كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: الراحل سليمان عبد الجليل .. ثلاثية : ( الرحيل .. و الوصية .. و مساخة الحِلة ) (Re: عروة علي موسى)
|
عمد شاعرنا في الجزء الثاني ( الوصية ) للوم والعتاب موجهاً ذلك لتمرة فؤاده ( فاطمة الفنجري ) وذلك عندما ضنت عليه الظروف بوصول الرسائل الأحلى من عسل من النحل ، ففي هذا الجزء سكب شاعرنا حشاشته وحنينه وحبه وشجنه مازجاً ذلك بفيض من الطبيعة مصوراً حاله وهو عايش في ( الأسية ) التي جاءت بعدما نأت ( فاطمة الفنجري ) بفعل مؤامرة السياسة والظروف التي كانت تسود البلد وقتها ، فها هو يصور رحيلها مثل الطير الغريب الذي عندما يغادر في المساء فتراه يسرع الخطى ويزيد سرعةً في الطيران لأنه يريد الانتقال إلى مكانه الذي يعرف حيث أهله وعشيرته وفلذات أكباده الصغار . (لا سلام منك وما منك تحية للوراك خليتو عايش في الاسية ما حرام يا الفنجري ما تسيب وصية قمت زي طيرا غريب سافر عشية ) والوصية هنا تختط ثلاثة طرق : الأول كون أن الوصية من شاعرنا للمحبوب حاثاً إياه أن يعمل على إرسال الرسائل ليقف بها على حاله ، ولعلها تخفف عنه بعض سادية السياسة والعسكر الجهلة . الثاني : هو ما خبر وما سمع من حديث الأجداد والجدات المثل القائل : ( المفارق عينو قوية ) . الثالث : الدعوة للرجوع منتقداً الذين استهوتهم الديار الجديدة فنسوا مرتع صباهم وذكرياتهم . وبالمثل ( المفارق عينو قوية ) يربط شاعرنا عدم وصول الرسائل من المحبوب بأن ثمة تجاهل قد تم من قبل المحبوب المفارق ، وهذه هواجس طبيعية تنتاب المحبين لا يكون القصد منها توبيخ المحب بقدر ما هي لوم وعتاب ليس إلاّ ومداعبة كأنما أن انقطاع الرسائل أرتد به لما اختزل في الذاكرة مما حوى ذلك المثل الذي هو وصية من الأجداد والأسلاف ( المفارق عينو قوية ) رغم أن الأمر في البداية لم يكن يقيناً ، ولكنه رسخ عندما ضنت الظروف بوصول رسائل المحبوب ( دابو صدقت) (ما قبيل وصوني يا حليل الوصية كت مكضب كنت ناسي دابو صدقت المفارق عينو قوية ) . يتداعى شاعرنا حنيناً والتصاقاً بعناصر الطبيعة التي صورها وكأنها كانت ترهف السمع لما يقول الناس في البلد وتعرف الشخوص وتحس بالمشاعر المتبادلة بينهم ، فا هي السواقي في جوف الليل تنوح حاملة حنين الدنيا كلها في أنينها مشاركة شاعرنا بحرقة وحسرة على غياب ( فاطمة الفنجري) . يا لهول الفقد عند شاعرنا الذي جعله من فرط حيرته عند غياب الحبيب أن صور نفسه مثل الطيور المرتبكة بين غصون الأشجار جيئة وذهاباً تبحث عن وليدها ، فهذا التشبيه يكبر ويتنامى عندما تعرف أن شاعرنا وفي بحثه المضني هذا يعلم علم اليقين أن حبيه قد رحل بيد أن الطيور يحدوها الأمل في وجود وليدها . والبحث والسؤال عن الحبيب لم يقف حده عند شاعرنا بل أن كل البيوت تسأل عنها الحبيبة ( الصبية ) ، وهنا ربما أراد شاعرنا أن يوسع دائرة الإحساس إذ أن ليلي الرحيل هي فاطمة الفنجري في الوصية وهي أمنة في مساخة الحلة ، فالهمُ عند شاعرنا ليس ذاتياً فهو همٌ جلل أصاب كل المحبين عندما غمرت مياه السد احاسيسهم ونأت بالمحبين بعيداً عن دار الأهل بدون أهل . والسؤال عن سرب الحسان الذي غادر كأنه الطير الغريب الذي يغادر في المساء عندما تنتهي رحلة جمعه لقوت عياله فيعقد العزم على الرحيل دون أن يحس به أحد لماذا هذا الرحيل المسائي ولماذا هذه العجلة ، فالغريب أن الطير ذاهب لدياره لكن الأمر عند الذين غادروا البلد مجبرين كأنما هي إشارة ولفت نظر للذين كانوا السبب في ذلك الرحيل والتهجير والتغريب بأنهم عندما غادر الناس طفقوا ينظرون إليهم كأنهم طائر غريب رحل في المساء دون أن يحس به الناس . (السواقي النايحة نص الليل حنين الدنيا ممزوج في بكاها زي طيورا في الفروع محتارة بتفتش جناها البيوت والناس بتسال عن صبية فارقت حلتنا زي طير غريب سافر عشية ) في الجزء الأخير من الوصية يتضح الدرب الثالث ( الدعوة للرجوع ) وهذا هم عام استطاع شاعرنا وبحنكة أن يربطه مع همه الخاص ولا تكاد تملس ما يفرق بينهما إلاّ بتركيز شديد مستخدماً لفظ ( ما حرام ) أي كيف يمكن أن يكون الماضي الجميل وذكرياته الحلوة مجرد محطة للأسى كلما عركتك آلام الفراق والشوق لدار الأهل ( ما حرام ماضيك يصبح ليك اسية ) ليستخدم شاعرنا العذر الملفوف بثوب من الأمل حينما يقول: ( يا سلام لو كان جفاك بحسن نية ) لينسى وصية الأجداد ومثلهم ( المفارق عينوو قوية ) فهذا العتاب الخفيف مرتبط بأمل أن يكون هذا الغياب الطويل قد فرضته ظروف وسيزول حينما تختفي تلك الظروف . ولأن الأمل ما زال يلف شاعرنا بعودة الجميع لممارسة الحياة الطبيعية التي كانت قبل الرحيل نراه في ختام هذه الوصية يؤكد على ضرورة التمسك بالعادات والتقاليد وجمال المورث من الأسلاف ، فتراه محذراً الجميع من ( ليل الغربة ) ، وهي غربة مقصودة لذاتها ( الغربة داخل الوطن ) حتى لا ينسي الناس ريحة الطين في الجروف ، والتميرات البهيفن ، والدعاش والغيم رابطاً ذلك بمشهد دارمي حي هو بهجة العودة من الحقول ساعة الأصيل ( عند المغارب ) تحت الدعاش وزخات المطر ، والكلٌ مرتبط القلب والخاطر بليلى وفاطمة الفنجري ، وأمنة السمحة ، حيث لا رقيب ولا حسيب ، ولا ذم ولا ثمّ اعتداء . (اوع ليل الغربة ينسيك ريحة الطين في جروفنا والتميرات البيهفن ديمة راقصات في قلوبنا والدعاش والغيم رذاذها في العصير بالفرح بلل كتوفنا نحن راجعين في المغيرب للديار لا حد يشوفنا لا نشوفو لا يشوفن ) يتبع ،،،.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الراحل سليمان عبد الجليل .. ثلاثية : ( الرحيل .. و الوصية .. و مساخة الحِلة ) (Re: ashraf mukhtar)
|
العزيز أشرف مختار سلام ومحبة وممنون سيدي لهذه المتابعة والإشادة .. حقاً رحم الله سليمان عبد الجليل الذي استطاع منذ أكثر من ثلاثين عاماًأن يصيغ وجدان الشارع السوداني بهذه الأغنيات الخالدات والتي تغنى بها الأستاذ حمد الريح .. وظلت هذه الأغنيات هي مطلب جماهيري كبير تعطي كل تجمع فني بعده الآخاذ وألقه وتجعل الناس يطربون عند سماعها .. تقبل تحياتي وعبرك تحيايي لكل أفراد أسرة هذا الرجل الشفاف ... عروة،،،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الراحل سليمان عبد الجليل .. ثلاثية : ( الرحيل .. و الوصية .. و مساخة الحِلة ) (Re: عروة علي موسى)
|
شقيق الروح وعروتها الوثقى ............ سلاماً وتحية من جرح الأحزان الذى لعق كل شئ فلم يعد يجدى غسله بتراب الوطن وإن سلم من التقسيم ( ليت إخوتنا فى شمال الوادى نطقهوها على طريقتهم وحبذا لو نطقها ألثغهم ).
قرأتك يا عروة بمعية الدوش والبت سعاد ، كتبت مداخلة سكبت فيها بعض إشتياقى لك وفرحى بدوام إزدهار بستانك وسعادتى بأن ثمّة من أنشد معه (سوف نبقى مثل نجم السعد) ، عند مراجعتى للمداخلة إياها إنفصلت الكهرباء عن جهاز الكمبيوتر دون أدنى سبب معقول سوى عدم إحتمال أسلاكه لهذا الفيض من الشوق والإغتباط بك ومعك .
تعرف يا عروة فترة المغارب هى من أحب فترات اليوم لدى وأجد سبباً لذلك ، حين كنا صغاراً كان والدى عليه رحمة الله يحرص على إصطحابه لزاوية الختمية لصلاة المغرب ، أشجار الزاوية تعج بالطيور وتسعدنا أصواتها أوان الأوبة لأوكارها ، حين إقامة الصلاة وأثناءها يستحيل أن تسمع أى صوت لهذه الطيور وكأنى بها تشاركنا صلواتنا ، إيه عروة ما أحيلاها من ذكريات ، أستسمحك فى المغادرة بسبب إستعدادى للإستيقاظ مبكراً لإستقبال شقيقى على الذى سيأتينا زائراً وربما يبقى إن وفق فى إيجاد عمل ، أرجو يا عروة إرفاق رقم هاتفك على الخاص. ولى عودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الراحل سليمان عبد الجليل .. ثلاثية : ( الرحيل .. و الوصية .. و مساخة الحِلة ) (Re: عروة علي موسى)
|
يختتم سليمان عبد الجليل الثلاثية ب ( يا مساخة الحلة يوم ناس أمنة فاتو ) . الآن لم يبق شيء . ها هي الحلة تغطت بالوحشة وما عادت كما كانت تستهوي شاعرنا وبقية النفر المحبين مما حداه للقول بأن الحلة فقدت طعمها ونكتها وأصبحت ماسخة يوم أن نأت عنها فاطمة الفنجري ، وليلى ، وأمنة . فشاعرنا مازال ماسكاً على لفظ ( ناس ) أمعاناً في التعميم والنأي عن الذاتية ليكون الهَمُ عنده حتى على مستوى الاحساس عاماً ( يا مساخة الحلة يوم ناس أمنة فاتو ) . ( يا مساخة الحلة ) هذا هو منادى لمضاف إذ أن الحلة مضاف إليه ، ولكن الغريب في النداء هنا أنه موجه لغير سامعٍ مما يجعل الأمر خارجاً عن نطاق المنادى كما هو واضح من ظاهر النص ، ولكن النداء هنا يكون لإظهار الحالة التي غدت عليها الحلة بعد الرحيل كئيبة وفاقدة الطعم ، فلم يجد شاعرنا بداً من استهجان وضع كهذا إلاّ باستخدام النداء في تركيب غريب ، والدراجة السودانية مليئة بمثل هذا الاستهجان الذي يأتي مقترناً بالمنادي مثل أن نقول : ( يا شناة أهلك ) استهجاناً من قبح الشخص الماثل أمامهم . تبع غياب ( ناس أمنة ) تمرد الطبيعة في كل عناصرها المبهجة التي كانت تصنع الفرح كأنما شاعرنا أراد القول إن هذه العناصر تأخذ بريقها وجمالها وتأثيرها عند وجود ( ناس أمنة ) فهن وعناصر الطبيعة يقفن جنباً إلى جنب لملء الكون بهجة وجمالاً . فالقمر غاب عن الظهور وتأثرت لغيابه رمال الحي التي كانت تتخذ من ضوء القمر نوراً وأنيساً ، وفُقِد صوت القمري الشجي على هامات الأشجار ، فكل هذه العناصر المكونة للطبيعة ومعها ناس أمنة لم يدر الشاعر أين ذهبت وولت ، وكل هذا إمعاناً في إظهار ما ينتابه من مشاعر فياضة وقلق واضطراب لغياب الأحبة الذي تبعه غياب كل عناصر الطبيعة الصانعة للحياة الحقة الممتعة في الحلة . (والقمرة غابت في عشياتو ولا فرشت رمال الحي لجيناتو والقمري عشعش ما قوقن جنياتو ما قوقن قوقن جنياتو ولا معروف مكان راحو وين فاتو ) . يواصل شاعرنا في التغني بالطبيعة ومناظرها الخلابة : بهجة النيل ، والشتلات على ضفافه ، وشجر النخيل ورياح أمشير تحرك أغضانه ، والليل المسافر مع النجيمات ، والصباح المستبد الممزوج بطلة ( ناس ليلى ، وفاطمة الفنجري، وأمنة ) كل هذا يخلق دالية كأنها مدججة بغناء الشحارير المصابة بالندى ، والوجه الصبوح لدى أمنة ورفيقاتها . وهنا يتسأل شاعرنا عن حبه لمن يكون لكل العناصر المذكورة ، وهذا تأكيد على ارتباط وثيق ومتين بالنيل وعليله ، وأشجاره ، والنخيل الهاشة أغصانه للناس ، وبأمنة وصوحيباتها ، فعندما يعمد الليل بالسفر حاملاً معه النجوم في رحلته اليومية يبدأ الشوق في الرحيل باحثاً عن ( ناس أمنة ) . وبعد هذا البوح الشفيف ، وهذا الوصف الدقيق للحال والمحل يتساءل شاعرنا هل يا ترى أن ( ناس أمنة ) يدركون كيف هي حال المحب المغرّب ، أم أنهن ما عرفن ما يعتور صاحبنا ( سيد الوجعة ) وكل المحبين من الشوق والحب والحنين ؟! (نحب ياتو ... نسيب ياتو نحب النيل وشتلاتو نحب نخلا تهش للناس زعيفاتو نحب بنوتنا لما الليل يسافر بنجيماتو وانتو هناك يا ناس امنة سيد الوجعة ما عارفين حكاياتو )
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الراحل سليمان عبد الجليل .. ثلاثية : ( الرحيل .. و الوصية .. و مساخة الحِلة ) (Re: عروة علي موسى)
|
تلك كانت هي مرثية الأحاسيس الموغلة في التغريب والتهجير ... جاءت تلك التي في الشمال بفعل العسكر ، وها هو التاريخ يعيد نفسه عندما أقدم هذه المرة العسكر ( الأسلامويون ) على قطع جزء من الوطن الحبيب ليكون الجرح أعمق لأن تغريب أهلنا في الشمال كان داخل حدود الدولة الواحدة ، فرأينا كيف ولَّد فيهم تلك المرارات التي داست على أحاسيسهم كما داست مياه السد مرتع ذكرياتهم وتاريخهم .. تغريب أهلنا في الجنوب أكبر في التأثير لأن التغريب هذه المرة يبعد بعيداً ، وينقل حياة شعب عاش في الجنوب حراً وفي الشمال حراً بين ليلة وضحاها إلى ذكريات قد لا تتاح لك الفرصة لمعاودة ربوعها لأن الأمر ساعتها سيكون متعلقاً بسياسة الحدود ومحمي بحراسها ، فلن يبقى لك الاّ أن تغلق الصدر وتفتح الدرب للدموع لتبكي ذكرياتك وحيداً بعيداً عن أهلك وأحبابك وجيرانك وأصدقائك في الشارع والحلة والمدرسة والعمل والسوق حيث أن الكل أصبح أجنبياً عن بعضهم البعض بجرة قلم عسكري بليد في الطرفين .
الباب ما وصدته غيرُ البُومِ في العهدِ السحيق البابُ ما وصدته كفك أين كفك و الطريق ناءت مسافاتٌ بيننا نفطٌ أماني من سراب البُومُ تحمل لي صدى الآهاتِ منك كالحريق من كذبةٍ يعدو إلى أخرى و يهوي في خرابْ الباب ما قرعته غيرُ البُومِ آه لعل أملاً في النعيقْ هامت تمر على المنافي أو محطات القطار لتساءل الغرباء عني عن صديق الأمس سار يمشي على وطنيين وهُمَـا يقيناً يزحفان في احتضار هي روح وطني هزها البومُ الصفيق
(عدل بواسطة عروة علي موسى on 01-02-2011, 06:32 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|