أيــوب صــديق : طـلع كوز وأنفصـــالي

Quote: بل مزيد من (البهدلة) لجعل الوحدة جاذبة الراي العام 14 سبتمبر 2010 أنا مُعجبٌ جداً بما يكتبه أستاذنا وصديقنا الدكتور محمد إبراهيم الشوش في عموده بهذه الصحيفة، وأعجبني فوق ذلك جملة ختم بها تعليقه الذي كتبه بعدد 31 أغسطس 2010، متناولاً مطالب مفوضية غير المسلمين لدعم الوحدة، وهي قوله: «يا خواننا والله الوحدة مطلوبة وسعيكم مشكور ولكن لا داعي للبهدلة» وهذه العبارة الأخيرة هي التي أوحت إليّ بهذا المقال وبعنوانه. كثرت المحاولات والاجتهادات وتنوعت الاساليب في جعل «الوحدة جاذبة»، وهي وحدة يُحمل عبء العمل لجعلها جاذبة الجانب الشمالي وحده، رغم أن الجانبين معاً مخاطبان في الاتفاقي ة بالعمل على إحداث ذلك الجذب. ودلالة على ذلك الفهم غير السوي ما أوردته الصحف عن اقتراحات تقدمت بها تلك المفوضية، حيث اقترحت «زيادة زمن حفلات أعراس غير المسلمين ساعة أخر ى لتنتهي في الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، بدلاً من الساعة الحادية عشرة، والسماح لهم بفتح محلاتهم التجارية أثناء صلاة الجمعة، وفتح محلات بيع الاطعمة في رمضان، بلا تصاديق أو رسوم اضافية الخ .....». وقال رئيس المفوضية «إن الأوامر المحلية التي يطالبون بتعديلها غيرمتوافقة مع الاتفافية والدستور، وتعطل الوحدة والتعايش السلمي». هذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها أن الدستور ينص على فتح متاجر غير المسلمين أثناء تلك الساعة التي تقام فيها صلاة الجمعة، وعلى فتح المطاعم في رمضان، وعلى تنظيم ساعات حفلات الأعراس ليلاً. أبدأ أولاً بتحديد نهاية الحفلات بالساعة الحادية عشرة المعمول به افتراضاً حتى الآن. فقد كنتُ أنا شخصياً مسروراً جداً بهذا التحديد عندما علمتُ به وأنا في عطلتي السنوية بالخرطوم قبل عامين. وسبب سروري هو أنني أمقت السهر مقتاً شديداً، ولا أطيق انتظار الساعة الثانية عشرة منتصف الليل مستيقظاً، وإذا انتظرت تلك الساعة صاحياً لسبب قوي، فيصعب عليّ النوم بعد ذلك، ولذا كنتُ مسروراً بسبب ذلك القرار، وبالذات ومجدتُ في الحي الذي نزلتُ فيه أثناء إجازتي في الخرطوم؛ حفلتين يُحضر لهما و( شلت هماً كبيراً) بسبب ما ينتظرني من سهر يفسد عليّ الإجازة. ولكن الحمد للّه كانت الحفلة تنتهي في الساعة الحادية عشرة، ولولا ذلك لفسدت الإجازة. وأنا لا زلتُ أذكر في ضيق شديد السنين الخوالي، التي كانت الحفلاتُ فيها تستمر حتى الساعة الثالثة صباحاً، وسماعات المايكروفونات موجهة في كل اتجاه، ومعلقو تلك الحفلات في مايكروفوناتها (أُف أُف) ويبشِّروننا بطول السهر بقولهم: «أيها السادة إن الليل ما زال طفلاً»، وقد تجاوز الوقت الثانية صباحاً، ولذا كنتُ أرى أن تحديد انتهاء الحفلات بالساعة الحادي ة عشرة كان أصوب قرار اتخذته السلطات. والآن وقد بات السهر من ضرورات الوحدة الجاذبة؛ فأهلاً به؛ لي ولأمثالي وللمرضى والأطفال وبالذات التلاميذ الذين يجب أن يخلدوا إلى النوم مبكراً استعداداً لمدارسهم وغيرهم من شرائح المجتمع التي تحتاج الى النوم المبكر. فكل شئ يهون في سبيل أن تكون الوحدة جَاذبةً، ونوم الطفل والمريض وغيرهما ليس مهماً في هذا الصدد. ولذا وزيادةً على ذلك، وكي لا أكون مُتخلِّفاً عن دعاة الوحدة الجاذبة (فكمان) أقترح على السلطات الرسمية ألاّ توافق على طلب المفوضية بزيادة زمن حفلات تلك الشريحة من المجتمع زيادة تقف بها عند الساعة الثانية عشرة فقط، بل أن توافق عليه بأريحية تزيد بها زمن تلك الحفلات؛ لتستمر حتى الساعة الثالثة صباحاً، لتكون الوحدة أكثر جذباً، طالما أنها وحدةٌ أحد أعمدتها هو سهر الذين يحتاجون للنوم حاجة ماسة؛ و إلا دُكت أركانها وخر سقفها على دعاتها لا قدر اللّه. أما بالنسبة إلى البند الخاص بطلب فتح متاجر غير المسلمين أثناء صلاة الجمعة، فكان من المأمول أن يحترم غير المسلمين من باب (الأخوُّة والمواطنة) مشاعر إخوانهم المسلمين، المخاطبين بنص قرآني لا لبس فيه، بأن يذروا البيع عندما يُنادى لصلاة الجمعة: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاةِ من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون». وإغلاق المتاجر للصلاة ليس إغلاقاً دائماً، بل حتى تؤدى الصلاة حيث يمكن أن تُفتح بعد ذلك، وأن يزاول الناس بيعهم وشراءهم «فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون» وما تستغرقه الصلاة من وقت، مع اختلاف المساجد لا يتعدى سويعات، فهل ستصيب الخسارة الماحقة متاجر غير المسلمين بسبب إغلاقها تلك السويعات، أم المقصود من طلب اللجنة هو إثبات المخالفة والتمييز بين الجانبين فحسب؟ وإلا فكيف يُطلب من الشمالي وحده العملُ لجعل الوحدة جَاذبةً، مع شق لا يحترم ما يحترمه هذا الشمالي من عقيدة ولا يراعي ما يراعيه؟ ونص الاتفاقية يدعو الجانبين إلى العمل معاً لجعل الوحدة جَاذبةً. ولكن يبدو أنه رغم مخاطبة الاتفاقية للجانبين معاً بالعمل لصالح تلك الوحدة، فإن الجانب الآخر يصر على أن الشمالي هو وحده المخاطب بذلك، وما عليه إلا الانصياع لذلك. أما موضوع فتح أماكن بيع الطعام (المطاعم) في رمضان، وتأسيساً على الفهم أعلاه، وأن الشمالي وحده هو المخاطب بجعل الوحدة جَاذبةً، فعلى هذا الجانب الشمالي وليثبت (تفانيه) في جعل الوحدة جَاذبةً، فلا بد له من أن يأتزر بمزيد من البهدلة، وألا يكتفي بمباركة فتح المطاعم فقط في رمضان، ضارباً بمراعاة حُرمة الشهر عُرض الحائط، بل عليه أن يساعد بالإسهام بدفع قيمة إعلاناتٍ منتظمة، في الراديو والتلفزيون، عن تلك المطاعم، عن أماكنها وأسعارها، وعن طبق اليوم في كل مطعم، وأسهل الطرق للوصول إليها، حتى يُبرئ نفسه من تهمة عدم العمل منفرداً لتكون الوحدة جاذبة. أما عن موضوع اللبس الفاضح وتحديد ماهيته، فأذكر أنه في سني الستينات، هدد رئيس تشاد آنذاك «تمبل باي» بغزو السودان، وسَرَت شائعات بأنه وقف بقواته على حدود البلدين. وفي تلك الأيام أخذت الصبايا في الخرطوم يرتدين فساتين فوق الركبة بكثير. وانبرى أحد ظرفاء الخرطوم فأطلق على تلك اللبسة القصيرة إسم ( تمبلباي في الحدود). والآن ربما من الأصوب في هذا الجو لجعل الوحدة جَاذبةً، أن يُصرف النظر تماماً عن مسألة تعريف الزي الفاضح، وأن يُسمح للصبايا، في الخرطوم (طالما أنها عاصمة قومية) بارتداء ما شئن من فساتين وتنانير (اسكيرتات) مثل تلك التي كانت في الستينات، وأن يُطلق على تلك اللبسة اسمٌ يجعل الوحدة أكثر جَاذبيةً. ويمكن أن يُستصحب في ذلك تهديد أخينا باقان أموم لنا معشر الشماليين بشن حرب «من نوع مختلف» حسب نص تعبيره. وأن تُسمى تلك اللبسة (باقان جاكم) على وزن (أوكامبو جاكم) التي كتبها أحدهم على سيارته أيام فورة صدور حكم المحكمة الدولية في حق بلادنا. وبهذا يكون الشمالي قد أسْهم في جعل الوحدة جَاذبةً بقدر من البهدلة، التي ما مر يوم إلاّ وطُلب مزيد منها.[/