الخلاص ليس في الإنفصال ! كوري كوسا / السودان "صرخة فى واد"

Quote: الخلاص ليس في الإنفصال كوري كوسا / السودان فيما يبدو أن الحركة الشعبية بكل صولاتها و جولاتها و بإرث من التضحيات و النضال إمتد لاكثر من عشرين عاماً في مصادمة مخططات الإستلاب و التهميش التي جرت و لازالت تجري في السودان، قد آثرت أخيراً أن ترمي بعيداً في القاع بفكر السودان الجديد الذي إلتف حوله أبناء الهامش و إرتضت الحركة في خاتمة المطاف أن تنفي نفسها و تنكفئ في ركن قصي مكتفية بأخذ حدود 1956.1.1م و الإتجاه جنوباً لبناء دولة الجنوب كمجازفة في وجه عواصف عاتيات لا تحصى و لا تعد. و قد ظن البعض أن مشاكل السودان سوف تزول و تنزوي كما يذوب الثلج في الماء بمجرد ان يتم فصل الجنوب عن الشمال، و إعتقد البعض الآخر أن جنوب السودان سوف يهنأ بعد ان يمد أشرعته لنسايم ناعمة و يسير صوب وجهته جنوباً. لا أقول ان الدعوة للحفاظ على الوحدة هو إرتهان للإستلاب و رضوخ للإقصاء الممارس في هذا السودان منذ أيام أجدادنا الأقدمين الذين تأذوا من حملات صيادي الرقيق إلى يوم الناس هذا، لكني وعن صدق سوف أكون من اوائل المهنئين لاهل جنوب السودان بمجرد نيلهم إستقلالهم المجيد من هذا المجتمع المتعنت المتخم بالعلل. لكن سوف تمر سنوات و ربما عقود عدة قبل أن يدرك السودانيون أخيراً(شماليون و جنوبيون)أن تقسيم السودان لم يكن إطلاقاً قراراً صائباً و إنه كان خطاءاً جسيماً لايمكن جبره. و سوف يصحوا الجميع بعد فوات الأوان على أنهم إتخذوا الخيارات الخاطئة تماماً، تلك الخيارات التي سوف تحطم أجيالاً و تورث الشؤم. سوف يكتشف الشمال أن قراره كان فادحاً عندما سمح لنفسه أن يرث تركات الماضي و أخطاء الأجداد و يباركها و يعززها برفع المزيد من الحواجز الصلدة بينه وبين الآخر. تلك التركة و تلك المباركة اللتان ترسختا في ذهن كل شمالي و تعززتا إقصاءاً للغير و إستعلاءاً عليه و محاولة لفرض الهيمنة المطلقة بانواعها (ثقافية،سياسية,إجتماعية،إقتصادية)، فأنا لن أتحدث هنا عن حزب سياسي بعينه، لان الأحزاب لا تأتي مستوردة من الخارج لكنها تنشأ من المجتمع نفسه، و تستقوى به و تظل في مقاليد السلطة لطالما أن ذلك المجتمع المعين راضي عنها. و هو ما يجري بالتحديد في مجتمع السودان ، يوم أن رضي المجتمع عن جماعة المؤتمر الوطني الذين صادفوا هواً عروبي إسلامي في قلبه فآثر الإبقاء عليهم طوعاً و ليس إكراهاً و ذلك يفسره صمت الشماليين صمت الحجارة الصماء نحو ممارسات جماعة المؤتمر الوطني و تفسره كذلك نتائج الإنتخابات الأخيرة. كما أن الجنوب من جهته سوف يكتشف بعد هنيهة أن قراره الذي جاء على عجل كان غير مدروساً و كان جناية كبرى، حين ذهب و ترك حدوداً طويلة لم يتم تسويتها بينه و بين الشمال، تلك الحدود التي فيها نقاط تستعر جحيماً و تلفظ نيرانها جنوباً و شمالاً كأبيي، مع وجود الصراعات القبلية الكامنة في الجنوب و القابلة جداً للإنفجار في أي لحظة بالإضافة إلى هشاشة البنى التحتية إن لم يكن إنعدامها و الملايين العائدين صوب الجنوب من المواطنين الذين كانوا في الشمال و في معسكرات النزوح في دول الجوار. لقد كان في مقدورنا نحن أبناء الهامش أن نقبل التحدي الأكبر بهزيمة الظلم و الإستعلاء و نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ،عدل ،حرية،مساواة و نعطي درساً بليغاً في الشرف و الكرامة بحفظ وحدة أرضنا السودان و بدء نضال آخر أصعب و لكنه أضمن بدلاً عن خيار يبدو أسهل و لكنه غير مأمون العواقب. بإختصار شديد إن من كانوا يعتقدون(شماليون و جنوبيون) بان حلحلة مشاكل السودان يكمن في فصل شطريه ، كان عليهم مراجعة حساباتهم بجدية تتسم بروح المسؤلية لان إنفصال الجنوب عن الشمال لن يكون سوى صب المزيد من الوقود على النار المضطرمة.