - ألا يعلم أن جميع الحقب التي مر بها السودان الشمالي منذ عهد الممالك المسيحية وإلى السلطنات الإسلامية لم يكن لها أي تواصل جنوباً وكان تواصلها غرباً وشرقاً وشمالاً بلا حدود ودون قيود؟ - فكيف يكون السودان بشكله الحالي وطنًا له آلاف السنين؟ فهل هو الجهل بالتاريخ أم تبرير لحزن يعيشه هذا الكاتب أم انسياق وراء عاطفة من دون عقل؟ بالرغم من نتيجة الاستفتاء الرائعة بنسبة تقارب المائة في المائة التي أكدت أشواق أبناء الجنوب للاستقلال عن الشمال ووضوح أسباب التمسك بتقرير المصير الذي قاتلوا للوصول إليه سنين طويلة بل عقود من الزمان وتأكيد أن الرغبة في الانفصال ليست حصرًا على الصفوة كما كان يقول عنها التائهون والغافلون، وبالرغم من حديث ربيكا زوجة جون قرنق الذي أكدت من خلاله أن زوجها انفصالي ولم يكن وحدوياً بالرغم من ذلك كله تكتب بعض الأقلام حتى اليوم عن وحدوية جون قرنق، الوحدة التي تأكد بعد ضلال وكذب لم يتبنّها إلا لغرض وهدف وهو حكم السودان كله، إلى متى سيمضي هؤلاء في ضلالهم، ما الذي سيقنعهم بالحقيقة ويجعلهم يقتنعون أن أبناء الجنوب لا يرغبون بالوحدة من أصله. - اندهشت وأنا أشاهد أحد الصحفيين الكبار يستضيفه التلفزيون القومي يحدِّث الناس عن مخاطر الانفصال وبداية تشرذم السودان وكيف أن الحزن يملأ جوانحه وأنه يخشى المستقبل ويخاف على وطن الجدود وأن الزعماء لم يكونوا قدر المسؤولية وغير ذلك كثير من الحديث المليء بالعواطف بعيداً عن العقل والحكمة والمنطق هذا هو منهجه منذ عهد مايو حتى مجّ الناسُ حديثه وادّعاءه للمعرفة.. وما جعلني أقف مندهشاً قوله، إن الذي لا يحزن لانفصال الجنوب عليه أن يفتش نفسه!! ولبرهة وأنا أستعرض ما يقوله، أي حزن يقصد هذا الرجل؟ ويمر بذهني شريط طويل من الأحداث وأقول في نفسي نعم أنا أيضاً حزين، حزين جداً يا وطني وحزين يا بلدي وحزين يا ولدي.. فأي حزن أعيشه؟؟ - حزين أن يتأخر الانفصال خمسين عاماً عن موعده منذ مذبحة توريت الإشارة التي لم يفهمها حتى الآن أمثال هذا الكاتب، واليوم يحتفل بذكراها، ذكرى تلك المذبحة، زعماء وقادة الجنوب وهم يكرمون الذين نفذوها ويجعلون يوم ذكراها يومًا طنيًا.. فهل علينا أن نحزن لانفصال الجنوب؟ - حزين على عهود من الزمان ضاعت دون أن نصل إلى الحقيقة، حقيقة أن أبناء الجنوب يريدون الانفصال. - حزين على أرواح أولئك الزملاء الأعزاء عشرات الآلاف منهم الذين فقدناهم نتيجة لسياسات رعناء وحكام لا يريدون أن يتعاملوا مع الواقع والحقائق ولم يفهموا حقيقة مطالب أبناء الجنوب. - حزين لأصدقاء أصبحوا مُقعدين بعد أن أُصيبوا في عمليات أمر بها الحكام بحثاً عن وحدة كاذبة. - حزين على أموال صُرفت في غير مكانها وفي حرب بحثاً عن الوحدة وكان الأجدر أن تُصرف على العطشى والجوعى والمرضى. - حزين وأحزاني كثيرة وأحزان الناس كثر فأي أحزان تريدها لنا؟ وإلى متى تعيشون في الأوهام؟ إن حزننا غير حزنك، وآلامنا غيرآلامك وفهمنا غير فهمك، ففتش أنت عن نفسك
|
|
|
|
|
|