|
بمناسبة الثورات : لا يغيّر الله ما بقوم ، حتى ......
|
لا يغيّر الله ما بقوم حتى ......... راقبت ثورة تونس ، وبعدها ثورة مصر ، وأراقب ما يجري في اليمن ، والسودان ، وأترقّب ثورات أخريات في كثير من أنحاء العالم ... فهذا عهد الثورات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية واللقمة الأيسر .. لذا أثق في أن العدوى ستنتقل إلى كثير من الشعوب ، تماما كعدوى الاستقلال في الخمسينات والستينات من القرن الفائت .. وكما عاند الاستعمار وقاوم الحراك الشعبي من أجل الانعتاق منه ، كذلك سيقاوم الحكّام والأنظمة غير الديمقراطية وستتمسك وتتشبث بالسلطة ، لكنها سترحل في النهاية كما رحل الاستعمار . وبعدها سيعدّ كل تجاوز للشرعية الشعبية حالة نشاز وربما حالة من التعدي غير الانساني على هذه الشرعية مهما تزينت الحركات الثورية والانقلابات بزينة الشعارات الثورية مهما كان لونها أو طعمها . لكن يظل السؤال قائما كأنه شوكة حوت أبدية لا فكاك منها ، وهو : هل ستؤتي هذه الثورات أكلها ، أم أنها تنفيس لغبنٍ مؤقت تعود بعده نفس السيرة الأولى من الضيق السياسي والفشل الاقتصادي والتشبث بالمصالح والمكاسب الضيقة ؟ الثورات الشعبية في الأساس يفترض فيها أنها تلقائية وعفوية ، بمعنى أنها تنال حدأ أدنى من التخطيط إذا كان الأمر متعلقا بالثورة نفسها أو بما ينبني عليها من مستقبل .. وهذا يعني أن الثورة الشعبية تختلف تماما عن (الثورة) المخطط لها أي ( الانقلاب ) أو الثورة المتسلحة بآيديلوجية ما لأن التغيير السياسي في هذه الحالة يكون مخططا له أو مرتبطا بنظرية اقتصادية / سياسية / اجتماعية محددة المعالم . لكن هذا لا يعني أن الفشل لابد أن يكون ملازماً للثورة الشعبية وأن النجاح لابد أن يكون حليفا للثورة الانقلابية ، بدليل ما يحدث في الواقع وهو كثير ، كالثورة الإيرانية وثورات أوروبا الشرقية كمثال على الثورات الشعبية ، ومنها الانقلابات العديدة التي أصيب بها العالم العربي وإفريقيا وآسيا وغيرها . وهذا يجعلني أميل إلى القول أن الفشل السياسي والضعف الاقتصادي ، وكذلك النجاج ، يصنعه الانسان في حالته العادية وليس بالضرورة الانسان الثوري بصرف النظر عن مقاصد الثورة، وشعاراتها ، وحالة كونها شعبية أم انقلابية . ونحن من قبل قد جربّنا الثورات الشعبية ، مرّتان بدلا عن واحدة .. في اكتوبر 1964 وفي إبريل 1985 ، لكن هل أراحتنا الثورتان ؟ هل بلغنا بهما مرادنا ؟ وهل فشلت الثورتان بسبب انقضاض العسكر على كلٍ منهما أم أنّ أسباب الفشل كانت كامنة في كليهما ؟ وفي كل مرة تأتينا الثورة الانقلابية مُدينة لما قبلها مُبشرة بالغد الأفضل ، وعادة ما تعمّر أكثر من الثورة الشعبية لكنها سرعان ما تؤول إلى الفشل السياسي والضعف الاقتصادي وتُقاد إلى حتفها مهما طال بها الزمن. الأمر هكذا بالرغم من أن مايو والانقاذ قد استعانتا بالعلماء وأساتذة الجامعات والخبراء إلا أنهم جميعا لم يتمكنوا من فعل شيء يجعلنا نتجه نحو التفعيل الاقتصادي ليخرجنا من دائرة الفقر ، أو يقودنا إلى طريق سلمي نتداول عبره السلطة ونعلي فيه من قيمة الانسان عبر تطبيق العدالة والمساواة . وفي هذه الحيرة من الأمر ينبغي أن نلتفت يمنة ويسرة وأن نمدّ بصرنا إلى كل الجهات علّنا نرى في الأفق ما يقودنا إلى النجاح أو على الأقل ما يجنّبنا الفشل . وإذا نظرنا إلى واقعنا السوداني نجد أن نفس الأسماء ، والقيادات ، تظل على الدوام هي نفسها في كلا الحالين ، حالة الثورة الشعبية أو الثورة الانقلابية . فقيادات مايو وقيادات الانقاذ وقيادات المعارضة هم نفسهم قيادات ما تلى الثورتين الشعبيتين . الأسماء نفسها تتكرر على أسماعنا ، وعلى توجيهنا ، وعلى التأثير علينا منذ الستينات . لكنهم كما يقول مثلنا الدارج ( كمن ينفخ في قربة مقدودة ) .. لم يتمكن هؤلاء من اختراق عقولنا ، لم يتمكنوا من السيطرة على تفكيرنا ، ولم يتمكنوا من برمجة هذه العقول لتتناسب مع فكرهم أو رؤيتهم . فالمراقب للواقع السوداني يجده واقعا مزريا من كل النواحي ، يجد ضعفاً مريعا في الانتاج ، وترددا تجاه التطور ، ومجافاة للابداع ، وتقاعساً لا يستند إلى ما يبرره . يجد الفعل الاقتصادي محبوسا ومكبلا بقيودٍ نصنعها نحن ، ثم لا نستطيع التخلص منها . يجد واقعا اجتماعيا لا يستطيع الفكاك من الأسر التقليدي المتوارث . يجد فعلا سياسيا مترددا تجاه التطور الفكري متهيبا الرأي الآخر ، مستندا إلى قلة الوعي متكئا على وسادة الانسياق القطيعي والقبلي والجهوي ،. كل ثورة تأتينا أو نأتي بها ستكون مثل أختها ، ما دمنا لا نتغير ولا نتأثر بما هو حولنا من التقنية ، ولا نستفيد من مراقبتنا للعالم وهو يسير إلى الأمام ، ما دمنا لا نستطيع كسر طبقة الجليد الكثيفة التي تفصل بيننا وبين الوعي الانساني اللازم لصناعة المستقبل .
|
|
|
|
|
|