يمتلئ تاريخ الحضارة البشرية بالأمثلة التي توضح الدور الكبير الذي لعبه الشباب في كل خطوة تقدمت البشرية فيها دفعة للأمام. تعريف عمر الشباب ومن ثمة الطفولة والشيخوخة تعريف متحرك عبر الحقب ، فالشيخ في اللغة العربية هو من بلغ الأربعين عاماً في حين أن منظمة الصحة العالمية وضعت حديثاً الحد الأعلى لمتوسطي العمر ب ٦٧ عاماً.
الشيخوخة امر حتمي، قد تتقدم وقد تتأخر عند بعضهم، ولكن لا مفر منها، حتى لو لم تظهرها تقاطيع الوجه، فستتأثربها الأعضاء الداخلية. الجهاز العصبي (المخ) لا يسلم مما يصيب بقية الجسم من رهق السنين. هذا الوهن يصيب الوظائف الادراكية للدماغ بدرجات متفاوتة، تختلف من فرد لآخر، وتلعب الوراثة (الجينات) دوراً في ذلك. أثبتت الدراسات أن التقدم في العمر يصاحبه تدهور في عدد من هذه الوظائف الادراكية المرتبطة بسرعة التحليل وسرعة رد الفعل، والذاكرة القريبة، في حين أن الذاكرة البعيدة تكون متقدة لفترة أطول. كذلك الخبرات المكتسبة بالممارسة. غير أن أهم خاصية تتأثر بالشيخوخة هي سرعة التعلم وحلحلة الإشكالات المعقدة والمتعددة في آن واحد. لكل ذلك توافقت الدول على احالة من بلغ سن الشيخوخة للمعاش. ذلك رغم الاختلاف البين بين الناس في درجة تأثر قدراتهم الإدراكية بالشيخوخة. هنالك العديد من الأسباب التي تجعل احالة الناس للمعاش مهمة، منها اعطاء الناس وقت للاستمتاع بما تبقى لهم من حياة بعد حياة عامرة بالعطاء. غير أن هناك سبباً أكثر إلحاحا وأهمية للمجتمع، ألا وهو إخلاء وظائف لأجيال شابة وأكثر حيوية.
المعاش والقيادات السياسية في السودان نضال القيادات السياسية الوطنية في السودان ضد الحكم الشمولي جعل من هؤلاء القادة ايقونات يحيطها احترام كبير، وقد يتنامى هذا الاحترام إلى حد التقديس. غير أنهم عرضة كغيرهم لفعايل الزمن في شيخوختهم، فيمسون أقل قابلية للتفاعل مع الأحداث السياسية بصورة مناسبة، تقديراً وسرعة استجابة. وعصارات الخبرة في هذا العصر متاحة للكلْ في اضابير الكتب والإنترنت.
كانت هناك قوتان مهيمنتان على الفرد السوداني، وهما القبيلة والطريقة الصوفية. تعود الناس أن يكون الموت هو الوسيلة الوحيدة لتغيير قادة هذين الكيانين. ربما وجود قيادات مسنة في الكيانات السياسية السودانية، حتى التقدمية منها، مرتبط بهذه العقلية. وجود قيادات سياسية مسنة في قمة هرم السلطة السياسية، تنفيذية ومعارضة على حد السواء له تبعات مكلفة على الدولة والمجتمع، يمكن إجمالها في الآتي: مشكلات المجتمع والدولة الحديثة معقدة، وعليه يكون مضاد للطبيعة البيولوجية للبشر تسليم أمر إدارة الدولة لأناس في عمر الشيخوخة، أناس أثبتت الدراسات عدم قدرتهم على حلحلة المشاكل المعقدة. نعيش في عصر تتضاعف فيه المعرفة بمتواليات هندسية شديدة التسارع. هذه المعرفة الحديدة لا غنىً عنها في بناء الأوطان. عدم قدرة كبار السن على مواكبة التطور العلمي والتعلم كما ذكرنا أعلاه، يمثل عائقاً يحرم البلاد من استغلال إمكانياتها الطبيعية والبشرية في مسيرتهم المجيدة في درب النضال من أجل سودان حرٌ ديمقراطي، لابد أن كبار السن هؤلاء قد اكتسبوا عداوات أو دخلوا في تحالفات قد تعيق الوصول التوافقات معقولة للوصول بالبلاد الى مسعاها. إذن تغيير القيادات بأخرى شابة سيفتح آفاقاً لا حدود لها لم تكبلها مرارات أو حفظ معروف.
التمثيل النسبي المناسب للشباب من أكثر الشعارات المرفوعة في السودان افتقاداً للعلمية هو شعار "تمثيل الشباب في مؤسسات الدولة"، حيث أن أكثر الأصوات انصافاً تنادي بتمثيل في حدود ال ٣٠٪~ ٤٠٪. فكرة التمثيل العادل في مؤسسات الدولة والمجتمع لفئات المجتمع المختلفة هي أكبر ضامن لاستقرار الدول. فمن المنطقي أن ليس ثمة من يمثل فئة اجتماعية أخلص من شخص ينتمى لتلك الفئة. تستعمل النسبة المئوية لتسهيل المقارنة. فإذا كانت جهة ما تمثل ٣٠ ٪ من عدد سكان الدولة، فإن خلل ما في تلك الدولة يجعل تمثيل هذه الفئة بنسبة ١٠٪ في الجيش او ٦٠٪ مثلا من عدد أساتذة الجامعات. الهرم السكاني للسودان أدناه يوضح عدة حقائق. بالرغم من عدم دقة الإحصاء السكاني في السودان، المستلف من قوقل، إلا إن توزيع السكان على الفئات العمرية المختلفة يشابه الدول المحيطة بالسودان.
الهرم السكاني اعلاه يوضح ان من هم فوق الستين عاماً لا يتجاوزون ال ١٢٪ من نسبة السكان. وبينما يمكن الجدال في حكمة تمثيل من هم في عمر ال ١٨ عاماً الى ٣٠ عاما في ادارة شئون البلاد لقلة خبراتهم المعرفية والعملية، ليس ثمة ما يمنع من تمثيل من هم في عمر ال ٣٠ عاماً ل ٥٠ عاماً تمثيلا حقيقيا في كافة مؤسسات الدولة. الفئة العمرية أصغر من ١٨ سنة يمثلون نصف المجتمع. واذا وضعنا في الاعتبار أنهم تحت مسئولية والديهم او اقارب في عمر والديهم، فإن الأرجح أن الفئة العمرية بين ٣٠-٦٠ سنة هي المسئولة عن الاطفال و خياراتهم الآنية والمستقبلية. عليه يجب ان يمثل الشباب في عمر ١٨-٢٩ سنة بنسبة وجودهم في المجتمع، وهي نسبة ٢٠٪. بينما يمثل من هم بين عمر ٣٠ و ٦٠ سنة نسبتهم وهي ٢٥٪ بالإضافة ل ٥٠ ٪ هي نسبة الأطفال، اي ٧٥ ٪. فقط عند تحديد نسب المشاركة هذه يمكن الزعم بأن الفئات العمرية المختلفة تمثل تمثيلاً حقيقياً في المجتمع والدولة. عليه، يجب على الجميع استيعاب عواقب وجود الشيوخ في قمة السلطة بأعداد لا تتماشى مع نسبة وجودهم في المجتمع. وعلى الشباب اخذ موضعهم في قيادة المجتمع، ويمكنهم في سبيل تحقيق ذلك استخدام الأغلبية العددية لتمرير كافة القوانين التي تقوي موضعهم في قيادة الدولة، مثل سن قوانين تمنع المعاشيين عن قيادة الاحزاب او التمثيل في البرلمان. عندها فقط يمكن للسودان التقدم بخطىً واثقة نحو الأمام. ولكن على السودانيين تكوين دولتهم اولاً. وما ينطبق على إدارة الدولة ينطبق على تكوينها. يجب على المسنين في قيادة الأحزاب السياسية التراجع لقيادات شابة في هذه المرحلة الحرجة من عمر البلاد. قيادات أكبر قدرة على العطاء، واسرع قابلية للتفاعل مع تسارع الأحداث وأنقى نفوساً في التعامل مع الخصوم السياسيين والحلفاء على حدٍ سواء. ويظل التحدي كبيراً أمام أحزاب هي في الأساس طرق صوفية لا يجدد دماء قادتها إلا الموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست