... انفصلوا بسلام أمنيين ...

Quote: المكتوب على جبين الوطن لابد وان تراه أعين المواطنين، تمضى الأيام والساعات والدقائق بعد أن مضت الشهور والسنين على اتفاقية نيفاشا، التي استبشرنا بها خيرا، ليس لشي سوى إنها أوقفت نزيف الدم الذي كان منهمرا من شرايين الوطن العزيز، وتمضى أكثر سرعة على مواعيد استفتاء أهل الجنوب، على أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى أو من الثانية، على حسب مقولة حاكم الجنوب سلفاكير ميارديت، ولعله من اكبر حسنات هذا العهد الذي يغفل عنها الكثيرون، خاصة الذين لا يرون خيرا حظى به السودان ألبته من جراء هذا الحكم الذي استمر أكثر من اثنين وعشرون عاما، انه أوقف حربا استمرت عهودا طويلة، عجزت عن إيقافها كل وسائل السياسة وكل وسائل الحرب والإجبار وفرض السيطرة، فالسلام والأمن ليس من السهل الحصول عليهما في هذا الزمن الأغبر، الذي أخذت فيه تداعيات الحروب واشتعالها تلوح حتى عند اصغر الخلافات، فمثلاً تتناقل ووسائل الإعلام الاصطيادية حاليا، أخباراً تدورعن مدى احتمالية اندلاع حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب الاختلافات حول حصص مياه النيل، ولاادرى كيف ستكون شكل هذه الحرب بينهما، إذا صحت التداعيات ؟! وفى أطراف أخرى من الدنيا ننزعج بطبول حرب وتناوش الكوريتان ؟!!وها هي الحرب تختار عضوا آخر من أعضاء جسد أفريقيا الحزينة وتلوح بداياتها في ساحل العاج .. وتقشعر أبداننا اليوم لما نسمعه من تهديدات وتلميحات تصيبنا في مقتل، خاصة الأخيرة منها جراء اعتقال احد منسوبي المؤتمر الوطني من قبل أجهزة الحركة الشعبية، والتي جاءت في المؤتمر الصحفي الذي نُظم بعد إطلاق صراح المشار إليه، والذي جاء فيه الاستعدادية للعودة مرة ثانية للمربع الأول ؟؟ مربع الموت والقتل والتدمير وإهلاك الحرث والنسل، المربع الذي عجز فيه الطرفان عن تحقيق أية مكاسب سوى المزيد من القتل والمرارات، ونعلم جميعا أن الحديث عن الحرب في حد ذاته مرعب ناهيك عن اندلاعها ، ونعود ونسمع مره أخرى التهديدات من الطرفين بان منطقة ابييى هي البؤرة التي ستعطى تفسيرا لكلا الطرفين لمعاودة الحرب والقتال، فيا هول ما تأتينا به الأخبار. كنا نأمل أن يكون احرص الناس على السلام هم من ذاقوا وخاضوا ويلات الحرب، وكنا وما زلنا نسأل الباري عز وجل أن يجنبنا المربعات السيئة التي مرينا بها، وان يكتب لنا مربعات اُخر واعدات من الخير والنماء وحسن الإخاء.ولكن وفيما يبدو أن المرارات لم ولن تنتهي وكل الحروب بداياتها كلمات ومن ثم تتحول الكلمات إلى رصاص وزخات .. ولعل المثير للأمر والغرابة أن شعب السودان اشتهر بالسماحة والطيبة والمسالمة وفى نفس الوقت تشتهر أرضه باستضافة أطول حرب تشهدها القارة .. وهذه واحدة من العجائب التي تملا بلادنا ، البلاد التي يأتيها الطير جائعا فينسد فيها رمقه ، بلاد اعز الناس و أأمنهم وأشرفهم أو كما يحتفي بنيها أو كما أردنا أن نتصف بها نحن السودانيين ! والسودان بملايينه وبمختلف سحناته واعراقه وبكل تنوعاته التي أصبحت وللأسف الشديد نقمة أكثر منها نعمة أصبحت مصائبة لا تتوقف عن التوالد والتزائد بطريقة سرطانية مهولة ومفزعة، والمحير في الأمر أن بنى السودان هم من يريدون احراقة وإحراق أنفسهم ليس لشى سوى النظرة الضيقة التي تحجب رؤية مكامن الخير ومواضع الحل الأيسر والأفضل للجميع، ولكن يمنعهم عمى البصيرة عن اكتشاف أين يقبع اخف الضرر . واستبشرنا خيرا بان هناك خيارات أفضل لحل مشكلة الجنوب غير الحرب، حتى وان كان أسواها هذا الخيار الانفصالي الذي سيقسم وطنا كبيرا وعظيما كالسودان إلى قسمين . فإذا خُيرنا نحن أهل السودان بين الاستمرار والتواجد في حظيرة وطن واحد موحد، لكنه يغلى داخليا بالحروب والموت والدمار والنزاعات والخلافات وهضم الحقوق واشتعال بؤر متجددة للتمرد بين كل فينة وأخرى، وبين وطن متجزىء ومنقسم إلى دويلات قزمية صغيرة خالية من أمراض الدول وعاهاتها، فلا شك أن الخيار الأخير هو الأفضل والأعقل والأنسب أن نميل إليه، خاصة إن كان فيه نيل نعيم السلام والأمن، فالأمن نعمة لا تُقدر، جاد بها الرب على عبادة، وحفظناها آيات قرآنية منذ الصغر ولم نكن نستشعر معانيها واقعا اليوم إلا بعد استشعارنا بأننا سنفقدها، خاصة ونحن اليوم في امس حاجة اليهما وأعنى هنا أن نأمن لأنفسنا شر الجوع وعدم توفر الأمن. وطالما انه لابد مما ليس منه بد، فلينفصل من أراد الانفصال إذا كان هذا هو خياره، ولكن فلنقاوم ولنرفض ولنعزل من كان خياره الحرب، فمن ينفصل سينفصل لنفسه، ومن أراد إجبارنا على الحرب فسيؤذى نفسه ويؤذى الآخرين، والعقلاء باركوا الانفصال إن كان خيارا لابد منه، ليس حبا في الانقسام وليس حبا في الفرقة والشتات وليس حبا في إفشاء ضغينة أو تكريث تميز اوتأصيل عنصرية وغيره من سيء القول والفعل والمعاني ، وإنما لأنه خيار من خيار . إذا إن كان هذا هو قدرنا فلنسلم به ولنذعن له ولندعو الله أن يلطف بنا في قادم أقداره، ولنصمت كثيرا ولننطق قليلا، ومأثور قول النفرى حاضرا ان بين النطق والصمت برزخ فيه قبر العقل وقبور الأشياء، صمت للتفكير والتدبير ومراجعة النفس لما آلت إليه الأمور وعاقباتها، وأسبابها حتى لا نكررها، وتمحيص دروسها حتى نستفيد منها، ومعرفة ضررها حتى نتلافيه، أما الحديث القليل فليكن الحديث الدال إلى المسامحة والإخاء وحسن الجوار، وهذه لعمري فالموجز منه إن كان صادقا سيؤتى أكله لا محالة، فطيب القول لا يحتاج إلى صراخ وعلو عقيرة بعكس قول الشتم والإهانة والإساءة والوعيد، فهذه تهيج الأنفاس وتضيق عنها الصدور وتُجهد فيها الحناجر وتكاد لا تسعها الآذان . و بدعاء رب العالمين الذي جمع أهل السودان سابقا متوحدين بطول هذه السنين، نسأله أن يجعل في هذا الانفصال الكل أمنيين سالمين قانعين، وسنرفع الاكف ما حيينا ببقاء الأمل فينا أن نعود ثانيا وطنا واحدا بعد أن يعلم كل طرف يقينا مدى حاجته للأخر ومدى تقديره واحترامه وشوقه للأخر ولعلها جفوة زائلة وعتاب محبين تأخذ حينا من الزمن ثم تعود المياه لمجاريها ( اللهم اجعل هذا البلد أمنا يارب العالمين ).

Quote: و بدعاء رب العالمين الذي جمع أهل السودان سابقا متوحدين بطول هذه السنين، نسأله أن يجعل في هذا الانفصال الكل أمنيين سالمين قانعين، وسنرفع الاكف ما حيينا ببقاء الأمل فينا أن نعود ثانيا وطنا واحدا بعد أن يعلم كل طرف يقينا مدى حاجته للأخر ومدى تقديره واحترامه وشوقه للأخر ولعلها جفوة زائلة وعتاب محبين تأخذ حينا من الزمن ثم تعود المياه لمجاريها (اللهم اجعل هذا البلد أمنا يارب العالمين )....