أحقر من غازي سليمان!!

Quote: الخرطوم: درة قمبو لا يكاد يمهل الناس ليستوعبوا دهشة تصرفاته وأفعاله قبل أن يأتي قولاً أو فعلاً جديداً أكثر إدهاشاً، المحامي والبرلماني السابق والناشط في حقوق الإنسان طوال النصف الثاني من العقد قبل الماضي وحتى توقيع لإتفاق السلام، والقيادي بالحركة الشعبية غير مؤكد الإنتماء غازي سليمان. فطوال دورة المجلس الوطني المنتهية مهامه أظهر الرجل مواقف مساندة بقوة لكتلة المؤتمر الوطني الحاكم , مخالفاً موقف كتلته الحركة الشعبية, وانقضى أجل البرلمان باستقالة غازي منه في أسبوعه قبل الأخير بعد مطالبة كتلته بإبعاده , معلنة قيادات في الحركة الشعبية أن التنظيم فصل غازي الذي كان آخر ردوده للصحفيين على تلك التصريحات الأسبوع الماضي بأنه مافي ود مقنعة بيفصلني من الحركة الشعبية», لكن يبدو أن بعضهم فعلوها, إذ يؤكد لـ(الأحداث») قيادي الحركة الشعبية أتيم قرنق أن الرجل مفصول بالفعل ويمكنه استئناف القرار لكن الواضح أنه مستهين بالتنظيم ولا يعرفه إلا من خلال الصحف, مضيفاً أنه لا يعرفه عن قرب, غير أنه كان يتابع تصريحاته النضالية عبر الإذعات العالمية عن قانون الأمن, وأبدى قرنق دهشة لتبدل مواقف غازي ومساندته لأوضاع لطالما عُرف وأشتهر بمناهضتها, كقانون الأمن الوطني الحالي أثناء إجازته في البرلمان . وآخر أيام العام ختمه الرجل بشق صف محامي تنظيمه الحركة الشعبية بإعلانه في الجمعية العمومية لنقابة المحامين أن منسوبي الحزب لن يصوتوا إلا لقائمة المؤتمر الوطني ما أثار جلبة وغضباً بائناً بين رفاقه الحزبيين الذين لا ينسون مرارات بينهم وشريكهم السياسي في الحكم قبل توقيع إتفاق سلام نيفاشا وبعده, لكن غازي كعادته لا يتردد في التحول والتنقل من خانة لخانة، ومن موقف لموقف بمثلما حفلت حياته في كل مراحلها, فمولده كان في بدايات الإربعينيات من القرن الماضي في مدينة ود مدني لوالدته «أم النصر بت الماحي ود أبو ريدة حفيدة الشيخ حامد أب عصا» كما يحلو له السرد, وكانت تلك المدينة مكان رؤيته النور بسبب عمل والده محمد سليمان مدرساً بارزاً للغة الإنجليزية وانتقل بعدها مع أسرته لمدينة بورتسودان قبل أن يعود إلى أم درمان حي العرضة في العام 1947م عقب وفاة الأب. وفضلاً عن أن أصوله تعود إلى قرية جبل أم علي قرب شندي فإن لمدينة الكوة جزءاً من امتداده الأسري هو وأشقاؤه الستة: الإقتصادي الشهير بدر الدين، ومهندس الإتصالات الدكتور مأمون، والطبيب مروان، ومحاسن، وبوران، وإقبال. وتربى غازي برعاية خاله الطبيب ذائع الصيت التجاني الماحى. ويقول صديقه الشخصي فاروق أحمد المفتي لـ(الأحداث) إن غازي رجل يتميز بكرم فياض وشجاعة نادرة رغم ما يراه فيه آخرون من أنه مثير للجدل, ويزيد على قول فاروق صديق غازي وجاره لسنوات طويلة بالخرطوم (2) فؤاد احمد مكي عبدو إن غازي رجل فارس بمعنى الكلمة ويتمتع بذكاء خارق موروث كما أنه ودود جدا في صلته بجيرانه وصاحب مواقف (وكريم ناره لا تنطفي). أما عضو طاقم مكتبه المحامي كمال عمر الأمين يوضح لـ(الأحداث) أن غازي حازم جداً في إدارة مكتبه الكبير، ويقدم للمحامين بالمكتب دروساً ونماذج لا يمكن الوقوف عليها بسهولة في المحاماة والإدارة معاً. مضيفاً أنه يتميز بكرم فيّاض وروح أبوية للجميع, كما أنه يتمتع بوطنية خالصة تجعله مثيراً للجدل وخلافياً لدرجة عالية الظهور لدى الجميع. بينما يرى فيه عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مِن الله عبد الوهاب شخصية دعائية كبيرة ومليئة بالمواقف غير الحقيقية. التنقل في حياة المحامي غازي لم يبدأ بمواقفه, فبخلاف طفولته كثيرة الحراك, انتمى الرجل للحزب الشيوعي إبان دراسته الجامعية لكن فُصل من التنظيم, وردّ ببساطة مدهشة في برنامج تلفزيوني محلي قبل سنوات بأن وزير العدل الحالي عبد الباسط سبدرات الشيوعي السابق هو من فصله (حسادة ساكت منه لأن خالي الدكتور التجاني الماحي كان يلبسني من رحلاته الخارجية سراويل فخمة, فظنني سبدرات برجوازياً وفصلني)!. في سيرة الترحال والتنقل لم تكن المحاماة هي المهنة الوحيدة للرجل, فقد بدأ اقتصادياً مصرفياً بعد تخرجه من جامعة الخرطوم في العام 1966م لكنه اتجه للمحامات عقب نيله شهادة القانون من نفس الجامعة في العام 1974م في برنامج الناضجين الذي لم تواصل الجامعة العمل به, ومع إشارات مشككة أرسلها المحامي المعروف في مقال له قبل أسابيع بإحدى الصحف عن الجامعة التي درس بها سليمان القانون إلا أن غازي نفسه يؤكد لـ(الأحداث) أنه زامل في تلك الدارسة الراحل بروفيسور جعفر محمد علي بخيت لكن بخيت لم يكمل درس القانون. ابتدر غازي المحاماة بمكتب في عمارة حسن أنور بتقاطع شارعي البلدية والمك نمر الشهيرة بعمارة سيتي بنك, ثم غادرها لعمارة الجوهرة ومنها إلى عمارة بنك النيلين، وأخيراً بعمارة بنك الشمال بشارع السيد عبد الرحمن. وفي سنوات المحاماة الطويلة لمع نجم غازي كمدافع عن المعارضين بشدة، ومحام متطوع في قضايا تتسم بالطابع السياسي أكثر من القانوني. ويقول كمال عمر الأمين إن غازي لا يدخر جهداً في مناصرة الناشطين السياسيين إيماناً منه بالحقوق السياسية والقانونية لكل مواطن منذ بداية حكم الإنقاذ وحتى تكوين المجموعة السودانية لحقوق الإنسان, لكن عضو مركزية الحزب الشيوعي من الله عبد الوهاب يعتبرها ضمن سلسلة مواقف غازي المريبة والمصطنعة, ويشير لـ(الأحداث) إلى أن غازي استغل المجموعة لتلميع نفسه وتسويقها سياسياً وإعلامياً في الداخل والخارج, مضيفاً أن الرجل نصب نفسه على رأس المجموعة بإنتهازية واضحة عندما دعا لإجتماع تأسيسي مهمته تكوين قيادة, لكنه لم يدعُ أبداً بعدها لإجتماع وروج لنفسه رئيساً للكيان الذي لم يتشكل يوماً، فكان هو رئيسه وأعضاؤه في آن واحد, ويؤكد عبد الوهاب أن فترة الإعتقالات إبان قبضة حكم الإنقاذ الحديدية الأولى في العام 1990م لم تكن بذات القسوة على غازي الذي شاركه زنازينها أكثر من مرة، مشيراً إلى أن الرجل ظل يحظى على الدوام بمعاملة خاصة تتوفر فيها إمكانية تلقي زيارات أسرية وأدوية ومتطلبات تبدو رفاهية لدرجة حصوله على اللبن الحليب من مزرعته الخاصة. تشكيك عضو مركزية الحزب الشيوعي لم تكن الوحيدة طعناً في سيرة غازي, فهو متهم أيضاً بادّعاء صلته بزعيم الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق, ووفق من الله عبد الوهاب فإن الرجل لم يحادثه البتة إلا عقب توقيفه بسبب الدعوة للمؤتمر الصحفي المقرر لإعلان ترتيبات إستقبال قرنق لدى عودته الخرطوم, وفيه قدم زعيم الحركة الشعبية شكره لغازي واعتذاره عن المتاعب التي تسببت فيها الخطوة, لكن كمال عمر يجزم بأن غازي وقرنق جمعتهما صلة مقربة ومؤكدة, وأنه – كمال- حادث قرنق من هاتف غازي في مزرعة الأخير بسوبا قبل وصول زعيم الحركة الشعبية للخرطوم نائباً أول لرئيس الجمهورية عندما اتصل قرنق بغازي من جوال الثريا خاصته, كما أن بين الرجلين اتصالات عديدة لوقت طويل, ولم تبدأ صلته به في وقت قريب بل منذ عدة عقود, كاشفاً أن بدايتها كانت بشراء قرنق سيارة من طراز بيجو من شركة يملكها رجل الأعمال الجنوبي قرنق أقوير كانت وكيل شركة بيجو, ويوضح كمال أنه اطلع على نسخة من ورقة التوثيق الذي أجراه غازي لقرنق للسيارة المشتراة بالتقسيط حينها لصالح زعيم الحركة الشعبية ضابط القوات المسلحة في ذاك الأوان. في سيرة غازي سليمان على الدوام أحداث مثيرة للجدل, فالقيادية الشيوعية فاطمة أحمد إبراهيم زوجة الراحل الشفيع أحمد الشيخ رددت أكثر من مرة اتهامات بحقه بمسؤولية جزئية عن القبض على زوجها من قبل سلطات الرئيس الأسبق جعفر النميرى, لكنه قال لـ(الأحداث) إنه شاهد زوجها لآخر مرة برفقتها, كما أنه لم يكن مسؤولاً عن تأمينه على الإطلاق, مضيفاً أن الشفيع اعتقل من مكتبه وليس من مكان آخر. الرجل ذو الغليون والشعر الأشيب المشقوق من الجانب يقف على ثروة ضخمة حيث كان أحد ملاك شركة النيلين للتأمين، والمستشار القانوني للبنك الفرنسي قبل تغيير شراكاته الأخيرة، ويملك مزرعة مساحتها عشرة أفدنة في ضاحية سوبا انتقل مؤخراً للسكن فيها, تاركاً منزلاً آخر فارهاً بحي الخرطوم 2 البرجوازي, وظل يمارس هواية تعد ضمن هوايات المترفين هي رياضة الفروسية التي رفض ضاحكاً التعليق لـ(الأحداث) عليها, أما صلته بالمعارضة المسلحة في السبعينيات مع الشريف الهندي فلم يتأتى لـ(الأحداث) الحصول على أي تأكيدات عنها سيما وأن مصادر موثوقة ومقربة من الراحل الشريف الهندي قطعت بأن غازي لم يضطلع بأي دور في المعارضة المسلحة, لكن المصادر التي فضلت حجب هويتها لم تستبعد نشاطه مع المعارضة الداخلية. وفي أحاديث منشورة لغازي يذكر الرجل صلات له بالثورة اليمنية لكن لم تتمكن (الأحداث) الوصول إلى طرف منها, غير أن للرجل أدواراً في النضال الطلابي الداخلي إبان سطوة الحكومة الإنقاذية, رغم أن كثيرين يربطون تحوله لصوفوف المعارضة الحادة والصريحة بفقدانه موقعه في رئاسة مجلس إدارة البنك السوداني الفرنسى, لكن مواقف مشهودة للرجل واضحة القوة يرويها لـ(الأحداث) الطالب بقانون الخرطوم وقتها والمحامي حالياً محمد حسن عربي أنه في العام 1996م وفي أوج التضييق على النشاط السياسي وغياب قيادات المعارضة حيث زعيم الإتحاديين الميرغني بالخارج ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي خارجاً في تهتدون ونقد في اختفائه الطويل, تراجع العمل السياسي لدرجة حصره في الجامعات مع انعدام ظهور قيادات مؤثرة أو تواصلها العلني مع الطلاب, فكان أن قابل عربي الرجل أمام مكتبة لبيع الصحف عقب سلسلة مقالات نارية لغازي في صحيفة الرأي الآخر فصافحة مبدياً إعجابه بكتابات المحامي اللامع فكان رده «أنا ما بكتب عشان أعجبكم, أنا بكتب عشان تطلعوا الشارع» وهو ما رأى فيه الطالب المملوء حماسة وجسارة شجاعة لم يكن ينتظر أن يجدها في شخص سياسي بالشارع العام حين لم يكن يجرؤ أحد على الحديث أبعد من أركان النقاش. ويضيف عربي إنه بحلول حفل تخرج الطلاب اقترح عليهم هو استضافة غازي في ندوة عن المراسيم الدستورية المؤقتة مع عميد الكلية في ذاك الوقت الراحل حافظ الشيخ الزاكي بغرض التحايل على احتمال حظر الندوة سيما وأن الأجواء كانت متوترة جداً أعقاب اغتيال الطالب محمد عبد السلام, في تلك الندوة قال غازي بالحرف الواحد – وفق عربي – «أنا قادم من البحرين وأنقل للحضور بشارة دخول ميثاق المحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ, ومن الليلة أي بتاع حكومة أو أمن يعترض نوديه لاهاي», لكن بعدها بأقل من عقدين أكد غازي الخميس الماضي في الجمعية العمومية لنقابة المحامين إن محاميي الحركة الشعبية ليسوا مع قوى العمالة والإرتزاق ولن تصوت سوى لقائمة المؤتمر الوطني لأنها لا بد ستساند الوحدة الوطنية, يعني متوقعين منهم يساندوا لاهاي؟ «نصوت لمنو يعني؟ نصوت لناس لاهاي؟», ووقتها لم تغب للحظة عبارة المحامي كمال عمر التي قالها بإعجاب عن أستاذه غازي سليمان «أستاذ غازي مافي زول يقدر يضمنه, أو يعرف وجهة موفقه»! على صعيد حياته الشخصية لغازي وزوجته هدى كروم خمسة أبناء ثلاثة ذكور متفوقين أكاديمياً بشكل لافت في الطب والهندسة والإقتصاد هم بدر الدين ومحمد أحمد والشيخ الى جانب فتاتين توأم هما أم النصر وفاطمة تدرسان الطب أيضاً بإحدى الكليات المرموقة. ويتمتع غازي بصلات اجتماعية واسعة خارجياً وداخلياً. وتقول الموظفة بلجنة التشريع والعدل البرلمانية التي كان غازي نائباً للرئيس فيها صفية فضل المولى إنه متواضع لحد لا يمكن وصفه, كما أنه كريم بشكل لافت, وتشير لـ(الأحداث) صفية الى أنه غازي تنازل على الدوام عن جميع مخصصاته في اللجنة كالصحف اليومية وحتلا البديل النقدي لفاتورة هاتفه النقال التي يسدد البرلمان جزءاً منها بحكم موقعه.