عاش الجنوب السوداني منذ الأزل عزيزا مكرما عند أهله كمجموعة قبائل نيلية لها طابعها وإرثها وثقافتاها الخاصة ولم تمتزج مع الثقافات الشمالية إلا بقدر محدود وبذا حافظت على هويتها الحضارية عبر كل القرون . إلى أن جاء الحكم التركي الغازي الذي ضم الجنوب لدولته القهرية ومن ثم ّ صار الجنوب في العام 1876م قسريا جزء من الدولة الجديدة المستعمرة . وانتقلت للحكم الثنائي الإنجليزي المصري بحدودها التي إعتمدت دوليا ومن بعدهم الدولة السودانية المستقلة في العام 1956م. في وقت كان فيه السودان تحكمه ممالك وسلطنات مستقلة هي الأخرى آلاف السنين فجمعها الحكم التركي تحت مظلة دولته الجديدة ( مملكة علوة في الشمال والسلطنة الزرقاء في الوسط وسلطنة دارفور ( دارفور وكردفان ) في الغرب . وهذه السلطنات الثلاث أكثر تمازجا وتوالفا من إقليم الجنوب . ومن ثمّ فمطالبة الجنوبيين اليوم بالإنفصال حق طبيعي ومنطقي طالما انهم فقدوا إستقلاليتهم بالقوة لاغير وقبل 134 عاما فقط من عمر الدنيا . فلا يحق لأحد أن يلومهم على تقرير المصير لصالح الإنفصال على هذه الخلفية المنطقية البسيطة والجلية . ويبقى السودان الشمالي ذو الأغلبية المسلمة الساحقة متناقما ثقافيا ووجدانيا فضلا عن التداخل الجغرافي والإقتصادي الإجتماعي . وأي دعوة للإنفصال عن كيانه المتبقي تفتقر تماما للمنطق والمعقول ، فضلا عن المروق من الدين مروق الشعرة من العجين والسهم من الرمية لو شق الصف أحد وطالب بالإنفصال بعد الإسلام ودستوره السماوي ، أما الحقوق الأساسية والسياسية لأي أحد فيمكن المطالبة بها بشتى الوسائل الحكيمة التي تقدم درأ المفاسد على جلب المصالح كمبدا إسلامي رصين و تقدم شوكة الإسلام وبيضته على الأهواء والجنوح . ويبقي جوهريا أن تعي قيادة الجنوب الجديدة أن اللفية الثالثة حقبة متأخرة من عمر الدنيا الساعة الواحدة منها عصيبة على الشعوب النامية والناهضة وهي تتعثر بعيدا عن دفة العالم المتقدم ، وهو نفس الدرس الذي أدركته الإنقاذ بعد إضاعة سنين طويلة ضد مصر وضد أثيوبيا وضد شاد فعادت للوفاق والتعاون المشترك المضطرد . وهذا يلزم من حكومة الجنوب المرتقبة أن تؤسس لعلاقة متينة مع دولة السودان الشمالي وفق منظومة المصالح الإقليمية والإقتصادية المتبادلة بعيدا عن أوهام الإحتماء بالغرب أو إسرائل فهذا دولاب صراع ومناورة لايصلح لهذه المرحلة الحساسة من عمر الشعوب النامية . وهذا يجب أن يكون في صلب التخطيط الإستراتيجي لدولة الجنوب ، أما الشمال فطبيعي أنه سيسعى بقوة لعلاقة مصالحة متبادلة طالما انه قد وعى الدرس من وقائع الماضي القريب كما أسلفنا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة